دماء تسيل.. وأحلام تتلاشى.. وأسئلة بلا أجوبة
مرة أخرى، يُـوحـد الدم بين الجزائريين والمغاربة. وكما في خمسينات القرن الماضي، يسيل الدم الجزائري والمغربي والتونسي في الشوارع من أجل مستقبل، كان يبدو في الخمسينات مشرقا وواعدا، لكنه أضحى في العقد الأول من القرن الحالي، قاتما أسودا.
كان الأمل الذي يحذو شعوب المنطقة المغاربية في خمسينات القرن الماضي بأن نهاية مسيرة الدم ستكون استقلال الوطن عن الاستعمار والوحدة لدول المنطقة والحياة الكريمة للمواطن، لكن نصف القرن الماضي كذب هذه الآمال وفتح الباب بوجه المجهول.
الدّم سال والاستقلال رفرف أعلاما في الشوارع وعلى الصواري المرفوعة فوق المؤسسات الرسمية، فيما بقي أمل الوِحدة يزحف بعيدا، حتى ولو خدع النظر وبان أنه يقترب.. أما الحياة الكريمة فيسمع عنها المواطن ولا يراها، لا في عمل يضمن لُـقمة عيش شريف ولا في مدرسة تضمن إزالة غمامة الجهل من عقول أبنائه ولا مستشفى يضمن علاجا مؤمنا.
واليوم، عادّ الدم للسيلان دون أن يحمل أملا أو يُـصور حُـلما للمنطقة المُـمتدة من السلوم في ليبيا إلى نواكشوط في موريتانيا وما بينهما من جغرافيا وتضاريس. فما تعرفه الشوارع هذه الأيام، دمٌ يُـراق على مذبح مجهول لم يحدِّد هدفا له إلا الموت أو الانتحار مَـمزوجا بشعارات “العداء لما هو قائم” ومغطّـى بأقدس مقدسات الإنسان في المنطقة، وهو الدين الإسلامي الحنيف.
وتقف حكومات المنطقة، ومعها نخبها السياسية والفكرية، عاجزة عن فهم أو شرح ما يجري وتبريره والعثور على منطق يستند إليه، وإن كانت توقفت – على الأقل في التعاطي مع ما عرفته شوارعها مؤخرا – عن تبادل الاتهامات وتحميل بعضها البعض مسؤولية ما تشهده، وأصبحت تكتفي إما بصبغ مسبِّـبات الدّم بعوامل محلية أو بتوجيه إشارات لـ “حاقدين في الخارج”.
وفي كل الحالات، تتجاهل الحكومات والنُّـخب أنها دفعت المنطقة طوال العقود الخمس الماضية في أتون خلافات تطورت أحيانا إلى مواجهات وحروب أسالت هي الأخرى الدِّماء على مذبح العبث والموت بلا رسالة.
وبدل أن تدفع الدِّماء التي تَـسيل في شوارع الدار البيضاء والجزائر، حكومتي البلدين نحو تعاون مُـثمر في الميادين، الاقتصادية والثقافة والاجتماعية، يصُـد موجات العنف الذي يطل برأسه، تواصل تنازعها الدائر باستمرار منذ بداية ستينيات القرن الماضي (مع “حرب الرمال” تحديدا)، وإن كان قد اتخذ منذ منتصف السبعينات عنوانا جديدا باسم نزاع الصحراء الغربية.
نزاع الصحراء الغربية
كان النزاع الصحراوي، الذي أفرزه اتفاق بين المغرب وإسبانيا، التي كانت تستعمر المنطقة المعروفة دوليا بالصحراء الإسبانية أو الساقية الحمراء ووادي الذهب أو الصحراء الغربية، يحتل صدارة القضايا المغربية الجزائرية.
