استعادة الأمـن “الشامل” أخطر التحديات التي تواجه مرسي
أجمع خبراء ومحللون سياسيون وأمنيون مصريون، على أن استعادة الأمن بمفهومه الشامل، هو أكبر التحديات التي تواجه الرئيس المصري المُـنتخَب الدكتور محمد مرسي..
.. خاصة وأن الشعب المصري قد تعرّض منذ نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك – ومازال – لأكبر عملية ترويع تمّت في تاريخ مصر الحديث، معتبرين أن توظيف الإنفلات الأمني في العملية السياسية، هو أخطر التحديات، خاصة في ظل وجود قوى الثورة المضادة.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، نصح الخبراء الرئيس مرسي بإخضاع الأجهزة الأمنية للرقابة القانونية والشعبية، مع إعادة الثقة لقطاع الشرطة وتكريم شهدائها، مع التّشديد على إخضاع جهاز “الأمن الوطني”، الذي حل بديلاً لجهاز مَـباحث أمن الدولة، الذي تم حله، للنيابة العامة، مع إمكانية التخلّص من القادة الذين لهم ولاء مضاد لمشروع الرئيس الجديد، وإحلال قادة غيرهم من داخل المؤسسة، بعد إعادة تأهيلهم وتثقيفهم وتدريبهم بما يحقق مطلب الأمن.
تحقيق الأمن بمعناه الشامل
في البداية، قال الخبير الأمني الدكتور عمرو أبو الفضل: “لا شك أن التحدي الأمني، أحد أكبر الملفات التي تواجه الرئيس المنتخَب الدكتور محمد مرسي. والأمن هنا، لا يعني استعادة الأمن ومنع الجريمة ومواجهة الإنفلات الأمني فقط، بل تحقيق الأمن بمعناه الشامل، الإنساني والاجتماعي والاقتصادي، وِفقا لما هو معمول به في الدول الحديثة والحقوق الإنسانية الدولية”.
وأضاف أبو الفضل، الباحث بمركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch “لا يمكن إنكار أن الشعب المصري تعرّض خلال الفترة الماضية – وما زال – لأكبر عملية ترويع تمّت في تاريخ مصر الحديث. وبعض التحليلات تذهب إلى قيام بعض الأطراف في العملية السياسية، بتوظف الفوضى الأمنية والإنفلات الأمني، كإحدى أوراق اللُّعبة السياسية، بهدف تشويه الثورة والثوار، وإحداث تأثير في الشعب المصري وجعله يرضخ إلى بعض الإصلاحات البسيطة في الواقع السياسي المصري”.
وأوضح، أنه يجب القول بأن توظيف الإنفلات الأمني في العملية السياسية، هو أخطر تحدٍّ يواجه الرئيس الجديد، ومن المتوقّع أن يظل هذا التحدّي الأمني هو الأصعب، خاصة في ظل وجود قوى الثورة المضادة في المشهد السياسي، وهذا بدوره ينعكِس سلبا على الإقتصاد والتنمية والإستثمارات والسياحة وغيرها من القطاعات الإقتصادية الحيوية والمطلوبة لعبور الاقتصاد المصري أزماته، فضلا عن تعميق إحساس المواطن بعدم الاستقرار والتضرر من فقدان الأمن ووجود الانفلات الأمني وإشاعة الخوف بين المصريين”.
إخضاع الأمن الوطني للنيابة العامة
ومن جهته، يرى الخبير السياسي الدكتور كمال حبيب، أن “التحدّي الأمني، هو أهم التحديات التي تواجه الرئيس المنتخَـب الجديد، كما أن قدوم الرئيس من عالَـم منتخَـب، وليس من النّخبة القديمة، هو أحد أهَـم هذه التحدِّيات”، متسائلاً: “كيف يمكن للرئيس القادم من عوالم خارج السّلطة، أن يعرف دهاليز تلك المؤسسات، وكيف يمكنه أن يبني الثقة وجسور التفاهم معها؟”.
وقال حبيب، المتخصِّص في شؤون الحركات الإسلامية، في تصريحات خاصة: “المؤسسة الأمنية تكون مع الوقت ولاءً خاصا بأعضائها، بحيث يمكن القول، أنهم يعرفون أنفسهم تعريفا خاصا، وِفق معايير تلك المؤسسة، ويكون لهم ولاؤهم وتراتِـبهم، كما أن هناك الدّفعة والشِـلّة والمصالح”، متسائلا: “فكيف يمكن للرئيس أن يُـعيد هيكلة المؤسسة الأمنية، وإن بالتدريج، من أجل جلب قيادات قريبة منه تتفهّم مشروعه وتكون هي المباشِـرة لتنفيذ مطلب الأمن المُـلح في المجتمع”.
وأضاف: “أعتقد أنه لابد للرئيس أن يسلك سبيل تونس في إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، عبر التخلّص من القادة الذين لهم ولاء مضاد لمشروع الرئيس الجديد، وإحلال قادة غيرهم من داخل المؤسسة، ثم إعادة تثقيفهم وتدريبهم، بما يحقق مطلب الأمن، مع التركيز على الجانب الجنائي بشكل أساسي في مواجهة المجرمين والبلطجية والخارجين على القانون”، مشيرا إلى أن “الشيخ راشد الغنوشي كان موجودًا في مصر مؤخرا، ولابد من الاستفادة بخِـبرة تونس في هذا السبيل”.
واختتم حبيب قائلاً: “حتى الآن، لا نعرف كيف سيتعامل الحزب مع المؤسسة، ولكن ما يُـسوِّقونه في هذا السبيل، هو أن تخضع مؤسسة الأمن الوطني لرقابة النيابة العامة وأن تكون جزءا من المؤسسة العامة للأمن، وأن لا تكون عالما مستقلاّ بذاته، وأن يتم بناؤها من جديد على أساس احترافي وحقوقي، حتى لا تكون هناك عودة لأمن الدولة مرة أخرى، كما كانت في عصر مبارك”.
إعادة الثقة للشرطة وتكريم شهدائها
وردّا على سؤال: هل بوِسع الرئيس الجديد أن ينجح في التعامل مع التحدّي الأمني؟ قال أبو السعود إبراهيم، الأستاذ غير المتفرِّغ بكلية الإعلام جامعة القاهرة وأكاديمية أخبار اليوم وكلية الإعلام في جامعة 6 أكتوبر؛ جامعة الأهرام الكندية: “لابد أولاً أن نفرِّق بين الأمن الاقتصادي والسياسي والإعلامي والإجتماعي، ولكل صِنف منهم حديث خاص”.
وأضاف إبراهيم، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch “اعتقد أن نجاح الرئيس الجديد في مواجهة التحدي الأمني، ليس بالأمر البسيط. فالمسؤولون عن الأمن، في حاجة إلى مَـن يُـؤمِّـنهم من جماعة الإخوان، والطبقات الفقيرة في حاجة إلى أن ترى تغييرا ملموسا في المعيشة، وهي لها متطلَّبات، ومِـن ثَـمّ، فلن تكفيها الوعود. ومشكلة الرئيس تتلخّص في بوقة الإخوان وتضارُب تصريحاتهم”.
وعن وصفته للخروج من المأزق الأمني الرّاهن؛ يوصي أبو السعود بأن “يتصالح الرئيس مع نفسه ومع فئات كثيرة، أولها الشرطة، وأن يُـعيد إليهم الثقة ويكرِّم شهدائها، لأن هذه الفئة خادِمة لأي نظام حاكم، وأن لا يستمع – الرئيس – إلى كارهي الجماعة للشرطة، لأن الشرطة هي التي يمكنها أن تُـعيد الأمن، لمعرفتهم بالخارجين على القانون”، معتقدًا بأن “الإبقاء على وزير الداخلية الحالي، اللواء محمد إبراهيم في الحكومة الجديدة، أمر مهِـم للغاية، لأنه مقبول لدى رجال الشرطة، وفي نفس الوقت، قدّم إنجازات حقيقة، رغم ضعف الإمكانيات والجو النفسي الخانق”.
رقابة قانونية وشعبية للأجهزة الأمنية
وقال أبو الفضل: “ويُـعد إخضاع المؤسسات الأمنية لرقابة المدنيين المنتخبين، من أهم الأمور في هذا الملف، والتي يجب الإنتباه إليها، حيث تُـعتبر بمثابة المقدِّمة الحقيقية للتغيير وعنوانا لنجاح الرئيس في مهمته، وهذا يتحقق بإيجاد آليات مؤسسية لوجود رقابة قانونية وشعبية على الأجهزة الأمنية، لضمان احترامها لحقوق الإنسان وابتعادها عن توظيف هذه المؤسسات وأدواتها للتأثير في العملية السياسية بأية طريقة، ولخدمة المصالح الحزبية لأي فريق سياسي”.
وأضاف: “ومن المهِـم هنا، الإشارة إلى أن القضاء على الإنفلات الأمني وعودة الاستقرار، ليس مسؤولية الرئيس وحْـده، وإنما يقع على عاتق كافة القوى السياسية في المجتمع والسلطات التنفيذية جميعا، لأنها من القضايا المتداخِـلة. فلا يمكن الفصل بين الأمن الإجتماعي والإقتصادي، والحالة الأمنية في الشارع”.
وتابع أبو الفضل، الخبير بمركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية: “كما لا يجب أن نقع في ذات الخطإ الذي أصرّ النظام السابق عليه، من تحميل المؤسسة الأمنية مسؤولية مواجهة كافة الملفات الاجتماعية والاقتصادية، والاكتفاء بالحلول الأمنية، التي ثبت فشلها وأدّت إلى مزيد من التوتر والاحتِقان وتدهْـور الأوضاع”.
كما أثرت في اداء المؤسسة الأمنية، من حيث تضخم أعبائها وإرهاقها وتوريطها في أزمات ومشكلات، ليست من قبيل عملها ولا مسؤولياتها ولجوئها في أغلب الأحيان إلى القوة المُـفرطة والانتهاكات الجسيمة للقانون والحقوق الإنسانية للمواطنين، كحل سريع لأزمات لم تُـحلّ أصلا، مما أدى إلى توغّـلها وتحوّلها لأداه قمعية بَـشِـعة، أضرّت بسُـمعة مصر وتأكل صِـدقِـيتها في المؤسسات الدولية.
مع انتهاء الإعتصام في ميدان التحرير، تزايدت المظاهرات والإحتجاجات المطلبية في الأيام الأخيرة أمام قصر الرئاسة في مصر الجديدة، شمال القاهرة، حيث تتجمع أعداد من المواطنين لإبلاغ صوتها مباشرة للرئيس الجديد محمد مرسي.
وسمح عاملون في القصر لبعض المحتجين بالدخول لتقديم مطالبهم في سابقة تسجل في البلاد التي عرفت في السابق بشدة وطاة الأمن والبيروقراطية التي تبني أسوارها بين رئيس الدولة والشعب.
وأعلن ياسر علي، القائم باعمال المتحدث الاعلامي باسم رئيس الجمهورية يوم 4 يوليو 2012، ان الرئيس محمد مرسي “يتابع باهتمام بالغ الوقفات الاحتجاجية امام مقر رئاسة الجمهورية، كما يؤكد اهتمامه البالغ بمعاناة المواطنين ويؤكد تفهمه الكامل للمشكلات المتراكمة التي مضت عليها فترة طويلة”.
واضاف ان “الرئيس اصدر توجيهات بان يتم في القريب العاجل تاسيس جهاز قادر على متابعة شكاوى المواطنين في مختلف المجالات ويعمل على حلها بشكل سريع”، موضحا انه “يجري البحث حاليا لانشاء جهاز للتظلمات على أن يصدر قرار بذلك في القريب العاجل”.
كما تقرر انشاء موقع الكتروني شامل باسم رئاسة الجمهورية وسيخصص جزء فيه لتلقي شكاوى المواطنين الكترونيا، وانه يجري حاليا اختيار ثلاثة اماكن مختلفة بالقاهرة لاقامة مكاتب تتلقى شكاوى المواطنين وتطوير الخط الساخن لتلقي الشكاوى”.
وتواتر قدوم المواطنين فرادى وجماعات بينهم بالخصوص عمال أحد المصانع، للمطالبة بحقوقهم ورفع شكواهم إلى أول رئيس مدني في تاريخ جمهورية مصر العربية.
وقال شحادة عثمان، الذي كان يعمل في مصنع بيريلي للاطارات بالاسكندرية (شمال)، أنه أجبر على التقاعد بشكل مبكر ولم تدفع له مستحقاته وهو يريد من الرئيس أن يحل مشكلته.
وقال لوكالة فرانس برس “احتجينا في المصنع لمدة سنتين، لا احد استمع الينا، ولذلك قررنا ان ناتي الى الرئيس، فربما يمكنه ان يفعل شيئا لنا”.
والحضور متنوع امام القصر، فهناك عمال مصانع اسمنت ونسيج ينتظرون عقودا دائمة او ظروف عمل افضل يرفعون شعارات ويرفعون يافطات مطلبية، وهناك ايضا ناشطون يطالبون في مؤتمر صحفي خارج القصر بالافراج عن المعتقلين السياسيين.
وتسلق احد المحتجين باب القصر محاولا اقناع الحراس بالسماح له بالدخول.
وتحاول نساء الولوج عبر باب صغير في حين يتصدى لهم اعوان الحراسة في توتر.
وكانت مثل هذه الصور ضرب خيال في عهد الرئيس السابق حسني مبارك الذي لم تكن اجهزته الامنية تسمح لاي كان بالاقتراب من القصر الرئاسي.
وبعد ظهر الاربعاء، علم 50 متظاهرا من المدرسين في معهد حكومي للمطالبة بعقود ثابتة تتيح لهم منافع اضافية، ان الرئيس امر بمنحهم عقودا ثابتة. فهللوا فرحين ورفعوا شعارات بينها “مرسي يا رجل الدين شكرا شكرا على التعيين”.
وعنونت اغلب الصحف المصرية اليوم على تظاهرات القصر وجاء عنوان صحيفة حزب الحرية والعدالة “على باب القصر”.
اما صحيفة الشروق (مستقلة) فعنونت في صفحتها الاولى “عمال وعاطلون وارامل على باب قصر الرئيس” وصحيفة المصري اليوم (مستقلة) “الازمات تحاصر قصر الرئاسة” والوفد (ليبرالية) “المظاهرات الفئوية تشتعل امام قصر الرئيس”.
وخصصت الاهرام (حكومية) صفحة كاملة للأمر بعنوان “الشعب عرف طريق القصر” وكتبت “من كان يجرؤ أيام النظام الامني المستبد على ان يقترب من باب قصر العروبة أو يجأر بالشكوى في وجه +سيادة الرئيس+”.
وعنونت صحيفة التحرير (مستقلة) “مظاهرات القصر تنهي عصر الميدان” أي ميدان التحرير.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب بتاريخ 4 يوليو 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.