أوروبا تتجه لإعادة النظر في قواعد التعامل مع سويسرا
عشية زيارة باسكال كوشبان، الرئيس السويسري، إلى بروكسل، أثار وزراء الخارجية السبعة والعشرون، الممثلون للبلدان الأعضاء في الإتحاد الأوروبي جملة من المؤاخذات حول سير العلاقة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، واضعين قواعد جديدة لتنظيمها وتنفيذ بنود الإتفاقيات التي سبق إقرارها من الطرفيْن.
ومن دون أي نقاش، أقر وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي التقرير المقدم لهم حول العلاقة بين الإتحاد والرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر (تضم كلا من سويسرا والنرويج وإيسلندا وإمارة الليختنشتاين)، وكانت الرئاسة الفرنسية تكفلت بإعداد التقرير بمحض اختيارها.
توجّه خلاصات هذا التقرير الذي أقره وزراء الخارجية نقدا لاذعا إلى سويسرا، ويشير نصه إلى أن العديد من الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين برن وبروكسل “تصلح أساسا لتعاون واسع ومثمر”، لكن هذا التعاون تعرقله وتكدّر صفوه جملة من المشكلات التي باتت معروفة.
النظام الضريبي في قفص الاتهام
وعبّر أعضاء مجلس وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي عن “إنزعاجهم الشديد” خاصة لوجود بعض النظم الضريبية المعتمدة في بعض الكانتونات السويسرية، والمتعلقة بالرسوم المفروضة على الشركات، ويعتبرها المجلس، كما هو واضح”أحد اشكال الدعم الحكومي الذي يخالف نصوص الإتفاق”، والمقصود هنا إتفاق التبادل الحر لسنة 1972.
ويدعو المجلس الوزاري سويسرا إلى “إلغاء هذه الحوافز الضريبية” التي تستغلها الشركات القابضة، وشركات الشحن، والشركات المختلطة.
وستستأنف برن وبروكسل محادثاتهما بشأن هذا الموضوع، في ضوء التقرير الذي صادقت عليه الحكومة الفدرالية، والذي سيعرضه باسكال كوشبان في العاصمة البلجيكية، خلال زيارته الذي يرافقه فيها كل من هانس – رودولف ميرتس، وإفلين فيدمر- شلومبف.
استهداف السياسة المحلية
من ناحية أخرى، يركز أعضاء الإتحاد الأوروبي اهتمامهم على السياسة المحلية الجديدة في كانتونات سويسرا، ويدعون برن إلى التصرف بحذر “حتى لا تتخذ إجراءات داخلية (…) قد تتسبب في الإخلال بقواعد المنافسة النزيهة في المناطق الحدودية بين سويسرا وأعضاء الإتحاد”.
لكن الحوار بين الحكومة الفدرالية ومؤتمر الحكومات الكانتونية حول التعامل مع الملف الأوروبي في ما يتعلق بالمسألة الضريبية، أفضى الأسبوع الماضي إلى تأكيد الطرفين عدم الإستعداد لطرح السياسات الكانتونية على جدول التفاوض مع الإتحاد الاوروبي، كما عبّرا أيضا عن رفضهما لإخضاع الإتفاقيات الثنائية آليا للمراجعة لكي تكون في تطابق مع القواعد والقوانين المعتمدة داخل الدول الأعضاء في الإتحاد.
فعلى الرغم من أن سويسرا ليست عضوا لا في الإتحاد الأوروبي، ولا حتى في المجال الاقتصادي الأوروبي (EEE)، يؤاخذ وزراء الخارجية برن، ويتهمونها بعدم “الإلتزام الكامل بقوانين وتشريعات الإتحاد” في مجال حرية تنقل الأشخاص. وهذا – بحسب نظرهم – “يهدد مصالح الشركات الأوروبية، ومصالح مواطني الدول الأعضاء”، ويعرقل تنفيذ الاتفاقيات الثنائية المبرمة سنة 1999.
من ناحية أخرى يهوّن وزراء الخارجية من أهمية الإجراءات التي اتخذتها سويسرا بشأن العمال المنحدرين من البلدان الأعضاء، أو الخدمات التي تقدمها عبر الحدود.
قواعد عمل جديدة
لمعالجة ما يعتبره الإتحاد الأوروبي “إخلالا وعدم إنسجام” في تنفيذ الاتفاقيات الثنائية من طرف سويسرا، تقترح بروكسل لأول مرة رؤية جديدة لتنظيم العلاقة بين الطرفين في صيغة مكتوبة.
في المقابل، تشير الوثيقة إلى “ترحيب الإتحاد واستعداده لتعزيز الشراكة الثنائية مع برن، والحال أن العديد من الملفات الإضافية قيد الدراسة كملفات السلامة في مجال نقل البضائع، والتبادل التجاري الحر في المجال الزراعي، والطاقة الكهربائية، والصحة العمومية، إلخ..”، لكن بدا واضحا أن مجلس وزراء الخارجية الأوروبيين يسعى إلى فرض وجهة نظره على سويسرا، بشان هذه الملفات.
فمن ناحية، يشدد الوزراء على مبدإ المعاملة بالمثل: وتشير الوثيقة المشار إليها سابقا إلى أنه “في حالة إبرام اتفاقات جديدة، سيعمل المجلس على ضمان إحداث تقدم مواز في جميع مجالات التعاون، خاصة في المجالات التي يرى أن تنفيذ الإتفاقيات تعترضه مصاعب”.
انتهى عهد الإتفاقيات على المقاس
أكد الإتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ما سبق، رغبته في عدم القبول مستقبلا بأي اتفاقيات تصاغ على المقاس، ووفقا لرغبة سويسرا. وبرغم اختيار هذه الأخيرة عدم الدخول في المجال الاقتصادي الأوروبي، يرى الإتحاد أن عليها التكيف مع القواعد المعمول بها داخله، ومع التغيّرات التي تحدث عليها من حين لآخر.
ويشدد الوزراء السبعة عشر على أن “المشاركة في السوق الداخلية تقتضي احترام القواعد المتبعة فيها وتفسيرها بطريقة متجانسة، وضمن سياقاتها التطوّرية. وهذا الشرط ضروري لحسن سير السوق الأوروبية الداخلية، مثلما هو الحال بالنسبة للمجال الاقتصادي الأوروبي، كما يجب أن ينعكس ذلك أيضا في جميع الاتفاقات التي هي قيد النظر”.
ويرى الإتحاد أيضا أن “لإتفاق الإطار” الذي من المتوقع أن يتم التوصل إليه من المفترض ان ينظّم مجموعة الإتفاقات الجزئيةالسابقة، و”من المفترض أيضا أن تُدمج فيه القواعد المتضمنة في الإتفاقات الحالية، إلى جانب آلية محددة تقوم بتحيينها بانتظام”. وهذا بلا ريب برنامج عمل .. مكثف وحافل!.
سويس إنفو – طانغيو فيرهوزل – بروكسل
يقوم باسكال كوشبان، رئيس الإتحاد السويسري يوم الإثنين 15 ديسمبر 2008 بزيارة إلى بروكسل يلتقي خلالها مع خوزي مانيال باروزو، رئيس المفوّضية الأوروبية.
سترافق الرئيس السويسري في زيارته إيفلين فيدمر – شلومبف، وزيرة العدل والشرطة وهانس – رودولف ميرتس، وزير المالية.
من الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات، بداية تنفيذ الإتفاقيات حول التهرب الجمركي، والضريبة على الإدخار، والضريبة على الشركات.
يمثل اتفاق التنقل الحر جزءً من المجموعة الأولى من الاتفاقيات الثنائية. وهو يتعلق في الأصل بالدول الخمسة عشر الأولى التي كانت تشكل الإتحاد الأوروبي. ودخل هذا الاتفاق حيز النفاذ في فاتح يونيو 2002.
وفي سبتمبر 2005، قبل السويسريون بتوسعة إطار هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى الإتحاد الأوروبي في مايو 2004.
وينتهي العمل باتفاقية التنقل الحر بين سويسرا والإتحاد الأوروبي مع موفي 2008. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمكن تمديد العمل بهذا الاتفاق آليا، لكن الأمر يتطلب من الجانب السويسري إجراء استفتاء اختياري. ويصبح الاستفتاء إجباريا إذا طالب به 50.000 مواطن سويسري. عندئذ يجب تنظيم الاستفتاء في ربيع 2009. ولكن، حتى الآن، لم يطالب بذلك لا حزب الشعب ولا النقابات.
من ناحية أخرى، يتطلب انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الإتحاد الأوروبي في فاتح يناير 2007، إجراء استفتاء آخر لتوسعة نطاق اتفاقية التنقل الحر. وحول هذه النقطة، من المرجح أن يطالب حزب الشعب بعرضه في استفتاء شعبي عام، ولكن التهديدات التي أطلقها الحزب صدرت قبل اتخاذ مجلس الشيوخ لقراره الداعي إلى ربط هذه التوسعة بالاتفاقية الأساسية للتنقل الحر.
تنظم العلاقة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي بشكل ثنائي. وتتعلق الاتفاقيات الثنائية الأولى (1999) أساسا بفتح متبادل للأسواق. وتشمل سبعة ميادين: التنقل الحر للأشخاص، رفع العوائق التقنية أمام التبادل التجاري، فتح الأسواق العمومية، الزراعة، والنقل الجوي والبري، ومشاركة سويسرا في برامج الأبحاث الأوروبية.
أما الاتفاقيات الثنائية الثانية، فتغطي مجالات اقتصادية إضافية، وتوسع التعاون السويسري الأوروبي إلى ميادين سياسية تشمل قضايا الأمن الداخلي، واللجوء، والبيئة والثقافة. وتتعلق أيضا بالملفات التالية: اتفاقيات شيغن ودبلن، و الضريبة على الادخار، والمنتجات الزراعية الموجهة للتصنيع، والتعاون في المجال الإعلامي، والبيئة والإحصاء ومكافحة الغش، ونظام التقاعد، والتعليم والتكوين المهني.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.