لأول مرة.. دول عربية تتصدر قائمة الدول المانحة للأمم المتحدة!
في ظاهرة غير مألوفة، أدرجت مساعدات قدمتها بلدان عربية في مقدمة الدول المانحة لبرنامج المساعدات الطارئة للأمم المتحدة، حيث جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثالثة بـ 50 مليون دولار، وبلغت مساهمة دولة مثل تونس مليون دولار. وقد أشاد نائب الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالشؤون الإنسانية جون هولمس بهذا التحول في ندوة صحفية عقدها في جنيف.
ومن المؤكد أن المتصفح لقائمة الدول التي لبت النداء الذي وجهته الأمم المتحدة من أجل المساعدة الطارئة لهايتي عقب الزلزال المدمر الذي ضربها في شهر يناير الماضي، يلفت نظره احتلال المملكة العربية السعودية للمرتبة الثالثة وراء الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
هذا التطور نوه به نائب الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالشئون الإنسانية السيد جون هولمس في ندوة صحفية عقدها صباح الثلاثاء 2 فبراير 2010 في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف وقال: “نحن جد سعداء لسماع بأن المملكة العربية السعودية ستشارك بـ 50 مليون دولارا في النداء العاجل لمساعدة هايتي، وهو ما سيسمح لنا بالتعجيل بتقديم المساعدات لمستحقيها في هذا الوقت الحرج”. وأضاف السيد هولمس: “ولي أمل في أن تتبع دول أخرى في المنطقة نفس المثل”.
وبالنظر إلى ردّ دول العالم على النداء الخاص بهايتي، استخلص نائب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أن “الإستجابة كانت دولية، وأن المثير للانتباه هذه المرة، والمثلج للصدور، هو أن عددا من الدول الإفريقية والدول النامية التي ليست بالغنية، سارعت إلى الإستجابة للنداء الطارئ لمساعدة هايتي”.
ومن هذه الدول يمكن ذكر تونس التي ساهمت بمليون دولار، والجزائر بنصف مليون دولار في النداء العاجل ونصف مليون دولار خارجه، والمغرب بمليون دولار خارج نطاق النداء العاجل.
غياب له عدة أسباب
وفي الواقع، يلاحظ المتابع لتصرف البلدان العربية في مجال المساعدة الإنسانية أن هذه الدول لا وجود لها إلا نادرا في الإحصائيات الأممية نظرا لنفورها التقليدي من الإسهام في النداءات العاجلة التي تطلقها المنظمات الأممية والدولية. ولكن هذا لا يعني عدم إسهامها في المجهود الإنساني الدولي للتخفيف من معاناة المتضررين من الكوارث الطبيعية أو البشرية في شتى بقاع العالم. بل نجد في بعض الأحيان (مثلما هو الحال في الكوارث المتكررة بالأراضي الفلسطينية المحتلة)، أنها كثيرا ما تكون الأكثر سخاء في تقديم الدعم دون أن يتصدر الحديث عن ذلك عناوين الصحف.
ولعل السبب في ذلك يعود من ناحية إلى قيم ثقافية ودينية تملي على مقدم المساعدة أن يحجم عن الإعلان عن ذلك مخافة أن يفسد عمله الخيري، أما السبب الثاني الذي يُبقي تلك المساعدات بعيدا عن الإحصائيات الدولية ووسائل الإعلام، هو أن المساهمة العربية عادة ما تتم بطريقة ثنائية (إما من دولة لدولة، أو من جمعية الهلال الأحمر الوطنية إلى جمعيات الهلال أو الصليب الأحمر في البلد المتضرر، أو إلى جمعيات ومنظمات إنسانية إسلامية عاملة في البلد المعني).
تحفظات لا زالت سائدة
في المقابل، لا بد من التنويه إلى أن النفور التقليدي للدول العربية من تحويل المساعدات الإنسانية عبر المؤسسات الأممية وتفضيل تقديمها إما مباشرة للدولة المتضررة أو لمنظماتها الإنسانية يعود سببه إلى تحفظات ترتبط بالموقف التقليدي لمعظم العواصم العربية من المنظمة الأممية وبالتحديد من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “اونروا” التي أنشئت – باعتقاد الأطراف العربية – “حسب المقاس” لرعاية اللاجئين الفلسطينيين في كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا والأردن ولبنان، في الوقت الذي تقوم فيه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين برعاية كافة المسائل المتعلقة باللاجئين في بقية أنحاء العالم بمن فيهم الفلسطينييون المتواجدون خارج المناطق والبلدان الآنفة الذكر.
وعلى الرغم من تثمين الدول العربية عادة للدور الذي تلعبه الأونروا ولما قدمته من خدمات ومساعدات على مدى أكثر من 60 عاما في رعاية أمور الفلسطينيين وتقاسم المآسي معهم ، فإن الحكومات العربية لا زالت لديها حساسية من دعم منظمة تعتقد أنها أسست للإنقاص من حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتركهم خارج نطاق الحماية القانونية التي توفرها بنود المعاهدة الدولية والمنظمة الدولية المعنيتين باللاجئين في العالم أجمع.
بداية تحول؟
مع ذلك، يلاحظ المراقبون منذ فترة أن العديد من المنظمات الأممية بادرت بالتحرك في إتجاه الدول العربية الغنية، وبالأخص في منطقة الخليج من أجل إقناعها بجدوى المساهمة في تمويل النشاطات الإنسانية التي تقوم بها الأمم المتحدة بمختلف آلياتها والمنظمات التابعة لها.
وقد نجحت بعض المنظمات الأممية كالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إقامة جسور متينة مع بعض الدول مستعينة في ذلك بإطارات عربية تعمل لديها. كما انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة اختيار سفراء النوايا الحسنة من ضمن أبناء عائلات مالكة أو رياضيين دوليين، أو فنانين وممثلين عرب مشهورين، نذكر منهم الفنان عادل إمام والرياضي زين الدين زيدان.
في الوقت نفسه، عرّضت “الحرب ضد الإرهاب” التي شهدها العالم في حقبة حكم الرئيس جورج بوش، العديد من المنظمات الإنسانية العربية والإسلامية التي كانت تستخدمها عدة بلدان عربية وإسلامية لتوزيع المساعدات الإنسانية وإصال المعونات، الى مضايقات ومتابعات بلغت حدّ تصنيف البعض منها ضمن المنظمات “الممولة للإرهاب”.
ومن المحتمل أن تكون هذه العوامل مجتمعة قد أقنعت بعض الدول العربية بضرورة تغيير موقفها من تمويل البرامج الإنسانية الأممية. وهو توجه بدأت تظهر بوادره الآن من خلال مشاركة المملكة العربية السعودية بحوالي 50 مليون دولار في تلبية نداء الأمم المتحدة لإغاثة منكوبي زلزال هايتي المدمر.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
تقول الأمم المتحدة إن النداء العاجل الذي وجهته للمجموعة الدولية من أجل تلبية حاجيات المتضررين من الزلزال الذي ضرب هايتي، والمقدر بحوالي 575 مليون دولار، قد تمت تلبية 83% منه لحد اليوم (أي أنها تلقت تعهدات من الدول المانحة تناهز قيمتها 476 مليون دولار)
في المقدمة تأتي الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 114 مليون دولار (أي 23،9%)
وتحتل كندا المرتبة الثانية بحوالي 57 مليون دولار (أي 12%) ثم العربية السعودية بــ 50 مليون دولار (أي 10،5%) من إجمالي الإحتياجات.
فرنسا تاتي في المرتبة السابعة بحوالي 17 مليون دولار، أما بريطانيا فتأتي في المرتبة الثالثة عشرة بحوالي 5،3 ملون دولار.
وتأتي سويسرا في المرتبة 18 بحوالي 1،5 مليون دولار.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.