العبودية في موريتانيا: دراسة وقانون مثيران للجدل
ظلت العبودية في موريتانيا مثار جدل ونقاش ساخنين، على مدى السنوات الماضية.
وتحولت القضية من ظاهرة سيئة، خلّـفتها الحِـقب السابقة، التي لا تزال آثارها ماثلة في المجتمع، شاهدة على سوء عواقب استغلال الإنسان للإنسان، إلى لُـعبة يتقاذفها الفرقاء السياسيون، كل حسب هواه يلقي بها في مرمى الطرف الآخر.
فقد ظل نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع وخلفه العقيد اعل ولد محمد فال، يُـصران على أن العبودية لم تعُـد موجودة في موريتانيا كممارسة واقعية، واعتبرا أن من يتحدّثون عن وجودها، هم مجموعة من المزايدين المُـتاجرين بكرامة البلد وسمعته، في وقت استمرت فيه بعض قوى المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان تُـصر على وجود هذه الظاهرة.
وشكلت الانتخابات الرئاسية، التي شهدتها موريتانيا في شهر مارس الماضي، مُـنعطفا جديدا في الجدل الدائر حول هذه الأزمة، حيث فاز الرئيس الحالي سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وبدأ فور تسلّـمه السلطة جهودا واضحة للمُـصالحة مع مُـناهضي العبودية من خلال التزامه بسَـنِّ قوانين جديدة تُـحارب هذه الظاهرة، بل وأسنَـد مهمة رئاسة مجلس النواب (المجلس التشريعي) لأحد أبناء هذه الشريحة وأكبر سياسي مناهض لها في موريتانيا، ويتعلّـق الأمر بزعيم التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بو الخير.
دراسة مثيرة للجدل
وخلال السنوات الماضية، عرفت منظمة “نجْـدة العبيد”، التي يقودها النشِـط الحقوقي بوبكر ولد مسعود (من العبيد السابقين)، كإحدى أبرز المنظمات الناشطة في مجال محاربة العبودية في موريتانيا، وتمكّـنت من الكشف عن عدد كبير من حالات الاسترقاق، دخلَـت بسببها في صراعات ساخنة من السلطات السابقة.
آخر طلعات هذه المنظمة، كان تقريرا مفصّـلا عن ظاهرة العبودية في موريتانيا، حاول تشخيص هذه الظاهرة عبر العودة إلى جذورها التاريخية وأسباب رسُـوخِـها في المجتمع، والخطوات التي قطعت في سبيل القضاء عليها.
وقالت المنظمة في تقريرها، إن الطابع الطبقي للمجتمع الموريتاني التقليدي، ساعد على وجود هذه الظاهرة، خصوصا وأنه كان توزيعا طبقيا وظيفيا، حيث أسندت لكل طبقة مهمّـة تقوم بها، ويأتي العبيد في أدنى دراجات السلّـم الاجتماعي لهذه الطبقات، سواء في ذلك الأغلبية العربية والأقلية الزنجية.
ويؤكّـد التقرير أن دراسة قامت بها المنظمة (نجدة العبيد)، كشفت أن أصول هذه الظاهرة في موريتانيا تعود في أغلبها إلى الحروب، التي كانت تنشب بين القبائل خلال القرون الماضية، حيث كانت القبيلة المنتصِـرة تبسِـط سيطرتها على تلك المهزومة، والغارات المتبادلة بين القبائل تُـسفر عن سبي أناس وانتزاعهم من ذويهم من أجل استرقاقهم، كما شكّـلت التجارة عبر الصحراء مصدرا لهذه الظاهرة، إذ كانت تتم مقايضة العبيد بالملح والصمغ والقماش في بلاد السودان.
