المطالبة بمقابر للمسلمين في سويسرا تثير الجدل والنقاش
أثارت دعوة شخصية إسلامية بارزة إلى إقامة مقابر خاصة بالمسلمين في كل كانتون بسويسرا موجة من ردود الفعل. لكن الخبراء والمختصين وبعض الأطراف داخل الجالية المسلمة يرون أن طريقة طرح المقترح وتوقيته غير مناسبين.
إذ يرى خبراء في الشؤون الإسلامية أن الإستراتيجية القانونية المتبعة من قبل فرهاد أفشار، رئيس “تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا” (التي تضم في صفوفها عددا محدودا من المنظمات والإتحادات المحلية)، تعتبر تصورا خاطئا لحل مشكلة لا وجود لها.
فقد صرح أفشار، يوم الأحد الماضي (14 مارس 2010) لصحيفة Sonntag الأسبوعية بأنه بصدد الإعداد لرفع قضية قضائية بخصوص احترام حرية الدين والمعتقد بعد أن رفضت بلدية Könitz في كانتون برن مؤخرا تخصيص قطعة منفصلة بالمقبرة لدفن موتى المسلمين.
ويقول ستيفان لاتيون، رئيس مجموعة الأبحاث عن الإسلام في سويسرا بجامعة لوزان “إن هذه الإستراتيجية ستعيدنا إلى مشكلة لا وجود لها أساسا، وهو تصرف خاطئ”.
ويرى لاتيون – الذي يعتبر من أبرز المتخصصين في المسائل المتعلقة بالجاليات المسلمة في سويسرا – أن البحث عن حل فدرالي (لهذه القضية) ليس الأمثل والمناسب، نظرا لأن 90% من الكانتونات التي يدور بها نقاش حول مقابر إسلامية، توصلت إلى حلول تلبي تطلعات الجميع.
فقد قبلت تسع بلديات في مدن زيورخ، وبرن، وبازل، وتون، ولوتسرن، وجنيف إقامة مربعات خاصة بالمسلمين في المقابر العمومية يسمح فيها بدفن الموتى المسلمين حسب تعاليم الشريعة الإسلامية.
مربعات خاصة للدفن
في المقابل، أكد السيد أفشار في تصريحات أخرى أدلى بها إلى صحيفة “لا تريبون دي جنيف”، أنه توصل بالعديد من الشكاوى من مسلمين في سويسرا، وقال “إن المسلمين الذين وصلوا الى سويسرا قبل أربعين عاما، من حقهم في حالة الوفاة أن تقام لهم مراسيم دفن كريمة”.
لكن أندرياس تونغر-زانيتي، الخبير في مركز أبحاث الأديان في جامعة لوتسرن، يرى أن لا أحد يشكك في الحق في مراسيم دفن كريمة، ولكن معالجة ذلك عبر رفع قضية قضائية يعتبر تصرفا خاطئا من وجهة نظره ويقول: “بالإمكان – وبطريقة طبيعية – التوفيق بين ما تسمح به القوانين السويسرية وبين المطالب المسلمة، ولكن ذلك متوقف على مدى تحديد الإحتياجات على المستوى المحلي، وهذا التحديد يتم عبر السلطات المحلية ومن خلال ممثلي الجالية المسلمة”.
وأضاف تونغر-زانيتي: “قد يشهد عدد المسلمين ارتفاعا خلال السنوات القادمة، ولكن ليس هناك حاجة في تحديد حل شامل لكامل سويسرا، لأن هناك كانتونات ليس بها مسلمين إطلاقا ومن هذا المنطلق لا يجب تضخيم الموضوع”.
أما ستيفان لاتيون فيذهب إلى أبعد من ذلك بقوله “ليس هناك مطالب من هذا النوع لأن 90% من المسلمين الذين يتوفون في سويسرا، يُعاد رفاتهم لدفنها في البلد الأصلي”.
ويرى الخبيران معا أن مواقف فرهاد أفشار لا تعبر بحق عن مواقف حوالي 400 الف من مسلمي سويسرا الذين تقدم غالبيتهم من يوغسلافيا السابقة وتركيا.
زوبعة سياسية
ومن جهة أخرى تواصل مسالة المقابر الدينية إثارة نقاش حاد في الأوساط السياسية. فقد اعتبر أوسكار فرايزينغر، عضو مجلس النواب (عن حزب الشعب السويسري – يمين شعبوي) في تصريحات لصحيفة لا تريبون دي جنيف بأن “المسلمين يرغبون في التمسك بالحقوق حتى الموت من أجل خلق إطار موازي”.
