سلطات ميانمار على كرسي الإتهام في جنيف
عقد مجلس حقوق الإنسان يوم 2 أكتوبر دورة خاصة للنظر في أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار (بورما سابقا) بطلب من الاتحاد الأوروبي وصادق على قرار تم تليينه لتفادي معارضة الصين وبعض الدول الآسيوية.
القرار عبر عن الأسف لتواصل قمع المتظاهرين المسالمين في ميانمار وعمليات القتل والحبس التعسفي والاختفاءات، ودعا الحكومة إلى ضبط النفس والتخلي عن استخدام مزيد من العنف ضد المتظاهرين المسالمين.
للمرة الخامسة منذ تأسيسه في شهر مارس 2006، عقد مجلس حقوق الإنسان يوم الثلاثاء 2 أكتوبر 2007 دورة خاصة لمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار (بورما سابقا) عقب إخماد النظام هناك لمظاهرات شارك فيها الرهبان البوذيون والمواطنون والطلبة.
الدورة التي التأمت بطلب من دول الاتحاد الأوروبي وحصلت على دعم واسع من الدول الغربية ومن عدد من دول أمريكا اللاتينية انتهت باعتماد مشروع قرار تقدمت به دول الاتحاد الأوروبي، بالتوافق وذلك بعد إدخال تعديلات جوهرية عليه تحولت من “الإدانة” الى مجرد التعبير عن “الأسف”.
قرار تم تليين لهجته
القرار الذي تم اعتماده من قبل الدورة الخاصة حول ميانمار نص على “الأسف لإستمرار القمع العنيف للمظاهرات السلمية في ميانمار، بما في ذلك عمليات الضرب والقتل والاعتقال التعسفي والإختفاءات القسرية”.
كما طالب القرار سلطات ميانمار بـ “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبالقيام بتحقيق وتقديم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة بما في ذلك مرتكبي الانتهاكات خلال المظاهرات السلمية الأخيرة”.
وناشد قرار مجلس حقوق الإنسان سلطات ميانمار “الإفراج بدون تأخير عن المعتقلين في المظاهرات السلمية الأخيرة والإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في ميانمار ومن ضمنهم داو أونغ سان سو تشي، وبرفع كل القيود على النشاطات السياسية السلمية وبضمان حرية التجمع والتظاهر السلمي وحرية التعبير وحرية الإعلام وبالأخص من قبل وسائل الإعلام المستقلة”.
ومن الفقرات التي تم إدراجها في مشروع القرار لضمان اعتماده “بالتوافق” تلك التي “ترحب بقرار حكومة ميانمار قبول استقبال المستشار الخاص للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة إبراهيم غمبري”، ودعوة السلطات في ميانمار “للتعاون معه لإيجاد حل سلمي”، أو تلك التي تشجع كلا من حكومة ميانمار ومكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان على “الدخول في حوار لضمان الاحترام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية”.
كما ناشد القرار الذي صادق عليه مجلس حقوق الإنسان سلطات ميانمار “التعاون مع المنظمات الإنسانية والسماح لها بإيصال المساعدات الإنسانية بدون عرقلة لكل شخص محتاج في البلاد”.
إدانة صارمة للتجاوزات
إذا كانت فقرات القرار معتدلة نظرا للرغبة الأكيدة في الحصول على إجماع بشأنه، فإن الكلمات التي تليت من طرف مندوبي الدول في الجلسة الخاصة كانت حادة ومتباينة بين المجموعات الإقليمية المختلفة وخاصة المجموعتين الغربية والآسيوية.
فقد رحبت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز آربور، في خطابها أمام الدورة بمبادرة المجلس لعقد الدورة الخاصة، ووجهت التحية لـ “الطلبة ورجال الدين آلاف المواطنين العاديين الذين تظاهروا سلميا من أجل حقوقهم الأساسية”.
في المقابل، حذرت أربور السلطات في ميانمار “أن لا تعتقد بأن العزلة التي فرضتها على نفسها تبرؤها من كل المسؤولية”، وتساءلت المفوضة السامية عن مصير رجال الدين بعد وقف تظاهراتهم مطالبة الحكومة في ميانمار بـ “تقديم توضيحات حول تصرفها أثناء وبعد هذه المظاهرات وبالأخص تقديم أرقام دقيقة عن أعداد القتلى والجرحى”، كما جاء في الخطاب.
واعتبرت المفوضة السامية أن “مجلس حقوق الإنسان هو المحفل المناسب للتدخل”، منوهة إلى أن “على المجلس إفهام سلطات ميانمار بأن هناك ضرورة ملحة لاحترام الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان وبضرورة النظر في التجاوزات الماضية والحاضرة”.
من جهته، عبر باولو سيرجيو بينهيرو، المقرر الخاص المكلف بمتابعة حقوق الإنسان في ميانمار عن “صدمته لتصاعد أعداد القتلى والجرحى وبالأخص في صفوف رجال الدين والمارة”، كما أدان بشدة “استخدام القوة من قبل قوات الأمن، وفرض حضر على وسائل الإعلام وعلى استخدام شبكة الإنترنت”.
