حوار إنساني في جنيف “قد يؤثر في المسار السياسي” للصراع في دارفور
يُعِدّ مركز هنري دينون للحوار الإنساني في جنيف لعقد جلسة حوار، تشمل الحكومة السودانية وأغلب المجموعات المسلحة المورطة في الصراع القائم في دارفور، لمناقشة القضايا الإنسانية وتعرض قوافل الإغاثة للهجوم والإختطاف. ومن المحتمل أن يُسهم هذا الحوار الإنساني الذي أبدت جميع الأطراف رغبة في استمراره، في تعزيز المفاوضات السياسية المتعثرة.
وعلى إثر الجلسات المتعددة التي عُقدت على انفراد، سواء في سويسرا أو في دارفور غرب السودان (آخرها كان في موفى شهر يوليو الماضي في جنيف)، صرح دونيز ماكنامارا، مستشار مركز هنري دينون للحوار الإنساني المكلف بملف دارفور لـ swissinfo.ch: “لو تمكّنا من عقد هذا الإجتماع الثلاثي بين الحكومة والحركات المنشقة والأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة والتوصل الى آلية فعلية، فسيكون ذلك بمثابة إسهام كبير ننسحب بعده لتسليم الموضوع للساهرين على الحوار السياسي”.
حوار إنساني!
عن طبيعة الحوار الإنساني، الذي ينظمه مركز هنري دينون، يقول السيد ماكنامارا: “نحاول إجراء حوار يجمع الحكومة السودانية والمجموعات المنشقة لمناقشة بعض القضايا الإنسانية الملحة، مثل اختطاف قوافل الإغاثة واتخاذ عمال الإغاثة كرهائن ومهاجمة المنظمات الإنسانية العاملة في الميدان، وقضايا أخرى، مثل تجنيد الأطفال واحترام حقوق النازحين وحرية التنقل، وكل ما له علاقة بحرية وصول المساعدات الإنسانية أو باختصار، كل الاهتمامات المتعلقة بالعمل الإنساني التي ترى المنظمات الإنسانية أنه من الضروري مناقشتها، سواء مع الحكومة السودانية أو مع المجموعات المنشقة”.
“وبما أنه حوار”، يقول دونيز ماكنامارا “فإنه يتم بدون توجيه أصابع اتهام ويدور وراء أبواب مغلقة ويسمح بإثارة المشاكل الإنسانية مباشرة بين الشركاء”.
من جهة أخرى، يوفر هذا الحوار الإنساني، فرصة للتعرف على احتياجات السكان في المناطق الخاضعة للمجموعات المنشقة، ويؤكد السيد ماكنامارا أنه “يمثل فرصة بالنسبة للمجموعات المنشقة لكي تعبّـر للمنظمات الأممية والمنظمات الإنسانية عن احتياجات المواطنين المتواجدين في المناطق الواقعة تحت إشرافها، نظرا لتعذر اتصال المنظمات الأممية مباشرة بالمنشقين”.
وعما إذا كان الحوار إنسانيا صرفا، يقول السيد ماكنامارا “إنه حوار إنساني محض، ولكن لا يعني أن مثل هذه اللقاءات خالية من مناقشة القضايا السياسية والأمنية، بل إنها تسير في اتجاه دعم أي مسار حوار سياسي”.
في المقابل، شهد الحوار مع الحكومة، بعض العراقيل خلال الستة أشهر الماضية، أي منذ إصدار المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لقرار توقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور، وإقدام حكومة الخرطوم على طرد عدد من المنظمات الإنسانية العاملة في الإقليم، لكن السيد ماكنامارا يؤكد أن “الحكومة السودانية أبدت رغبة في الأشهر الأخيرة من جديد في فتح هذا الحوار معنا وحتى مع المجموعات المنشقة بخصوص المواضيع الإنسانية”.
حوار تعود بدايته لعام 2004
كان مركز هنري دينون للحوار الإنساني الذي يتخذ من جنيف مقرا له من المؤسسات التي اهتمت مبكرا بالصراع القائم في إقليم دارفور، إذ استضاف في عام 2004 مجموعة من قيادات الحركات التي لم تكن معروفة آنذاك وباشر عملية فتح قنوات حوار معها ومع الحكومة السودانية.
ومنذ ذلك الحين، سجل المركز عدة خطوات في طريق هذا الحوار الإنساني، يعدّدها دونيز ماكنامارا، مستشار المركز بخصوص ملف دارفور بقوله: “لقد باشر المركز هذا الحوار في عام 2004 وواصله في مفاوضات السلام في أبوجا عام 2006، التي كانت مفاوضات سياسية للتعريف بكيفية تأمين حاجيات النازحين والمرحلين. وبعد فشل هذا المسار، تم تنظيم مفاوضات في مدينة سرت بليبيا في عام 2007 تحت إشراف وسيطي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إيلياسن وسليم سليم، وقد قمنا بدعمهما كمستشارين في المجال الإنساني… لأن أي اتفاق سياسي يجب ان يتضمن أيضا فقرة خاصة بالجانب الإنساني، وهذا يعني شروط عودة النازحين وتحديد الملكية وحقوق المرحلين”.
وكانت آخر المحاولات، تلك التي تمت في جنيف في أواخر شهر يوليو 2009 وجمعت ممثلين عن “حركة تحرير السودان” التي يقودها عبد الوحيد النور، بعد ان نظم المركز اجتماعا في العام الماضي مع ممثلين عن “حركة العدل والمساواة” و”حركة الوحدة لتحرير السودان”.
ويجري التخطيط حاليا لعقد اجتماع مع حركة عبد الوحيد النور خلال الشهرين القادمين، إما في جنيف أو في المنطقة. ويقول ماكنامارا “إننا نعتقد أن الحكومة السودانية ترغب في الإنضمام الى بعض من هذه الاجتماعات”.
ويشدد مستشار مركز هنري دينون للحوار الإنساني على “ضرورة مشاركة الحكومة السودانية في هذا الحوار أيضا، لأن هناك عمليات اختطاف وعراقيل تتم أيضا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، ونحن لا نقول إن الحكومة هي التي تقوم بذلك، ولكنها (أي العمليات) تقع في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ولذلك نحتاج لتعاون الحكومة السودانية”.
وتتمثل الغاية المثلى في التوصل الى تحديد “آلية دائمة، تجمع ممثلي المنشقين والحكومة السودانية والسلطات الأممية والمنظمات الإنسانية، لمناقشة قضايا مثل عمليات الاختطاف والهجوم على قوافل الإغاثة وعمال الإغاثة”.
نتائج فعلية على الأرض
ولدى سؤاله عن الفائدة من تنظيم حوارات من هذا القبيل، شدد دونيز ماكنامارا على أن أهميتها “تكمن في جمع ممثلي هذه الأطراف حول طاولة المفاوضات، لأن جمع ممثلي هذه الأطراف حول موضوع إنساني يكون أهون من جمعهم لمناقشة موضوع سياسي”.
لكن فائدة هذه الحوارات لا تقتصر على ذلك، بل عادة ما تكون لها نتائج عملية على سير نشاط المنظمات الإنسانية المتواجدة في الإقليم، ويُذكر السيد ماكنامارا بأن “برنامج الغذاء العالمي فقَـد الكثير من الشاحنات بسبب القرصنة وعمليات الإختطاف، وهذا ما دفعنا الى القول لممثل المنشقين: إذا ما استمرت عمليات الاختطاف، فشعبكم هو الذي سيعاني أكثر، لأن المواد الغذائية لن تستمر في الوصول الى المنطقة، وهذا ما دفعهم الى الاقتناع بضرورة القيام بما يمكن أن يقلل من هذه الظاهرة على الأقل”.
وبعد أن تم الإتفاق على إقامة خطوط اتصال ساخنة بين المنظمات الإنسانية وقادة هذه المجموعات المنشقة في حالة تعرض قوافل الإغاثة لهجوم أو عملية اختطاف، هناك حديث الآن عن استعادة حوالي 30 سيارة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي في المناطق الواقعة تحت سيطرة “حركة تحرير السودان”، التي يقودها عبد الوحيد النور لوحدها.
احتمال تنظيم اجتماع ثلاثي في جنيف
في الوقت الحاضر، يأمل الساهرون على حظوظ مركز هنري دينون للحوار الإنساني في إمكانية تنظيم لقاء ثلاثي، يجمع ممثلي الحكومة السودانية والحركات المنشقة في دارفور وممثلي المنظمات الإنسانية الأممية الدولية، وذلك بعد عقد اللقاء المرتقب خلال الشهرين القادمين مع “حركة تحرير السودان” بزعامة عبد الوحيد النور، والتمكن من إنجاز لقاء آخر مع الحكومة السودانية في الخرطوم.
ولدى سؤاله عن الموعد المحدد لعقد هذا اللقاء الثلاثي، أجاب دونيز ماكنامارا أن “المشروع يُخطط له خلال الأشهر الست القادمة، وإذا ما حالفتنا الظروف، قبل نهاية العام. وقد رحبت عدة دول بالفكرة وأبدت رغبة في تمويل اللقاء”.
وإذا كان مركز هنري دينون للحوار الإنساني يركز حواره لحد الآن مع اثنتين من كبار المجموعات المنشقة في دارفور وهي “حركة العدل والمساواة” و”حركة تحرير السودان” بزعامة عبد الواحد النور، فإن مستشار المركز المكلف بملف دارفور يعتقد بأنه “يجب توسيع النقاش لكي يشمل منظمات أخرى، مثل الميليشيات العربية أو ما يُعرف بالجنجاويد، التي تشارك في بعض الأحيان في هجمات على قوافل إغاثة وحتى على منظمات أخرى”.
وأيا كان موضوع الحوار، يقول السيد ماكنامارا في ختام حديثه لـ swissinfo.ch فإن “المهم أن تجتمع هذه الأطراف حول مائدة نقاش واحدة وأن يتطور هذا النقاش من نقاش حول قضايا إنسانية اليوم الى نقاش حول مواضيع سياسية في يوم آخر”.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
بعد أن زار المنطقة عدة مرات، يرى دونيز ماكنامارا، مستشار مركز هنري دينون للحوار الإنساني في معرض تقييمه للأوضاع الإنسانية في دارفور أن “هذه الأزمة التي أطلق عليها إسم الأزمة الإنسانية في دارفور، عرفت بعض التحسن خلال السنوات الأخيرة بعد أن أظهر نظام المساعدة الإنسانية الطارئة فعاليته، إذ هناك ما بين 12 الف و14 ألف من عمال الإغاثة، مما يجعل من برنامج الإغاثة في دارفور أكبر برنامج إغاثة في العالم بميزانية تفوق 700 مليون دولار سنويا”.
“.. هناك بعض المشاكل الأمنية في بعض المناطق، رغم تراجع عمليات القتال، لأنها ناتجة عن عمل مجموعات إجرامية وأمراء الحرب، الذين يهاجمون قوافل الإغاثة ويحتجزون الرهائن..”.
“.. وحتى المنظمات الإنسانية التي لم تتعرض للطرد، اضطرت للإنسحاب من بعض المناطق بسبب تعرض قوافلها وموظفيها للإختطاف..”.
“.. ما نحتاج له، هو أن تتحمل الحكومة والمجموعات المنشقة المسؤولية عما يحدث في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، حتى وإن لم تكن هي التي تقوم بذلك..”.
“.. إلى جانب الاهتمامات الأمنية، يمكن القول أن الوضع الغذائي مقبول، باستثناء الافتقار في بعض الأحيان للمياه، خصوصا بعد طرد بعض المنظمات المتخصصة في موضوع المياه..”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.