مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دعوة إلى عدم تحويل المسلمين إلى أكباش فداء

يقطن سويسرا حوالي 340 ألف مسلم ينحدرون من أكثر من 100 دولة في العالم Keystone

أعلن المكتب الفدرالي لمكافحة العنصرية صباح الجمعة 1 سبتمبر رأيه في تطور أوضاع الأقلية المسلمة في سويسرا؛ في شكل تقرير رصد فيه أبرز المشاكل التي تواجهها، مع ملاحظات واقعية وتوصيات كثيرة.

لكن هذا الرأي يبقى مجرد وثيقة غير ملزمة لأية طرف من الأطراف المعنية، رغم أن ما فيه يبعث على القلق.

وضع التقرير الفدرالي حالة الجالية المسلمة في سويسرا في 14 نقطة، تبدأ من انعكاس الأحداث الدولية على نظرة الرأي العام للجالية، دون مراعاة خصوصيتها وأنها ليست بالضرورة مثالا مصغرا لما تقوم به مجموعات أو فئات تنمي إلى الإسلام في بقاع مختلفة من العالم، وحتى على الصعيد الأوروبي، فقد لاحظ التقرير بأن هناك فرق واضح بين سلوك الجالية في سويسرا، مقارنة مع غيرها من الدول الأوروبية.

كما يرى بأن الحديث مع المسلمين وليس عنهم، قد بدأ متأخرا، لاسيما عند دمغ المسلمين بشكل عام بالإرهاب، وعدم إتاحة الفرصة لممثلي الجالية المسلمة للتعبير عن رأيها ووجهة نظرها في الأحداث، فضلا عن إغفال ما وصفه التقرير بالحقيقة الهامة في أن أغلب ابناء الجالية ليسوا من المسلمين الملتزمين بقواعد وأحكام الشريعة.

ويقول المهندس فاتح دورسون عضو اللجنة، في حواره مع سويس انفو، بأن الطرفين غير متكافئين فيما يعرفانه عن بعضهما البعض، فالسويسريون غير المسلمين لا يعرفون الكثير عن الجالية التي تعيش بينهم، رغم مشاركتهم لهم في الحياة العامة والعملية، وهو ما يخلق نوعا من عدم التوازن عند الحديث عن مشاغل الجالية وهمومها.

في المقابل يقول التقرير بأن سلوك المسلمين في المجتمع السويسري وأسلوب تعاملهم مع القضايا القومية والمشكلات العامة، له دوره الأكيد في قبولهم أو رفضهم في النطاق الذي يتحركون فيه، إذ يختلف تعامل الرأي العام السويسري مع ابناء الجالية وفقا للمستوى الثقافي والمهني، لكن هذا التعامل أيضا يكون مشوبا بصور نمطية سلبية مختلفة.

كما يلعب الإعلام دورا في الترويج لتلك الصور النمطية السلبية، من خلال استخدام كلمات ومصطلحات مختلفة مثل “الأصولية الإسلامية” و”الإسلاميون” و”التطرف” و”العنف” و”الإرهاب” وربطها بالمسلمين دون غيرهم، وإن كان التقرير قد تحاشى توجيه نقد مباشر لوسائل الإعلام على هذا الدور السلبي في التعامل مع قضايا الجالية المسلمة.

ساسة مستغلون وجالية تسعى للحوار

في الوقت نفسه لا يغفل التقرير دور بعض القيادات السياسية في استخدام تلك الصور النمطية عن المسلمين لتحقيق مآرب خاصة وأهداف محددة، مثل استخدام التخويف من المسلمين في الحملات الإنتخابية أو الدعايات التي تسبق التصويت على الإستفتاءات الشعبية العامة المتعلقة بأوضاع المهاجرين أو تعديل أوضاع المهاجرين واللاجئين.

وفي هذا الصدد يقول دورسون (سويسري من أصل تركي) بأن غياب الثقة في الجالية المسلمة، والرفض المتوالي للتواصل معها بوضع أبنائها في صورة المتزمتين الرافضين لكل ما هو سويسري، هو توجه خطأ لا ينسجم مع واقع الجالية التي ترحب بأي حوار، وفق ما أكدت تجارب مختلفة لا سيما في المناطق التي ينتشر المسلمون فيها بكثافة عالية، مثل منطقة زيورخ الكبرى وبازل وجنيف.

أما الجالية المسلمة نفسها، فيرى التقرير بأنها فشلت في التحدث إلى الرأي العام السويسري بصوت واحد بعد كل أزمة تتعرض لها، ولم تتمكن من تنسيق صفوفها للتعبير عن احتياجاتها ومتطلباتها والحديث إلى السلطات والمتخصصين، رغم أنها أعربت عن وجهة نظرها تجاه أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال ردود فعل مختلفة، كشفت عن وجود أطياف علمانية بين ابناء الجالية.

الإيجابية الجيدة التي رصدها التقرير، كانت رغبة المهتمين بشؤون الجالية في الحوار الداخلي حول مفهوم المواطنة في الإسلام، والعلاقة بين الدين والدولة ومشكلات الإندماج ,اهمية الدين في المجتمعات الأوروبية.

لكن الصورة العامة كما يرسمها التقرير، هي أن المسلمين في سويسرا أصبحوا خلال العقد الأخير دائما كبش الفداء، يتحملون وذر ما يحدث في العالم نتيجة أحداث سياسية جسيمة في أفغانستان والعراق على سبيل المثال.

أمثلة من القمع في الحياة اليومية

ومن بين الأمثلة المتعددة التي رصدها التقرير حول ما وصفه بالقمع الذي يعاني منه المسلمون في الحياة اليومية: الجدل العنيف حول قرار المحكمة الفدرالية العليا في لوزان الصادر عام 1993، بعدم إرغام التلميذات المسلمات على المشاركة في دورس تعليم السباحة المدرسية أو الأنشطة الأخرى التي قد تتعارض مع قيمهن، ويرى التقرير بأن انتقاد بعض الأطراف بهذا القانون اطلق العنان للهجوم على ما يمكن أن يوصف بالحقوق المضمونة بموجب الدستور والقانون.

كما ينتقد في الوقت نفسه نشر الأفكار التي تدعم وتؤيد فكرة صراع الحضارات والثقافات بين الشرق والغرب، ويعتبرها الوقود الذي يغذي الروح العدائية بين أطياف المجتمع، لاسيما وأنها تضع الإسلام كعدو وليس كشريك حضاري، وبالتالي ينعكس هذا بشكل أساسي على الجالية المسلمة في سويسرا، ويترك آثارا واضحة على التعامل مع ابناء الجالية، في المؤسسات التعليمية والبحثية، وفي أوجه الحياة العامة، مما يعوق عملية الإندماج التي تؤيدها أطراف مختلفة وتسعى لإنجاحها.

أما تصنيف الأقليات المقيمة في سويسرا بين جيدة وسيئة طبقا للإنتماء العرقي والديني، وعلى اساس صور نمطية سلبية، فقد وجدها التقرير أسوأ انواع القمع لأنها تضع مجموعة بأكملها في قالب قبيح، وتستغل الصور النمطية السلبية لتوجيه انتقادات هي في الأساس ذات طابع عنصري.

كما يجد التقرير أن الحديث الدائم عن اندماج الجالية المسلمة، دون النظر إلى الإيجابيات التي تحققها في هذا المجال، هو انكار لحقيقة واقعة، وهي أن أغلبية ساحقة من ابناء الجالية تتقن اللغة، وتعرف القوانين جيدا، وتمارس دورها في الحياة العامة بشكل عادي، لا يدعو للريبة أو الشك في انتمائها لهذا المجتمع.

ولم يغفل التقرير بالطبع المشكلات التي تعاني منها الجالية للحصول على تراخيص بناء المراكز الإسلامية أو اجراء تعديلات عليها لتشييد مآذن رمزية أو الحصول على مقابر وفقا للشريعة الإسلامية أو صعوبات في الحصول على فرصة عمل أو استئجار منزل أو غيرها من المشكلات التي تكاد تكون يومية.

وينصح دورسون – الذي يمثل أيضا اتحاد المنظمات الإسلامية في زيورخ (VIOZ) – بضرورة كسر ما وصفه بجدار الخوف بين الجانبين، فالجالية أثبتت بأن الأصولية والتطرف لا مكان لهما بين أبنائها، والطرف غير المسلم من السويسريين يتحمل أيضا مسؤولية التعرف على هذا الجار القريب الغريب، حسب وصفه، وهذا لا يأتي إلا بالحوار وطرح الأفكار والتعاون على مواجهة الصعاب وليس دعمها.

توصيات تبحث عن تنفيذ

أما الجزء الأخير من التقرير فقد تضمن 23 توصية، نجحت اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في تصنيفها على حسب جهة الإختصاص التي يجب أن تنظر إليها بعين الإعتبار.

فالمجتمع المدني مثلا عليه احترام الخصوصية الثقافية والدينية للمسلمين في العمل والدراسة والحياة العامة، وأن يسعى الطرفان للتقارب والحوار والتفاهم، بدلا من الإنكفاء عن الذات وتعزيز الصور النمطية السلبية، إذ يعتقد التقرير بأن التفكير الجماعي في المشكلات هو أقصر الطرق للوصول إلى الحلول.

أما السلطات الفدرالية والمؤسسات السياسية، فقد اختصها التقرير بتسع توصيات، تبدأ بحثها على النظر إلى الدستور والقوانين ذات الصلة والمعاهدات والإتفاقيات الدولية التي لسويسرا مشاركة كبيرة فيها، للعمل على ضوئها للمساهمة في خلق التوازن بين أبناء الجالية المسلمة والمجتمع السويسري، وهو ما يعني تطبيق قوانين حماية الأقليات على الجالية المسلمة أيضا.

