مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إلى أي مدى تبدو سويسرا مُستعدة لحدوث كارثة نووية؟

فطر ذري ناجم عن تفجير قنبلة نووية
يقول خبراء إن القنبلة الهيدروجينية (الصورة) يُمكن أن تكون أقوى بأكثر من ألف مرة من القنبلة الذرية. Keystone/US Department Of Energy

إبان فترة الحرب الباردة، اتسم تَعامُل سويسرا مع خَطَر وقوع هجوم نووي بقدر كبير من الجدّية حيث أنها تَعَهَدَت في عام 1963 بتوفير ملاجئ مُحَصَّنة لإيواء كل مواطن في حال وقوع هجوم من هذا القبيل. لكن ما مدى استعداد البلاد لمواجهة كارثة من هذا النوع في الوقت الحاضر؟

“مع أخذ التهديدات الاخيرة الصادرة عن دول مثل كوريا الشمالية بنظر الإعتبار، هل توجد هناك أية تغييرات مُقترحة بشأن القوانين المُتعلقة بالملاجئ الواقية من القنابل في سويسرا”؟

كان هذا سؤالا بَعَثه به إلينا أحد قُرّائنا الذي يحمل اسم أليكس، عندما توجّهنا إليهم بالسؤال عن ماهية الأشياء التي يودون معرفتها عن سويسرا. وفي الواقع، فإن أليكس ليس الوحيد الذي يخشى وقوع نوع من الهجوم النووي. ففي شهر أكتوبر الماضي، قال وزير الدفاع الأمريكي السابق وليام بيري في منتدى لوكسمبورغ الدولي حول مَنع وقوع كارثة نوويةرابط خارجي إن مخاطر وقوع هجوم نووي هي في أعلى مستوياتها منذ فترة الحرب الباردة .

أعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون يوم الأربعاء 29 نوفمبر 2017، أن بلاده “باتت دولة نووية”، بعد أن اختبرت بنجاح نوعا جديدا من الصواريخ قادرا على استهداف القارة الأمريكية برمتها.

بعد مرور 50 عاما على توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (في عام 1968)، لا تزال توجد هناك حوالي 10,000 قنبلة ذرية منتشرة في أنحاء العالمرابط خارجي، 93% منها مملوكة لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

في نفس الوقت، لا يُمكن استبعاد حدوث تصعيد في سباق التسلح النووي بين الهند وباكستانرابط خارجي

ولو حدث وأن تعرضت سويسرا إلى ضربة نووية مُباشرة، فإن الدمار الحاصل سوف يكون واسع النطاق بكل تأكيد، كما يُمكن مشاهدة ذلك من خلال اختبار أنواع مختلفة من القنابل الافتراضية في هذا الموقع التفاعلي لمحرك البحث غوغل.رابط خارجي وكما يبدو، فإن الخبراء مُتفقون على عَدَم إمكانية التَحضير لضربة مباشرة. وببساطة، سوف يتعيّن عليك التصرف.

ولكن ماذا لو أدى تفجير قنبلة نووية في مكان آخر في العالم إلى هبوب سحابة مُشعة فوق الأراضي السويسرية مثلاً؟ حسبما يبدو، فإن الدولة الصغيرة التي تشقها جبال الألب مُستعدة لمثل هذا السيناريو، كما هو الحال أيضاً في حال وقوع حادث في إحدى محطات الطاقة النووية الخَمس المُتبقية في الكنفدرالية، حيث سيكون رد الفعل مُماثلاً.

التدَرُّب على حادث نووي

كما قال باسكال أيبيشَر نائب رئيس الإتصالات في المكتب الفدرالي للحماية المدنيةرابط خارجي لـ swissinfo.ch، لا يُوجد هناك تهديد خطير مُتَصَوَر لحدوث حرب نووية يمكن أن تؤثر على سويسرا، وتبعاً لذلك، فإنه “لا يجري النظر في اتخاذ تدابير مُحددة في مجال الحماية المدنية”. وكما يضيف، فإن تدابير الحماية المدنية موجهة نحو “الكوارث وحالات الطوارئ” بشكل أكبر.

محطات إنتاج الطاقة النووية على الخريطة السويسرية.
مواقع محطات إنتاج الطاقة النووية على الخريطة السويسرية. SRF

حاليا، يضم المكتب الفدرالي للحماية المدنية مركز خبرة فدرالي للحوادث الإستثنائية، يُسمّى المركز الوطني لعمليات الطوارئرابط خارجي. بالإضافة إلى مختبر في بلدة شبيتسرابط خارجي يضم فريق عمل مُختَص بالرَصد وحالات الطوارئ، للإستجابة للحوادث النووية أو الإشعاعية الكبرى في سويسرا.

كذلك تجري هناك ممارسة عامة لحالات الطوارئ كل سنتين بالقرب من إحدى محطات الطاقة النووية الأربع العاملة في البلاد، بمشاركة عدد من الهيئات الفدرالية المسؤولة عن الإستجابة لحالات الطوارئ، بما في ذلك المكتب الفدرالي للأرصاد الجوية وعلم المناخ، (Meteosuisse)، ومختبر شبيتس. وفي العام الحالي، تم إجراء هذه الممارسة بالقرب من محطة مولينبيرغ للطاقة النوويةرابط خارجي في كانتون برن.

شبكة وطنية من صفارات الإنذار والملاجئ

تتوفر سويسرا على أكثر من 7,000 صافرة إنذار لتحذير مجموعة واسعة من السكان من حالات الطوارئ المُحتَمَلة، بما في ذلك الحوادث النووية. ويجري اختبار هذه الصافرات سنويا في أول يوم أربعاء من شهر فبراير. ويتم إطلاق إشارة “الإنذار العام”رابط خارجي [وهي نغمة مستمرة تنخفض وترتفع] عندما يكون هناك تهديد مُحتمل للسكان. وهي تلفت إنتباه السكان إلى ضرورة تشغيل أجهزة الراديو واتباع التعليمات الصادرة عن السلطات.

في هذا السياق، يوضح جان – مارك فيلاي من المنظمة المحلية لتخطيط حالات الطوارئ في تسع قرى غرب سويسرارابط خارجي (ORCOC) لـ swissinfo.ch، ماذا سيحدث بعد إطلاق صافرة الإنذار: “بحسب نوع الحادث، سوف يُطلَب من الناس أما المكوث في منازلهم وZغلاق ابوابهم ونوافذهم، أو التَوَجُه مُباشرة الى أقرب ملجأ”. كما يُحتمل أن تتم مطالبتهم بابتلاع حبّة من يوديد البوتاسيوم. وهي حبوب يتم توزيعها على السكان الذين يقطنون بالقرب من المحطات النووية كل عشر سنوات، كإجراء وقائي في حال وقوع حادث نووي. ويعمل هذا المركب الكيميائي في حال تناوله في الوقت المناسب وبالجرعة المناسبة على مَنْع امتصاص الغدة الدرقية لليود المُشع.

علبة أقراص دواء
يُمكن لأقراص “يوديد البوتاسيوم” التي وزعتها السلطات على جميع السكان أن توفّر الحماية من الإشعاعات الخطيرة. swissinfo

وفي حال وقوع حادث نووي يَستَلزم استخدام الملاجئ، فمن المُفتَرَض أن يكون هناك ما يكفي من الوقت لقيام البلديات والكانتونات ومنظمة الحماية المدنية بتخزين الأغذية والمياه فيها. وفي غضون ذلك، يُنصَح عامة الناس بالحفاظ على إمدادات الطوارئ الخاصة بهم. ويمكن الاطلاع على التفاصيل الكاملة في هذا الكتيب الصادر عن الحكومةرابط خارجي السويسرية.

من جهة أخرى، تنفرد سويسرا بوجود ما يكفي من ملاجئ الحماية من الغبار النووي التي تستوعب جميع سكانها، فيما لو ظهرت الحاجة إليها يوماً. وهذا الحَق مُكَرَّس في المادتين 45 و46 من القانون الفدرالي السويسري للحماية المدنية، التي تنص على “وجوب توفر كل شخص يعيش في سويسرا على مكان مَحمي يمكن الوصول إليه بسرعة من مكان إقامته، وكذلك على “إلزام أصحاب المُجمّعات السكنية ببناءوتجهيز الملاجئ في جميع المساكن الجديدة”.

وفي حال بناء منازل وشقق سكنية جديدة بدون ملاجئ، فسوف يتعيّن على مالكيها المساهمة بمبلغ ضريبي، لضمان توفر مكان لها في ملجأ للدفاع المدني.

في قرية دومديدير بكانتون فريبورغ، أظهر جان – مارك فيلاي لـ swissinfo.ch كيف يبدو الوضع داخل أحد الملاجئ هناك. وهذا الملجأ مُخصّص لوحدة حماية مدنية قوامها 100 شخص، ويكفي لإيواء 132 شخص.

بعد الإخـلاء

وكما يوضح فيلاي: “في حال كانت هناك سحابة نووية تَمُر فوقنا، فسوف تكون التربة ملوثة”. ويضيف: “الفكرة هي أن تَظَلَّ في الملجأ لمدة تصل إلى خمسة أيام، تَخرُج بعدها ثانية عندما يصبح الوضع آمناً”.

لكن ماذا لو ظلَّت التربة ملوثة بعد هذه الأيام الخمسة؟ “الإجابة الوحيدة التي أستطيع تصورها في هذه الحالة هي المغادرة، والتوجّه إلى مكان لا يكون ملوثاً “، كما أخبر فيلاي swissinfo.ch.

لكن الدول المجاورة يمكن أن تتأثر أيضاً بسحابة نووية من النوع الذي مَرَّ فوق أوروبا الوسطى في أعقاب الكارثة النووية التي حدثت في تشيرنوبيل بأوكرانيا في أبريل 1986. وبعد مرور 20 عاما على هذا الحادث، كانت سويسرا لا تزال تعاني من مُعدَّلات نشاط إشعاعي أعلى من المعدَّل الطبيعي. ومن الناحية الإحصائية، يربط المكتب الفدرالي للصحة، حوالي 200 حالة وفاة ناجمة عن مرض السرطان بهذا الحادث مباشرة.

وكما اختتم جان – مارك فيلاي حديثه بالقول: “لم نَكُن مُضطَرين أبداً إلى القيام بعملية إخلاء واسعة النطاق. لكنها مسألة يجب أن نفكر فيها للأسف”.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية