“ساعدوا الدول النامية قبل إدانتها”
ما هي حصيلة العام الذي ترأست فيه السيدة نجاة الحجاجي، سفيرة الجماهيرية لدى الأمم المتحدة في جنيف لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة؟
سويس انفو أجرت حديثا مطولا مع أول سيدة عربية تترأس هذا المحفل الدولي لاستطلاع تقييمها لإيجابيات اللجنة وسلبياتها.
أثار انتخاب السيدة نجاة الحجاجي، سفيرة الجماهيرية لدى الأمم المتحدة في جنيف على رأس لجنة حقوق الإنسان في بداية العام الماضي، جدلا واسعا بين المؤيدين، ومعظمهم من الأفارقة والعرب ودول الجنوب، والمعارضين من منظمات حقوقية وعدد من الدول الغربية.
وفي الوقت الذي تستعدّ فيه السفيرة الليبية لتسليم منصبها إلى السفير الأسترالي بعد عام استثنائي بكل المقاييس، دوليا وعربيا وليبيا، كان من الضروري الاستماع إلى رأيها وتقييمها لحصيلة السنة المنقضية.
مراسل سويس انفو الدائم في جنيف أجرى حديثا مطولا مع السيدة نجاة الحجاجي، تركّـز الجزء الأول فيه على نظرتها إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بما فيها من إيجابيات وسلبيات.
سويس إنفو: باعتباركم أول سيدة عربية ومسلمة تترأس لجنة حقوق الإنسان، ما هو الانطباع الذي تركته لديكم هذه التجربة؟
السفيرة الحجاجي: صحيح أن اللجنة انتخبت لأول مرة منذ تأسيسها عام 1947 رئيسها او رئيستها بالتصويت بطلب من الولايات المتحدة. ولكن وقوف كل من الدول الإفريقية والمجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، وبلدان منظمة المؤتمر الإسلامي وراء ترشيحي، جعلني احصل على نتيجة مشرفة، بحيث تم دعم رئاستي من قبل 33 دولة مقابل ثلاثة أصوات معارضة وهي: الولايات المتحدة، وكندا، والبيرو، وامتناع سبعة عشر بلدا.
أما عن رئاسة هذه اللجنة المسيسة والخطيرة، فقد كانت تجربة غنية وثرية جدا. وتكمن خطورتها في طبيعة المواضيع الحساسة التي تتناولها، وللآليات الخاصة التي تعمل بها هذه اللجنة.
يضاف إلى ذلك كله، العدد الكبير من الشخصيات الهامة التي تحضر أشغالها سنويا. ناهيك عن المواضيع التي تتطرق لها والتي، وإن كانت تتعلق بحقوق الإنسان، فإنه يتم التطرق إليها من أبعاد سياسية، بمعنى أن هذه المواضيع تستعمل كمطية، إما للتدخل في الأمور الداخلية للدول الأخرى أو لوضعها في مواقف صعبة داخل اللجنة وأمام كافة أعضاء المجتمع الدولي.
وتولي رئاسة لجنة حقوق الإنسان معناه تولي كافة الأمور الإجرائية المتعلقة بنشاط اللجنة قبل وبعد انعقادها، إضافة للستة أسابيع التي تستغرقها أشغال الدورة. ولم يكن التحدي بالنسبة لي هو الوصول إلى رئاسة هذه اللجنة، بل الخروج بنتائج، والنجاح في إدارة جلسات الدورة.
سويس إنفو: هل تعتبرين أن رسالة الاعتذار التي قدّمتها المجموعة الغربية عن سابقة المطالبة بانتخاب رئيس اللجنة (مثلما وقع معك)، والتزامها بالعودة إلى الإجماع، تمثل اعترافا بالذنب؟
السفيرة الحجاجي: قيل لي من عشرات الوفود بما فيهم من الوفود الغربية، بأن إدارة الجلسات كانت متميزة بالمهنية والموضوعية والحياد، ومحاولة إيجاد التوازن بين المجموعات المختلفة. والنتيجة التي اعتز بها كثيرا هي أن الجميع أقر بأن رئاسة ليبيا للجنة تميزت بدرجة امتياز، وهذا مصدر فخر لي ولبلدي.
أما عملية الاعتذار، فلربما تشفي غليل المجموعة الإفريقية التي رشحت الجماهيرية لرئاسة الدورة، إذ كانت تنوي ليس فقط المطالبة بالتصويت على انتخاب رئيس الدورة الستين، أي ممثل المجموعة الغربية وسفير أستراليا، بل أرسل منسقها إشارات مكتوبة للتصويت بـ “لا”.
ولكن المفاوضات التي حدثت بين المجموعات، وبفضل تدخل الحكماء، وقد كنت من بين من دفعوا في اتجاه حل توفيقي، توصلت إلى تعهد المجموعة الغربية بالتعبير للمجموعة الإفريقية عن الأسف لما حدث في العام الماضي، والالتزام بالعودة إلى الإجراءات التي اتبعتها اللجنة منذ نشأتها.
سويس إنفو: عمليا، ما هي النتائج التي تم تحقيقها في فترة رئاستك للجنة حقوق الإنسان؟
السفيرة الحجاجي: على المستوى التنظيمي لجلسات الدورة، خصصنا لأول مرة جلسة للشخصيات الهامة التي تشارك في دورة حقوق الإنسان خلال الأربعة أيام الأولى من انعقاد الدورة، وهذا، لتفادي مقاطعة أشغال الدورة كل مرة للاستماع إلى تدخلات شخصيات هامة، وهو ما سمح بحضور ما يربو عن ثمانين شخصية هامة وهي سابقة في تاريخ اللجنة.
الإنجاز الثاني الذي توصلنا إليه، هو إجراء حوار تفاعلي مع آليات اللجنة الخاصة، مما سمح لممثلي الحكومات بطرح أسئلة على المقررين الخاصين بعد عرض تقاريرهم.
أما التغيير الثالث الذي أحدثناه، هو دعوة كافة رؤساء هيئات رصد معاهدات حقوق الإنسان للحديث أمام اللجنة، وهي الدعوة التي لباها الغالبية وليس الجميع.
سويس إنفو: باستثناء التغييرات ذات الطابع الإداري، ما الذي يمكن قوله عن نتائج الدورة في مجال حقوق الإنسان وهل هناك نقاط ترين أن اللجنة أخفقت في إنجازها؟
السفيرة الحجاجي: الواقع، إذا تحدثت لك بصفتي رئيسة، يفترض في الرئيس الحياد والموضوعية. لذلك، أتحفظ في حديثي معك كرئيسة لدورة حقوق الإنسان على الجواب على هذا السؤال، لأن القرار يـعود إلى اللجنة وما ترغب فيه يحدث. وأنا لا اعمل إلا على تنفيذ قراراتها. لكن الأمر قد يكون مغايرا لو تحدثت لك كسفيرة ليبيا.
سويس إنفو: إذن أتوجه بالسؤال إلى سفيرة الجماهيرية في جنيف: هل يمثّـل الفشل في عقد جلسة خاصة حول العراق داخل اللجنة إخفاقا للدورة 59 في التطرق لموضوع حساس وساخن؟
السفيرة الحجاجي: أود أن اقول لك بصفتي سفيرة الجماهيرية إن الدعوة لعقد هذه الجلسة الخاصة لبحث انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بعد غزو العراق، كانت الجماهيرية احدى الدول الثمانية التي تقدمت بهذه المبادرة.
ورأيي كسفيرة الجماهيرية، أن لجنة حقوق الإنسان كانت المحفل الأممي الوحيد المنعقد أثناء غزو العراق، وكانت المبادرة المقدمة هي لدراسة وبحث انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وليس بحث العدوان الذي هو من صلاحيات مجلس الأمن.
ولكن للأسف الشديد أن عرض هذه المبادرة في وقت كان القصف فيه مستمرا، وبيوت تهدم وعائلات تشرد، قد قوبل برفض الدول الأعضاء في اللجنة بـ 24 صوتا ضد 17. وما يؤسف له هو أن اللجنة لم تتمكن من مناقشة موضوع حساس كان يحدث ونحن نجتمع في الدورة التاسعة والخمسين، وذلك نتيجة لضغوط مورست على أعضائها من قبل القوة العظمى التي حرصت على ألا تناقش اللجنة هذا الموضوع بأي شكل من الأشكال.
كيف يعقل أن نجتمع ونناقش بنودا عادية وهناك انتهاكات لحقوق الإنسان تحدث في جزء من العالم نتيجة لغزو من قبل قوة عظمى؟ وما يؤسفني بشكل أكبر، هو أن اللجنة تجاهلت هذا الأمر واستمرت بالعمل بشكل عادي.
سويس إنفو: بعد انقضاء عام تعرفت فيه على كواليس لجنة حقوق الإنسان، هل يمكن الاستمرار في الإيمان بجدية دورها وضرورة استمرارها؟
السفيرة الحجاجي: يجب أن تستمر أشغال لجنة حقوق الإنسان بأي وسيلة. ويجب ألا ننسى دورها في وضع معايير حقوق الإنسان من عهود واتفاقيات دولية. ولكن كما قلت، اللجنة محفل سياسي ذو بعد قانوني.
فاللجنة انعكاس لتصرفات الدول الأعضاء فيها، ونجاحها مرهون بمدى تغيير الدول لسياساتها ووضع حماية وتعزيز حقوق الإنسان هدفا أساسيا، بدل الثأر السياسي والإدانة وفضح الدول.
فالدول الغربية التي دأبت سنويا على استهداف الدول النامية بحجة انتهاكها لحقوق الإنسان، ماذا تقول في الاحتلال والاستعمار سابقا، وماذا تقول عن العنصرية والكراهية للأجانب، او عن دعارة الأطفال والاتجار بالنساء، وماذا تقول عن أسلحة الدمار الشامل؟
كل هذه انتهاكات لحقوق الإنسان تمارس من قبل الدول المتقدمة، ولكن مع الأسف ما يستهدف هي الدول النامية فقط ، وهذا يحدث توترا داخل اللجنة، وإنه تصرف يدفع بعض الدول النامية المدانة إلى الاستنكاف والامتناع عن التعاون مع آليات حقوق الإنسان، وتمنع المقررين الخاصين من زيارتها، مثلما يقع مع كوبا او العراق حتى وقت قصير قبل الإطاحة بالنظام السابق.
لماذا لا نعوض ذلك بمساعدة هذه الدول بالمشورة والمساعدة التقنية في مجال حقوق الإنسان؟ وفي حال عدم استجابة هذه الدولة لمعايير حقوق الإنسان لعدة سنوات، عندها فقط يمكن إدانتها. وأقول لك إن الجماهيرية ستكون من بين الدول التي ستطبق هذه القرارات، ولكن فقط بعد استنفاذ كل إمكانيات التعاون ودعم دولة القانون وسيادة القانون.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.