حظر البرقع في تيتشينو قد يشكّل سابقة لكانتونات أخرى
من المنتظر أن تدفع نسبة الأصوات العالية التي أيّدت حظر ارتداء البرقع في الأماكن العامة بكانتون تيتشينو البعض إلى إطلاق مبادرة مماثلة على المستوى الوطني هذه المرة. في الأثناء، ندّد بعض المسلمين في سويسرا ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بما رأوا فيه هجوما جديدا ضد مجموعة دينية لم تتعاف بعد من آثار استفتاء حظر المآذن لعام 2009.
يوم الأحد 22 سبتمبر 2013، أصبح التيتشينو أوّل كانتون سويسري يصوّت لصالح حظر ارتداء البرقع والنقاب وتغطية الوجه عموما في الأماكن العامة. وقد شكلت نسبة الأصوات المرتفعة التي أيّدت المبادرة (أكثر من 65% من الناخبين) حافزا للمؤيدين لحظر هذا اللباس على المستوى الوطني.
وفي تصريح إلى صحيفة “لوتون” الصادرة بالفرنسية في جنيف، أكّد أولريخ شولر، النائب السابق بالبرلمان الفدرالي عن حزب الشعب (يمين شعبوي)، ومُطلق مبادرة حظر المآذن في عام 2009 على أن “النص جاهز. وهو مُشابه إلى حد كبير لمبادرة كانتون أورغاو التي قوبلت بالرفض من طرف البرلمان الفدرالي في عام 2012، والهادفة إلى منع إخفاء الوجه في الاماكن العامة”.
من جهته، أعلن فالتر فوبمان، رئيس لجنة مبادرة حظر المآذن على موجات إذاعة سويسرا الروماندية (RTS) أن جمع التوقيعات الضرورية ( 100.000 توقيع) لعرض أي مبادرة على الناخبين في استفتاء عام ستنطلق بلا شك في فصل الربيع القادم. أما النص المقترح فسيكون مشابها لمضمون القوانين التي تم إقرارها في فرنسا (2010) وفي بلجيكا (2011). ومن الواضح الآن أن البرقع بات مستهدفا من المجموعات اليمينية.
المزيد
تيتشينو يُدرج حظر البرقع والنقاب في دستور الكانتون
ليس قبل عدة سنوات
في الأثناء، يشير الخبراء إلى أن تنظيم الإستفتاء المحتمل حول هذه المسألة لن يكون قبل عدة سنوات، ولكن الفكرة ذاتها قد توظّف في سياق الحملة التي ستسبق الإنتخابات البرلمانية في أفق خريف 2015.
كلود- ألان فوابلت، نائب رئيس حزب الشعب السويسري، أشاد بالقرار الذي اتخذه سكان تيتشينو، مشيرا إلى أنه “يبيّن بوضوح أن وجهة نظر حزب الشعب، الذي يُندّد بمشكلات الإندماج في البلاد، صحيحة”. لكنه، بدا مع ذلك حريصا على النأي بنفسه عن نشاط اللجنة التي أطلقت مبادرة حظر المآذن، مشددا على أنها مستقلة عن أكبر حزب في البلاد، وقائلا: “لم تتخذ أي خطوة من داخل الحزب لإطلاق مبادرة وطنية بشأن البرقع، ولكن من المرجّح جدا أن يؤيّد حزب الشعب مبادرة من هذا القبيل”.
ومن حيث المضمون، يبدو كلود – ألان فوابلت مقتنعا تماما بالأسس التي تنبني عليها الدعوة إلى حظر البرقع، ويقول: “في مجتمعنا اليهودي المسيحي، نحن لا نقبل أن تكون النساء مُجبرة على ارتداء مثل هذا اللباس”.
هذا المقترح يجد الدعم كذلك لدى بعض النواب من يمين الوسط. ففي حوار مع صحيفة “لونوفاليست” (تصدر في نوشاتيل بالفرنسية)، قال كريستوف داربولي، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي: “لا يتوافق البرقع مع قيمنا ولا مع هدف الإندماج. بمقدوري أن أفرّق بين سائحة وشخص آخر جاء بغرض الإستقرار هنا، والذي نطلب منه الإندماج”. أما أورس شفالّلر، زميله في الحزب، والعضو بمجلس الشيوخ، فيذهب إلى أن القضية تمسّ الأمن، ويقول: “لابدّ أن يكون بمقدور الشرطة التأكد من هوية الأشخاص، ولهذا الغرض لابد أن يكون الوجه مكشوفا”.
قبل أن تُشاهد آثارها على الأرض، لابد أن تحصل مبادرة حظر البرقع التي أُقِرّت في استفتاء عام نظم في كانتون تيتشينو يوم الأحد 22 سبتمبر 2013 على موافقة البرلمان الفدرالي. ومن المنتظر أن يستغرق هذا الإجراء سنتيْن على الأقل، وفقا لما أعلنته مستشارية كانتون تيتشينو حسب ما أوردته وكالة الأنباء السويسرية (ATS – SDA).
يعتقد العديد من الخبراء الذين حاورتهم صحيفة تاغس أنتسايغر (تصدر بالألأمانية في زيورخ) أن هناك حظوظا كبيرة لكي تعترض المحاكم السويسرية على تنفيذ قرار حظر البرقع نظرا لأن إجراء من هذا القبيل “غير متناسب، وينتهك الحريات الدينية على الأرجح، ولا يتأسس بشكل كاف على مراعاة لمصلحة عامة مؤكّدة”، حسب رأيهم.
في الوقت الحاضر، لا توجد أي سوابق قضائية حول هذه المسألة لدى المحكمة الفدرالية، أعلى هيئة قضائية في سويسرا. في الوقت نفسه، من المنتظر أن تتخذ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بستراسبورغ قرارا بهذا الشأن بعد أن رفعت إليها عدة قضايا منذ اعتماد فرنسا لحظر أي شكل من أشكال إخفاء الوجه سنة 2010.
“سجن من قماش”
أوسكار فرايزنغر، كان من الوجوه الأخرى المعروفة، التي سطع نجمها خلال الحملة ضد المآذن، كما أنه لم يدّخر جهدا في التنديد بالبرقع، الذي يرى فيه “سجنا من القماش، وليس سوى الشكل المرئي لسجن الدغمائية”. وكان البرلمان الفدرالي قد رفض في عام 2010 إلتماسا قانونيا تقدّم به هذا النائب البرلماني من حزب الشعب اليميني بعنوان “لتسقط الأقنعة!”، يهدف إلى سن قانون شبيه بحظر البرقع في تيتشينو.
وأخذا في الإعتبار وظيفته الجديدة كعضو بحكومة كانتون فالي، أعلن فرايزنغر أنه “يرغب في إدارة حوار حول الصياغة التي يجب أن يتخذها النص لتجنّب حرب جديدة بين الديانات”، لكنه حذّر في نفس الوقت من أنه في ظل تمسّك البرلمان بعدم إصدار قوانين تنظّم الحياة العامة وتطالب المواطن بالظهور بوجه مكشوف”، فإن أي مبادرة تقدّم في هذا المجال ستحظى بالقبول من جانب الشعب السويسري.
احتمال اندلاع نقاش من هذا القبيل على الساحة السويسرية خلّف استياءً لدى منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، والتي كانت عمليا الجهة الوحيدة التي عارضت مبادرة حظر النقاب والبرقع في كانتون تيتشينو. في هذا السياق، عبرت نادية بوهلن، الناطقة باسم الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية عن أسفها، كما ذهبت إلى أن “ارتداء البرقع مشكلة مفتعلة، توظّف لتحقيق مكاسب سياسية”، وأضافت “يدّعي دعاة الحظر أنهم يفعلون ذلك من أجل مكافحة الإنغلاق وعدم التسامح، ولكنهم في الواقع لا يفعلون سوى إذكاء خطاب الكراهية ضد الأجانب وضد المسلمين”. في الأثناء، وصف أولي لوينبرغر، النائب عن حزب الخضر، ما يحدث بـ “حملة أيديولوجية وغير عقلانية ضد قضية وهمية لا وجود لها في الواقع”، حسب تعبيره.
“حكايات لا ينطلي خداعها على أحد”
من جانبها، نددت نادية كرموس، رئيسة الجمعية الثقافية للنساء المسلمات بسويسرا بما أسمته “شكلا جديدا من الحرب الصليبية”. وعلى حد علمها، فإنه وبإستثناء قرينات الدبلوماسيين والسائحات، لا توجد سوى إثنيْ عشر امرأة ترتدي النقاب بسويسرا، وغالبيتهن سويسريات اعتنقن الإسلام. وتضيف رئيسة الجمعية الثقافية للنساء المسلمات: “في فرنسا وفي بلجيكا، النساء بدأن يرتدين النقاب كردّ فعل على دخول القانون الذي يمنعه حيّز التنفيذ. وهذا الحظر يخلق المزيد من المشاكل ولا يحلها”.
نادية كرموس أكدت أيضا أن الجهود المبذولة من أجل الإندماج (التي تضررت كثيرا بسبب الإستفتاء العاطفي جدا حول بناء المآذن في نوفمبر 2009)، قد تتعرّض إلى أضرار أكبر في أفق تصاعد الجدل حول البرقع، وتؤكد أن “الكثير من المسلمين كانوا على الإستعداد للمشاركة بشكل أوسع في الحوار بين الأديان، قد انطووا أكثر على أنفسهم، وعلى عائلاتهم، وسوف تعترضهم صعوبات أكبر في طريقهم للإندماج وللإنفتاح على الآخرين”.
في المقابل، ينفي فرايزنغر أي رغبة في إذكاء “التمييز أو العنصرية تجاه العالم العربي”، ويشير إلى أنهم – وعلى العكس من ذلك – “يريدون أن تصبح هاته النساء مواطنات أوروبيات، كما هو حال نسائنا. نحن نتصدّى لنزعة بطريركية شرسة، ولتمييز وحشي بين الأجناس. وأنا مُستغرب جدا أنه يوجد من بين أوساط اليساريين، أناس يستطيعون الدفاع عن ظواهر كهذه”. وهو ما تردّ عليه نادية كرموس بالتشديد على أن “هؤلاء السياسيين ليسوا أبطالا ولا منقذين يدافعون عن المرأة المسلمة. والأولى بهم الإنخراط في العمل من أجل الدفاع عن القضايا العادلة الكبرى مثل الحرب في سوريا بدلا من اختراع حكايات لا ينطلي خداعها على أحد”.
في مقال بعنوان “الجدل حول البرقع انطلق مُجددا في برن”، كتبت صحيفة “لا ليبرتي” الصادرة بالفرنسية في فريبورغ: “بمصادقتهم بـ 65,4% على حظر تغطية الوجه في الأماكن العامة – علما أن برقع ونقاب المسلمات مستهدفان مباشرة – إلا في الأماكن ذات الصبغة الدينية – أثار سكان تيتشينو موجة صدمية في برن”، بما أنه أصبح يتعين على البرلمان الفدرالي النظر في منح هذا الكانتون، أم لا، ما يُسمى بالـ “الضمانة الفدرالية” بما يسمح له إدراج الحظر في دستوره المحلي.
ونقلت الصحيفة عن رئيس لجنة المؤسسات السياسية في مجلس النواب السويسري، أولي لوينبرغر (من حزب الخضر) – الذي سيكون له دور هام في النقاش الذي سيجري حول المسألة في غضون عام من الآن – قوله: “سأعمل من أجل عدم منح الضمانة الفدرالية”، مذكرا أنه ليس من النادر أن “ترسب” في برن الفدرالية قرارات اتُخذت على مستوى الكانتونات. وذكرت الصحيفة أن مساعي لوينبرغر ستصطدم بمعارضة رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي كريستوف داربولي الذي تحدث عن حظر البرقع “كواحدة من جملة إجراءات أخرى لإندماج المسلمين” في المجتمع السويسري. وقال داربولي في تصريحاته للجريدة نفسها: “إن البرقع لا يتوافق مع قـِيمنا ولا مع أهداف الإندماج، وأنا قادر على التمييز بين سائحة وسيدة تأتي للإقامة في سويسرا نطلب منها الإندماج”.
صحيفة “فانت كاتر أور” التي تصدر بالفرنسية في لوزان، اختارت كعنوان لمقالها “تيتشينو يلوي ذراع البرلمان بشأن الحجاب”. ومن الشخصيات التي حاورتها بهذه المناسبة عضوة مجلس النواب السويسري، الإشتراكية سيسلا أماريل التي قالت: “إن البرلمان [الفدرالي] لا يُفترض أن ينظر في الملف لتجنب أي نقاش حول جوهر الموضوع. فالحجاب ليس عائقا في طريق الإندماج، والمحكمة الفدرالية أقرَّت بذلك في مناسبات عديدة”. وذكّرت أستاذة القانون أن “البرقع والنقاب لا يُطاقان تماما بالتأكيد، ولكنهما لا يُرتديان إلاّ من طرف عدد قليل جدا من النساء في سويسرا. وفي مثل هذه الظروف، هل من الضروري حقّا أن يمنح البرلمان الضمانة الفدرالية لمادة [دستورية] وقائية تُقيّد الحرية الدينية لمواجهة مشكلة غير حقيقية؟”
في النسخة الإيطالية ليومية “20 دقيقة” المجانية، أعرب أورس فاغنسيل، أستاذ السياحة بالمدرسة الجامعية في لوتسرن عن تخوفه من ردود فعل الضيوف الوافدين من البلدان العربية معتبرا أن “الحظر يمثل رسالة سلبية إلى الخارج”، ومُنوّها إلى أنه من الخطير مصادمة الضيوف وخاصة في مسائل تتعلق بمسائل الدين خصوصا وأن “التسامح السويسري يُستخدم كمبرر مُهمّ للتسويق لدى السياح العرب”.
وفي بوابة “تيتشينو أونلاين”، وصف الإمام سمير رضوان الجلاصي، المسؤول في رابطة المسلمين بكانتون تيتشينو، التصويت بأنه “سخيف”، كما اعتبر أن “الشعب ذهب للتصويت على شيء غير موجود.. إنها مشكلة مُختلقة. أما المؤسف، فهو أن هذا التصويت يهدد بإلحاق الضرر بصورة سويسرا”. أخيرا، حث الإمام الجلاصي إلى “الإنكباب على حل المشاكل الحقيقية وهي كثيرة بما فيه الكفاية”، مذكرا بأن “المسلمين في تيتشينو، وفي سويسرا عموما جالية مُسالمة ومندمجة بشكل جيد، مثلما أظهرت الدراسات التي أنجزت حتى الآن”.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.