حكومة يمنية جديدة لوظائف قديمة لم تُنجز
بعد طول انتظار وترقب امتد لستة أشهر، أعلِـن في صنعاء عن تشكيل حكومة يمنية جديدة برئاسة وزير الكهرباء الأسبق الدكتور علي محمد مجور.
ومن الواضح أن توازنات النفوذ داخل حزب المؤتمر الشعبي الحاكم هي التي كانت حاسمة في تحديد التشكيلة النهائية للحكومة، وليس البرامج المعلنة أو متطلبات المرحلة من الإصلاح والتغيير.
بعد طول انتظار وترقب امتد لستة أشهر، أعلِـن عن تشكيل حكومة يمنية جديدة برئاسة وزير الكهرباء الأسبق الدكتور علي محمد مجور خلفا لحكومة سلفه عبد القادر باجمال، التي كثيرا ما كانت محل انتقاد لتقصيرها بالوفاء بما أعلنته في تصريحاتها الحكومية المتوالية منذ عام 2001.
فعلى مدار الستة الأشهر الماضية، تزايد الحديث لدى مختلف الأوساط الحزبية والرسمية والشعبية عن تشكيل حكومة جديدة تتولّـى تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس صالح، الذي خاض به الانتخابات الرئاسية في سبتمبر الماضي وحفل بالكثير من الوعود للناخب اليمني، لم تستطع حكومة باجمال الوفاء بالحدّ الأدنى منها، لاسيما في الأشهر التالية للانتخابات، التي شهدت ارتفاعا جنونيا للأسعار، تراوحت مابين 50 إلى 70% وانعكست على تردّي معيشة الفرد اليمني بشكل ملحوظ، فيما ازدادت مساوي الفساد بالاستفحال، وعدت السنوات الممتدة من 2001 وحتى عام 2006، طبقا لتقارير المؤسسات المالية الدولية “صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”، الأسوأ في مؤشِّـر نمو الاقتصاد اليمني ومتوسط دخل الفرد.
ووفقا لتقارير هاتين المؤسستين، اللتان أصبحتا تراقبان وتوجهان المالية العامة في اليمن منذ عام 1995، تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4.6 عام 2001 إلى 3.9%، و3.1%، و2.7%، و2.9 % و3.6% في السنوات التالية، فيما توقَّـف نمو متوسط دخل الفرد اليمني منذ عام 2002 عند مستوى 530 دولارا أمريكيا.
تباين المواقف وردود الأفعال
على خلفية تلك المؤشرات المتدنِّـية، وارتفاع مؤشرات الفساد وفي مناخ تزايَـد فيه التبشير بالتغيير والإصلاح، أعلِـن عن تشكيل حكومة جديدة لم تحدث أي تعديل جوهري في الوزارات السيادية، كالداخلية والدفاع والعدل والإعلام والخارجية، فيما استثنيت من الوزارات السيادية، وزارة المالية، التي نقل وزيرها سيف العسلي إلى وزارة الصناعة والتجارة، إلا أنه اعتذر عن شغلها واستعِـيض عنه بآخر، وقد احتفظ 17 وزيرا بحقائبهم ودخلها 11 وزيرا جديدا، جلُّـهم من التكنوقراط في الوزارات التي عُـينوا بها.
وتباينت المواقف وردود الأفعال حِـيال الحكومة الجديدة، لاسيما فيما يتعلق بالاستحقاقات المنتظرة منها وقدرتها على تحقيق الإصلاحات الموعودة.
ففي حين اعتبرت الدوائر الرسمية أن الحكومة حكومة تغيير، ستقود إلى مرحلة التحول الذي وعَـد بها البرنامج الانتخابي للرئيس صالح، استَـبقت شخصيات قيادية في المعارضة وصحفها الحزبية الإعلان عن التشكيل الحكومي، بتأكيدها غير مرة وفي أكثر من منبر، على أن الإشكال في اليمن، ليس في تغيير الأشخاص، وإنما في رسوخ السياسات التي تبقى مرتبطة بشخص الرئيس علي عبد الله صالح وخياراته، حسب ما ذهبت إليه تصريحات مسؤولين بارزين في تكتل أحزاب اللقاء المشترك.
تساؤلات وعلامات استفهام
وبالنظر إلى الوضعية العامة التي تعيشها البلاد وما تعانيه من اختلالات على أكثر من صعيد وما ترتب على ذلك من تطلعات لتجاوز الرتابة، التي طبعت أداء الحكومة السابقة، فإن حدث تشكيل الحكومة الذي طال انتظاره، استأثر باهتمام مختلف الأوساط السياسية والشارع اليمني وخلف تساؤلات وعلامات استفهام تدور حول ما سيحمله رئيس الحكومة الجديد في جُـعبته، إصلاحات تلبي التطلعات الشعبية من جهة، وترضي المانحين الدوليين من جهة أخرى.