ويضع التقرير مسؤولية الإعتراف بالجالية المسلمية على عاتق الحكومة الفدرالية، والهيئات التابعة لها، حرصا على تجانس النسيج الإجتماعي بشكل بناء، وهذا يتطلب أيضا توفير خصوصيات المسلمين من اللحم المذبوح وفقا للشريعة، لتسهيل الحياة اليومية العادية لابناء الجالية المتمسكين بمبادئ دينهم.

كما من المفترض (وفقا للتوصيات) ألا تكون “محاربة الإرهاب” هي الستار الذي يتم من ورائه انتهاك خصوصيات الأفراد مثل التجسس على مراسلاتهم وتحركاتهم، بينما يجب على الأحزاب السياسية ألا تستعمل المسلمين أو اية ديانة أخرى في الدعايات السياسية بما يتناسب مع برامجها الإنتخابية.

ولأن النظام الفدرالي يعطي للكانتونات صلاحيات واسعة، فقد نصحها التقرير بعدم عرقلة بناء المراكز والمقار التي يجتمع فيها شمل أبناء الجالية، والمرونة في التعامل مع طلبات الحصول على المقابر الخاصة وفقا لتعاليم المسلمين.

ولم يغفل التقرير دور المدارس والهيئات التعليمية، فأوصى بضرورة إنشاء مناصب أكاديمية متخصصة للعلوم الإسلامية في الجامعات والمعاهد العليا تعمل على تأهيل الراغبين في التعمق في هذه المجالات، وان تحرص المدارس على المساواة بين التلاميذ انطلاقا من احترام عقائدهم الدينية، وتوفير الأجواء المناسبة لذلك داخل المؤسسات التعليمية، بما في ذلك مح المسلمين أيضا عطلا في مناسباتهم الدينية الهامة.

وباستحياء شديد يشير التقرير إلى دور الإعلام الذي “لا يجب أن يربط بين الأحداث العالمية وبين الجالية المسلمة في البلاد، وعدم اللجوء إلى العناوين البارزة والصور غير المناسبة عند التعرض لشؤون الجالية المسلمة”، مع الحرص على التواصل والحديث مع أبنائها في كافة الموضوعات التي تتعلق بهم، بدلا من الحديث عنهم في غيابهم.

لخص التقرير حالة الجالية المسلمة في سويسرا، فرصد التغيرات والمشكلات ووضع التصورات والحلول، وهو وثيقة في حد ذاتها، حتى وان نظر إليها من أعدوها على أنها مجرد “رأي”.

سويس انفو – تامر أبو العينين – برن

يقيم في سويسرا وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء 340000 مسلم ينحدرون من أكثر من 100 دولة.
يشكل المسلمون وفقا لإحصائيات عام 2000 نسبة 4,3% من تعداد السكان، بعدما كانو 2.2% في عام 1990.
ينحدر أغلب مسلمي سويسرا من تركيا ودول منطقة البلقان
تتوزع الخريطة الدينية في سويسرا على النحو التالي:
42% كاثوليك
35% بروتستانت
11% ملحدون
4.26% مسلمون
4.33% لا يهتمون بالأديان
2% أرثوذكس
1.41 ملل ونحل مختلفة
0.24% يهود

يدأت اللجنة الفدرالي لمكافحة العنصرية أعماله في 23 أغسطس 1995، بتكليف من الحكومة الفدرالية للمساهمة في رصد قمع الأقليات العرقية والدينية ومحاولات تقديم أفكار حول كيفية مواجهتها.
أصدرت اللجنة عدة دراسات حول أشكال مختلفة من الميز العنصري في سويسرا وسوء معاملة الأقليات.

يحمل التقرير اسم ” الأغلبية والأقلية المسلمة في سويسرا – رأي اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية في تطور حالة المسلمين” ويقع في 48 صفحة من القطع الكبير.

تم تقديمه في مؤتمر صحفي بالعاصمة برن، صباح الجمعة 1 سبتمبر 2006.

انطلق التقرير في بدايته بإلقاء الضوء على تعريفات هامة لبعض المصطلحات المتعلقة بالإسلام، يقول بأنها منتشرة بشكل كبير في المجتمع السويسري، ثم انتقل إلى بنود القانون ونصوص الدستور التي تنص على حماية الأقليات على اختلاف انتمائتها العرقية والدينية والثقافية وتجرم الحض على كراهية الآخرين.

ركز الجزء العملي من التقرير، على رصد ملاحظات أعضاء اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية على التغيرات التي طرأت على حالة المسلمين في سويسرا خلال الفترة ما بين 1996 و 2006، ثم تطرق إلى صور من القمع الذي يواجهه المسلمون في حياتهم اليومية، واحتتمه بتوصيات إلى الحكومة الفدرالية والكانتونات والمجتمع المدني والإعلام وأجهزة التعليم.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية