الحرب الإسرائيلية على غزة: ثمن باهظ جدا لمكاسب مجهولة
لا زال مئات الفلسطينيين يقضون وتدمر ممتلكاتهم ويشوّه مستقبلهم مع استمرار الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، دون أدنى تدخل دولي، عربي أو إقليمي فاعل. في حين لا تملك السلطة الفلسطينية في رام الله أكثر من توجيه النِّـداءات والصَّـيحات الغاضبة.
وبينما يجتمع قادة الحرب في إسرائيل في غُـرف أنيقة ويخرجون لوسائل الإعلام متحدثين عن “تخبّـط” حركة حماس وعن مفاجآت المعركة القادمة، يظلّ زعماء الحركة الإسلامية حبيسي مخابئ سرية، مرسلين بيانات “تبشِّـر” بنصر مُـبين.
وعلى مدار أكثر من عشرة أيام، اكتفت الدول العربية بعقد لقاء لوزراء خارجيتها، وانحسر عمل مجلس الأمن الدولي في دارسة مشاريع قرارات، في انتظار أن يلتئِـم لاحقا. وفي غضون ذلك، مورست ضغوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعودة إلى رام الله وانتظار مبادرة حلٍّ، يُـفترض أن يحملها الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي.
عباس كان في عمان في طريقه إلى نيويورك لحثّ مجلس الأمن على اتخاذ قرار بوقف العُـدوان، عندما انهالت عليه، حسب أحد المقرّبين، اتصالات زعماء دوليين تُـطالبه بضرورة استقبال ساركوزي والبحث في ما لديه.
لكن، لا أحد من المقرّبين من عباس ولا من المطّـلعين، يعتقد أن لدى ساركوزي ما يُـمكن أن يُـساعد في التوصّـل إلى اختراق أو حتى في تشكيل ضغط على إسرائيل، بل أن تصريحات الرئيس الفرنسي قبل ساعات على وصوله إلى رام الله، تتحدّث عن ضرورة قيام حماس بوقف “المعركة”.
على الأرض لاشيء ينبِّـئ بقُـرب انتهاء المعركة. إسرائيل بدأت حملتها البرية، التي لا يُـعرف متى ستنتهي أو إلى ماذا ستتطوّر، أما حماس وفصائل المقاومة الأخرى، فإنهم مُـصرّون على القتال، في الوقت الذي لا زالت تتساقط فيه صواريخ المُـقاومة على مواقع إسرائيلية.
الأمر الثابت الوحيد، هو استمرار سقوط الضحايا الفلسطينيين، حيث ارتفع عدد القتلى في اليوم العاشر للمعركة إلى أكثر من 500 شخص وعدد الجرحى إلى أكثر من 2500، إضافة إلى التدمير الكامل للبنية التحيتة الهشّـة لقطاع غزة وتحويل عشرات المباني والمقارّ إلى رُكام.
توقّـعات متواضعة
وأمام هذا الدّمار الكبير والخسارة البشرية الهائلة (يبلغ تِـعداد سكان قطاع غزة نحو مليون ونصف)، فإنه لا حديث أبدا عن تحقيق مكاسب سياسية، بل إن مُـجمل السيناريوهات لا تناقش أكثر من اتِّـفاق جديد للتَّـهدئة.
ولا يبدو أن إسرائيل في عجلة من أمرها لتحديد ما يُـمكن أن تتمخّـض عنه هذه المواجهة الدّامية، لاسيما وأن لديها كل الوقت الذي وفّـره الموقِـف الدولي والإقليمي، للمُـضي قُـدما في مخطّـطاتها العسكرية على الأرض.
حتى الآن، تحدّثت إسرائيل عن تغيير على الأرض، ومن شأن هذا الهدف العام أن يحمل تأويلات مُـختلفة ومتغيِّـرة، يتحكّـم فيها الوضع الميداني، بناءً على ما آلت إليه الأمور حتى اليوم العاشر من المعركة، ومع دخول القوات البرية المعركة، تبدو الصورة ثقيلة على الجانب الفلسطيني.
وبالرغم من التأكيد على أنه من الصّـعب على إسرائيل القضاء على المقاومة الفلسطينية، إلا أن باستطاعتها فرض شروط جديدة على الأرض، يمكن أن تعقِّـد عمل المقاومة وتؤخِّـر تقدّمها في المستقبل.
ويقول طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الصادرة في رام الله، إن إسرائيل “تسعى لاحتلال شريط حدودي واسع هذه المرّة وأن تقطع أوصال قطاع غزّة إلى ثلاثة، حيث يتِـم تشديد الحصار من ناحية خارجية، وأيضا من ناحية داخلية”.
ويرى عوكل، أنه وبعد قيام إسرائيل بتثبيت هذا الأمر على الأرض (هكذا يسير الوضع الميداني حاليا)، فإن إسرائيل ستقول في حينه، إنها على استعداد للخروج مقابل دخول قوات دولية، على غِـرار قوات “اليونيفيل” في لبنان، لضمان عدم إطلاق صورايخ المقاومة.
وتحظى إسرائيل حاليا بجميع العناصر، التي يمكن أن تخولها لتحقيق مثل هذا الأمر، إلا إذا فاجأت المقاومة الفلسطينية الجميع واستطاعت دحر القوات الإسرائيلية، لكن عناصر الوقت والقوّة العسكرية والموقف الدولي، تقف جميعا في صالح إسرائيل.
العودة إلى المربّـع الأول
حتى اللحظة، لم تقدِّم قيادة حركة حماس تفسيرا واضحا لِـما يمكن أن تخرج به من هذه المعركة الحامية الوطيس. وقد انحصر جُـلّ حديثها في صمود المقاومة وعدم رُضوخها واستسلامها، وأن ما يحدث، حسب إسماعيل هنية، إنما هو معركة “الفرقان”، التي يتوجّـب انتظار نتائجها وليس استعجالها.
لكن المعلومات المتوفِّـرة والتصريحات المحدودة الواضحة لعدد قليل من مسؤولي حماس والمقرّبين منهم، لا تَـشي بأكثر من الإشارة إلى اتِّـفاق هُـدنة جديد، بشكل يتضمّـن فتح معبر رفح أمام حركة السكان.
وتعتقد حركة حماس أن مجرّد ثباتها وصمود فصائِـل المقاومة الأخرى أمام العدوان الإسرائيلي، خصوصا مواصلة إطلاق الصواريخ، هو بمثابة إنجاز وانتصار، لكنه أمر مرهون بالطريقة التي ستؤول إليها في نهاية المطاف وقائع المعركة على الأرض.
ويقول مقرّبون من الحركة، إن حماس ستقبل في نهاية المطاف بالتوقف عن إطلاق الصورايخ والدخول في هدنة، مقابل فتح معبر رفح وتخفيف الحصار وتشكيل حكومة جديدة والدخول في حوار جديد مع حركة فتح.
وترى الحركة الإسلامية أن التأييد الشعبي الواسع، الذي حظِـيت به مؤخرا بعد اندلاع المعركة، كفيل بأن يحول مجرّد القبول بمثل هذه التّهدئة، مقابل هذا الثمن الباهظ في الأرواح ومُـعاناة الناس، إلى انتصار جديد للمقاومة.
غير أن حماس ليست الأولى ولا الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية على مدار عقود النضال الفلسطيني، التي قدّمت الخسائر البشرية في الأرواح والمُـمتلكات على أنه “نصر جديد”، في حين لا أحد يسمع، مع دَوِي القصف الإسرائيلي على غزة، أي أصوات تتحدّث عن شروط فلسطينية سياسية جديدة.
هشام عبد الله – رام الله
القدس (رويترز) – قال مسؤولون ان اسرائيل اشترطت لوقف هجومها على قطاع غزة مُساندة دولية لتشديد الرقابة على الحدود المصرية، للحيلولة دون قيام حماس باعادة بناء الأنفاق وإعادة تسليح نفسها. وسمحت شبكة من الأنفاق على طول الحدود الرملية بين غزة ومصر، التي تمتد لمسافة 14 كيلومترا، للفلسطينيين في الجيب الساحلي بتهريب أسلحة وسلع ملتفين حول الحصار الذي تفرضه اسرائيل. وخلال الهجوم الاسرائيلي على غزة، والذي دخل يومه العاشر، أسقطت الطائرات على ممر فيلادلفي قنابل مُخصصة لتدمير المواقع الحصينة. وتنفجر هذه القنابل تحت الأرض وتصدر ذبذبات تهدف لتدمير الممرات السرية.
وقال مسؤولون عسكريون، ان الهدف تدمير جميع الأنفاق. وكانت الحكومة الاسرائيلية قد ذكرت أنها تريد تأكيدات بعدم حفر الأنفاق من جديد بعد وقف اطلاق النار. وقال مسؤول اسرائيلي بارز “قضية إعادة التسليح أساسية. نريد ان نمنع إعادة تسليح حماس، مثلما حدث مع حزب الله عقب حرب لبنان”، في إشارة للقتال الذي دار على مدى 34 يوما مع حزب الله في عام 2006 وانتهى بتعزيز قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقال مسؤولون، ان اسرائيل غير راضية عن المقترحات الاوروبية لانهاء الهجوم حتى الآن وتطالب “بوجود دولي” على الحدود بين مصر وغزة.
وتريد اسرائيل ان يُزود أي مراقبين بأسلحة ثقيلة ومعدات للكشف عن الأنفاق وتدميرها. وتحرص حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية على حراسة هذه الانفاق نظرا لاهميتها الاستراتيجية. وقال مسؤول اسرائيلي ثان، ان بلاده اقترحت ان يتولى سلاح المهندسين بالجيش الامريكي أمر الانفاق وان الرد الامريكي كان “ايجابيا”، رغم ان المحادثات لا تزال جارية. ويقول مسؤولون اسرائيليون، ان أحد البدائل بناء جدار تحت الارض على الجانب المصري من ممر فيلادلفي، ولكن بناء مثل هذا الجدار سيستغرق أشهرا طويلة كما لم يتضح ما اذا كانت مصر ستوافق. وقال مسؤولون، انه سبق لسلاح المهندسين التعامل مع قضية الأنفاق، ولكن الجهود كانت محدودة.
وقال مسؤول غربي مطلع على المناقشات الإسرائيلية الأمريكية الحالية “الموقف الأمريكي يرغب في منع مزيد من التهريب بين مصر وغزة”. وقال مات ليفيت، الخبير الأمريكي المتخصص في شؤون تمويل المتشددين والمسؤول السابق بوزارة الخزانة “من الناحية النظرية، اذا حرمت حماس من هذه الأميال التسعة (14 كيلومترا من الحدود) كسبيل لإعادة الإمدادات، فانها ستجد صعوبة بالغة في الإمساك بزمام الحكم، ناهيك عن تهريب صواريخ غراد وكاتيوشا”. ويقول مسؤولون، ان اسرائيل تعتقد أنه يمكن حفر الأنفاق من جديد في فترة قصيرة بين ثلاثة وستة أشهر، ما لم يتم تشديد الرقابة على الحدود وشن حملات أكثر جدية على طول الحدود المصرية.
وقبل الهجوم الحالي، قدرت اسرائيل عدد أنفاق التهريب بالمئات. ويقول فلسطينيون ان عددها ثلاثة آلاف على الاقل. وتتكون الانفاق من ممرات على أعماق كبيرة بعرض كاف لمرور صواريخ كاتيوشا أو ماشية. ويقول نيكولاس بلهام، المحلل في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات، ان اغلاق الأنفاق بشكل دائم، مهمة كبرى طويلة الأمد، وتابع “من الصعب تصور كيفية إبقاء الأنفاق مغلقة لفترة طويلة، دون السيطرة على شريط عريض الى حد ما من الأرض”.
وقبل سنوات طرحت إسرائيل فكرة حفر خندق بمحاذاة ممر فيلادلفي يغمر بمياه البحر، لردع مستخدمي الانفاق الذين قد يتعرضون للغرق. وقال مسؤولون اسرائيليون، ان الفكرة استبعدت خشية تلويث مكامن المياه الجوفية في غزة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 يناير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.