بعد ستّ سنوات على الحرب: العملية السياسية العراقية لا تزال تتعثر
عراق 2009 غير عراق 2003؟ أي بعد ست سنوات من الحرب الشّـرسة والأهوال التي عاناها أهله وشعبه وطوائفه، تارةً على يدِ قوات الاحتلال الأمريكي، وتارة أخرى على يد ميليشيات مسلحة مختلفة الانتماءات والهوى.
وبقدر طول سنوات المِـحنة، يطول الشرح. فرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدا واثقاً من نفسه عن ذي قبل، حتى عندما يدعو مَـن يرغب مِـن المقاتلين إلى المشاركة في الحوار، لا يترُك الدّعوة عشوائية، بل يقرنها بشرط مهمّ وقوي، لم يكن ليجرؤ أحد على أن يذكره في الماضي، وهو إلقاء السلاح ونبذ التطرف والعنف والطائفية، قبل أن يعود هذا أو ذاك إلى العملية السياسية وشريكاً فاعلاً في المجتمع.
فالمالكي يقود عملية مصالحة واسعة النِّـطاق في العراق، الذي يريد أن يتعافي تماماً في 2009، حتى أنه يرهن هذا بإعلان استضافته القمة العربية في عام 2010، وبعد أن تكون الأمم المتحدة قد راجعت كافة قراراتها التي أصدرتها بحقِّـه منذ عام 1990.
عراق موحد.. عراق ضدّ التقسيم وضد الإرهاب
الكل يؤيد هذا ويأمل أن تتحقق الدّعوة وأن يعود العراق دولة موحّـدة، ليكون بلد الرافدين والخير مجدداً. فعراق قوي يعني عرباً أقوياء، وعراق موحد هو مكسَـب وقيمة مُـضافة للعرب، وكلنا أمل في أن يستضيف العراق القمة العربية في بغداد في مارس 2010.
ولا شك في أن عملية المصالحة في العراق، بعد ست سنوات من الدّمار والتخريب المتعمد، تحتاج إلى أجواء هادئة، ليتأكّـد الجميع أن العراق الجديد ليس أرضاً خصْـبة للطائفية والعنصرية وفكرة سائغة للتفتيت والتقسيم على حساب وِحدة أراضيه ومستقبل شعبه.
إجمالاً، لقد نجح المالكي بقوّة في تكريس مشروع المصالحة، بعدما فشل مِـراراً في الماضي، وهو الذي تعهّـد لشعبه بنشر الأمن والسِّـلم ليتجاوز مرحلة التشرذم، وأظهر براغماتية سياسية ليظهُـر كمنقذ للعراق، وقد نجح في مهمّـته بعدما ضحّـى العراق بحوالي خمسة ملايين من أبنائه، ما بين مصاب وقتيل على مدى السنوات الست المؤلمة الماضية.
نأمل جميعا أن تتحقق مقولة عمرو موسى، الذي اختتم زيارة أخيرة لبغداد: “العراق لن ينزلِـق إلى الهاوية.. ومساحة الأمل أكبر من اليأس”.
بعد مرور ست سنوات على الحرب، التي قادتها الولايات المتحدة وأطاحت بنظام الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، وسعيِـها لإقامة نظام ديمقراطي وعملية سياسية تكون مثالا يُـحتذى به من قِـبل دول الشرق الأوسط، إلا أن هذه العملية، ورغم مرور هذا الوقت الطويل، لا تزال تتعثّـر وتواجه العديد من العقبات التي تهدّدها بالصميم، رغم الانفراج الأمني الذي حققته حكومة نوري المالكي.
العملية السياسية في العراق غير مستقرّة وذات تركيبة غير متوازنة، تفتقر إلى فلسفة سياسية منسجِـمة، حيث أنها تركيبة متصارِعة، ذات مشاريع وتوجّـهات مختلفة وأطرافها مشغولون في عمليات استنزاف مستمرّة، فضلا عن عدم وجود ثقة متبادلة بين أطراف هذه العملية، الأمر الذي زاد من تأرجُحها بين المدّ والجزْر، وهو ما ينعكس بالسّـلب على الشارع العراقي.
فالسُـنّة الذين قاطعوا العملية السياسية في البداية وعاد قِـسم كبير منهم إليها، لا يزالون يشعُـرون بأنهم مهمّـشون ويُـحسبون على ترِكة النظام السابق، لأن الكثير من أبنائهم كانوا في مراكز قيادية في الجيش والأجهزة الأمنية، أما القسم الآخر، فيرى أن أي عملية سياسية تُــقام في ظل الاحتلال، تبقى عرجاء ولا تخدِم في النهاية سوى المحتَـلّ.