وتضيف نتائج الدراسة، التي قامت بها المنظمة في ثلاث ولايات موريتانية يقطنها العرب والزنوج، أن نسبة 73% من أفراد هذه الطبقة ولِـدوا أرقّـاء قبل أن يتحرّروا، وأن الرقّ يؤثِّـر على النساء أكثر من الرجال، إذ تُـعتبر المرأة المسترقة، قناة لإدامة الرِق، باعتبار أن أبناءها يولدون أرقّـاء، حتى ولو كان أبوهم غير مُـسترق، فضلا عن أن احتمال بقاء النساء في المناطق الريفية، التي تمثل المُـستودع الأكبر للفقر وانتشار العبودية، يبقى أكثر من احتمال بقاء الرجال فيها، كما أن زواج النساء المسترقّـات يخضع في الغالب إلى قرار أسيادهم.
وهنا، كشفت الدراسة أن نسبة 56% من النساء المسترقّـات، يعود قرار تزويجهن إلى أسيادهن، وليس إلى أحد الأبوين أو أي من أفراد أسرة المرأة، بينما رفضت نسبة 31% الإجابة على هذا السؤال.
كما لاحظت الدراسة وجود قُـيود بشِـعة على مستوى النفاذ إلى التعليم الأهلي والمدرسي بنسبة تفوق 83%، وهو ما يفسِّـر الارتفاع المُـذهل للجهل في صفوف طبقة العبيد، وبالتالي، انخفاضَ منسوبِ الوعي في صفوفها، الأمر الذي أدّى إلى تدنّـي مستويات حالات الهروب من الاستعباد، خصوصا في صفوف النساء، وهي نسبة لا تتجاوز 24%، حسب الآراء المعبّـر عنها.
غير أن الدراسة كشفت أن العبيد، الذين تخلّـصوا من الاسترقاق، ينجحون في الغالب، في تسيير حياتهم الخاصة وعدم العودة إلى أسيادهم، إذ لا تتجاوز نسبة من يخشَـون احتمال أن يعودوا إلى أسيادهم نسبة 2%، وهو ما يعني أن الهروب يُـعتبر طريقا صحيحا للتخلّـص من العبودية بصورة نهائية.
وكشفت الدراسة أيضا، أن نسبة مَـن نجحوا في النّـفاذ إلى المدارس من هذه الطبقة، لا تتعدى 16%، فضلا عن أن الولايات الزراعية والرعَـوية تشكِّـل وسطا مُـلائما لانتشار العبودية، خصوصا بين الأرقّـاء المخصّـصين للزراعة ورعي المواشي.
كما يواجه العبيد مشكِـلة التملّـك العقاري، حيث يُـصرِّح ما مجموعه 91%، ممَّـن شملهم الاستطلاع، بأنهم لا يستطيعون أن يكونوا ملاّكا للأراضي، فيما تبلغ نسبة المحاصيل الزراعية المخصّـصة للأسياد من إنتاج الأراضي التي يزرعها الأرقاء، 76%. وفي مجال العمل الإداري، قالت الدراسة، إن نسبة 87% من عمال الإدارة، هم من خارج طبقة الأرقّـاء.
سلوكيات تحقير وإهانة
وفيما يتعلّـق بثقة عناصر هذه الطبقة، في الإجراءات والوعود التي تتّـخذها الدولة رسميا للقضاء على الظاهرة، قالت الدراسة إن 70% منهم لا يعتقِـدون أن السّـلطات جادّة في محاربة هذه الظاهرة، فيما يرى أكثر من 58% أن القوانين الحالية غير كافية للقضاء على هذه الظاهرة في موريتانيا.
لكن الدراسة أكّـدت أن الاستِـرقاق، الذي تصاحبه أشكال العُـنف العِـقابي، يكاد يكون قد اختفى، وأصبح سوء المعاملة نادرا وما يوجد منه يتمّ في إطار سرّي، وكذلك اختفت عمليات بيع وشراء الأرقاء، إلا أن الدراسة أكّـدت أنه لا تزال هناك سلوكيات تحقير وإهانة من قِـبل الأسياد للأرقاء.
