“حرب سرية” بين الجزائر والقاعدة؟
أبرز مقتل الدبلوماسيين الجزائريين، علي بلعروسي وعز الدين بلقاضي، أن فشل الدبلوماسية الجزائرية في إنقاذهما لا يرجع إلى صعوبة الوصول إلى جماعة أبي مصعب الزرقاوي.
بل يعود ذلك إلى الحرب التي تشنها السلطات الجزائرية على تنظيم القاعدة في الداخل والخارج، بسبب اعتبارات داخلية.
قال وزير الخارجية الجزائري محمد بجاوي عقب إعلان مقتل الدبلوماسيين الجزائريين: “لقد حاولنا الاتصال بالخاطفين مرتين إلا أنهم رفضوا الإجابة علينا”؛ كلمات تحمل من المعاني الكثير، لأن حوار الكواليس بين رجال الأمن الجزائريين والمنتمين لتنظيم القاعدة، عربا كانوا أو جزائريين، مستمر منذ أحداث الحادي عشر سبتمبر في واشنطن و نيويورك.
ويتميز هذا الحوار بكونه صامتا، التزمت فيه الحكومة الجزائرية بتسليم كل المعلومات التي لديها بشأن تنظيم القاعدة إلى مصالح الأمن الأمريكية والعالمية، ضمن استراتيجية معلنة لمواجهة ظاهرة “الإرهاب”، كما تراها الدولة.
ومنذ بداية أعمال المقاومة في العراق، كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، صريحا جدا مع الذين يريدون الذهاب للقتال هناك، إذ قال في أحد لقاءاته الصحافية: “تمنع الدولة الجزائرية، بموجب القانون، كل مواطنيها من القتال في الخارج تحت أي مسمى أو مجموعة كانت، تحت أي غطاء أيديولوجي”.
ويعود هذا القرار التي اتخذه بوتفليقة إلى تحول الدولة الجزائرية من تجمع ثوريين، يعرفون بعضهم بعضا عقب الاستقلال عن فرنسا عام 1962، إلى دولة مؤسسات تريد توجيه المجتمع بما يتناسب وأفكار الدولة التي يجب أن تُتبع مهما كانت رغبة الأفراد و توجهاتهم السياسية. وهو ما وصفه حسين آيت أحمد، زعيم جبهة القوى الاشتراكية، بمحاولة قطع الطريق على نشوء طبقة سياسية تهدد النظام على المدى الطويل.
يُضاف إلى هذا أمر في غاية الأهمية، ويتمثل في موقف الولايات المتحدة وبريطانيا من الجيش الجزائري، الذي تتهمه الطبقة السياسية الفرنسية، وخاصة الاشتراكية منها، بارتكاب جرائم في حق الإنسانية عن طريق المجازر ضد المدنيين خلال تسعينات القرن الماضي.
“تصفية تفتقد إلى بعد النظر”؟
نظريا وعمليا، لا يريد جورج بوش ولا توني بلير الإشارة من قريب أو من بعيد إلى هذه الاتهامات، بسبب أهمية الدولة الجزائرية ودور الجيش الجزائري في التصدي لتنظيم القاعدة والمنتمين إليه.
وعلى هذا الأساس، تتعاون الجزائر مع الولايات المتحدة بإخلاص شديد، مستعينة بطبقة بيروقراطية علمانية يقودها رئيس الحكومة أحمد أويحي، ويساعده وزير التعاون والشؤون الإفريقية عبد القادر مساهل، في عملية تأصيل محاربة ظاهرة الإرهاب كتهديد مباشر للدولة الجزائر، وهنا يجب أن تُشفر الرسائل.
بالنسبة لأبي مصعب الزرقاوي، فإن المسألة في غاية البساطة وتتمثل في “دولة علمانية موالية لليهود والنصارى”، تساعدهم في احتلال العراق وتحارب “المجاهدين” وتسلمهم إلى “الصليبيين”.
ولكن، لماذا لا يتساءل الزرقاوي عن بعض قيادات الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي توالي تنظيم القاعدة، والتي كانت في أواسط تسعينات القرن الماضي أعضاء بارزين في الجماعة الإسلامية المسلحة ذات توجهات التكفير والهجرة التي ذبحت عشرات الآلاف من المدنيين؟
هناك من يعتقد أن قتل الزرقاوي للدبلوماسيين الجزائريين يفتقد إلى بعد النظر، لأن الرئيس بوتفليقة مقاتل قديم وليس ساذجا كي لا يفهم أن المقاومة في العراق أمر مشروع. وقد تزداد الشكوك حول تصرف الزرقاوي بطريقة استعجالية إذا ما وُضع في الاعتبار رغبة بوتفليقة الملحة في نزول عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال من الجبال، ثم العفو عنهم رغم معارضة كبار قادة الجيش، حسب تصريح خاص لسويس إنفو من منير بوجمة، المحلل السياسي والمتخصص في الجماعات الإسلامية المُسلحة.
ومعروف أن الرئيس بوتفليقة قد أزعج كثيرين بدعوته عناصر الجماعة السلفية للنزول من الجبال والعودة إلى الحياة الطبيعية منذ تسلمه رئاسة البلاد عام 1999.
التحركات الجزائرية قد تتعزز
صحيح أن نظرة تنظيم القاعدة إلى الأنظمة العربية لا تسمح بتفهم تحليل كهذا، غير أن تعقيد مهمة الرئيس الجزائري أمام قادة الجيش سيفتح المجال واسعا أمام تعاون جزائري أمريكي.
تروج معلومات موثقة عن مصري -أرسله الزرقاوي لتجنيد جزائريين يقاتلون في العراق- اعتقلته مصالح الأمن الجزائرية، وسلمت ما لديها من المعلومات عنه وعن نشاطاته إلى نظيرتها الأمريكية. وبعد مقتل الدبلوماسيين الجزائريين، ستُعطى تحركات كهذه مشروعية أكبر.
وهناك شكوك كبيرة، حسب المحلل منير بوجمعة، في إمكانية إخبار الجماعة السلفية للدعوة والقتال لتنظيم الزرقاوي عن أسباب واقعية أخرى تُفسر تحرك مصالح الأمن الجزائرية ضد المقاتلين في العراق بالطريقة التي يستهجنها الزرقاوي.
كما يعتقد بعض ضباط الأمن الكبار في الجزائر أن هنالك إمكانية لترك الزرقاوي وشأنه إذا ما تخلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال عن حربها ضد الحكومة تحت غطاء التنظيم العالمي للقاعدة، الأمر الذي سيساعد مصالح الأمن على التهرب من المطالب الأمريكية بتتبع الزرقاوي وغيره، مثلما هو الحال مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
حوار طرشان
ليس هناك شك في أن الحوار بين الزرقاوي والسلطات الجزائرية هو حوار الطرشان، غير أن المسؤولية، كما تُلقى على عاتق الاعتقالات العشوائية للمقاتلين في العراق، تلقى أيضا على عاتق الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي لا يجب أن تصر على علمانية الدولة ومعارضتها لقيام دولة إسلامية لتبرير قتالها.
بل الأجدر أن تظهر بشكلها الحقيقي كتنظيم مسلح يعارض النظام القائم، غير أنه مرتبط بمصالح سياسية مع المعارضة الجزائرية ككل. ورغبت الجماعة السلفية أم أبت، فهي طرف في اللعبة السياسية الجزائرية المعقدة التي قد تحول مقتل الدبلوماسيين الجزائريين إلى حادث معزول، وقد تساهم في التشويه المجاني للمقاومة العراقية المشروعة.
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.