وإذا تراجعت مرتبة هذا النزاع في قائمة القضايا المعلقة بين البلدين، فإن الجميع، أطرافا ومعنيين ومراقبين، يُـدركون أن قضية الصحراء هي القضية الأولى، وأن تراجعها ليس أكثر من ظاهرة مؤقتة أملتها إكراهات آنية على الطرفين، وإن كانت في بعض الأحيان “اضطرارات” إيجابية على غِـرار ما شهدته المنطقة في نهاية الثمانينات من انفتاح جزائري مغربي أدى إلى قيام اتحاد المغرب العربي في فبراير عام 1989.
وعلى ضوء ما تعرفه المنطقة من حِـراك هذه الأيام، يتمثل في “مبادرات” صادرة عن أطرافه لتسويته، قد يكون نزاع الصحراء الغربية متجها نحو المزيد من التعقيد والتعثر أو لانفتاح جديد بين الجارين الشقيقين اللدودين، المغلقة حدودهما البرية المشتركة منذ عام 1994.
وقد يكون حِـراك المبادرات الحالي مؤشرا على وجود “جديد إيجابي” يطبخ خارج المنطقة بين الجزائر والمغرب لمواجهة عنف الجماعات الأصولية المتشددة، حتى وإن اختلف حجم فعل وتأثير هذه الجماعات في البلدين.
عنف يهدد استقرار وأمن البلاد
فالعُـنف في الجزائر، التي عرفت يوم 11 أبريل الجاري هجمة انتحارية استهدفت مقر رئاسة الحكومة في قلب العاصمة وأسفر عن عشرات القتلى والجرحى، بلغ من التجربة أكثر من 15 عاما، وهو غيره في المغرب، الذي لم يظهر منه يومي 10 و14 أبريل وقبله 11 مارس، إلا انتحاريين مُـفترضين يفجِّـرون أنفسهم دون أن يعلنوا إسم الجماعة التي ينتمون إليها أو الهدف من عملياتهم والرسالة من انتحارهم.
وهذا العُـنف في كل الأحوال عنف يهدِّد استقرار البلاد وأمنها ومواطنيها، وهو ما يفرض بالمنطق تعاونا أمنيا ممزوجا بروح انفتاح على التعاون في كل الميادين وعدم تكرار تجربة 1992 إلى 1999، حين خاضت الجزائر حربها ضد العنف وحيدة، فيما كان المغرب في السنوات الأولى يغضُّ الطَّـرف عن النشطين الأصوليين الجزائريين في عبورهم الأراضي المغربية، محمَّـلين بالسلاح أو المال للجماعات الأصولية المناهضة للسلطة الجزائرية، بل إن السلطات المغربية ذهبت أحيانا، كما يقول الجنرال خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري الأسبق والرجل الأقوى في الجزائر ما بين 1992 إلى 1999، لمساومة الجزائر على التعاون الأمني لمواجهة العنف الأصولي، في مقابل ليونة جزائرية في الملف الصحراوي.
تعاون بدون أفق سياسي
لقد كان المغرب يُـصر منذ بداية التسعينات على أنه غير معني بمواجهة الإرهاب الأصولي، ووصل إصراره إلى عدم مشاركته في اجتماعات وزراء داخلية دول البحر المتوسط، وحين اكتوى للمرة الأولى بصليان رصاص هذا الإرهاب في مراكش صيف 1994، وجَّـه اتهامه للمخابرات الجزائرية وأدخل العلاقات الثنائية إلى نفق إغلاق الحدود وفرض التأشيرة المسبقة على مواطني البلدين وهجمات إعلامية وتوتر سياسي وتعقيد لملفات، كان يبدو أنها تتجه للتسوية، وكان من بينها ملف الصحراء الغربية، وإلى جانب كل ذلك، موات اتحاد المغرب العربي، الذي يجمع البلدين مع تونس وليبيا وموريتانيا.
العنف الذي أصاب الجزائر والمغرب في النصف الأول من شهر أبريل الجاري، يصعُـب إخراجه من سياق موجَـة عُـنف تجُـول في الدول العربية والإسلامية. وإذا كانت السياسة الأمريكية في المنطقة وتحالف الحكومات معها عاملا أو حافزا لتشكل وبروز هذا العنف، فإن الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها هذه الدول، تشكِّـل الأرضية الخصبة لاستقطاب المنتحرين، حتى لو كانوا لا يُـدركون أنهم ينتحرون بلا هدف ولا رسالة، ما داموا فقدوا الثقة بمن يعيشون معهم وفي محيطهم.
وصانع القرار هنا أو هناك، يُـدرك ذلك، وإن كان يتجاهله ليُـبرر الإستراتيجية الانفرادية في التعاطي مع المخاطر التي تُـحيط ببلاده ومستقبلها، ويجد من تباينات وخلافات سياسية قائمة حديثة أو قديمة مبرِّرا لعدم انتهاج إستراتجية إقليمية مغاربية للتعاون الشامل، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتربويا، ومعه التعاون الأمني، الذي يؤكد مسؤولون هنا أو هناك وجوده، لكنه تعاون بدون أفق سياسي هو بأمسّ الحاجة إليه، ليصبح تعاونا من أجل بناء مستقبل كان السلف يضحُّـون بدمهم على مذبحه لا تعاونا من أجل مواجهات مفصولة عن سياقها، لا تؤدي في أحسن حالاتها إلا إلى إخفاء نيرانها الملتهبة تحت الرماد.
لكن الأهم من ذلك كله، قيام تعاون جزائري مغربي حقيقي لتسوية نزاع الصحراء الغربية بالوصول إلى مقاربة تضمن المستقبل الحُـلم ولا تحطِّـمه، وتتجاوز رؤى ترتكز على الخصومة والتنافس، بدل التعاون والتكامل.
محمود معروف – الرباط
الرباط (رويترز) – يخشى مغاربة أن تضر سلسلة التفجيرات الانتحارية التي شهدتها الدار البيضاء، المركز التجاري للبلاد، بالنمو الاقتصادي القوي اللازم للحد من الفقر الذي يعتبر أرضا خصبة تفرز انتحاريين.
وفجر محمد مها وشقيقه عمر نفسيهما أمام مكاتب دبلوماسية أمريكية في الدار البيضاء يوم السبت 14 أبريل، في أول هجمات ضد أهداف محددة منذ أربعة أعوام، وقُتل الاثنان فقط في التفجيرين، ولم يُصب أحد.
جاء الحادث بعد أيام من تفجير ثلاثة انتحاريين أنفسهم بعد أن داهمت الشرطة منزلا يقيمون فيه، وقتلت مهاجما رابعا، وأثار احتمال وجود عدد آخر من المهاجمين الانتحاريين مطلقي السراح، مخاوف من أن يضر مثل هذا التهديد بالاستثمار الأجنبي والسياحة، في وقت تبذل فيه الحكومة قصارى جهدها لجذب الاثنين لتحفيز النمو. ويقول الطالب عاشور داودي (17 عاما) “ما يفعله المفجرون يزيد معاناة الفقراء لأنه يقلل من فرص العمل. من الأفضل ان يبحثوا عن سبل لتحسين الأوضاع”. ويقول أحمد سلطاني (57 عاما) ،العامل بميناء الدار البيضاء “أخشى على سلامتنا وعلى أبنائي الذين سيجدون صعوبة في العثور على فرص عمل في السياحة، إذا أصاب الخوف السائحين”.
ويقول مسؤولون سياحيون، انه لم تلغ حجوزات أو تخفض مُـدد الزيارات نتيجة للتفجيرات، ولكن الخبراء ذكروا أنه من الصعب قياس تأثير التفجيرات في هذه المرحلة قبل أربعة أشهر من ذروة الموسم السياحي في الصيف.
ونقلت صحيفة الأحداث المغربية عن علي الغنام، رئيس فدرالية رؤساء الفنادق “أن الفاعلين في القطاع السياحي في مختلف بقاع العالم غيروا قناعاتهم بشأن تأثير الهجمات الإرهابية على الأنشطة السياحية، لأن العمليات الإرهابية غدت مُعتادة”.
وتقول سليمة مصدق (22 عاما)، وهي مديرة مبيعات تنفيذية في متجر أنيق لبيع الملابس في الدار البيضاء “لا أشعر بالأمان وأنا أسير في الشارع، وينتابني خوف أكبر داخل سيارتي”.
وتفجيرات يوم السبت في الدار البيضاء، هي أول تفجيرات انتحارية ضد أهداف محددة يشهدها المغرب منذ مايو 2003، حين فجّـر مهاجمون خمس قنابل في الدار البيضاء، مما أسفر عن سقوط 45 قتيلا من بينهم 13 مفجِّـرا يعيشون في بعض أفقر الأحياء في البلاد.
ويري المحللون أن معظم التفجيرات الأخيرة في المغرب والتفجيرات التي قتلت 33 شخصا في الجزائر المجاورة كأحدث مؤشر على تنامي تهديد المتطرفين الإسلاميين في الشمال الإفريقي، اذ لا يجدون صعوبة في تجنيد انتحاريين من فقراء المنطقة.
وأكثر من 35% من سكان المغرب، البالغ تعدادهم 30 مليون نسمة من الفقراء وأكثر من 40% لا يقرءون ولا يكتبون. ويقول اقتصاديون إن الفجوة بين الثروات تجعل الصورة الاجتماعية قاتمة، نظرا لأن 10% من الأغنياء يملكون 85% من الثروة في البلاد.
ويقول المحللون، إن المغرب يحتاج 400 ألف وظيفة سنويا على مدار 15 عاما في المستقبل، مقارنة مع 120 ألف وظيفة في المتوسط في العقد المنصرم كي يحُـول دون أن تخرج البطالة المتفشية، الاستقرار عن مساره.
وتقول الحكومة إنها تنوي التوسع في النمو وتوفير أكثر من 2.5 مليون فرصة عمل من بينها 600 ألف وظيفة في قطاع السياحة بحلول عام 2010، وتضيف الحكومة أنها حققت تقدما في تقليص نسبة الفقر وتحسين ظروف المعيشة في الأحياء الفقيرة، ولكن منتقدين يقولون إن جهودها غير كافية.
وقال علي عمار، رئيس تحرير مجلة (لوجورنال) في إشارة للأحياء الفقيرة في المدينة “لم تفعل الحكومة شيئا تقريبا منذ 16 مايو 2003 لتشرع في القضاء على الأرض الخصبة، التي تفرز هذا التهديد في ضواحي الدار البيضاء”. وقال شهود إن الانفجار الأول وقع على بعد ستة أمتار من المركز الثقافي الأمريكي وإن الثاني وقع بعد 20 ثانية على بعد 60 مترا من القنصلية الأمريكية.
ويوم الثلاثاء الماضي، قالت الشرطة إن ثلاثة انتحاريين فجروا أنفسهم في حي فقير في الدار البيضاء بعد أن أغارت الشرطة على منزل آمن يقيمون فيه حتى لا يقبض عليهم أحياء. وقتلت الشرطة مهاجما رابعا. وأعلنت الشرطة اعتقال قائدين لجماعة مسلحة ينتمي إليها المفجران الانتحاريان ومرتكبو حادث يوم الثلاثاء.
ويعتقد محمد ظريف، خبير التطرف الإسلامي في المغرب، أن أكثر من 15 مفجر انتحاري مطلقو السراح. ولم تشأ الشرطة التعليق وسط عمليات بحث مكثف عن مفجرين محتملين. وقال سليم شرايبي، صاحب متجر “نحن أناس معتدلون نتبع دينا وسطا، لا ينتمي المفجرون الانتحاريون لأرضنا وثقافتنا”، وتابع “هؤلاء المفجرون وأعمالهم الحمقاء، خطر على اقتصاد المغرب وأمن المواطنين”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.