حـسـابــات إيــرانـيـة
يبدو أن ايران اختارت هذه المرة تطبيق النموذج الكوري الشمالي في المواجهة مع الغرب بشأن برنامجها النووي.
لكن ماهي حسابات طهران في ظل نظام عالمي آحادي القطبية ظلت على الدوام ترفضه وتتعامل معه من باب الإضطرار والإنصياع؟ ثم هل ستكون الحسابات صحيحة هذه المرة أيضا؟
قد تكون ايران اختارت تطبيق النموذج الكوري الشمالي في المواجهة مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وقررت المضي قدما في الضغط من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، في إطار معاهدة الحد من الانتشار النووي، التي تسمح لها بامتلاك تكنولوجيا نووية متقدمة للأغراض السلمية.
وقد تكون زادت من سقف مطالبها في حدود المعاهدة لتحصل على ضمانات لكي لا تتعرض الى ضربة عسكرية تهدف الى تغيير نظامها. لكن ماهي حساباتها في ظل نظام عالمي آحادي القطبية ظلت على الدوام ترفضه وتتعامل معه مضطرة أو طائعة؟.
ربما يُنظر الى التصعيد الايراني في الأزمة النووية بأنه بدأ بعد مجيء الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد الى الرئاسة،الا أن المعطيات التي برزت في الآونة الأخيرة أكدت أنه لم يأت من فراغ، ولم يكن وليد الصدفة، أو تعبيرا فقط عن نهج متشدد اختاره المحافظون، وانما هو نتاج لبناء تراكمي من من الاعتراضات، كونها المحافظون، على أداء الفريق الايراني المفاوض السابق (الاصلاحي)، والذي أتهم من طرف الفريق الجديد بالتراخي الى حد الخيانة.
حسابات
ايران الجديدة في عهد هيمنة متشددي المحافظين على مراكز القرار، وصعود نجم الحرس الثوري ودخوله الحياة السياسية بالواسطة أو مباشرة عن طريق اشراك كبار قياديي هذه المؤسسة في الحكومة، بنت حساباتها على أساس أن الولايات المتحدة غارقة حتى أذنيها في رمال الغرب العراقي، وأن أنصارها الشيعة، ومعهم أصدقاؤها الأكراد، باتوا يسيطرون على مفاصل الحكم في العراق الجديد، وهم – خاصة كبار زعماء الشيعة – يلوحون باستمرار أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا تعرض نظام “الجمهورية الاسلامية” القائم على مبدأ ولاية الفقيه للخطر.
الحسابات الايرانية انطلقت أيضا من دراسات معمقة وتقارير وضعها المستشارون الجدد للرئيس الجديد، وحظيت بتأييد من آية الله علي خامنئي (الولي الفقيه)، حددت خيارات المواجهة وتحديات المرحلة، واستندت الى التمايز الكبير بين الحالة العراقية وايران، من واقع أن لايران أنصارا متوزعين في كل اقاليم العالم، وأن لبنان الذي يغلي بتناقضات مرحلة مابعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، فيه حزب الله وحركة أمل، وباقي الأنصار، وأن سوريا التي تحتار واشنطن في طريقة احتواء نظامها أو حتى اسقاطه، ماتزال قادرة على تحريك المياه الراكدة في لبنان أو في العراق، بما يعرقل على الولايات المتحدة خططها، في ظل الانشغال الاسرائيلي بمرحلة مابعد أرييل شارون، إضافة إلى أن الطريق الى الخيار العسكري لا زال طويلا ويجب أن يمر – حسب حسابات طهران دائما- بمراحل تساعد في تقدم البرنامج النووي الى الدرجة التي تمكنه من أن يتحول الى برنامج عسكري في أي لحظة قبل خطر المواجهة العسكرية الموعودة.
عسكرية أم اقتصادية؟
الولايات المتحدة والأوروبيون أيضا، وبضغط مباشر من اسرائيل، لا يريدون لايران أن تحصل على التقنية النووية المتقدمة، ولكنهم لا يمانعون أن تملك ايران الطاقة النووية، وهذا بحد ذاته ما تخشاه ايران وترفضه، لأن مشروعها النووي ينزع الى الاستقلال عن الشرق والغرب، ويسعى لأن يتحول الى مشروع “إيراني” كامل بعد خروج الخبراء الروس والانتهاء من بناء محطة بوشهر في الجنوب الغربي.
وقد كشف الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد خلال لقاء له مع مواطني بندر عباس على الخليج بالقرب من محطة بوشهر، أن الأمريكيين الذين انضم لهم الأوروبيون، أبلغوا حكومته بهذه الأمر، وأنهم زادوا عليه بالتأكيد على معارضتهم قيام ايران بابحاث علمية نووية، ما أدى الى أن تتمسك ايران بسقف دورة الوقود النووي، ولن تخرج عنه الى أعلى ، مؤكدة استعدادها تقديم أي ضمانة تشيع الطمانينة حول برنامجها النووي المدني.
وتدرك ايران أن الولايات المتحدة ستواجه مشاكل كبيرة قبل أن تحصل على اجماع يمكنها من اتخاذ اجراءات مشددة. ومن هنا يبني الايرانيون آمالا عريضة على الصين التي تتمتع بحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي بعد الاتفاقية التي وقعوها معها عام 2004 لتصدير النفط والغاز لها بقيمة تقرب من 70 مليار دولار.
حتى اليابان – وهي بالمناسبة أكبر مستوردي النفط الإيراني – ورغم موقفها المؤيد لإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، فان فرض عقوبات على ايران تشمل صادراتها من النفط ستؤذيها، بما يجعل من الصعب اقناعها في الوقت الحاضر بتوفير الدعم لفرض “المقاطعة الاقتصادية” على ايران.
بالنسبة لروسيا فهي الشريك الأول في البرنامج النووي الايراني، لذلك يعتقد الايرانيون أنها قد تتردد قبل الذهاب بعيدا بالضغط على بلادهم. موسكو لا تستطيع أن تفوت عليها فرصة الاستئثار بالكعكة الايرانية، إلا أنها لاتستطيع أن تؤيد ايران دائما خصوصا إذا ما رفضت الأخيرة بشكل نهائي (!) اقتراحها تخصيب اليورانيوم في أراضيها، كحل وسط حظي بموافقة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليه.
ولذلك بدت روسيا تتجه نحو انتقاد طهران، وأصبحت تعلن أن موقفها تجاه البرنامج النووي لإيران مقارب جدا لموقف الاوروبيين والولايات المتحدة، مع التشديد على أن القضية النووية الايرانية ينبغي حلها من دون خطوات خاطئة ومفاجئة.
احتمالات الموقف
ايران تعتقد أن أية عقوبات قد تفرض عليها في مرحلة ما بعد إحالة ملفها الى مجلس الأمن ستكون اقتصادية بالدرجة الأولى، وتشكك بمدى تأثيرها، وهي هنا تواصل التعبئة الداخلية على هذا الأساس، لاقناع الشارع باهمية الاستمرار في المواجهة بأقل الخسائر.
فالايرانيون عام 2006 هم ليسوا هم في فبراير 1979 وفي سنوات الحرب الطويلة مع العراق، وماعاد كل الشعب يرضى بالمواجهة من منطلقات عقائدية، وعليه يجب اقناعه بأن “النصر قريب إذا اجتازت ايران مرحلة صعبة”، كما جاء على لسان الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني.
وعلى الدول الغربية أن تتفق فيما بينها أولا، وهذا لن يتحقق بسهولة، فمثلا لم يخرج اجتماع لندن الأخير للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالاضافة الى ألمانيا، باجماع حول دعوة مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى عقد جلسة طارئة، ولكنه اتفق على الطلب من ايران بوقف كافة نشاطتها النووية ومنها المتعلقة بأبحاث تكنلوجيا الوقود النووي.
وحدها الترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي كانت تفاوض إيران، تصر على وضع الملف في الطريق المؤدية الى مجلس الأمن، وعليها إقناع الأعضاء الآخرين في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالموافقة على الإحالة وهو أمر لن يتحقق بسهولة في ضوء معارضة “أولية” تبديها الصين وروسيا ومصر وسوريا وفنزويلا ودول أخرى.
وحتى إذا وافق الاجتماع المقبل للوكالة على الاحالة فان مجلس الأمن لن يلجأ الى فرض عقوبات اقتصادية لأنه ليس موحدا، ولأن الخطوة الأولى يجب أن تتمثل في توجيه إنذار لطهران يطالبها بتعليق نشاطاتها مجددا والعودة الى مائدة المفاوضات.
ولكي تسحب البساط من تحت أقدام الطرف المقابل، بادرت ايران الى الدعوة مجددا الى استئناف المفاوضات، وأعلنت أنها لم ترفض الاقتراح الروسي، ورغبت في أن تدخل موسكو تعديلات عليه من قبيل أن المرحلة الأخيرة من عمليات تخصيب اليورانيوم ستتم بشكل مؤقت فوق الأراضي الروسية لحين الانتهاء من اجراءات بناء الثقة.
