حرية الصحافة في المغرب.. موضع تساؤل
أثارت قضية أسبوعية "الوطن الآن" المغربية، التي شغلت الأوساط السياسية والحقوقية والصحفية، وايضا العسكرية المغربية على مدى الأسبوعين الماضيين، أسئلة محفوفة بالقلق حول الصحافة ودورها وحريتها ومدى هذه الحرية في بلد يسعى للخروج من مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى مرحلة الديمقراطية، قوانين ومؤسسات.
الأسئلة تناسلت منذ الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء 19 يوليو باعتقال عبد الرحيم أريري، مدير أسبوعية الوطن الآن، التي تصدر بالدار البيضاء.
كانت الأسئلة استنكارية حول الاعتقال ومبرِّراته القانونية، وأيضا كيفية الاعتقال، وما إذا كانت هناك ضرورة لوضع الأصفاد في يديه، مثل أي مجرم جنائي.
تبع اعتقال أريري وفي اليوم نفسه زميله بالصحيفة مصطفى حرمة الله وهجوم أكثر من 20 رجل أمن بالزي المدني على مقر الصحيفة وتفتيشه، ثم مصادرة 90% من أرشيفها والحاسوب الشخصي لأريري وهاتفه الخاص ومفكِّـرته.
خلفية الاعتقال كانت نشر الأسبوعية في عددها الصادر يوم 14 من الشهر نفسه لملف حمل عنوان “التقارير السرّية التي حرّكت حالة الاستنفار بالمغرب”، تضمن تعميما من المكتب الخامس (المخابرات العسكرية)، إلى كافة الثكنات والمواقع العسكرية، يدعو فيه إلى رفع درجة التأهّـب والحذر من هجمات انتحارية، يستعد لشنها أصوليون إسلاميون متشدِّدون، ينتمون لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وفي واقع الأمر لا تتضمن الوثيقة المنشورة أسرارا عسكرية، لأن حالة التأهّـب ليست سرية، بل مُـعلنة ببلاغ من وزارة الداخلية، بعد تهديدات وجّـهها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للحكومات في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا، لكن السلطات المغربية تعاملت بحساسية مع تسريب وثائق عسكرية ونشرها، حتى لو كان مضمون الوثائق معروفا ومُـعلنا.
هذه الحساسية أدت إلى إرباك في تدبير السلطات القانونية للمتابعة القضائية للصحفيين وأضعف حججها ووضعها أمام الهيئات الصحفية والحقوقية في موقع المتّـهم بانتهاك حريات الصحافة وتهديد ما تحقّـق من مُـكتسبات في هذا الميدان.
مظاهر الإرباك
أولى مظاهر الإرباك، الاعتقال وكيفيته، إذ كانت السلطات تستطيع إرسال مذكّـرة استدعاء للصحفيين ومتابعتهما، إذا كانت هناك ضرورة إلى ذلك بحالة سراح بدل حالة اعتقال.
وقالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، “إن التعامل مع الصحفيين وكأنهم مجرمون، عندما يحصلون على بعض الوثائق، التي قد تكون سرية، أمر غير صحيح، رغم أنه من حق السلطات القضائية فتح تحقيق حول تسريب الوثائق، بما في ذلك مساءلة الصحفيين، كما يحصل في كل البلدان الديمقراطية، لكن دون اعتقالهم وأن أقصى ما يُـطلب من الصحفيين، في هذه البلدان، هو الكشف عن مصادر معلوماتهم”.
وثاني مظاهر الإرباك، التكييف القانوني للمتابعة التي استبعدت فيها النيابة العامة، قانون الصحافة واعتمدت القانون الجنائي واستندت من حيث الحراسة النظرية (التحقيق الأولي أو الإيقاف التحفظي) إلى توجيه اتهام لهما، كمرتكبين لجناية بدل جنحة، بتمديد الحراسة النظرية 96 ساعة بدلا من 24 ساعة، وحين وجّـهت الاتهام قانونيا، اعتمدت “إخفاء وثائق محصل عليها من جريمة”، والتي تكون عقوبتها، في حال الإدانة، من سنة إلى خمس سنوات، بعد أن كانت تصريحات رسمية وشِـبه رسمية تتحدث عن تهديد الأمن الوطني والخارجي، تصل عقوبتها إلى 20 عاما سجنا.