رغم أن رئيس الوزراء نوري المالكي حقّـق انجازات متعدِّدة على المستويين، الداخلي والخارجي، من خلال طروحاته وخطواته التي تؤكد على وِحدة العراق ومعارضته لتقسيمه، إضافة إلى تحسين علاقات العراق مع الدول العربية وانفتاحه عليها، إلا أن هذه الخطوات لم ترق لبعض شركائه السياسيين.
وأضاف الشيخ علي الطائي، أحد شيوخ عشائر طي العربية “دعوات وطروحات المالكي الأخيرة بشأن تعديل الدستور والمصالحة مع البعثيين، أثارت غضب الأكراد وأطراف أخرى ضِـمن قائمة الائتلاف الشيعي، التي ينتمي إليها المالكي، لكنها في الحقيقة زادت من شعبيته لدى بعض الأطراف العربية والسُـنية خاصة منها”.
وتابع أن “العديد من النقاط الخلافية لا تزال دون حل بين حكومة المالكي والأكراد، وأهمها عقود النفط التي وقّـعتها حكومة إقليم كردستان مع شركات عالمية وألغتها حكومة المالكي، والمخصّصات المالية لقوات (البيشمركة)، التي ترفض الحكومة المركزية دفع نفقات وتجهيزات ورواتب (البيشمركة) من الخزينة المركزية، وهي في نفس الوقت، لا سلطة لها عليها”، مؤكِّـدا أن هذه الأمور كلها تهدِّد بنسف العملية السياسية، إذا لم تُـحلّ بطريقة عقلانية.
وحمل الشيخ الولايات المتحدة مسؤولية عدم استقرار العملية السياسية في العراق، قائلا: “الأمريكيون يتحمَّـلون مسؤولية الإخفاقات السياسية في العراق، لأنهم بَـنوْا العملية السياسية على أسُـس طائفية وعِـرقية وقومية، وهذه أسس خاطئة بالطبع، لا يمكن لها أن تستمر، مهْـمَـا حاول الأمريكيون تجميل أخطائهم”.
ومضى إلى القول “العراقيون، بعد ست سنوات من احتلال بلادهم، أدركوا ذلك وهُـم يقومون بتصحيح هذه الأخطاء، وما حصل في انتخابات مجالس المحافظات قبل أقل من شهرين، ما هو إلا بداية المطاف في طريق توجيه بوْصَـلة العملية السياسية لقيادة دفّـة البلد إلى بَـر الأمان”.
ويرى المحلِّـلون أن بناء مؤسسات قوية مُـنسجمة في أدائها، خالية من المحاصصة الفئوية والطائفية والقومية، يشكِّـل عامل قوّة لتلك المؤسسات ويحسم الصِّـراع لصالح استمرارها وأدائها، وتحُـول دون إضعافها واستنزافها في صراع المصالح الفوضوي، بحيث تمثل هذه النظرة الأساس المتين لأي سلوك ورُؤية إستراتيجية واضحة لمستقبل هذا البلد، الذي مزّقته الحروب.
المواطن العراقي البسيط أصبح على يقين أنه، كلما اختلفت القِـوى والأحزاب السياسية فيما بينها وتباعدت بعضها عن بعض، فإن موجة من الهجمات والاغتيالات وأعمال العنف تجتاح البلاد، وكأن هناك من يوعِـز إلى المجرمين للقيام بأعمالهم الإرهابية ضد الشعب العراقي.
ووسط تناقُـضات مشهدِ العملية السياسية العراقية بكل صُـوَّرها وأشكالها، التي غالبا ما يدفع ثمنها المواطن العراقي خلال السنوات الستّ الماضية، أصبح العراقيون على يقِـين أن الصِّـراع بين الأحزاب والكُـتل، هو صِـراع سياسي يهدِف إلى الحصول على المغانم والمكاسب والفوز بالمواقع القيادية، لكنهم مُـصرّون على تغيير هذا الواقع نحو الأفضل، من أجل رؤية النور في نهاية النّـفق الذي طال انتظاره.
كركوك برميل من البارود مهدّد بالانفجار
احتلّـت مدينة كركوك، التي تُـعدّ مركزا رئيسيا لإنتاج النفط العراقي، موقعا بارزا في المشهد السياسي العراقي وشكّـلت أحد أهم القضايا الخلافية بين الكُـتل السياسية العراقية خلال الأعوام الستة الماضية، بعد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وأدت إلى القضاء على نظام الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين.
