استقالة كوفي أنان تغذي أيضا تساؤلات الصحافة السويسرية
تنافست الصحف السويسرية الصادرة يوم الجمعة 3 أغسطس 2012 على اختيار العنوان الأفضل تعبيرا عن استقالة المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا كوفي أنان من وساطته.
لكن غالبيتها شبهته بملاكم حاول جاهدا مواصلة المعركة، غير أن مدربه أوقف المعاناة برمي المنديل.
هذا المعنى تضمنته عناوين كل من “بيرنر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية في العاصمة برن)، ولا ليبرتي (تصدر بالفرنسية في فريبورغ)، والصحيفة الواسعة الانتشار الناطقة بالألمانية في زيورخ “نويه زورخر تسايتونغ”، ويومية “لا تريبون دو جنيف” الناطقة بالفرنسية.
وفي جنيف أيضا، اختارت صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية) عنوان: “كوفي ـنان يتخلى عن مهمته المستحيلة”. وقد ذكّرت الصحيفة برفضه تحمل المسؤولية في هذا الفشل أو التحول إلى كبش فداء.
وفي إشارة إلى مذكراته التي ستصدر قريبا، والتي نشرت صحيفة “الواشنطن بوست” بعضا من محتواها، نقلت الصحيفة عنه قوله عن بشار الأسد “إنه يرغب في استخدام كافة الوسائل من أجل البقاء في السلطة”.
صحيفة “نويه زورخر تسايتونغ” رأت أن سبب هذا الفشل يفسر بعاملين اثنين: أولا، إدراك كل من الحكومة والمجموعات المعارضة بأن انتهاك مخطط السلام ذي الست نقاط لا تترتب عنه أية تبعيات، وهو ما أدى إلى تعاظم المجازر من جهة، وثانيا، أن الوحدة التي أبدتها المجموعة الدولية في البداية من أجل إيجاد حل سياسي تلاشت بعد استخدام الصين وروسيا لحق الفيتو مرتين لعرقلة قرارات غير ملائمة بالنسبة لنظام الرئيس الأسد.
وفي آراو، أعربت صحيفة “آرغاور تسايتونغ” الناطقة بالألمانية عن اعتقادها بأن استقالة كوفي أنان “أتت في وقت لم نكن نتوقعها فيه، ولكنها ليست مفاجئة”، مشيرة إلى تلميحه قبل شهر، في حوار مع صحيفة لوموند الفرنسية، بأنه “من الواضح جدا بأننا لم نحقق النجاح المطلوب”.
أما صحيفة “لونوفليست” فقد ذهبت تبحث عن أسباب هذه الاستقالة بين صفوف معاوني كوفي أنان، إذ اوردت قول أحدهم بأن “كوفي عنان كان يشعر بالخيبة منذ أسابيع”. وتساءلت الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في مدينة سيون بكانتون فالي، “عن مستقبل هذه المهمة في ظل المنحى الذي اتخذه الصراع، والمتميز بإعطاء الأولوية للصراع المسلح من أجل طرد زمرة الأسد”.
“المهمة المستحيلة”
وكان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي عنان قد أعلن يوم الخميس 2 أغسطس 2012، وبمرارة، عن استقالته بحلول نهاية هذا الشهر من المنصب الذي تولاه قبل خمسة أشهر لمحاولة إيجاد حل للصراع السوري. وحمل المجموعة الدولية والأطراف السورية المسؤولية في عسكرة الصراع ونقص الإرادة في التوصل إلى حل.
إعلان الاستقالة يضع حدا لانتقادات شتى وردت من عديد الجهات حول طبيعة هذه المهمة، ومن الأطراف المستفيدة منها فعليا. كما يطرح عدة تساؤلات حول مستقبل الصراع، وما إذا كانت المهمة لتستمر بعد فشل رجل بهذه الخبرة في مسايرة مشاكل العالم.
وقد وصف كوفي أنان بنفسه المهمة التي تولاها من أجل إيجاد حل للصراع بين حكومة الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية بـ “المستحيلة”، قائلا:” لقد قبلت هذه المهمة لأنني اعتقدت أنها مهمة مقدسة، وللقيام بما هو في مقدوري لمساعدة الشعب السوري على إيجاد حل سلمي لهذا الصراع الدامي”.
لكن الأمين العام السابق سرعان ما عدد الأسباب التي حالت دون تحقيق ذلك بقوله: “لقد عملت العسكرة المتعاظمة للصراع، والنقص الواضح في توحيد الآراء في مجلس الأمن، جذريا على تغيير الظروف العملية التي كان من المفروض أن أقوم فيها بمهمتي”.
وقال بصريح العبارة: “يجب أن تفهموا بأنني كمبعوث لا يمكن أن أكون أكثر حرصا على السلام من الأطراف المعنية، وأكثر من دول مجلس الأمن أو المجموعة الدولية. وبدون مواقف جادة، ووحدة صف على المستوى الدولي لممارسة الضغوط بما في ذلك من القوى في المنطقة، لا يمكنني، أو لأي أحد آخر، إرغام الحكومة السورية في المقام الأول، ثم المعارضة في المقام الثاني، على اتخاذ الخطوات الضرورية لبداية مسار سياسي”.
