مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

روسيا – جورجيا: أبعاد نفطية وأخرى جيو – إستراتيجية

يوم 13 يوليو 2006، افتتح رؤساء تركيا وجورجيا (الثاني من اليسار) وآذربيجان صحبة رئيس مجموعة بريتيش بتروليوم (أقصى اليمين) خط أنابيب باكو - تبيليسي - شيهان بطول 1768 كلم الذي كلف 3،9 بليون دولار Keystone

حصيلتان إستراتيجيتان كبيرتان، أطلقهما الانفجار العسكري الأخير في جورجيا. تتمثل الأولى في تجاوز الصراع على النفط وخطوطه وإمداداته بين روسيا وأمريكا، الخطوط الحمراء الخطِـرة بين الطرفين.

أما الثانية فهي: تفاقُـم التنافس الدولي للسيطرة على منطقة القوقاز، التي تعتبر الجسر الجيو – إستراتيجي الأهَـمّ في قارة “أوراسيا” (أوروبا – آسيا)، ومعه تجدّد طرح مسألة مصير روسيا وموقعها على الخريطتين، الأوروبية والدولية، للمرة الثانية خلال أقل من عقدين (المرة الأولى كانت في عام 1991 بعد انهيار الإتحاد السوفييتي).

أين وكيف تتقاطع هاتين المحصلتين؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، وقفة أمام كل من هذين التطورين.

النفط.. النفط

منذ اللّـحظة الأولى لانفجار الوضع العسكري بين روسيا وجورجيا في إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، انتقلت الأنظار الغربية فوراً من “فوق الأرض”، حيث يدور النِّـزاع بين موسكو وتيبليسي حول تمدّد حلف الأطلسي عبر جورجيا إلى الحدود الروسية، والأقليات والعلاقات مع أوروبا وأمريكا، إلى “تحت الأرض”، حيث النفط والغاز.

كتبت “فايننشال تايمز” اللندنية تقول: “الهجوم العسكري الروسي على جورجيا، أطلق إشارات قوية (في الغرب طبعاً)، بأن موسكو مصمِّـمة على عدم التخلّي عن سيطرتها على منطقة قزوين الغنية بالنفط”.

والمقصود هنا لم يكن جورجيا نفسها، التي بالكاد تحتوي على آثار النفط والغاز، بل خطوط النفط التي تمرّ فوق أراضيها والتي بنتها شركات البترول الأوروبية والأمريكية الكُـبرى لنقل النفط والغاز إلى أسواق الغرب.

هذه الخطوط تمتدّ من باكو في أذربيجان إلى تيبليسي في جورجيا، وتصبّ في ميناء شيهان على سواحل البحر المتوسط التركية، وتنقُـل يومياً مليون برميل من النفط فائق الجودة.

وقد أطلقت واشنطن على هذه الخطوط في التسعينات إسم “أنابيب السلام”، إلا أن موسكو لم تر فيها في الواقع سوى “أنابيب حرب”، هدفها النهائي وضع اليد الغربية، ليس فقط على نفط منطقة قزوين – جنوب القوقاز، بل أيضاً على كل هذه المِـنطقة نفسها، تمهيداً لإحكام الحِـصار على روسيا ودفعها للإختناق بأنفاسها الداخلية.

الآن، وبعد الهجوم العسكري الرّوسي، الذي فاجأ كلاً من الغرب وروسيا معاً، قد تتغيّـر اللوحة النفطية إلى حدٍّ كبير نسبياً. فالشركات الغربية ستفقد الثقة بمدى قُـدرة جورجيا على ضمان أمن أنابيب باكو – تيبليسي – شيهان، خاصة أيضاً بعد أن تمكّـن الثوار الأكراد الأسبوع الماضي من تفجير قِـسم من هذه الأنابيب على الجانب التركي، هذا إضافة إلى أن التطورات العسكرية وجّـهت ضربة لخُـطط الإتحاد الأوروبي لبناء خط أنابيب “نابوكو” عبر القوقاز لنقل غاز قزوين ووسط آسيا إلى أوروبا، بهدف تقليص اعتماد هذه الأخيرة على إمدادات الطاقة الروسية.

كل هذه التطورات تعني أن روسيا كسبت بوضوح الجولة الراهنة من “حروب النفط”، لكن هذه مجرد جولة. فالحرب ستستمِـر، لأن الصِّـراع على موارد الطاقة النّـاضبة في العالم لا يزال في بدايته من جهة، ولأن التنافس بين موسكو وواشنطن للسيطرة على منطقة القوقاز – قزوين سيزداد استعاراً من الآن فصاعداً من جهة أخرى، وهذا يقودنا إلى المحصِّـلة الثانية للحرب الجورجية: البعد الجيو – إستراتيجي.

أبعد من أوسيتيا

حين انزلقت روسيا وجورجيا إلى هاوية الحرب، بسبب مقاطعة أوسيتيا الجنوبية، اعتبر العديد من المراقبين الغربيين هذا التطور “عبثاً دموياً لا طائل من ورائه”.

كاد هؤلاء أن يكونوا على حق، لو كان الأمر يتعلّـق بهذه المقاطعة وحدها. فأوسيتيا الجنوبية ليست أكثر من مجرّد سلسلة متقطعة من القُـرى الجبلية، التي لا يتجاوز عدد سكانها السبعين ألف نسمة، والتي تتعايش فيها هذه الحفنة من الأوسيتيين والجورجيين (وإن على كثير من المَـضض وقليل من الوِدّ)، منذ مئات السنين.

لكن أوسيتيا الجنوبية، ليست هي المشكلة، إنها النتيجة أو بالأحرى جُـزء بسيط من نتائج المُـجابهة الكُـبرى، التي يُـسمع هديرها الآن في كل منطقة القوقاز الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي مجابهة ستحدِّد مصير، كما أسلفنا، دور روسيا برمّـته في الساحتين، الإقليمية القوقازية والأوروبية، وكذلك طبيعة الدور الأمريكي في ممتلكات الإتحاد السوفييتي السابق، إذ من يربح القوقاز، سيمسك برقبة قارة “أوراسيا” (أوروبا -آسيا) من خِـناقها.

لماذا القوقاز؟

لأن هذه منطقة جيو – إستراتيجية من الطِّـراز الأول وواحدة من أكثر مناطق خطورة، لأنها في الوقت ذاته الأكثر تنوّعاً لُـغوياً وإثنياً في العالم. فهي جغرافياً، تشكّل حاجزاً جبلياً عِـملاقاً يفصل بين قارّتي أوروبا وآسيا، وهي تاريخياً، كانت أرض الصِّـراع الرئيسي بين الإمبراطوريات الثلاث، العثمانية والفارسية والروسية، والذي أسفر عما يسمى “حروب القوقاز” المديدة في القرن التاسع عشر.

حصيلة هذه الحروب كانت، سيطرة إسطنبول على جنوب القوقاز (جورجيا، أرمينيا، أذربيجان)، وهيمنة روسيا على شمال القوقاز ( جنوب غرب روسيا، شمال جورجيا، شمال أذربيجان)، إلى أن سقطت المنطقة برمّـتها لاحقاً في حُـضن الدبّ الروسي السوفييتي.

الآن، “حروب القوقاز” باتت لُـعبة أمم أمريكية – روسية. فواشنطن تُـريد السيطرة على هذه المِـنطقة لإحكام الطّـوق على روسيا من جهة، ولتسهيل سيطرتها على نفط آسيا الوسطى – قزوين من ناحية ثانية، وهي تنشط منذ الربيع الماضي لتحقيق ذلك، من خلال محاولة تمديد مخالب حلف شمال الأطلسي إلى جورجيا ودول القوقاز الأخرى.

وموسكو، التي تَـعرف ما تريد واشنطن، لم تؤُل جُـهداً، خاصة مع عهد فلاديمير بوتين، لعرقلة هذه المساعي. فهي رفضت بقوة انضمام جورجيا إلى حلف الأطلسي، وأتبعت ذلك ببدء استفزاز هذه الأخيرة لاستدراجها إلى مجابهة عسكرية، من شأنها إضعاف شهوة الحِـلف في ضمِّـها إلى صفوفه، بسبب الأكلاف الكبيرة لذلك، ولأنه ليس وارداً أن يتدخّـل الحلف عسكرياً لدعمها في أي حرب شاملة مع روسيا. والحصيلة: الانفجار الحالي لأوسيتيا الجنوبية، ثم لأبخازيا.

كيف يمكن أن تتطور الأمور الآن؟

الحرب المفتوحة واردة، وكذا الحلول الدبلوماسية. والكثير هنا سيعتمد على موقف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.

فإذا ما اختارا التصعيد (مشطوباً منه التدخل العسكري المباشر) وبدءا بتحريك أقليات شمال القوقاز من شيشان وأنغوش وغيرهم، فستنبعث “حروب القوقاز” التاريخية من رقادها. وإذا ما جنحا إلى حصر الخسائر وضغطا على حليفهما الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي لتقنين طموحاته لدمج أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بالقوة إلى ممتلكاته وللانضمام في الوقت ذاته إلى حلف الأطلسي، فقد تكون التّـهدئة واردة.

لكنها على الأرجـح، ستكون تهدئة مؤقتة. فالمجابهة في القوقاز، كما لاحظ ديمتري ترينين، المحلل في مركز كارنيغي في موسكو، “واسعة للغاية، وهي لا تزال في بدايتها الأولى”، وهذا يعني، بكلمات أخرى، أن حرب أوسيتيا الجنوبية “ليست عبثاً لا طائل من وراءه”، كما اعتقد المراقبون الغربيون، بل هي في الواقع، شجرة تختفي وراءها غابة كاملة من مشاريع الحروب والمجابهات.

تغيّر الأولويات

نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: كيف تتقاطع حصيلتا الصراع على النفط وعلى المواقع الجيو -إستراتيجية في القوقاز – قزوين؟

إنهما في الواقع وجهان لعُـملة واحدة: فالسيطرة على النفط، تسهـّل إلى حدٍّ كبير الهَـيمنة على الجُـغرافيا الإستراتيجية، وهذه الأخيرة (في حال تحقّـقها)، تقود بالطبع إلى وضع اليَـد على النفط، المسألة هنا، تتعلّـق بالأولويات التي تؤدّي إلى نتيجة واحدة.

قبل الحرب الجورجية، وضع الغرب الأولوية للسيطرة على النفط. الآن، وبعد هذه الحرب، قد يجد نفسه مدفوعاً لتغيير إستراتيجيته، فيضع هدف ضرب الإتحاد الروسي وتفكيكه (خاصة في شمال القوقاز)، على رأس أولوياته.

وبالمناسبة، هذا كان رأي نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وعُـصبة المحافظين الجدد الأمريكيين منذ عام 2003. فهل تكون لهم اليَـد العليا الآن في واشنطن؟ أجل، على الأرجح.

سعد محيو – بيروت

ينحدِر الأوسيتيون من إحدى الشعوب الرحّـل في منطقة القوقاز.
إثنيا، لا توجد علاقة بينهم وبين الجورجيين، وهم يعيشون على جانبي سلسلة جبال القوقاز الكُـبرى ويُـسيطرون على المعبر الرئيسي فيها، وهذا هو السبب الذي أدّى إلى انقسام أوسيتيا إلى جزأين. فأوسيتيا الشمالية، جزءُ من الفدرالية الروسية، فيما تتبع أوسيتيا الجنوبية، جورجيا.
عمليا، ظلّـت أوسيتيا الجنوبية متمتّـعة بحُـكم ذاتي عن جورجيا منذ بداية التسعينات وتفكّك الاتحاد السوفييتي. أما في الحقبة السوفييتية، فقد كانت الأقليات في منطقة القوقاز تتمتّـع بقدر من الحُـكم الذاتي، وخاصة فيما يتعلـّق بلغاتهم وثقافاتهم.
عندما استقلّـت جورجيا في عام 1991، حاول رئيسها القومي المتشدد إلغاء الحُـكم الذاتي للأقليات الأوسيتية والأبخازية والأجرية.
على غِـرار أوسيتيا الجنوبية، تتمتّـع مُـعظم أنحاء أبخازيا حاليا بحُـكم ذاتي كأمر واقع. في المقابل، تمكّـنت جورجيا من إعادة فرض سلطتها في أجاريا في عام 1994 بعد إسقاطها لحاكمها المتسلّـط.

بروكسل – أ ف ب – فيما يلى خطة السلام فى جورجيا التى عرضها على جورجيا وروسيا الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى كما وردت فى بيان نشر اثر لقاء وزراء خارجية الاتحاد الاوروبى فى بروكسل يوم الاربعاء 13 أغسطس:

1- عدم اللجوء الى القوة.

2- وقف الاعمال العدائية بشكل نهائي.

3- السماح بدخور المساعدات الانسانية بحرية.

4- انسحاب القوات العسكرية الجورجية الى مواقع تمركزها الاعتيادية.

5- انسحاب القوات الروسية الى الخطوط السابقة لاندلاع الاعمال القتالية. وبانتظار آلية دولية، تطبق قوات حفظ السلام الروسية اجراءات امنية اضافية.

6- بدء محادثات دولية حول وسائل احلال الامن والاستقرار فى ابخازيا واوسيتيا الجنوبية”.

وكانت صيغة اولى من هذه الخطة تنص على “بدء محادثات دولية حول الوضع المقبل ووسائل احلال الامن والاستقرار الدائمين فى ابخازيا واوسيتيا الجنوبية”.

واسقطت عبارات “الوضع المقبل” و”الدائمين” من الخطة بطلب من جورجيا وبموافقة روسيا.

(المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 13 أغسطس 2008)

swissinfo.ch

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية