أي مستقبل لمصر بعد الإطاحة بمرسي؟
اعتبرت الصحافة السويسرية أن الرئيس المصري محمد مرسي، الذي أقاله الجيش مساء الأربعاء 3 يوليو، لم ينجح في تلبية انتظارات الشعب. في الأثناء، تتعدد التساؤلات حول السيناريوهات المستقبلية لمصر وللربيع العربي عموما.
“انقلاب في القاهرة”.. “انقلاب مصحوب بدعم شعبي قوي”.. “انفجار الأفراح في ميدان التحرير”.. “الخطأ القاتل لمحمد مرسي”.. “هزيمة للديمقراطية”، هذه بعض العناوين التي اختارتها الصحف السويسرية، الصادرة صباح الخميس 4 يوليو في سياق تغطيتها للحدث البارز الذي شهدته البلاد بالأمس.
بعد مرور ستة وعشرين شهرا على إرغام حسني مبارك على الاستقالة، “وضع عشرات الآلاف من المتظاهرين حدّا لحكومة أخرى، ولكن بطريقة خشنة هذه المرة”، مثلما كتبت صحيفة 24 ساعة، الصادرة في لوزان بالفرنسية.
دعت سويسرا إلى عودة سريعة للديمقراطية في مصر بعد أن اطلعت بـ “قلق” على تعليق العمل بالدستور وإقالة الرئيس محمد مرسي من طرف الجيش مساء الأربعاء 3 يوليو 2013.
وفي بلاغ صدر يوم الخميس 4 يوليو في برن، دعت وزارة الخارجية السويسرية جميع الأطراف إلى البحث عن حلول سياسية للأزمة الحالية وتجنب تصعيد العنف.
وحسب ما جاء في بيان الوزارة التي يُشرف عليها ديديي بوركالتر، فإن عودة العملية الديمقراطية يجب أن تتم “عبر انخراط جميع القوى المجتمعية في البلاد وفي إطار احترام الحقوق الأساسية”.
أخطاء مرسي
في الإفتتاحية المشتركة لصحيفتي تاغس أنتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ) ودير بوند (تصدر بالألمانية في برن)، جاء أن الإخوان المسلمين لم يعتبروا انتصارهم الإنتخابي تكليفا وواجبا، بل صكّـا على بياض، إذ “هيمن الرئيس بشكل مُـطلَـق بعد تقلُّـده المنصب، بصفته قائدا لقافلة أو زعيما لخلافة”، في حين أنه كان يتعيّـن تجنُّـب مثل هذا السلوك تُـجاه جسم انتخابي متقلِّـب، حسب رأي اليوميتين.
الخطأ التكتيكي الأكبر الذي ارتكبه مرسي، يتمثل حسب دير بوند وتاغس أنسايغر، في إقدامه على حثِّ الإسلاميين الأكثر راديكالية في مصر، على المشاركة في الجهاد في سوريا. وتشير الصحيفتان، إلى أن “رئيسا ينخرط في حرب مقدّسة ويزرع بذور جيل جديد من الإرهابيين، كان آخر شيء يرغب فيه الجيش”.
من جهتها، علّـقت صحيفة نوييه تسورخر تسايتونغ، الصادرة بالألمانية في زيورخ، أن الإخوان المسلمين لم يُـنجزوا الثورة أو الديمقراطية. ولاحظت أنه عندما يُـنتخب حزب أو سياسي، فليس بإمكانه أن يفعل ما يريد خلال فترته. كما ذكّـرت أن “الإخوان المسلمين، عِـوضا عن التحاور مع جميع المصريين والتفاوض مع كافة الأحزاب السياسية ومجموعات الضغط، لم يتحادثوا إلا مع الجنرالات ومع مؤيديهم فحسب”.
اقتصاد مُـنهار
صحيفة نوييه تسورخر تسايتونغ أشارت أيضا إلى أن مرسي والإخوان المسلمين، استهانوا بشكل واضح جدا بالغضب الشعبي وبقدرة الجماهير على التأثير في الشارع. فبالنسبة لجزء كبير من المصريين، تراجعت جودة الحياة. وتبعا لذلك، نزل الكثير من الأشخاص، الذين ظلّـوا صامتين حتى الآن، للاحتجاج في الشوارع، “فالخبر والعدالة أهم بكثير من الحرية بالنسبة للعديد من المعارضين لمرسي في ميدان التحرير”.
الصحيفة الرصينة الصادرة في زيورخ، لم تكن الوحيدة التي ربطت بين الاستياء الشعبي والوضعية الاقتصادية المتدهورة للبلاد. فقد أوردت صحيفة بازلر تسايتونغ، على سبيل المثال، نتائج سبر للآراء قامت به قناة تلفزيونية، اعتبر فيه 63% من الأشخاص المستجوبين أن “ظروف حياتهم في عهد مرسي قد ساءت”.
الاستطلاع كشف أيضا عن “عُـمق الانقسام القائم في صفوف السكان”، يضاف إلى ذلك، أن الضبابية السياسية أدّت إلى عزوف كل المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في مصر، مثلما تلاحظ الصحيفة الصادرة في بازل.
صحيفة سودأوست شفايتس، الصادرة بالألمانية، اعتبرت في افتتاحيتها، أن مصر لا يمكن أن تسمح لنفسها بخوض صراع أيديولوجي، في الوقت الذي ينزلق فيه يوميا آلاف المواطنين إلى عتبة الفقر ولا يجد فيه طفل من بين خمسة ما يقتات به.
من جهة أخرى، يتوجّـب على الإسلاميين أيضا أن يستوعبوا أنه “لا يمكن للمرء أن يتغذى شريعة”. أما الشيء الوحيد الذي يمكن أن تقوم به مصر، فيتمثل، حسب الصحيفة الصادرة في خور، في تلبية تلك المُـثل الثورية التي طالب بها الشعب بأعلى صوته، وهي: الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.
الرجل القوي الجديد في مصر، هو السيسي..
صحيفة لاتريبون دو جنيف، اعتبرت أن مصير مصر أصبح اليوم بين يدي الفريق أول عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش المصري ووزير الدفاع، الذي كان شخصا شبه مجهول قبل عام تقريبا. وكتبت الصحيفة الصادرة في جنيف، أن “جنرال الشعب” مسلم محافظ بالتأكيد، “لكنه وطني راسخ أيضا، تدرّج في مساره المهني ضمن الجيش”.
الصحيفة تساءلت أيضا عن نوايا الجنرال، إلا أن جوابها اقتصر على ما ورد في بلاغات القوات المسلحة، من أن العسكريين لا يريدون استعادة السلطة، ولكن إرغام الحكومة ذات التوجهات الإسلامية، على صياغة إجماع وطني.
من جهتها، ترى صحيفة لوتون أن المعبود الجديد للثوريين المصريين، أصبح الآن الجنرال السيسي، “فمن خلال تحديد مهلة لمرسي، فرض نفسه كشخصية محورية في الأزمة السياسية التي تهز مصر”، حسب رأي الصحيفة.
.. أم أنه البرادعي؟
على العكس من ذلك، يرى ألكساندر ستاركر، المستشار السويسري لعمرو موسى، المرشح المنهزم في الإنتخابات الرئاسية لعام 2012، أن الرجل المفتاح، ليس السيسي، بل محمد البرادعي، الزعيم الجديد للمعارضة والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي حديث أدلى به إلى صحيفة لوتون، اعتبر ألكساندر ستاركر أن “وسائل الإعلام الغربية أخطأت التقدير، فليس السيسي هو الذي يُـمسك بدفة القيادة، بل الشباب”.
ستاركر شدد في تصريحه للصحيفة الصادرة بالفرنسية في جنيف، على أن “الربيع العربي الحقيقي بصدد الإنطلاق”، مضيفا “لقد شاهدنا أضخم مظاهرة في التاريخ، شارك فيها ملايين الأشخاص في الشوارع. وفي 80% من الحالات، لم يتظاهروا ضد الإخوان المسلمين، ولكن ضد وعودهم التي لم تُـنجَـز”، على حد قوله.
في حوار مع صحيفة لوتون، الصادرة بالفرنسية في جنيف، اعتبر السويسري ألكساندر ستاركر، المستشار السابق في مجال الحوكمة لعمرو موسي، المرشح للرئاسة في مصر عام 2012 والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، أن “مغامرة الإسلام السياسي في مصر، خسِـرت الكثير من مصداقيتها، هذا إن لم تكن طُـويت بعد.
ولدى سؤاله عن إمكانية استفادة السلفيين من سقوط الإخوان المسلمين، أجاب ستاركر أن “حزب النور، متحالف مع الذين أطاحوا بمرسي. لكن جزءا آخر من السلفيين، هُـم أكثر راديكالية، ويتعين عليهم الاستعداد لقضاء أوقات صعبة”.
وأضاف الرجل الذي قضى معظم حياته في مصر أن “رئيس الوزراء المقبل، يجب أن يكون اقتصاديا، أي تقنيا، مهما كان الثمن”، مشيرا إلى أنه “في غضون 3 أشهر، لا يجب أن يكون هناك انقطاع للكهرباء. كما يجب أن يعود البنزين والخبر إلى كل مكان”.
أخيرا، ذكّـر المستشار السابق لعمرو موسي بأن “مصر ستحتاج إلى 100 مليار دولار لإعادة تشغيل الآلة الاقتصادية”، مُـلمِّحا إلى أن “بعض بلدان الخليج كانت تنتظر رحيل مرسي للإستثمار في مصر”.
11 فبراير 2011: بعد ثمانية عشر يوما من الاحتجاجات الشعبية، كلف الرئيس حسني مبارك المجلس الأعلى للقوات المسلحة بـ “إدارة شؤون البلاد”.
30 يونيو 2012: وصول الإسلامي محمد مرسي إلى الرئاسة بعد أن فاز في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية على منافسه أحمد شفيق، المرشح القريب من الجيش.
12 أغسطس 2012: الرئيس الجديد يحيل على التقاعد المشير حسين طنطاوي، رئيس أركان الجيش المصري، وسمى مكانه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، رئيس المخابرات العسكرية.
22 نوفمبر 2012: مرسي يمنح نفسه حق إصدار قوانين عن طريق المراسيم وتحصين قراراته لفترة محدودة، وهو ما أثار موجة من الإحتجاجات والإنتقادات.
15 و22 ديسمبر 2012: استفتاء على الدستور الجديد، يُـسفر عن تأييد حوالي 63% من الناخبين المصريين له.
30 يونيو 2013: ملايين المتظاهرين يتجمعون في ساحة التحرير وعدد من الميادين الأخرى، للمطالبة برحيل مرسي، ومؤيدوه يتجمعون في محيط مسجد رابعة العدوية، للإعراب عن تأييدهم له.
1 يوليو 2013: الجيش يمنح الرئيس مرسي مهلة بثمانية وأربعين ساعة، للتوصل إلى حل مع معارضيه.
3 يوليو 2013: الجيش يقرر عزل مرسي من الرئاسة.
4 يوليو 2013: المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا يؤدي اليمين القانونية “رئيسا مؤقتا” للبلاد.
(نقله من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.