مخططات بقيت حبرا على ورق
وكان كوفي أنان قد تمكن من تحديد مخطط يشتمل على ست نقاط لحل الأزمة السورية، ولكن هذا المخطط لم يعرف سوى تطبيقا جزئيا لنقطة واحدة منه، وهي إرسال مراقبين دوليين غير مسلحين لم يتمكنوا من آداء مهمتهم في أحسن الظروف، وهم اليوم بصدد مغادرة البلاد تاركين الشعب السوري في أحلك مراحل صراعه الداخلي المؤجج بتدخلات خارجية إلى جانب هذا الطرف أو ذاك.
كما تمكن في اجتماع جنيف الذي انعقد في 30 يونيو 2012 من التوصل إلى أرضية اتفقت عليها كافة الأطراف المعنية بالصراع السوري، في غياب الحكومة والمعارضة وإيران والسعودية، تقضي بالعمل على تهيئة الظروف لمرحلة انتقالية.
ولكن سرعان ما اختلفت التأويلات بشأن هذا الاتفاق قبل جفاف حبره بحيث أن روسيا رأت أنها أفلحت في تفادي الإشارة إلى ضرورة تنحي بشار الأسد كشرط مسبق، تاركة ذلك للشعب السوري نفسه. بينما فهمت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن المقصود بالمرحلة الانتقالية هي مرحلة بدون بشار الأسد. والنتيجة، كما يتضح للجميع، تصعيد عسكري ومزيد من الدماء والدمار.
وقد أعرب الأمين العام الحالي لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون عن قبول هذه الاستقالة بــ “نوع من الأسف”، موضحا بأنه سيشرع في مشاورات مع أمين عام جامعة الدول العربية من أجل إيجاد خلف للسيد أنان.
حسرة أم.. دموع تماسيح!
ردود فعل العواصم على استقالة كوفي أنان من منصب الوسيط المشترك الأممي والعربي لسوريا، جاءت على الفور. وقد حاول فيها كل طرف إلقاء اللوم ومسؤولية الفشل على الطرف الثاني.
فقد حملت الولايات المتحدة الأمريكية كلا من روسيا والصين مسؤولية استقالة كوفي أنان معتبرة بأن استعمالهما المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن من أجل منع القرارات الموجهة ضد بشار الأسد هي التي كانت السبب وراء هذه الاستقالة، إذ قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن “مجلس الأمن الدولي مُنع من تزويده بالوسائل الضرورية لإنجاح مهمته”.
من جانبه، حمل ناطق باسم الحكومة الأمريكية الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولية “مواصلة عمليات القتل ضد شعبه”.
أما مسؤولة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاترين آشتون، فقد عبرت عن “عميق اسفها” لهذه الاستقالة، مشددة على أن “مخطط كوفي عنان ذا الست نقاط يبقى أفضل أمل بالنسبة للشعب السوري”.
وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون طالب من جهته مجلس الأمن الدولي بممارسة مزيد من الضغط على بشار الأسد موضحا بأن “استقالة كوفي أنان تظهر جليا بأن المسار المسلوك حتى الآن في المجلس غير مجد”.
في المقابل، حملت روسيا مساعدي المعارضة السورية المسؤولية عن استقالة كوفي أنان بحيث قال نائب وزير الخارجية الروسي غنادي غاتيلوف: “إنه كان وسيطا دوليا أمينا، ولكن هناك من كانوا يرغبون في إزاحته من اللعبة لكي تتسنى لهم فرصة إطلاق يدهم في استخدام القوة والعنف”.
الصين التي عبرت عن “الأسف الشديد لهذه الاستقالة”، وصفت مهمة كوفي أنان بأنها كانت “صعبة وقد تولاها بجدية”. وطالبت، على لسان ناطق باسم خارجيتها، منظمة الأمم المتحدة بـ “مواصلة القيام بدور هام لإيجاد حل سلمي في الأزمة السورية”.
إيران من جهتها لم تتردد في إصدار رد فعل عن استقالة كوفي أنان منتقدة “تدخلات دول أجنبية”، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: “يبدو أن بعض الدول الأجنبية التي لها تدخلات في هذه الأزمة (…) لم تكن مرتاحة لجهود كوفي عنان (…) الرامية لوضع حد لوصول الأسلحة لسوريا ولوقف العمليات الإرهابية”، على حد قوله.
ورقة التوت
بإعلان الوسيط المشترك الأممي والعربي لسوريا عن استقالته مع نهاية شهر أغسطس، تُنزع ورقة التوت التي كان يحتمي بها كثيرون لمواصلة مخططاتهم التي سطروها للصراع السوري تماشيا مع مصالهم الخاصة، وبعيدا عن مصالح الشعب السوري الذي يدفع الثمن غاليا لرغبته المشروعة في التغيير وفي الديمقراطية.
فهل معنى ذلك نهاية الوساطة الأممية ونهاية مخطط السلام ذي الست نقاط؟ عن ذلك يجيب كوفي أنان بقوله: “لا، لن تنتهي كل هذه المخططات باستقالتي: لأن مخطط الست نقاط هو مخطط لمجلس الأمن الدولي، وان على الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن يتذكروا بأنه مخططهم وسيبقى مطروحا على الطاولة كمخطط لمجلس الأمن”.
وقد ذكّر الأمين العام بان كي مون بأن منظمة الأمم المتحدة تشدد على استمرار البحث عبر السبل الدبلوماسية عن وسيلة لوضع حد للعنف ولتوصل السوريين إلى حل يسمح بتحقيق التطلعات الديمقراطية المشروعة للشعب السوري.
وقال بان كي مون إنه شرع بالفعل في التشاور مع الأمين العام لجامعة الدول العربية من أجل تعيين خلف للسيد كوفي أنان. وعما إذا كان هذا الأخير يعتقد بأن أمام خلفه حظوظا للنجاح حيث أخفق هو، رد بالقول: “أنا متأكد من أن بان كي مون قد يجد من يؤدي هذه المهمة أفضل مني، لأن الأزمات تعرف حراكا وتقلبات (…)، وقد تُطرح أفكار أخرى على الطاولة”.
لكن الوسيط المشترك، قال وكأنه يقدم نصيحة لمن سيأتي بعده: “إننا نحتاج للتركيز على المرحلة الانتقالية، وعلى الحل السياسي الذي يأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة المجموعات في سوريا، ويأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى إبقاء مؤسسات صالحة للعمل بما في ذلك قوات الأمن والقيادات العليا التي بإمكانها أن تساعد على الحفاظ على خدمات الدولة، بدل خلق فراغ يؤدي إلى الانهيار الفوضوي”، على حد قوله.
أشادت سويسرا يوم الخميس 2 أغسطس 2012بـ “الجهود” التي بذلها كوفي عنان، وسيط الأمم المتحدة والجامعة العربية، المستقيل من مهمّته، ودعت إلى مواصلة تلك “الجهود” من أجل البحث عن حل سلمي للأزمة في سوريا.
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية بهذه المناسبة، أرسل لوسائل الإعلام: “تُحيي سويسرا الجهود التي بذلها كوفي عنان، والفريق العامل معه في مساعيهم للبحث عن حل سلمي للأزمة في سوريا عبر المفاوضات”.
وتضيف برن: “هذه الجهود لابد أن تتواصل”.
وبالنسبة لسويسرا: “يوجد حل واحد فقط يسمح بمعالجة الأوضاع في سوريا، وهو الحل السياسي المتفاوض بشأنه بين جميع الفرقاء، ويلبي التطلّعات المشروعة للشعب السوري”.
وأعربت سويسرا التي استضافت اجتماعا حول الأزمة في سويسرا يوم 30 يونيو 2012، وحضره أعضاء مجموعة العمل من أجل سوريا، وكانوا قد اتفقوا على المبادئ التي يجب أن تستند إليها عملية الإنتقال السياسي بإشراف السوريين أنفسهم، وبأنها تظل “مستعدّة للإسهام في دفع الجهود الساعية على إيجاد حلول لهذه الازمة”.
لندن (رويترز) – وعدت بريطانيا يوم الجمعة 3 أغسطس 2012 بتقديم المزيد من الدعم غير العسكري للمعارضين السوريين بعدما سلطت استقالة المبعوث الدولي كوفي عنان الضوء على مدى فشل الدبلوماسية الدولية في وقف الصراع الذي اندلع قبل 17 شهرا في سوريا.
وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج لراديو هيئة الاذاعة البريطانية “لا يعني هذا.. أن نتخلى عن الدبلوماسية.. لا نتخلى عن الدبلوماسية مع روسيا والصين لكننا سنحتاج لفعل أمور أخرى أيضا.”
واشتكت موسكو وبكين مرارا من الدعم الغربي والعربي للمعارضين الذين يخوضون صراعا داميا للاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وتقولان إن الضغط يجب أن يكون على الجانبين لوقف العنف.
وقال هيج “سنزيد خلال الأسابيع المقبلة دعمنا العملي غير المميت للمعارضة.. ساعدنا بالاتصالات وبأمور من هذه النوعية وسنساعدهم بشكل أكبر في هذا الموقف بالنظر إلى حجم القتل والمعاناة وفشل العملية الدبلوماسية حتى الان.”
ويقول الأسد إن الصراع أثاره “إرهابيون” مدعومون من الخارج وإن قواته تعمل لاستعادة الاستقرار.
وألقت بريطانيا والولايات المتحدة باللائمة على روسيا والصين في فشل مهمة عنان للسلام حيث كان عنان وسيطا للأمم المتحدة والجامعة العربية للسلام في سوريا.
وقال هيج الذي التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لندن يوم الخميس “لم تمت (العملية الدبلوماسية).. إنها لحظة كئيبة.. لم تجد الدبلوماسية نفعا حتى الان. خذلت الدبلوماسية شعب سوريا حتى الان.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 أغسطس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.