“الحكمُ بإعدام المئات من أنصار مرسي.. سياسيّ ومُخالِـف للإجراءات الجنائية”
أثار الحكم الصادر يوم 24 مارس 2014 من محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق 528 من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، بينهم 22 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة) إلى مفتي الجمهورية، الجدل بقوّة حول مدى سلامة الإجراءات القانونية في القضية، التي قاربت 4 آلاف ورقة، ولم تستغرق سوى جلستيْن، على مدى 48 ساعة، أولاهما 45 دقيقة، فيما تمّ منع دخول المحامين أو المتّهمين في أخراهما.
وفيما وصف الإخوان الحُكم بأنه “استِخدام للقضاء لارتكاب عملية إبادة جماعية” لمُعارضي الإنقلاب، اعتبره خبراء قانونيون في مصر “حُكما سياسيا، وليس قانونيا”، و”مخالفة صريحة لقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية” و”إعداما خارج نطاق القانون”، وذهبوا إلى أنه “حكمٌ مشوبٌ بالتحيّز” و”مُبالَـغٌ فيه”، معتبرين أنه لا يصبّ في مصلحة النظام القائم، وإنما “يزيد الطّين بلّة”.
وكانت محكمة جنايات المنيا (شمال صعيد مصر)، برئاسة المستشار سعيد يوسف صبري، قد أصدرت صباح الاثنين 24 مارس الجاري، حُكمها في القضية رقم 1824، بإحالة أوراق 528 من معارضي الانقلاب العسكري إلى المفتي، فيما قضت ببراءة 17 آخرين، وذلك من إجمالي 545 متهما في القضية، حضر منهم في القفَـص 147 متهما وصدر الحكم غيابيا ضد 398 آخرين.
“إعدام خارج نطاق القانون”
في البداية، اعتبر الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير، أن “هذا الحكم إعدام خارج إطار القانون، لأنه خالَف قانون العقوبات المصري وقانون الإجراءات الجنائية المصرية، كما خالف الضّمانات الدولية للحُكم بعقوبة الإعدام، وأهمهما: مبادئ المنْع والتقصّي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نِطاق القانون والإعدام التعسّفي والإعدام دون محاكمة، والتي اعتمدها المجلس الإقتصادي والإجتماعي في القرار 65/1989 في 24 مايو 1989، كما اعتُمدت ونُشرت بمُوجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 44/163 في 15 ديسمبر 1989، فضلاً عن مخالفته البروتوكول النموْذجي المتعلّق بالتحقيق القانوني في علميات الإعدام”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch أشار أبو الخير، المحامي بالنّقض والدستورية العليا، إلى أن “التحقيقات تمّت مع المتهمين، دون حضور محامٍ، طِبقا للمادة (124) المعدّلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006، والتي نصّت على أنه (لا يجوز للمحقِّق في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا أن يستجوب المتهم أو يُواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود، إلا بعد دعوة محاميه للحضور)، فضلاً على أن حضور المحامي للمتَّهم بجناية جلسات المحاكمة، وجوبي”.
15 يناير 2013: حكم على متهم بسرقة جلباب حريمي «عباءة» من أحد المحال بالسجن 30 عاما، 15 عاما على السرقة و15 عاما أخرى على حيازة سلاح أبيض أثناء السرقة. وصدر الحكم في أول جلسة ومن دون الإستماع للدفاع وتلبية طلباتهم، وفقا للإجراءات القضائية المعتادة.
15 يناير 2013: أصدر حكما ببراءة جميع المتهمين بقتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير بمحافظة بني سويف، وهم مدير أمن بني سويف السابق وثلاثة من معاونيه إلى جانب سبعة من ضباط المباحث بالمحافظة، ورفض جميع الدعاوى المدنية المقامة من المَجني عليهم وتغريمهم 200 جنيه أتعاب محاماة.
6 مايو 2013: أصدر حكما بمعاقبة محمد كمال محمد فرج، يعمل نقّاشا، بالسجن المشدد 15 عاما، لقيامه بالتحرش بطالِبة بالصف الثاني الثانوي بمدينة بني سويف. وقد تجاوز الحكم الحد الأقصى بمشروع القانون الذي يطالب به المجلس القومي للمرأة، وهو الحبس 10 سنوات.
16 سبتمبر 2013: أصدر حكما بالسجن المشدد 30 عاما على سيدة، و18 و85 عاما على عاطل وصديقه، لقيامهم بقتل عامل موبليا وإصابة ابن عمه وخطفهما واحتجازهما داخل منزل القتلة، بسبب تشابه القتيل في الشكل مع شخص قام بقتل قريب لهم في مشاجرة.
“حكمٌ سياسي”
أبو الخير تابع قائلا: “حيث اعتبر قانون الإجراءات الجنائية أن حضور محامٍ مع المتّهم بجناية من ضِمن تشكيل هيئة المحكمة، ولا يجوز للمحكمة أن تنعقد دون حضور محامٍ مع المتّهم، وإذا لم يكن مع المتهم محامٍ، انتدبت له المحكمة محاميا، وإلا كان تشكيل المحكمة باطلاً وما يصدر عنها من أحكام باطلة”، مشيرا إلى أنه “حِرصا من المشرع على حياة الأفراد، جُعِلَ الطّعنُ على حُكم الإعدام وجوبيا، سواء من النيابة العامة أو من المتّهم، كما أن الحكم صدر بجلسة لم تتوافر فيها أية ضمانة للدِّفاع عن المتَّهمين، وهو ما يؤكِّد أن الحُكم قد فقد أساسيات وأبجديات المحاكمة العادلة، وجعله منعدما”.
وعن السيناريوهات المتوقّعة حتى يوم النُّطق بالحُكم في 28 أبريل القادم، أوضح أبو الخير أنه “في حال نطقت المحكمة بإحالة أوراق المتّهمين للمفتي وتحديد جلسة للنّطق بالحكم، تُحسب مدّة الطّعن على الحُكم بالنّقض من اليوم التالي للنُّطق بالحُكم، ومدّته ستون يوما”، مشيرا إلى أنه “إذا كان حُكم الجنايات حضوريا، أي بحضور المتّهم أو وكيل عنه، فإنه لا يُطعَن عليه إلا بالنّقض خلال 60 يوما من صدوره، وإذا كان الحُكم غيابيا، يُعمل له إعادة إجراءات، حيث تتِم محاكمة المتّهم من جديد”.
في السياق نفسه، يرى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية أن “الحكم سياسيٌ وليس قانونيًا، وهو خطأ مِهنيٌ جسيم، يستوجِب إحالة الدائرة بأكْملها إلى لجنة الصلاحية، لمخالفتها أبجديات قانون الإجراءات الجنائية، كما أن الحُكم ليس له أي أساس قانوني وأنه صدر للتفاوُض وليس للتنفيذ”، معتبرا أن “الحكم صدر لمُناسبة سياسية، وهي التغطية على قانون الإنتخابات الرئاسية وللضغط على جماعة الإخوان، للمساومة على الاشتراك في هذه المَهزَلة، خاصة وأن من بيْن المتّهمين عددا من قيادات الجماعة”.
جماعة الإخوان المسلمين: الحُكم “استخدامٌ من الإنقلاب العسكري للقضاء لارتكاب عملية إبادة جماعية”.
محمد طوسون، وكيل نقابة المحامين ورئيس هيئة الدفاع عن الإخوان في القضية: الحكم “منعدم، وإجراءات المحاكمة شابتها إجراءات بطلان”.
المتحدث باسم الحرية والعدالة على صفحته على فيسبوك: “الحكم بالإعدام على الثوار يعني أن الثورة دخلت مرحلة جديدة وأساليب جديدة، وستكون النهاية غير متوقّعة أو مسبوقة”.
الدكتور محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط: “الحُكم إعدام للعدالة وما تبقّى من قضاء”.
الدكتور عز الدين شكري فشير، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في حسابه على «تويتر»: “كده انضمت ناجزة ﻷختها سلمية”
عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان: “الحُكم لا يُصدَّق وليس له سابقة في القضاء المصري. فالقاضي لم يسمع الشهود ولا مرافعة محامى المتّهمين!”.
الشاعر عبد الرحمن يوسف: “أحدث إبداعات خريطة الطريق”.
الناقد الرياضي علاء صادق: “إعدام 528 متظاهرا بالمنيا، حُكم يعجز الشياطين عن التفكير به”.
أحمد إمام، المتحدث باسم حزب “مصر القوية” وصف الحكم بـ “الهزلي والمُسيّس”.
أسامة مرسى، نجل الرئيس المعزول محمد مرسى: “يا أهلاً بالمشانق بيها نستبارك ونكمل منصورين”.
حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير منظمة العفو الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “عدد الأشخاص الذين حُكِم عليهم اليوم بالإعدام، يفوق عدد الأشخاص الذين حُكم عليهم بالإعدام في مصر خلال ثلاث سنوات”.
طارق فودة، نقيب محاميي المنيا: هذا الحكم هو “أسرع حكم بالإعدام في تاريخ القضاء المصري”.. حيث صدر بعد جلستين فقط، ودون حضور المتهمين أو المحامين عنهم أو فض أحراز القضية، ورغم رد هيئة الدفاع عن المتهمين هيئة المحكمة.
رأي المفتي.. استشاري غيرُ ملزم!
من جانبه، أوضح الخبير القانوني محمد عبدالله شحاتة، أن “محاكِم الجنايات تختلِف عن محاكم الجُنح، من حيث صدور الأحكام بعد دراستها عن بصر وبصيرة وقراءتها قراءة وافية وأخذ رأي كلٍّ من عضويْ اليمين والشمال، وإن كان رأي الأعضاء ليس ملزما لرئيس المحكمة في حُكم الإدانة، فإنه لابد من موافقتهما في حال الحُكم بالبراءة”، معتبرا أنه “من المفترض أن تكون المحكمة أصدرت هذا الحُكم بناءً على أدلّة الثبوت المقدّمة لها والتحقيقات التى أجرتها النيابة مع المتّهمين”.
وقال شحاتة، المحامي بالنقض في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “رأيُ المفتي غير ملزم للمحكمة، لأنه رأي استشاري، إن شاءت المحكمة أخذت به وإن شاءت طرحته جانبا، إلا أنه ما زالت هناك فرصة للمتّهمين بالطّعن على هذا الحُكم بالنقض، وعند الطعن بالنقض في الميعاد القانوني، ستبحث المحكمة في القانون، لتعرف هل تم تطبيق مواد القانون أم لا؟ غير أنها لن تبحث في الموضوع، لأنها محكمة قانون وليست محكمة موضوع”.
الخبير القانوني أكّد أيضا أن “الأصل، أن تحريك هيئة الدفاع دعوى مخاصمة أو ردّ ضد هيئة المحكمة، تغل يد القاضي عن الحكم في القضية، غير أن الفرصة ما زالت قائمة إذا كانت هناك أخطاء في الإجراءات، عندما تطالعها محكمة النّقض، حيث من صلاحياتها أن تقضي بإعادة إجراءات المحاكمة أمام دائرة أخرى، إذا رأت ذلك”.
وحول ما تردد عن منع دخول المحامين في الجلسة الثانية وعدم حضور المتّهمين ومُثولهم داخل القفص، قال شحاتة: “هذا مخالِف للقانون، فلا يجوز حجْب المتّهم عن الجلسة، إلا إذا أتى أفعالاً أو أقوالاً تدخل ضِمن جرائم الجلسات، وكان لابد أن يُصرّ محامو المتّهمين على إثبات هذا كله في محضر الجلسة ويوضِّحوا أن هناك إخلالاً بحقّ الدفاع عن المتّهمين، من شأنه أن ينسف الحُكم من أساسه ويعيد القضية إلى دائرة أخرى”.
“حكمٌ مشوبٌ بالتحيز ومُبالغٌ فيه”
ومن جهته، ذكر مستشار يعمل رئيسا بمحكمة الجنايات (طلب عدم ذكر اسمه) لـ swissinfo.ch، أن “الحُكم لم يتبع المعايير المُتعارف عليها في تطبيق قواعد العدالة، وهو حكمٌ مشوبٌ بالتحيّز ومُبالغٌ فيه، ويعلَم مَن أصدره أنه سيُطعن عليه من ألْف باب أمام محكمة النّقض، خاصة وأنه ليس نهائيا، وإنما هو درجة من درجات التقاضي”، مشيرا إلى أنه “كان يجب على القاضي أن يعطي محاميهم الحق في الدفاع كاملاً، غير أنه قصّر في ذلك عن عمدٍ واضح، وربما كان الهدف إرسال رسالة لآخرين، مفادُها أن الموت قريب جدا لأعناقكم”.
وعن المتّهمين الذين صدر بحقهم الحكم غيابيا، قال رئيس محكمة الجنايات لـ swissinfo.ch: “ليس من المفروض على القاضي أن يستعمل معهم الرأفة وأن يعطيهم حُكما مخففا بمقتضى نص المادة (17) عقوبات، لأنهم لم يحترموا المحكمة ولم يمثلوا أمامها، ومن ثَـم، فإن الحُكم بالنسبة لهم صحيح”. وأشار إلى أن “هناك درجات للتّقاضي لتدارُك مثل هذه الأحكام، والقاضي في النهاية بشَر”، مؤكِّدا أن “الحكم لم يُصبح بعدُ نهائيا، مع إقرارنا بأن ما حدث إخلالٌ جسيمٌ بحقّ الدّفاع، يستوجب نقض الحُكم، ونحمد الله أن قضاء مصر يمُر بعدّة مراحِل ليكون في النهاية حكما نهائيا”.
“الحُكم يزيد الطين بلّة!”
وفي تعليقه على الحُكم، قال الدكتور كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: “الإرهاب إجرام، ويجب أن تعمل الدولة على مواجهته بكل قوة وحزم وعدل. وكذلك، فإن مواجهة العنف ضرورة، ولكنني لم أصدِّق الحكم إذا كان بالإعدام على هذا العدد الضّخم.. 528 شخصا! ولم أصدّق إحالة أوراق هذا العدد إلى المفتي للتصديق عليها، وأمل أن يتفهّم المفتي ماذا حدث في الموضوع، ويتحرّى الدقة والعدل كاملا، وخصوصا أنه ممّن شاركوا في وضع الدستور الجديد”.
وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، تساءل الهلباوي، نائب رئيس لجنة الخمسين التي أعدت دستور 2013: “ماذا هناك حتى يتخذ القاضي مثل هذه الأحكام؟ وخصوصا أن مبارك ومرسي ومن معهما من المتّهمين لا يزالون جميعا تحت المُحاكمة، ولا مقارنة بين التُّـهم”، مشيرا إلى أن “هذا الحكم يزيد الطّين بلّة في مصر ويصبّ في غير صالح النظام القائم، والله أعلم بالعدالة والقانون”، وأضاف “كما أنني لم أصدِّق هذا الحكم أيضًا في ضوء الحكم الصادر مؤخراً بشأن سيارة الترحيلات”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.