وحث المقرر الخاص مجلس حقوق الإنسان على مطالبة الحكومة في ميانمار بـ “القيام بتحقيقات وتقديم الأرقام الفعلية عن أعداد القتلى والجرحى”، منوها إلى أن “الإفلات من العقاب لن يستمر بالنسبة لمن قام بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”. وقد ذكّر المقرر الخاص بالمناسبة أنه سيقدم تقريره القادم حول ميانمار في 24 أكتوبر القادم.
نفس الشعور عبر عنه ممثل البرتغال باسم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حيث اشاد بمساندة 55 دولة من القارات الخمس عقد دورة خاصة للمجلس، معبرا عن القلق “لكون الحكومة في ميانمار عمدت لإستخدام القوة ضد المتظاهرين المسالمين”.
المندوب الفرنسي ذكّر بنداء رئيسه نيكولا ساركوزي الذي دعا فيه إلى “تشديد العقوبات الاقتصادية الأوروبية ضد رانغون”، كما طالب بـ “الإفراج الفوري عن كل الأشخاص المعتقلين بسبب ممارستهم لحرية التعبير والتجمع بشكل مسالم”.
أما ممثل بريطانيا فعبر عن “الانزعاج للعنف الذي حاولت الحكومة في ميانمار، عبثا، إخفائه عن أنظار العالم”، وأشار الندوب البريطاني إلى أن النظام في ميانمار “مسؤول عن سوء المعاملة التي ألحقها بشعبه طوال العشرين عاما الماضية مثل استخدام الاغتصاب كوسيلة حرب أو تجنيد ألأطفال، أو عرقلة المساعدات الإنسانية والإثراء على حساب الشعب”.
أما المندوب الأمريكي فقد عبر عن “الرعب لما قام به النظام في بورما من قتل واعتقالات وقمع في حق الطلبة ورجال الدين المسالمين”، وأضاف متسائلا “كم من شخص يجب أن يضاف الى قائمة القتلى، وإلى قائمة الجرحى والمعتقلين لكي تتوقف الطغمة الحاكمة عن التصرف وفقا لمصالحها والإستماع الى الشعب البورمي؟”، وذكر بقرار رئيسه جورج بوش القاضي بـ “تعزيز العقوبات المفروضة على القيادة البورمية من أجل المساعدة على إحداث تحول سلمي في البلاد”، على حد قوله.
أصوات أخرى
إذا كان كل المتحدثين الذين تدخلوا في هذه الجلسة وعددهم 58 قد عبروا عن القلق مما يحدث في ميانمار، فإن أصواتا عديدة أغلبها من المنطقة حاولت إضفاء بعد آخر على المشكل البورمي.
فقد أشار ممثل السلطات الحاكمة في ميانمار إلى أن “الجميع يعرف أن ميانمار بلد يخضع لضغوط سياسية قوية من بعض الدول الغربية”، ووصف ما يحدث في بلده بأنه “وضع معقد” معتبرا أن “المظاهرات الجارية في البلد ليست مجرد مظاهرات تعكس سخطا معينا، ومن ينظر لها كذلك يعتبر في قمة السذاجة”.
من ناحيته، اعتبر مندوب الفدرالية الروسية أن “ما يحدث اليوم في بورما أو ميانمار، لا يشكل خطرا على السلم العالمي”، وأضاف بأن “الأوضاع الإنسانية ليست مأساوية”، واختتم كلامه بتحذير المجموعة الدولية ودعوتها لـ “التوقف عن التدخل في أوضاع داخلية، وبدل ذلك مساعدة السلطات على تطبيق مخططاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية”.
مندوب كوبا نصح المجموعة الدولية بـ “العدول عن انتهاج نهج العقوبات والمواجهة، لأن العقوبات لم تعمل لحد الآن إلا على تعميق الأزمات التموينية التي يعاني منها الشعب البورمي يوميا”.
أما الصين التي تعد الحليف الأول والرئيسي للنظام القائم في ميانمار والتي لعبت دورا رئيسيا في تجنب الإدانة في مجلس الأمن فقد أشار مندوبها في المجلس إلى أن “ميانمار تواجه مشاكل تنموية عديدة وأن على المجموعة الدولية أن تقدم لها يد الدعم للقضاء على الفقر”، كما عبر عن الأمل في أن “تتمكن السلطات في بورما من الحفاظ على وحدتها الوطنية وان تستعيد الاستقرار قريبا”.
اقتراحات سويسرية عملية
في مداخلته، ذكّر الممثل السويسري بان الكنفدرالية كانت من بين الدول التي طالبت بعقد الدورة الخاصة بالأوضاع في ميانمار، واعتبر أن “المجلس برهن على أنه قادر على الرد بسرعة على أوضاع مماثلة”.
وبعد أن عدد التجاوزات المرتكبة في الأيام الأخيرة، عبر السفير بلين غودي عن “قلق سويسرا العميق بخصوص الأوضاع الإنسانية”، كما وجه نداءا إلى السلطات الحاكمة في ميانمار من أجل “السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر باستئناف نشاطاتها في كامل التراب البورمي، وتسهيل دخول المنظمات الانسانية وبالتعاون مع المنظمات الأممية، واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بالسماح لكل المواطنين بالحصول على الغذاء والعلاج والملبس والسكن اللائق”.