أما إذا رفضت إيران الاستجابة لدعوة مجلس الأمن فسوف تفرض العقوبات حينها، وهذه ستركز على النفط والغاز، وعرقلة طلب إيران عضوية منظمة التجارة العالمية، إذ ترى ايران أن الشركات الأمريكية هي التي ستتضرر أكثر منها وهو ما يردده المسؤولون الايرانيون باستمرار مشيرين الى أن ايران اصلا هي في حالة حصار من قبل عقوبات أحادية تفرضها الولايات المتحدة عليها منذ حادثة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية عام 1979، وماتلاها من صدور قانون داماتو الذي يمنع الاستثمار في مجال إيران تطوير صناعاتها من النفط والغاز.
يشكك الايرانيون في تأثير العقوبات على بلادهم، وتكتب صحفهم هذه الأيام وتتحدث أن النفط مطلوب عالميا، وإيران لديها الكثير منه لاثارة صراع دولي وايجاد انشقاق في النظام العالمي مستفيدة من الفشل الأمريكي البارز في العراق، في التعبئة القومية وتحريك المشاعر الوطنية، والإشارة إلى أنها لاتريد أكثر من حقوقها القانونية في إطار اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية التي تسمح لها بالحصول على تكنولوجيا دورة وقود نووي تحت اشراف المفتشين الدوليين.
لكن هل الحسابات الايرانية دقيقة الى درجة أن العقوبات لن تحقق غرضها؟ وإذا حصل وتركت آثارها على ايران فان السيناريو العراقي ربما سيتكرر، لأن ايران ستكون ضعيفة، وشعبها مستاء فهو وحده سيتحمل أعباءها، وهذا من شأنه أن يمهد لحملة عسكرية ستدخل المنطقة والعالم الى واقع جديد يختلف كثيرا عما هو عليه في العراق وأفغانستان.
ايران ماتزال في دائرة المسموح به ولم تتجاوز بعد الخط الأحمر، كما أن الشكوك حولها تُبنى أساسا على أنها أخفت في السابق برنامجها النووي، وأن التقنية المستخدمة لتخصيب اليورانيوم للوقود قد تستخدم أيضا لتخصيبه أكثر وإنتاج سلاح نووي. الا أن هذا الأمر يشترك فيه كل أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن المكن جدا أن تُدفع ايران الى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار وبناء قنبلة نووية إذا ما استمرت الضغوط عليها مع كل التطمينات التي تقدمها ومنها الاستعداد لقبول مشاركة دولية في برامج التخصيب، اضافة الى توقيعها البروتوكول الاضافي الخاص بالتفتيش المباغت والصارم لمنشآتها النووية. وإذا انسحبت ايران من المعاهدة فان الخيار العسكري سيوضع عندها على الطاولة.
قلق خليجي وتسريبات
على صعيد آخر، تبدو دول الخليج قلقة وتنظر الى البرنامج النووي الايراني كخطر يهددها وقد يترتب عليه في حال حدوث أي خلل في المنشآت نتائج كارثية تصيب البيئة والحياة البشرية، كما تعتقد أن استئناف برامج التخصيب النووية في إيران، يعرقل جهود “محاولة” إقناع إسرائيل بتفكيك أسلحتها النووية لإخلاء منطقة الشرق الاوسط من الاسلحة النووية.
الكويت قالت إنها ستكون “من أكبر المتضررين” فى حال حدوث أي خطأ فى البرنامج النووى الايراني، والامارات أعلنت أنها “منزعجة للغاية” إزاء إعلان إيران استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم. أما السعودية، فقد حملت الغرب (على لسان الامير سعود الفيصل وزير الخارجية) ايضا مسؤولية “التعنت” الايراني، خصوصا وان الصمت الغربي عن ترسانة اسرئيل النووية يشجع طهران على المضي قدما في امتلاكها قدرات نووية رادعة، وهنا انتقاد واضح للغرب بالعمل على دفع ايران الى السير على طريق الوصول الى حافة الهاوية.
الخليجيون عموما يسربون معلومات نقلا عن الدوائر المغلقة فى مجلس الامن القومي الامريكي وضعت الملف النووي الايراني فى قائمة الاولويات وان الادارة الامريكية تتجه لحسم هذا الموضوع فى اقرب وقت ليستفيد الحزب الجمهوري منه كمادة انتخابية تؤهله للمحافظة على الاغلبية فى مجلسي الشيوخ والنواب، ولم يستبعدوا أن تعمد ادارة الرئيس الامريكى جورج بوش الى توجيه ضربة مركزة على المفاعل النووي الايراني وبعض المراكز العسكرية الحساسة اما مباشرة أو ترك اسرائيل تتولى المهمة.
فهل وازنت ايران هذه المرة كما في المرات السابقة، بين الربح والخسارة، واختارت المواجهة لـ “تنتصر في النهاية” كما يقول رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الذي وعد بعبور “مرحلة صعبة” بشرط أن تكون المقاومة للضغوط مشفوعة بالحكمة والتدبير؟
نجاح محمد علي – دبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.