أمام ردود الفعل، داخل المغرب وخارجه، اضطرّت السلطات للتدبير الهادئ لملف الصحفيين اريري وحرمة الله، فأعادت جُـلّ ما استولت عليه من أرشيف الأسبوعية وفصلت ملفّـهما عن ملف العسكريين الذين اعتقلوا على خلفية هذه القضية، وأحالت ملفهما إلى المحكمة الابتدائية، كجنحة، وقرّرت متابعة أريري بحالة سراح، فيما أبقت متابعة حُـرمة الله في حالة اعتقال.
وقد طغى اعتقال الصحفيين على ما كانت تهدِف إليه السلطات في إثارتها للملف، وهم العسكريون الذين كانوا يسرّبون الوثائق الكثيرة، التي نُـشرت أو التي ضُـبطت في ملف الأسبوعية.
ارتياح ممزوج بالمرارة
رسميا، اعتقلت السلطات 8 عسكريين من بين العشرات من ضباط الجيش والدرك والأمن، كانت تحوم حولهم الشُّـبهات في تسريب الوثائق. ويؤكِّـد دفاع عبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله، أن التحقيق معهما تركّـز حول مصادر الوثائق وعلاقة كل منهما بعسكريين.
وحسب مصادر رسمية، فإن العسكريين المغاربة الذين اعتقِـلوا، سيقدّمون أمام المحكمة العسكرية يوم الخميس 2 أغسطس القادم، ولم يُـعلن حتى الآن إن كانت المحاكمة سرية أو علنية، نظرا لارتباطها بأسرار الدفاع الوطني، بـ “حكم صفاتهم وطبيعة الأعمال التي اقترفوها بارتكابهم جرائم تتعلّـق بتسريب بعض الوثائق والأسرار التي تتعلق بالدفاع الوطني، أودعت لديهم بحُـكم مهنتهم”.
فصل ملف الصحفيين أريري وحرمة الله عن ملف العسكريين المتابعين، أثار ارتياحا في أوساط الصحفيين والحقوقيين، لكنه ارتياح كان ممزوجا بالمرارة، لاستمرار اعتقال حرمة الله الذي حمّـلته السلطات مسؤولية استجلاب الوثائق.
غير أن أهم تداعيات إثارة ملف أسبوعية الوطن الآن، تمثلت في المخاوف التي عبّـر عنها الصحفيون على مستقبل مهنتهم والحريات التي يجب أن تتمتع بها وحقِّـهم في الوصول إلى الخبر والمعلومة والنشر.
ووصف البشير الزناكي، عضو النقابة الوطنية للصحافة المغربية كيفية الاعتقال والتحقيق مع عبد الرحيم أريري ومصطفي حرمة الله بـ “الخطإ الفظيع”، وقال “شيء فظيع أن لا يتعلم الإنسان من الدروس التي يتلقاها، لذا أندهش كثيرا حينما أرى الطريقة التي عُـوملت بها جريدة الوطن الآن والصحفيين أريري وحرمة الله”.
وأضاف أن “السلطات الأمنية المغربية تخطَـئ التصرف في كثير من الأحيان، شكل يفتح المجال على مِـصراعيه لتجاوزات من طرفها وينفخ في مواضيع وأحداث لا تشكِّـل بالضرورة قضايا هامّـة”، وتساءل في حالة تسرّب وثيقة سرية إلى جريدة أو صحفي ما هل من اللازم أن يتم اعتقال هؤلاء أو/ والتهجم على محلاتهم باسم حماية الأمن القومي والوطني”.
والزناكي أثار مسألة مُـؤرقة لكل النشطين الحقوقيين والعاملين في ميدان الصحافة حول ضمانات، أن ما تقول به السلطات حول الحريات لا يخضع لأهواء أو مزاج هذا المسؤول أو ذاك، بقدر ما هو ركن من أركان الدولة الحديثة، وليس منية أو فضل من السلطات، وفي الوقت نفسه، تطرح مسألة مسؤولية الصحفي ومهنيته، ومن يدقق في أن ممارسته لمهنته تنبع من ضوابط المهنة نفسها، وليس حسابات أخرى موالية أو مناهضة للسلطة.
محمود معروف – الرباط
* النظر في جميع الخيارات لإلغاء أحكام السجن مع وقف التنفيذ والمنع عن العمل ضد الصحفيين بحيث يتمكنون من مزاولة مهنتهم بحرية ودون خوف.
* إجراء تحقيق مستقل للبحث في حالات إساءة التصرف من جانب القضاء والتدخل السياسي فيه. والإعلان عن نتائج التحقيق.
* إصلاح التشريعات بحيث تكون قضايا التشهير شأنا مدنيا بدلا من أن تكون ضمن القضايا الجنائية. ووضع خطوط إرشادية واضحة ودقيقة وعادلة للقضاة لاتباعها عند تحديد الأضرار في قضايا التشهير.
* وضع موعد نهائي طويل الأمد لإلغاء قانون الصحافة المغربي. وفي هذه الأثناء، إلغاء فصول قانون الصحافة و النشر والقانون الجنائي التي تنتهك الحق المحمي دوليا في حرية التعبير. وخصوصا، الفصول التي تقيد محتوى التغطية الصحفية، وتسمح بالرقابة، وتضع عقوبات تتضمن المنع من العمل والسجن.
* إيقاف تدخل الحكومة بالصحافة، بما في ذلك تعليق إصدار الصحف، ومنع الصحفيين من مزاولة العمل وسجنهم من قبل السلطات.
* العمل مع الناشرين والصحفيين لتأسيس عملية عادلة وشفافة فيما يتعلق بشراء المساحات الإعلانية في الصحف، لمعالجة الشواغل المتعلقة بحجب الإعلان لدوافع سياسية عن الصحف المستقلة.
* كجزء من التحركات الحكومية الأخيرة لخصخصة وسائل البث الإعلامي، التحقق من أن المحطات الخاصة مفتوحة للأخبار والآراء المستقلة، بما في ذلك الآراء الناقدة للحكومة وسياساتها.
(المصدر: تقرير “الواجهة المغربية” الذي نشرته لجنة حماية الصحافيين، مقرها نيويورك يوم 3 يوليو 2007)
تابعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية باعتزاز كبير الاستجابة الكثيفة التي عبر عنها الجسم الصحفي المغربي لنداء حمل الشارة في اليوم التضامني مع الزميلين عبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله.
وتحيي النقابة كافة الصحفيين والصحفيات ومختلف العاملين في وسائل الإعلام، الذين عبروا عن تضامنهم مع الزميلين وعن دفاعهم على حق الصحفي في الوصول إلى الأخبار.
كما تهنئ النقابة الزميل عبد الرحيم أريري على إطلاق سراحه، وتعبر عن انشغالها بوضعية الزميل حرمة الله.وتتمنى النقابة أن يسود في هذا الملف منطق الحكمة والتوازن، حتى نجنب بلادنا توترا في موضوع كان من الممكن معالجته في إطار حق الصحفي في الوصول إلى الأخبار والمعطيات.
إن النقابة تؤكد بهذه المناسبة ضرورة الإسراع في مناقشة قانون ينظم الحق في الخبر، على غرار ما هو معمول به في كل البلدان الديمقراطية، وتطالب مجددا بإطلاق سراح الزميل حرمة الله.
(المصدر: النقابة الوطنية للصحافة المغربية بتاريخ 24 يوليو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.