مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنيف الدولية: صدمة ورعب مع شروع ترامب في تنفيذ وعوده الانتخابية

بدأت قرارات دونالد ترامب تترك أثارها في جنيف بالفعل. إذ بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، أوصد الباب في وجه منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس، مقوّضًا بذلك مبدأ تعددية الأطراف. وتلعب واشنطن، التي تعدّ المساهم الرئيسي في الأمم المتحدة، دورًا محورياً في جنيف الدولية، التي باتت اليوم مرهونة بخيارات الرئيس الأمريكي الجديد. 

قرارات دونالد ترامب
خلال أسبوع واحد، دونالد ترامب يعلن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، ويقرر إيقاف تمويل الأونروا والانسحاب من اتفاقية باريس لمكافحة الاحتباس الحراري. Keystone

«”إنّه ملّف ثقيل”… بهذه العبارة، علّق دونالد ترامب مازحًا قبل التوقيع على مرسوم يقضي رسمياً بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، بعد ساعات قليلة من عودته إلى البيت الأبيض. وفور أدائه اليمين الدستورية، ضرب الرئيس الأمريكي الجديد بقوة، فوقّع على سلسلة من المراسيم، منها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، كما فعل خلال ولايته السابقة، ثم أتبع ذلك يوم الثلاثاء 4 فبراير بتوقيع الانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وسحب تمويلات بلاده إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئ ولاجئات فلسطين في الشرق الادني (الأونروا ).

وقال غاسبارد كون، المراسل السابق لقناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS) في الولايات المتحدة، في برنامج “جيوبوليتيس” (رابط): “هناك رغبة واضحة لإحداث القطيعة مع الماضي، ومن الشائع جدا التوقيع على عدد معيّن من المراسيم عند وصول أي رئيس جديد، فهذه الرغبة في القطيعة أمرٌ طبيعي. ولعلّ الفارق الوحيد يكمن في أن دونالد ترامب يريد أن يبدو بمظهر صاحب الأمر من اللحظة الأولى، إضافة إلى رغبته في ترويض النظام، أو حتى تقويضه.” 

وتتخوّف منظمة الصحة العالمية، التي تتلقى 18% من تمويلها من واشنطن، من تداعيات هذا الانسحاب الذي يتزامن مع الدخول في مفاوضات لإبرام معاهدة عالمية للوقاية من الأوبئة في المستقبلرابط خارجي. فيقول طارق ياساريفيتش، المتحدث باسم المنظمة: “نأمل أن تعيد الولايات المتحدة النظر في قرارها. إذ تلعب منظمة الصحة العالمية دورًا حاسمًا في حماية صحة الناس، رجالاً ونساء، وسلامتهم في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في أمريكا؛ من خلال التصدّي للعوامل المسببّة للأمراض، وتعزيز المنظومات الصحية، وكذلك من خلال كشف حالات الطوارئ الصحية، ووقايتها، والاستجابة لها.” 

وما انفكّ دونالد ترامب، منذ تفشي جائحة كوفيد-19، يُلقي باللّوم على منظمة الصحة العالمية، ويتهمّها بالانصياع للصين، ويستهجن الفارق بين المساهمات المالية الأمريكية والصينية. ويرى ضرورة اعتبار الإدارة الصحية مسؤولية وطنية، رغم تنامي خطر الأوبئة العالمية، الذي ازداد حدّة بانتشار فيروس إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدةرابط خارجي

عودٌ على بدء 

ولم تحدث هذه التصريحات مفاجئة في جنيف، المقر الأوروبي للأمم المتحدة،. فقد كثّف دونالد ترامب، خلال فترة ولايته السابقة، هجماته على النظام متعدد الأطراف. فبالإضافة إلى انسحابه من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس، أعلن خروجه من مجلس حقوق الإنسان، وشلّ حركة منظمة التجارة العالمية من خلال وقف تعيين قضاة جدد في هيئة الاستئناف التابعة لها، والمكلّفة بتسوية النزاعات التجارية بين الدول. وقد وصف هذه المؤسسات بأنها “متحيّزة”، وغير فعّالة، وتتعارض مع المصالح الأمريكية، مضيفاً أن الانسحاب منها سيوفرّ على بلاده أموالاً طائلة. 

ويوضّح غاسبارد كون قائلاً: “هناك رغبة في سحب القواعد لدى الولايات المتحدة. فقد سادت منذ حربيْ أفغانستان والعراق، حالة من الاستياء من هذا الانتشار الدولي الذي وُصف بالمكلّف جدّا للبلد. ثم توجد أهداف سهلة، مثل اتفاقيات باريس، لأن البيئة أصبحت اليوم موضوعاً غير ذي أهمية كبيرة في الولايات المتحدة.”  

أكبر مموّل للأمم المتحدة  

تخشى الأمم المتحدة، التي لا تزال تعاني من أزمة سيولةرابط خارجي، من أن يقلّص المساهم الرئيسي في تمويلها مساهمته أو حتى قطعها. إذ تموّل الولايات المتحدة قرابة ثلث ميزانية الأمم المتحدة الإجماليّة (28%)، متقدمةً بذلك على الصين (5%)، وألمانيا (12%). 

وفي جنيف، تعتمد العديد من الوكالات بشكل كبير على هذه الأموال، ونذكر منها على وجه الخصوص برنامج الأمم المتحدة لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (44% من ميزانيته مموّلة من واشنطن)، والمفوضّية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (40%)، والمنظمة الدولية للهجرة (40%)، وبرنامج الأغذية العالمي (34%).

يوضّح الرسم التالي حجم التمويلات التي تقدمها بعض الدول المختارة لعدد من المنظمات الدولية، وتأتي الولايات المتحدة في المقدمة (الرسم باللغة الفرنسية).

التمويلات التي تقدمها الأمم المتحدة لعدد من المنظمات الدولية
RTS

وبالإضافة إلى الأمم المتحدة، ستتأثّر منظمات دولية مستقلة أخرى أيضًا بهذه القرارات، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تتلقى ما يقارب ربع تمويلها من الولايات المتحدة (24%). 

وفي نفس السياق، أثار تعيين الجمهورية إليز ستيفانيك سفيرةً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مخاوف أخرى. فبعدما اتهمت الأمم المتحدة بمعاداة السامية، منذ إدانتها للحرب على غزة، دعت مؤخرًا إلى “إعادة تقييم كاملة” للتمويل الأمريكي. ولقد صرّحت في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ بالقول: “أشارك الرئيس ترامب رؤيته لإصلاح الأمم المتحدة؛ بناءً على سياسة ’أمريكا أولًا‘ قوية، والسلام بالقوة، والعودة إلى رسالتها الأولى المتمثلة في تعزيز السلام والأمن في العالم”. ويُنتظر إثارة نقاش طويل حول هذه الرؤية في جنيف، أحد مراكز النظام متعدد الأطراف. 

أُعدّ هذا المقال بالتعاون بين سويس إنفو (SWI Swissinfo.ch) وبرنامج “جبيوبوليتيس” لقناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS). 

ترجمة: موسى آشرشور

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية