“التوريث”.. كلمة السِـر في صِـراع الحكومة والمعارضة
اتّـفق خُـبراء ومحلِّـلون سياسيون مصريون على أن "التّـوريث" قد أضحى القاسِـم المُـشترك الأكبر في أي معركة سياسية تقَـع على أرض مصر، بدءً من الاتِّـحادات الطلاّبية في الجامعات المصرية وانتهاءً بالإعلان عن نيّـة الترشح للانتخابات الرئاسية، المقرّرة في شهر أكتوبر من عام 2011، مرورا بالانتخابات النقابية (المحامون والصحفيون...)، وانتخابات نوادي أعضاء هيئات التّـدريس بالجامعات، معتبرين أن الحكومة تنظُـر إلى مِـثل هذه الجولات على أنّـها "بروفات" مهمّـة للانتخابات التشريعية المقرّرة في شهر أكتوبر 2010.
وأوضح الخبراء أن هناك انقِـساما واضحا في الشارع المصري، بدأت تتحدّد ملامحه في صفوف النّـخبة من الفنانين والرياضيين والإعلاميين والسياسيين، وأن معركة “التوريث” قد بدأت تأخذ أشكالا متعدِّدة جديرة بالرصد والتحليل، مستشهدين بالحملة التي شنّـتها الصحف الحكومية ضدّ الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بمجرّد إعلانه نيّـته الترشح لرئاسة مصر، وتجنُّـد الحزب الوطني الحاكم ضدّه والدّعم المكثّـف المقدَّم من الحكومة، للكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد في السباق على الفوز بمنصب نقيب الصحفيين في الانتخابات، التي انتهت الأحد يوم الأحد 13 ديسمبر، بفوزه على مرشّـح التغيير الباحث الشاب ضياء رشوان.
وبدورها استطلعت swissinfo.ch آراء عدد من الخبراء والمحلِّـلين السياسيين المهتمِّـين بمتابعة ملف التّـوريث، وهُـم: الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام وضياء رشوان، الباحث المتخصّـص في شؤون الحركات الإسلامية والمرشح السابق لمنصب نقيب الصحفيين بمصر، والدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومنسِّـق اللجنة التحضيرية للحملة المصرية ضدّ التوريث، فكان هذا التحقيق:
“التغيير”.. شِـعار أزعَـج الحكومة
المُـتابع للانتخابات التي أجرِيَـت بنقابة الصحفيين المصريين في جولتيها (الأولى: يوم الأحد 6/12/2009، والإعادة يوم الأحد 13/12/2009) على منصب النقيب، بين الكاتب الصحفي المخضرم (75 عامًا) مكرم محمد أحمد (المحسوب على الحكومة) والشاب ضياء رشوان (46 عامًا)، الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (المحسوب على المعارضة)، والتي انتهت بفوز الأول، يكاد يُـعتقَـد أنها جولة من جولات “معركة التّـوريث”، وذلك من فرط ما تمّ خلالها من تجييش الحكومة والحزب الحاكم والمؤسسات الصحفية القومية، لخِـدمة مكرم وضد مرشح التغيير.
ضياء رشوان الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والمرشح (السابق) لمنصب نقيب الصحفيين بمصر أوضح في تصريح خاص لـ swissinfo.cأن “الملف الرئيسي له، لم يكن التوريث، وإنما التغيير، وأن الحشْـد الحكومي كان على أشُـدِّه ضدّ فكرة التغيير، معتبرا أن الشعار الذي أزعَـج الجميع (الدولة والحكومة والحزب الوطني الديمقراطي “الحاكم” والمؤسسات الصحفية القومية)، في انتخابات نقيب الصحفيين، كان هو شِـعار التغيير”.
وقال رشوان: “في الجولة الأولى من الانتخابات، كان هناك أُناسٌ من أنصار التوريث يؤيِّـدونني، وفي الإعادة، تغيّـر الأمر، نتيجة الضغوط، فأصبح الفريقان (مَـن هُـم مع التوريث ومَـن هُـم ضدّه) ضدّ التغيير، لأنهم اعتبروه مقدِّمة لما هو قادِم (انتخابات مجلس الشعب وانتخابات مجلس الشورى والانتخابات الرئاسية)!! مشيرًا إلى أن “الخوْف كان من نجاح فِـكرة وتيار التغيير، خاصة في هذه المرحلة الحاسِـمة من تاريخ مصر”.
وأضاف ضياء رشوان: “انتخابات نقيب الصحفيين هذه المرّة تجاوزت حجْـمها المُـعتاد في كل انتخابات سابقة، وتحوّلت من مجرّد انتخابات نقابية إلى معركة رأي عام، ولهذا تمّ التجْـييش لها وحاولوا ترويع المجتمع مِـنّـي كمرشح لتيار التغيير، بمحاولة إدِّعاء أنني مرشّـح جماعة الإخوان المسلمين!”، موضِّـحا “أفخَـر بأنني أول من كتَـبت عن برنامج الإخوان وانتقدته علانية، انتقدت النقاط الثلاثة المُـسيئة به: تشكيل لجنة لمراقبة القوانين وموقفه الرافض لحق المرأة والأقباط في الترشح لمنصب الرئاسة”.
التصويت ضدّ مرشح “الوطني”
وفي تعليقه على انتخابات نقابة الصحفيين، قال الشوبكي: “شهِـدَت نقابة الصحفيين الأسبوع الماضي، انتخابات حاسمة، يجب أن لا يُنكر فيها تاريخ مكرم محمد أحمد المِـهني اللاّمع وموهِـبته الصحفية المؤكّـدة والكبيرة، ولكن هذا أمر يختلِـف عن التقدير السَّـلبي لأدائه النقابي في الدّورة السابقة. وبالمقابل، فقد قدّم ضياء رشوان برنامجاً ورُؤية تهدِف إلى تطوير نقابة الصحفيين والنِّـضال من أجل إلغاء الحبْـس في قضايا النّـشر وتحسين الأجور والأحوال المعيشية وإعادة الاعتبار لدَور وولاية نقابة الصحفيين على المؤسسات الصحفية”.
أما حسن نافعة فيرى أن “المقارنة في الانتخابات لم تكُـن بين شخصيتَـيْ مكرم وضياء، ولكنها كانت في الواقع مقارنة موضوعية بين الحكومة والمعارضة وبين الجمود والتغيير، ومصر كلها تبدو الآن مُـنحازة لصالح التغيير، الذي لن تقوده سوى المعارضة، معتبِـرا أن “الذين صوّتوا لضياء لم يُـصوِّتوا ضدّ شخص مكرم أو حتى احتجاجا على مواقِـفه أو على تاريخه المِـهني أو النقابي، وإنما صوّتوا ضدّ مرشح الحزب الوطني ومن أجل التغيير”.
وقال نافعة: “كان الأكرم لمَـكرم أن يفسَـح الطريق وأن لا يقف عقَـبة في طريق التغيير، فالغالبية العُـظمى من الصحفيين المصريين تُـدرِك أن الدِّفاع عن الحريات، وفى مقدمتها حرية الصحافة، هي الطريق الأقصَـر للحصول على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أما مُـقايضة الحرية بالعلاوات وبالشُّـقق السكنية، فليس له سوى معنىً واحد، وهو القبول باستمرار تحالف الفساد والاستبداد والرضوخ لمشروع التوريث في نهاية المطاف، ممّـا يعنى بقاء الحال على ما هو عليه”، مختتمًا بقوله “لو كُـنت عضوا في نقابة الصحفيين، لَـمَـنحت صوْتي لضياء بلا تردّد، رغم احترامي غير المحدود لمَـكرم، لأنني أعتقد أن ضياء أقدَر في هذه المرحلة على التعبير عن متطلّـبات التغيير”.
حملة “رسمية” ضدّ البرادعي!
شنّـت وسائل الإعلام الحكومية (يوم الجمعة 4/12/2009) هجوما حادّا على البرادعي، فشكّـكت في قدرته على قِـيادة مصر في المرحلة القادمة واتهمته بالبُـعد عن مصر منذ 40 عاما والغياب عن مُـجريات الأمور، وادّعت أنه مُـزدَوج الجنسية وأنه يحمل جواز سفر سويديا، ووصلت لأبعَـد من ذلك، فطعنت في كفاءته بالادِّعاء بأن ترتيبه كان قبل الأخير في دفعته في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1964، كما اتّـهمته بالسّـعي للشهرة والعوْدة إلى الأضواء، بعد خروجه من منصبه الدولي، وبأنه يكرِّر ما تقوله بعض المنظمات الأجنبية عن الحالة في مصر.
وكان البرادعي قد أصدر يوم الخميس 3/12/2009، بيانا ردّ فيه على المطالب الشعبية والسياسية الأخيرة بالترشح لانتخابات الرئاسة، المقرّرة بمصر في 2011، حدّد فيه بشكل واضح ما اعتبره شروطا لهذه الخُـطوة، منها إزالة العوائق الدستورية والقانونية المقيّـدة لعملية الترشح وتوافر الرقابة الدولية على الانتخابات، مع وجود ضمانات بعملية انتخابية نزيهة، معلِّـقا قرار ترشحه على مدى الدّعم الشعبي لهذه الخطوة.
وكان البيان قد طالب بوضع دستور جديد، يقوم على كفالة كل الحريات وحقوق الإنسان المتّـفق عليها عالميا ويضع إطارا لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي، يمكِّـن جميع المواطنين من المشاركة بمُـوجب مبدإ تكافُـؤ الفُـرص، ويحمي ما وصفه بـ “الأقلية” في إشارة إلى الأقباط، ولكن من دون تحديد.
ويرجح مراقبون ومحلِّـلون سياسيون بعض الأسماء لخلافة الرئيس مبارك في حُـكم مصر، أولهم: السيد جمال مبارك، نجل الرئيس، والذي يُـدير (فعليًا) الحزب الوطني الحاكم ويرأس لجنة السياسات بالحزب ويحظى بتأييد رجال الأعمال لدعمه الإصلاحات الاقتصادية منذ عام 2004. وثانيهم، اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة المصرية (منذ 1991). وثالثهم، الدكتور محمد البرادعي، الذي ترأّسَ الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 1997 وحتى نهاية عام 2009. ورابعهم، السيد عمرو موسى، الوزير الأسبق للخارجية المصرية والذي يحظى بشعبية كبيرة منذ تولِّـيه منصب الأمين العام للجامعة العربية منذ عام 2001.
“التوريث” وانقِـسام المجتمع!
وفي تعليقه على الموضوع، قال الدكتور عمرو الشوبكي: “لا شك أن معركة التوريث أصبحت معركة كاشِـفة للانقسام الموجود في الجماهير والنّـخبة في المجتمع المصري، وذلك لأن التوريث لم يعُـد مجرّد انتخابات يقوم بها مرشّـح الحزب الوطني ضدّ مرشحين آخرين”، معتبرا أنه “لابد أن يكون هناك وعْـي لدى عموم المصريين، بأن أي مرشّـح سيُـرشحه الحزب الوطني، سيربح الانتخابات، وذلك نتيجة التّـداخل القائم بين الحزب الحاكم وأجهزة ومؤسسات الدولة”.
وأضاف الشوبكي في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: أن “هناك رُؤية تقول بأن انتخابات الرئاسة ستكون نتيجتها التّـوريث، ومِـن ثمّ، فإنه لو ترشّـح جمال مبارك للرئاسة في ظل الأوضاع العامة السيِّـئة، فسيتِـم تمرير مشروع التوريث، حتى لو تمّ تمريره في صورة انتخابات”، موضِّـحا أن “هناك رُؤية أخرى لا تمانع من ترشيح جمال، شريطة وجود ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات، كإعادة تعديل بعض مواد الدستور لإعادة الرقابة القضائية الشامِـلة على كل مراحِـل الانتخابات، وقِـَـصر فترة الرئاسة بمدّتيْـن فقط، فضلا عن رُؤية الحزب الوطني “الحاكم”، التي ترى أن الانتخابات ستتِـم دون أية ضمانات”.
وردّا على سؤال حول إمكانية تحوّل البرادعي أو عمرو موسى إلى صخرة تتجمّـع حولها كل القِـوى المعارضة، المشتتة هنا وهناك لتخوض بها معركة التوريث، قال الشوبكي: “مشكلة البرادعي أنه يتكلّـم عن ضرورة وضع دستور جديد وعن الإصلاح مع الناس، مع عدم وجود رأي عام ضاغِـط لإجراء الإصلاح السياسي، ومع هذا، فمِـن الوارد أن يتحوّل البرادعي إلى صخرة تتجمّـع حولها القِـوى السياسي المعارضة لمقاومة مشروع التوريث”، معتبرا أن “البرادعي سيكون قيمة مُـضافة، ومن المُـمكن أن يكون رئيسا انتقاليا للبلاد، لكن تقديمه على أنه زعيم سياسي، هو توريطٌ للبرادعي نفسه، فلابد أن نعرف حدود أوراق القوة التي بيْـن أيْـدِينا”.
مقاومة التوريث.. إجهاض أم تفكيك؟
معركة التوريث في مصر – حسب الشوبكي- بدأت تأخذ أشكالا متعدّدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: قِـوى الاجتماع السياسي والحملة المصرية ضدّ التوريث ومواقع الـ “فيس بوك” وشباب المدونين “البلوغرز” وبعض القوى والحركات السياسية وتيار الرأي العام، الذي بدأ يتكوّن ضد التوريث، غير أن كل هذه الأشكال لم تتبلْـور بعدُ في شكل كِـيان سياسي فاعِـل ومؤثِّـر وقادِر على التّـجميع والمواجهة، مشيرا إلى أن أوضاع المعارضة في مصر ضعيفة، وأنه على البرادعي أن يُـراهن على الجماهير المصرية وأيضا على التبايُـنات الموجودة داخل مؤسسات الدولة، والتي من المُـمكن أن تُـصبح المعارِضة الأكبر والحقيقية لمشروع التّـوريث، في حال حدوث توافُـق على شخصية البرادعي.
وأوضح الشوبكي أن “مشروع التوريث يُـجرى في الظلام وليس له أدنى علاقة بالناس، ونجاح مشروع التوريث، لا يتمثل في قُـدرته على الوصول إلى السلطة، وإنما في نجاحه في تهيِـئة المجتمع والمسرح السياسي لقبولِـه أو حتى التعايش معه، وظلّـت معارضته وسط بعض النخب محدودة التأثير أو عبْـر فضاء العالم الإلكتروني أو على سلالِـم نقابة الصحفيين، بحيث يصعُـب القول بأن هناك تياراً أو تيارات سياسية قادِرة على مواجهة مشروع التوريث، بالاعتِـماد على الشارع والرأي العام، كما أن مصر التي شهِـدت توريثا في كل مؤسّـساتها على حساب الكفاءة، أصبحت غير معنية كثيرا بأن تورث المنصب الأرفع في حُـكم البلاد”.
وأضاف الشوبكي: “لم يعُـد من المُـمكن مقاومة التوريث من القِـوى السياسية، وباتت هناك إمكانية أن ترفُـضه بعض المؤسسات السيادية داخل الدولة، بشرط أن لا تحمل أي صِـفات انقلابية. فنحن بحاجة إلى “فيتو سياسي” على وضع يرتَـدى زياَ قانونيا (ترشيح جمال مبارك في انتخابات رئاسية صورية). فمصر ستحتاج إلى مُـعجزتيْـن لتتعافى من أمراضِـها: الأولى، أن توقِـف مشروع التوريث، والأخرى، أن تعيد الروح مرّة أخرى للمُـجتمع المصري.
ويختتم الشوبكي حديثه قائلا: “الخلاصة، أن هناك رُؤيتان ضدّ مشروع التوريث في مصر: إحداهما ترى ضرورة العمل على إجهاض أو إسقاط مشروع التوريث برمّـته، فيما ترى رُؤية أخرى الاكتفاء بتفكيك المشروع، فتشترط وجود شروط في حال مجِـيء جمال مبارك، كأن يتِـم تعديل المواد المُـعيبة من الدستور، ذات الصلة بانتخابات الرئاسة”، معتبرًا أن “الأزمة الحقيقية التي تعاني منها مصر، تعود إلى حالة الجمود السياسي نتيجة بقاء رئيس الجمهورية حاكما لمدة 28 عاما”.
مبادرات عديدة لإنقاذ مصر
ومن جهته، وصف الدكتور حسن نافعة النظام الحاكم بمصر بقيادة الحزب الوطني، بأنه نظام “شديد التشوُّه”، أفسد الحياة السياسية وأضعف المشاركة المجتمعية واستبدّ بالسلطة الأمنية، وأن معايير ما يُـسمى بالحُـكم الصالح في الفلسفة السياسية، لا تنطبق “بالمرّة” عليه. غياب المشاركة والمساءلة السياسية وانعدام قدرة السلطة التشريعية على القيام بواجبها، أضعف بالمكانة السياسية والتاريخية المصرية.
وقال نافعة في الندوة التي أقامها المركز الثقافي العربي باتحاد الأطباء العرب، تحت عنوان “الحُـكم الصالح لا يغادر وعْـي البشر”: إن “مصر أصبحت حبلى بكلّ عناصر التغيير وباتت تعيش حالة مخاض حقيقي، وأن “التغيير” أصبح كلِـمة السِـر الكامِـنة في ضمير الجماعة الوطنية المصرية، جاهَـر بها البعض أم لم يُـجاهر، وأنه الشعار السِّـحري القادِر على وضع مصر على قلب رجل واحد، فلا يكاد يوم يمضي، حتى تُـطالعنا وسائل الإعلام بمبادرات لتشكيل جماعات، بعضها يسعى لمناهضة “التوريث” والآخر يسعى لمناهضة “التزوير” والثالث يسعى لمناهضة “الفساد” أو لبناء تحالفات تحت شعارات “التغيير” أو “النّـهضة” أو “الإنقاذ”.
وأضاف نافعة أن “التّـعديلات الدستورية الأخيرة والخاصة بالموقع الرئاسي، تمّ تفصيلها على مِـقياس جمال مبارك، بحيث ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2011 “شكلية” في ظل حالة الضُّـعف التي تعيشها الأحزاب المصرية، مطالِـبا القِـوى السياسية العاملة، على اختلاف توجُّـهاتها، والنخبة المجتمعية والفِـكرية بضرورة خلْـق أرضية مُـشتركة والالتفاف حول مشروع وطني واحد، يستطيعون من خلاله مواجهة نظام الحزب الحاكم المستبدّ”؛ محذِّرا من خطورة التَّـهاوُن في التعامُـل مع قضية التوريث وخطورة محاولة استِـقطاب النظام للأحزاب، مقابل الحصول على مكاسِـب سياسية رخيصة.
وفي سلسلة مقالات نشرتها جريدة “المصري اليوم”، أوضح نافعة أن “مشروع التوريث” بدأ يتجسَّـد واقعا على الأرض من خلال عدّة مراحل محدّدة: الأولى، بدأت بتأسيس جمعية “جيل المستقبل” عام 1998. والثانية، شهِـدت بداية انخراط جمال في العمل الحِـزبي، عندما قرّر الانضمام إلى الحزب الوطني لأول مرة عام 2000. والثالثة، انتقاء عناصِـر من النخبة للعمل إلى جانبه في «لجنة سياسات» تقرّر تشكيلها داخل الحزب الحاكم وإسناد رئاستها له، في محاولة لإصلاح الحزب الحاكم من داخله. والرابعة، شهِـدت إجراء تعديلات دستورية سمَـحت بانتخاب رئيس الجمهورية، كما شهِـدت تعيين جمال أمينا مساعدا ثم ضمّـه للهيئة العُـليا للحزب الحاكم، هي المرحلة قبل الأخيرة في مشروع التوريث، الذي من المتوقّـع أن يصل إلى خطِّ النهاية في انتخابات 2011.
وقال “إن هناك فارق كبير بين وجود مشروع لتوريث السلطة وقابليته للتحقق على الأرض، وِفقا لنفس السيناريو، والمراحل المخطّـط لها سلفا”، معتقدا بأن الشعب يرفُـض تماماً مشروع التوريث، “غير أنه لا يخامرني شكّ في أن الحزب الحاكم سيسعى جاهدا لتمرير مشروع التوريث من خلال إبرام صفقات مع القِـوى السياسية، سعيا لتحقيق هدفيْـن: الأول، تقليص تمثيل جماعة الإخوان في كلّ المجالس المُـنتخبة إلى أدنى حدٍّ مُـمكن، مع توسيع تمثيل القوى الأخرى، كل حسب درجة استعداده للتعاون إلى أقصى حدٍّ ممكن، مع ضمان عدم حصول القِـوى الأخرى مُـجتمعة على ما يكفى من المقاعِـد، لتمكين شخصية مستقلّـة من الترشح لانتخابات الرئاسة”.
وأضاف نافعة، “في تقديري أن النظام الحاكِـم لن يجِـد صعوبة كبيرة في تحقيق أهدافه على هذا الصعيد، لسببيْـن رئيسييْـن: الأول، ضعف القوى السياسية المصرّح لها رسميا بالعمل. والثاني، استخدام جماعة الإخوان كفزّاعة لتخويف قوى سياسية واجتماعية بعيِـنها”، معتبرا أن “مقاومة مشروع التوريث يتطلّـب من كل فصائل النخبة المؤمنة بضرورة التغيير، أن تبدأ على الفور في بلْـوَرة رُؤية مشتركة، قِـوامها أن أي صفقات مع الحزب الوطني ستضُـر بالقضية الوطنية ككل، وأنه ليس من مصلحة الحركة الوطنية المصرية عزْل أي قِـوى سياسية، مهمَـا بلغت درجة الاختلاف الأيديولوجي معها، وأنه من مصلحة جميع القوى الوطنية أن تنسِّـق فيما بينها، لخوض معركة الانتخابات التشريعية المقبلة بمرشحيْـن يتم الاتِّـفاق على تسميَـتهم، مع الاتفاق على مرشح مستقِـل لرئاسة الجمهورية”.
القاهرة – همام سرحان – swissinfo.ch
“تابعتُ باهتمام في الفترة الأخيرة الآراء والأصوات التي تدعوني إلي التقدّم للترشّـح في انتخابات الرئاسة المصرية القادمة، ومع تقديري العميق والصادق لهذا التوجّـه النابع من قطاعات مختلفة ومتباينة من الرأي العام المصري، أفراداً وأحزاباً، والتي ترى أنه يُـمكنني أن أسهم في عملية إصلاح وتغيير شامل في مصر، تقوم على أسُـس سليمة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية من ناحية، وتستعيد لمصر دورها الإقليمي والدولي المَـنوط بها من ناحية أخري، فإنني أودّ أن أوضِّـح أن موقفي من هذا الموضوع، سيتحدد على ضوء كيفية التعامل مع عدّة أمور أساسية.
أولاً: لابد أن تجرى العملية الانتخابية التشريعية والرئاسية، على غرار المعمول به في سائر الدول الديمقراطية المتقدمة منها والنامية، في إطار ضمانات تشكِّـل جزءاً لا يتجزأ منها. وتشمل هذه الضمانات: ضرورة إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايِـدة تتولى تنظيم جميع الإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية لضمان نزاهتها والإشراف القضائي الكامل غير المنقوص على الانتخابات ووجود مراقبين دوليين من قِـبل الأمم المتحدة، كما هو الحال في معظم دول العالم، لإظهار شفافية الانتخابات، وتنقية الجداول الانتخابية لتكون صادقة وكاملة وإتاحة مساحات متكافِـئة في جميع أجهزة الإعلام الحكومي للمرشّـحين ليتمكّـنوا من طرح أفكارهم وبرامجهم. وبالإضافة إلى الحاجة الماسّـة لهذه الضمانات للتأكّـد من سلامة الانتخابات، فإنها في نفس الوقت سوف تبعث رسالة واضحة لعالَـمنا المُـتشابك، أن هناك عملية إصلاح وتغيير حقيقية في مصر.
ثانياً، إنه إذا ما قرّرْت الترشح لهذا المنصب الرفيع، وهو الأمر الذي لم أسْـعَ إليه، فسيكون ذلك إذا ما رأت الغالبية العريضة من أبناء الشعب المصري بمختلف انتماءاته أن ذلك سيصُـب في مصلحة الوطن. فإن قناعتي هي أن من يتولى هذا المنصب في تلك المرحلة الحرِجة من تاريخ مصر، يجب أن يكون رئيساً توافُـقياً يلتف حوله الجميع. ويتطلّـب هذا بالضرورة فتح باب الترشيح لجميع المصريين، سواء أعضاء في أحزاب أو مستقلِّـين، عن طريق إزالة مختلف العوائق الدستورية والقانونية المقيّـدة لحق الغالبية العُـظمي في الترشح، ولكي تكون هناك فرصة متكافِـئة وحقيقية أمام الجميع، دون اعتبارات حزبية أو شخصية. وما لم تتِـم إزالة هذه العوائق، فستفتقر هذه الانتخابات للشرعية اللازمة لتناقضها مع جوهر الديمقراطية، ألا وهو حق الشعب في اختيار من يمثِّـله، وستكون نهايتها في أغلب الأمر معروفة مقدّماً، مثلها في ذلك مثل أسطورة إغريقية.
ثالثاً، كلنا متفقون على ماهية مشاكلنا، ولكن المهمِّ أن يكون هناك إجماع وطني على القِـيم الأساسية التي يرتكِـز عليها بناء دولة مدنية عصرية تقوم علي الحداثة والاعتدال والحُـكم الرشيد، وهذا يتطلّـب منا أن نعكِـف على وضع دستور جديد يقوم على كفالة جميع الحريات وحقوق الإنسان المتّـفق عليها عالمياً. دستور يقوم على توازن دقيق ورقابة متبادلة بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى، دستورٌ يقوم على قناعة بأن الدِّين لله والوطن للجميع، ويضع إطاراً لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي قائِـم على تمكين الشعب، نساء ورجالا،ً وعلى مشاركة الجميع بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم واحترام الأغلبية وحماية الأقلية، وتكافُـؤ الفرص ووضع أطر لتحقيق طفرة في مختلف المجالات، تقوم على التفكير العقلاني والتعليم المتميّـز، والتركيز على البحث والتطوير العلمي، طفرة توازُن بين الاقتصاد الحرّ والعدالة الاجتماعية.
أود التأكيد أن الأمر في النهاية لا يتعلق بشخص أو بآخر، وإنما بمصير وطن، ويُـدرك الجميع أن الماضي له ما له وعليه ما عليه، ولكن لكي نغيِّـر من واقعنا إلى الأفضل، يجب أن يكون تركيزنا على التحديات الحالية والمستقبلية التي تنتظرنا، وهي كثيرة ومتعدّدة، وأن نتحلّـى بالقُـدرة على الرؤية الشاملة وروح المصارحة والمصالحة، دون أن نشغل أنفسنا كثيراً بالماضي وتبِـعاته في المرحلة الراهنة. وكُـلِّـي أمل أن نشارك جميعاً في بناء مجتمع يقوم على حرية الرأي وحرية العقيدة والحرية من الحاجة والحرية من الخوف، مجتمع غايته الأولى، ضمان حقِّ كل إنسان مصري في حياة حرّة كريمة وآمنة”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.