وأوضحت الدراسة كذلك، أن فتيات ونساء شريحة الأرقاء عُـرضة للاستغلال الجنسي (التسري)، أكثر من نظيراتهن من بنات الطبقات الأخرى، خصوصا من طرف أسيادهن، ولاحظت الدراسة نوعا من الوعي، قالت إنه بدأ ينتشِـر في أوسط طبقة العبيد، نتيجة للتّـمدرُس وظهور الديمقراطية، وكذلك بفعل نشاط المنظمات غير الحكومية الوطنية وانهيار نظم الإنتاج التقليدية، التي كانت تعتمد في مردوديتها وفعاليتها، على العمل غير المأجور.
توزيع عِـرقي
وتتحدّث الدراسة بالتفصيل عن انتشار هذه الظاهرة في صفوف القوميات والأعراق، المشكِّـلة للمجتمع الموريتاني، حيث أوضحت أن العبودية في أوساط الأكثرية العربية، أقل قسوة وعنفا منها لدى الأقلية الزِّنجية، التي تقول الدراسة، إنه في بعض فئاتها، لا تزال الظاهرة تنتشر بشكل فظيع، حيث لا يزال الأسياد في بعض الأحيان، يرفضون وبشكل علني، دفن الموتى من العبيد في مقابر الأسياد، وتشكِّـل طبقة الأرقّـاء في هذه الأقليات، مجتمعا منغلِـقا على نفسه لا سبيل إلى اختلاطه بطبقة الأسياد.
هذه الدراسة، التي تُـعتبر الأولى من نوعها، انتقدها الكثير من الباحثين واعتبروها غير دقيقة واعتمدت على معايير ومنهاج غير عِـليمة، خصوصا أنها اكتفت بأخذ عيِّـنات من ثلاث ولايات، هي العاصمة نواكشوط وولاية اترارزة والبراكنة المحاذيتين، وأهملت ولايات أخرى، مثل الحوضين ولعصابة وكوركول، التي ينتشر فيها الفقر بشكل كبير، قياسا مع الولايات المذكورة في الدراسة، يُـضاف إلى ذلك، أن الدراسة كشفت أن نسبة تزيد على 50% من المستجوبين، رفضوا الردّ على الأسئلة الموجهة إليهم من قِـبل مندوبي المنظمة.
غير أن القائمين على المنظمة يؤكِّـدون أن الدراسة تمّـت وِفقا لمعايير عِـلمية مجرّدة، ولم تتدخّـل فيها أية جهة مَـهمَـا كانت، كما أنها ابتعدت عن تأثير التجاذبات السياسية، التي تخوض في موضوع ظاهرة العبودية بشكل شِـبه يومي.
قانون لمحاربة الظاهرة أم لتكريسها؟
ويأتي الكشف عن هذه الدراسة، في وقت أعلنت فيه الحكومة الموريتانية طرح مشروع قانون جديد، لا يزال رَهن الدراسة في أروِقة البرلمان، لمحاربة هذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها، إلا أن مشروع القانون الجديد أثار حفيظة المنظمات المناهضة للعبودية واعتبره البعض منها، تشجيعا لاستمرار الظاهرة، كما أعربت بعض الأحزاب السياسية عن رفضِـها له، بما في ذلك بعض أحزاب الأغلبية الحاكمة في البلد، وهو ما يعني – أمام إصرار السلطات على تقديمه إلى البرلمان – احتمال حدوث تصدّعات في كُـتلة الأغلبية.
وتقول السلطات، إن القانون الجديد، الذي سيناقَـش بعد أسابيع قليلة في دورة طارئة للبرلمان، جاء لسدّ الفراغ في التّـرسانة القانونية في هذا المجال، والمؤلفة أساسا من قانون إلغاء الرق الصادر سنة 1981 وقانون محاربة استغلال الأشخاص، الصادر سنة 2003، فضلا عن قانون العقوبات الموريتاني.
وينصّ القانون الجديد على عقوبات صارمة في هذا المجال ضد مُـمارسي العبودية والمُـتستِّـرين والمتواطِـئين معهم، ويقول بوبكر ولد مسعود، رئيس منظمة “نجدة العبيد”، إن القانون الجديد شكّـل صدمة بالنسبة له، إذ أنه جاء خاليا من أي تعريف لظاهرة العبودية، بل بدا وكأنه يشرِّع هذه الظاهرة من خلال تأسيسه على قانون إلغاء الرقّ سنة 1981، الذي نص على تحرير العبيد وتعويض أسيادهم عن ذلك، وهو ما يُـعتبر اعترافا وتشريعا – يُـضيف ولد مسعود – لهذه الظاهرة البغيضة.
كما انتقده الوزير السابق، المدير ولد بون، الذي اعتبر أن القانون الجديد يرصد بعضا من مخلّـفات العبودية، لكنه يتجاهل تعريفها، وهذا أمر أساسي، ودعا ولد بون، الذي ينحدر من طبقة الأرقّـاء السابقين، إلى العودة إلى تعاليم الإسلام بهذا الخصوص، مؤكّـدا أن الشعب الموريتاني شعب مسلم ولا سبيل إلى حل مشكلة العبودية فيه، دون الرجوع إلى تعاليم الدين الإسلامي، التي قال إنها تضمَـن للجميع الحرية والمساواة.
بينما يقول الدكتور محمد الأمين ولد الكتاب، رئيس فرع المنظمة العربية لحقوق الإنسان في موريتانيا، إن مشكلة العبودية في موريتانيا، ليست مشكلة نصوص أو تشريعات، وإنما المهم هو وجود آليات، من شأنها أن تضمَـن تطبيق القانون وإرادة سياسية جادّة في تعميم القانون وإشاعته، حتى يطلع عليه الكثيرون عبر وسائل الإعلام وعبر الندوات والمهرجانات وغيرها، وحتى يتمكّـن الضحايا من أخذ قضيتهم بأنفسهم.
نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي
اعتبرت المنظمة غير الحكومية الموريتانية “نجدة العبيد” ان مشروع القانون الذي عرضته الحكومة نهاية شهر يونيو بشأن تجريم العبودية “غير كاف”.
وقال بوبكر مسعود، رئيس منظمة “نجدة العبيد” اثناء نقاش حول العبودية “نحن مرتاحون لما تم القيام به وللمناخ الذي يسود البلاد ولارادة السلطات الحالية في اجتثاث الرق، غير اننا نعتبر ان المشروع المقترح غير كاف”.
وبحسب مسعود فان “المشروع لا يعطي تعريفا واضحا للرق كما هو معاش عندنا، وهو يشير الى نواحي عامة لدى تطرقه الى قضايا اساسية، ويشتمل على احكام تقل عما هو محدد لجرائم مماثلة مثل الجرائم ضد الانسانية”.
واقترحت هذه المنظمة بالاشتراك مع منظمات غير حكومية موريتانية اخرى للدفاع عن حقوق الانسان ادخال تعديلات على مشروع القانون، وخاصة تشديد احكام السجن بحق مرتكبي جريمة الاستعباد من 10 الى 30 عاما.
ورغم الغاء الرق في موريتانيا في 1981، فانه لا تزال توجد حالات عبودية في هذه البلاد الصحراوية التي تقع في غرب افريقيا.
وكان رئيس الوزراء الموريتاني زين ولد زيدان اشار لدى تقديمه مشروع القانون في 25 يونيو، ان نصوص القوانين بشأن العبودية، التي تم اعتمادها في 1981 “لم تلحظ توصيفا ضمنيا للظاهرة ولا تجريمها وقمعها”.
ويقترح مشروع القانون الجديد عقوبات سجن تصل الى 10 سنوات نافذة ويحظر “التلفظ علنا بعبارات مسيئة تجاه شخص يعتبر من الرقيق”.
وكان الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي انتخب رئيسا في شهر مارس حدد مهلة من ستة اشهر للقضاء على الرق بشكل “نهائي” ولحل القضايا الباقية المرتبطة بحقوق الانسان، مثل عودة اللاجئين الموريتانيين الزنوج في السنغال ومالي.
(المصدر: وكالات أنباء مختلفة بتاريخ 13 يوليو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.