وانتهى المندوب السويسري إلى القول بأن “طريق المصالحة الوطنية يمر أيضا عبر تحسين ظروف عيش المواطنين”.
إجماع حقيقي أم ظاهري؟
رئيس مجلس حقوق الإنسان الروماني دوروس رومولوس كوستيا هنأ نفسه “بكون المجلس استطاع أن يقدم البرهان على أنه قادر على إصدار رد فعل تجاه وضعية طارئة”، مشددا على أن مجلس حقوق الإنسان “عاد الى أسلوب العمل الفعلي بعيدا عن التشدد في المواقف بين الكتل”، في إشارة الى ما شهدته الدورات الخاصة حول قضايا الشرق الأوسط من تجاذبات.
المقرر الخاص المكلف بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في ميانمار باولو سيجيو بينهايرو وصف من جهته نتائج الدورة الخاصة بأنها “إجماع تاريخي”، ونوه بمشاركة جميع المجموعات الجغرافية في تحقيق هذه النتائج معتبرا أن القرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان يمثل “إشارة قوية موجهة للنظام في ميانمار”.
وفي انتظار معرفة ما إذا كان لقرار مجلس حقوق الإنسان أي تأثير على مواقف وتصرفات النظام الحاكم في ميانمار (وبالتالي على واقع المتضررين من تجاوزاته)، وهل ستتم الإستجابة لمطالب المجلس التي تشمل الإفراج عن المعتقلين والتوقف عن ممارسة القمع والسماح للمقرر الخاص بزيارة البلاد، لا يمكن الجزم بأن الإجماع الظاهري الذي شهده المجلس يوم 2 أكتوبر يمثل “حدثا تاريخا” بل يجب انتظار ما إذا كان سيتجدد عند اندلاع أزمات مشابهة في مناطق أخرى من العالم تتميز بتوازنات وحسابات سياسية واقتصادية مغايرة.
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
حصلت بورما، (التي تسمى رسميا اتحاد ميانمار منذ عام 1989)، وهي مستعمرة بريطانية سابقة على استقلالها في عام 1948. وفي عام 1962، وضع انقلاب عسكري قاده الجنرال ني فين حدا لمحاولة الحكومة الشابة إقامة نظام ديمقراطي.
تعيش ميانمار (بورما) منذ 45 عاما في ظل ديكتاتورية عسكرية. وقد أدى إلغاء الأحزاب السياسية وتأميم الاقتصاد والقمع الشديد للحريات إلى عزل البلد عن بقية العالم.
في عام 1988، قمعت الطغمة العسكرية الحاكمة بالقوة، حركة احتجاج طلابية استمرت عدة أسابيع، ما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وإصدار أحكام طويلة بالسجن على قادة الاحتجاجات.
في عام 1990، تم تنظيم انتخابات حرة فازت فيها الرابطة الوطنية للديمقراطية بزعامة أنغ سان سو شي بأكثر من 80%، لكن الطغمة العسكرية الجديدة رفضت تسليم السلطة وأقدمت على اعتقال زعمار الرابطة، ومن ضمنهم آنغ سان سو شي، التي تخضع اليوم للإقامة الجبرية.
إثر الإعلان في منتصف شهر أغسطس 2007 عن ترفيع كبير جدا ومفاجئ في أسعار المحروقات، نزل المواطنون إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم. هذا التحرك الواسع، قاده الرهبان البوذيون.
على الرغم من النداءات المتكررة الصادرة عن المجموعة الدولية، أقدم العسكريون الممسكون بالسلطة على قمع المظاهرات بالحديد والنار.
يوم الثلاثاء 2 أكتوبر، التقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إبراهيم غامباري بالجنرال ثان شوي، المتزعِّـم للطغمة العسكرية الحاكمة في ميانمار لمحاولة العثور على حل متفاوض عليه للأزمة التي يمر بها البلد.
التقى إبراهيم غامباري أيضا، للمرة الثانية، مع أونغ سان سو شي، الشخصية البارزة في المعارضة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، التي قضت 12 عاما تحت الإقامة الجبرية.
أسفرت المظاهرات التي نُـظمت الأسبوع الماضي عن مقتل 13 شخصا على الأقل (تتحدث مصادر قريبة من أوساط المعارضة عن حوالي 200 قتيل) وعن اعتقال حوالي 6000 متظاهر.
نصحت وزارة الخارجية المواطنين السويسريين بعدم السفر إلى ميانمار في الظرف الراهن.
سبق للوزارة أن دعت المواطنين السويسريين المتواجدين في ميانمار، إلى الابتعاد عن مظاهرات الشوارع المناهضة للحكام العسكريين.
يوجد حاليا حوالي 50 سويسريا مقيمين في ميانمار، وتقول وزارة الخارجية إنها على اتصال مع الجالية السويسرية هناك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.