وفي معرض تعليقه على الحدث وما ستحدثه الحكومة الجديدة من تغيير، قال رئيس تحرير صحيفة “النداء” المستقلة سامي غالب لسويس انفو: “الواضح من تشكيلة الحكومة الجديدة، محدودية التغيير الذي كثيرا ما تحدّث عنه وروّج له الإعلام الرسمي، حيث تأكد من التعديل الحكومي أن المطلوب هو رحيل باجمال وإرضاء بعض مراكز النفوذ”.
ويذهب رئيس تحرير “النداء ” إلى أن التبشير الذي روّجت له الحملات الإعلامية الرسمية، لم يصدق. فالوزارات السيادية الرئيسية بقت كما هي، وباستثناء خروج قطبين بارزين في وزارتي الإدارة المحلية والشباب والرياضة، فقد ظلَّـت المحدِّدات التقليدية التي تتحكّـم بتشكيلة الحكومات اليمنية المتتالية التقليدية، حاضرة بقوة، خاصة منها تكريس التوازنات الجهوية والمناطقية، والمحدد الآخر، هو الدور الخارجي من حيث الاستجابة لمطالب المانحين الدوليين تبدو واضحة، لأن من متطلبات تأهيل ودعم اقتصاد اليمن، مخاطبة المانحين والداعمين بخطاب ووجوه جديدة، غير عبد القادر باجمال، الذي أصبح مألوفا لديهم.
ويخلص سامي غالب إلى القول أن “التجربة اليمنية كرّست قناعة، مؤداها أن فاعلية وتأثير أي حكومة رهينة بالإرادة السياسية وبمدى الصلاحيات التي سيفوضها الرئيس صالح لتلك الحكومة، لأنه يبقى اللاعب الرئيسي، الذي يوجِّـه عمل الحكومة، نتيجة لوضعه الدستوري من جهة، ودوره السياسي من جهة أخرى، كرئيس للحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام”.
قنوات الاستوزار
ومع أن الخطاب الرسمي يُـراهن كثيرا على الدور الإصلاحي الذي ستقوم به الحكومة الجديدة، إلا أن العديد من المراقبين يقلِّـلون من تلك الرِّهانات المعقودة عليها، انطلاقا من فهمهم لآلية اشتغال الحكومات اليمنية خلال الفترات السابقة، وإدراكهم لقنوات الإستوزار.
وفي هذا الصدد، يرون أن قنوات الإستوزار التقليدية، التي غالبا ما تلعب الدور الأهم في أداء الوزارات قد حافظت على دورها التقليدي في تحديد طبيعة التشكيلة الوزارية ورفدها بالأطر الوزارية، ومثل تلك القنوات هي التي تحدد مواقع اللاعبين وأدوارهم.
ويذهب أولئك المراقبون إلى القول أنه، على الرغم من أن واقع الحال يقضي أن يكون اللاعب الرئيسي في هذا الشأن هو حزب المؤتمر الشعبي العام، على اعتبار أن أعضاء الحكومة هم أعضاء فيه ويستأثر بالأغلبية المطلقة في المؤسسات الدستورية التشريعية والسياسية، إلا أن ذلك لا يعني أن المحدِّدات السياسية والالتزام الأيديولوجي للحزب، هي التي تمد الحكومات بأطر نخبوية تدرجت بفعل تأثيرها التنظيمي، كما هو الشأن في الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الشهيرة، وإنما مثل هذه الاعتبارات غالبا ما تتراجع أهميتها أمام فاعلية وتأثير الأشخاص المتنفذين داخل الحزب، نتيجة لجملة من الأسباب التاريخية والتنظيمية التي جعلت من حزب المؤتمر الشعبي العام أقرب إلى التنظيم الجبهوي من الحزب السياسي.
ويلتقي المراقبون والمحللون على أن اختيار الوزراء لهذه الحكومة وسابقاتها، يرتبط بأشخاص نافذين وفاعلين يمثلون توازنات هامة داخل الحزب الحاكم، أكثر من ارتباطه باشتغال الآليات التنظيمية للحزب، الأمر الذي يقلل دوما من مصداقية التحولات التي يطرحها في توجهاته المعلنة ويضعف من أهميتها لدى المواطن اليمني، الذي بات يدرك أن توازنات النفوذ داخل الحزب الحاكم وحالة التقاطب التي يعيشها، هي التي تحسم التشكيلة النهائية للحكومة، وليس البرامج المعلنة أو متطلبات المرحلة من الإصلاح والتغيير، الذي أصبح موضع اهتمام جميع الأوساط الرسمية والشعبية.
هل هي بداية تحول جديد؟
في خِـضم هذه الوضعية للحزب الحاكم، الذي جعلت منه مجرد ممر لحيازة مواقع ومنافع السلطة، ومع تزايد تفاعلات مكوِّناته الداخلية وتراجع دوره في القرارات الهامة، أصبحت مسألة إعادة النظر بترتيب الحزب تفرض نفسها بقوة، وهو ما تأكد بوضوح من خلال الرسالة الموجَّـهة من الرئيس صالح لرئيس الحكومة المُـقالة عبد القادر باجمال، الذي جاء فيها أن المرحلة “تقتضي تفرّغه للعمل الحزبي”، وتعزّز هذا التوجه، بالتشكيلة الحكومية التي استُـبعد منها الأمينان العامان المساعدان للحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي، وهما عبد الرحمن الأكوع، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية، الذي كان يشغل حقيبة الشباب والرياضة، وصادق أمين ابوراس، الأمين العام المساعد للشؤون التنظيمية، الذي كان يشغل حقيبة الإدارة المحلية، وقد استُـبعدا من الحكومة الجديدة من أجل تفرّغِـهما للعمل الحزبي.
عموما، يظل المرجح دوما في الواقع اليمني، الأعمال لا الأقوال، سواء تعلق الأمر بأداء الوظائف المنتظرة من الحكومة الجديدة أو برد الاعتبار للفاعلية الحزبية للحزب الحاكم.
فما يهم المواطن هو تجاوز الأوضاع الحرِجة التي يعيشها وتعاني منها البلاد، اقتصاديا واجتماعيا وإداريا منذ سنوات، أما إذا انحصر الفعل بمجرد ترتيبات سياسية، غايتها تسوية مواقع اللاعبين استعدادا للانتخابات النيابية المقررة في أبريل 2009، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من تراكم الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية المزمنة أصلا، والتي كانت دوما ضحية لطغيان وغلبة الحسابات والاعتبارات السياسية.
فهل يكون التأكيد على حكومة التكنوقراط مجرّد تطلع للفكاك من الثقل السياسي المُـهيمن على تدبير الشأن العام أم أنه بداية لتحول جديد؟
كل ذلك خاضع للاختبار والتجريب، اللذان كرّسا الاعتقاد لدى رجل الشارع اليمني قبل غيره، بأن هناك بون شاسع بين معسول الكلام وبين مرارة الأفعال، لاسيما أن الحكومات السابقة انتدبت للوظائف ذاتها الموكولة لهذه الحكومة.
عبد الكريم سلام – صنعاء
صنعاء (رويترز) – قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يوم السبت 7 أبريل، إن مجلس الوزراء اليمني الجديد عليه شن حرب على الفساد في الوقت الذي يمضي فيه قُـدما في إجراء إصلاحات اقتصادية.
وقال صالح لأعضاء مجلس الوزراء بقيادة رئيس الوزراء علي محمد مجور، بعد أن أدوا اليمين، إن عليهم شن حرب شعواء على الفساد والفاسدين ومواصلة الإصلاحات المالية والاقتصادية.
وكان صالح، الذي أعيد انتخابه في سبتمبر، عيّـن مجور رئيسا للوزراء يوم 31 مارس الماضي، فيما اعتبرها محللون محاولة للتوضيح للمانحين مثل البنك الدولي أنه جادّ تجاه الإصلاحات.
وفي نوفمبر 2006، تعهد المانحون الدوليون بتقديم 4.7 مليار دولار لليمن، الحليفة للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب.
وقال صالح للوزراء، إن عليهم العثور على مشاريع إستراتيجية كبيرة، يمكن للحكومة تنفيذها جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص، لتوفير وظائف وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان.
ووفقا للحكومة البريطانية، فإن نحو نصف اليمنيين أمِـيُّـون، ويعتمد أربعة من بين كل عشرة أفراد على أقل من دولارين يوميا. وتقول الحكومة البريطانية أيضا، إن من المتوقع أن يجف النفط اليمني، وهو مصدر العائدات الرئيسية في البلاد بحلول عام 2015.
وينتج اليمن، الذي يحصل على مِـنح وقروض طويلة الأمد من الدول المانحة، نحو 400 ألف برميل يوميا من النفط. وتتوقع ميزانية اليمن لعام 2007 وحجمها 1.622 تريليون ريال (8.24 مليار دولار) عجزا حجمه 188.3 مليار ريال.
وقال مجور، إن حكومته، التي تضم وزيرين جديدين للمالية والتجارة، ستهتم بشكل خاص بتهيئة أجواء ايجابية تشجِّـع الاستثمار وستُـزيل العقبات التي تعوق الاستثمار.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.