أما دانيال فيشر، النائب البرلماني من حزب الخضر فيرى أن الإستراتيجية القانونية لفرهاد أفشار”ليست لها حظوظ كبيرة في النجاح”، بينما يحذر زميله في نفس الحزب انطونيو هودجرس “من أن ذلك قد يعمل على إعادة المواطنين إلى مواقف سابقة”.
ويرى ستيفان لاتيون أنه “ايجب وضع تصريحات أفشار في نفس سياق تصريحات كريستوف داربولي بعد التصويت على مبادرة حظر بناء المآذن، لأنها تعمل على التصعيد أكثر من كونها محاولة لمساعدة الشعب على فهم أو شرح ما هو حاصل”.
وكان كريستوف داربولي، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي قد دعا في شهر ديسمبر 2009، إلى فرض حظر على تخصيص مقابر إسلامية ويهودية جديدة، وهذا بعد أيام قليلة من تأييد الناخبين للمبادرة الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة، ولكنه عاد واعتذر عن ذلك فيما بعد.
ردود فعل المسلمين
أدت تعليقات فرهاد أفشار الى إثارة ردود فعل متباينة في صفوف الجالية المسلمة. إذ قال عبد الإله لمهنجر، العضو الإشتراكي في المجلس البلدي لمدينة Romont (كانتون فريبورغ)، “في الوقت الذي تبقى فيه قضية المقابر قضية جوهرية، يبدو أن الإستراتيجية التي hختارها أفشار والتوقيت الذي تحينه لإطلاقها غير مناسبين”.
وقال في تصريح لإذاعة سويسرا الروماندية الناطقة بالفرنسية “البلد يتعرض لضغوط من شتى الجهات والوقتُ غير مناسب لإطلاق صراع قانوني جديد”، وأضاف “يجب على أفشار أن يعترف بأن الحوار والإجماع من تقاليد الثقافة السويسرية”، موضحا أنه “عندما يتم فرض قرار عبر النظام القضائي فإنه يصبح بمثابة قانون يجب تطبيقه، ولكن إذا ما يتم إقراره عبر الحوار والتفاوض، فهو مشاركة من الجميع في بناء المستقبل”.
من ناحيته، اعتبر عبد الحفيظ الورديري، الأمين العام لمؤسسة التعارف (مقرها في جنيف)، أن أفشار محق نظريا في الدفاع عن اختلافه العقائدي، ولكن هذه الطريقة قد تكون مخطئة، ويرى أنه “قبل الذهاب الى المحاكم يجب أن تنظر إلى باقي الإمكانيات المتاحة”. واستشهد الورديري بمثال جنيف الذي قبلت فيه الحكومة المحلية – بعد كفاح مرير من طرف الطائفتين المسلمة واليهودية معا – منح مربعات خاصة لدفن موتى الطائفتين في المقبرة الرسمية في شهر مايو 2007.
وبالنسبة للطائفة اليهودية تعتبر حالة جنيف حالة استثنائية لأن الجاليات اليهودية في كل من زيورخ، وبازل، وبرن، تمتلك مقابر أقيمت على قطع أرض خاصة، حيث أكدت نيكول بوويل، نائبة رئيس تجمع اليهود الليبراليين في سويسرا، بأن “مسالة المقابر الدينية ليست موضوعا مطروحا بالنسبة لنا نظرا لأنه تم الفصل فيه”.
سيمون برادلي- swissinfo.ch
(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: محمد شريف)
تمثل الجالية المسلمة في سويسرا حوالي 4،5% من مجموع السكان. وتنحدر غالبية المهاجرين المسلمين المقيمين في الكنفدرالية من جمهوريات يوغسلافيا السابقة وتركيا. كما تضم الجالية المسلمة في صفوفها أكثر من 100 جنسية.
تضاعف عدد المسلمين في سويسرا في العشرية الفاصلة ما بين عامي 1990 و 2000. ويعود السبب في هذا الإرتفاع الكبير إلى توافد أعداد ضخمة من طالبي اللجوء، بمن فيهم الفارين من ويلات الحرب في يوغوسلافيا سابقا.
يوجد حوالي 200 مسجد ومصلى في سويسرا ، ولكن أربعة منها فقط لديها مآذن. وفي 29 نوفمبر 2009، وافق الناخبون السويسريون بأغلبية 57،5% على مبادرة تهدف لمنع بناء مآذن جديدة في سويسرا. وجاء تنظيم الإستفتاء في أعقاب نقاشات حادة ومعارك قضائية على المستوى المحلي تلت طلبا تقدم به أحد المساجد لإضافة مئذنة فوق المبنى.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.