وحظِـيت المدينة، التي عُـرفت بتعدّد قومِـياتها وطوائفها، باهتمام دولي وإقليمي لحلّ النزاعات والصِّـراعات القائمة بين الأحزاب الكردية، التي تؤكد على لسان قادتها، أن كركوك مدينة كردية، وتحرِص على تقديم الدلائل والبراهين والشواهِـد التاريخية، لتُـثبِـت ذلك، وتطالب بضمِّـها إلى إقليمها، وبين الأحزاب التركمانية والعربية، التي تتحدّث عن سعي الأكراد للسيطرة على زِمام الأمور في المدينة وتفرّدهم باتخاذ القرارات، دون السماح لهم بالمشاركة، الأمر الذي ولّـد لديهما إحساسا بالتّـهميش والإقصاء، وخلق حالة من التشنُّـج السياسي، مُـتّـهمين الجانب الكُـردي بمحاولته تكريد المدينة من خلال جلب آلاف العوائل الكردية وإسكانها في المدينة.
في حين كان موقف الحكومة العراقية من قضية كركوك، موقِـفا وُصِـف بالخجول واقتصر على تهدِئة هذا الجانب وذاك، ولم تتمكّـن ومنذ ستة أعوام، أن تتّـخذ قرارا بشأن حسم القضية، وأي قرار تتَّـخذه يُـواجِـه معارضة وانتقادات من الأطراف المختلفة، واكتفت بتأجيل تنفيذ بعض المواد الدستورية واستثناء المدينة من إجراء الانتخابات المحلية، وحدّدت لها فقرة خاصّة في قانون الانتخابات، ظنّـاً منها أنها ستتكفّـل بحلّ مشاكل المدينة العالقة.
وأجمع سياسيو كركوك من مُـختلف القوميات، أن أية تغييرات لم تطرأ على الأوضاع في المدينة منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن، ولا تزال الأزمة قائمة والصِّـراعات والانقسامات السياسية تعصِـف بها، والتصريحات التي يدلي بها المسؤولون، هي ذاتها لم تتغيَّـر منذ ستة أعوام.
وقال أحمد العسكري، العضو الكردي في مجلس محافظة كركوك لوكالة الأنباء الصينية شينخوا، إن السياسات الخاطئة التي اتَّـبعها النظام السابق من تهجير السكان الأصليين من الأكراد واستقدام العرب من المحافظات الوُسطى والجنوبية لإسكانهم في المدينة في محاولة لتعريبها، كان لها أثر كبير في نشوب تلك الصِّـراعات.
وأضاف أن المادة 140 من الدستور العراقي تقدِّم حلولا لقضية كركوك من خلال إعادة المرّحلين، الذين هجَّـرهم النظام السابق إلى مدينتهم وإرجاع العرب الوافدين إلى مناطقهم الأصلية التي قدِموا منها، بعد تعويضهم، إضافة إلى إعادة الحدود الإدارية لكركوك إلى ما كانت عليه قبل عام 1958.
وبالنسبة لتحقيق الإدارة المشتركة، التي يسعى إليها التركمان والعرب منذ سنوات، قال العسكري إن “الأكراد أبدوا حُـسن نيَّـتهم عبر تخلِّـيهم عن منصب رئاسة مجلس المحافظة، ليتفق عليه العرب والتركمان، كما وافقوا أيضا على المطالب العربية حول إسناد منصب سيادي لهم، وحاليا يشغلون منصب نائب المحافظ”.
وأوضح العسكري أن الاتهامات التي وجِّـهت إلى الأكراد من تزوير الانتخابات عام 2005 والهيمنة على دوائر ومؤسسات المدينة والتّجاوز على أملاك الدولة، هي جميعها عارية من الصحّة، مُـعربا عن أمله في أن تتمكّـن لجنة تقصِّـي الحقائق من الوصول إلى حقائق بشأن تلك الأمور.
من جانبه، قال علي مهدي، نائب رئيس حزب توركمن ايلي والعضو التركماني في مجلس محافظة كركوك لـ (شينخوا)، إن التركمان لم يحقِّـقوا من طموحاتهم خلال الأعوام الستة الماضية، إلا الجزء اليَـسير، مرجِّـعا ذلك إلى سيطرة الأحزاب والميليشيات الكردية على المناطق، ذات الغالبية التركمانية”، مُـشيرا إلى أن الأكراد تجاوزوا على مئات الآلاف من الدونمات من الأراضي التابعة للتركمان قبل عام 2003 وبعده.
ودعا مهدي إلى تدخّـل مجلس الأمن الدولي لحلّ أزمة كركوك، بعد أن فشلت الأمم المتحدة وكذلك الإدارة الأمريكية في حلّ هذه الأزمة، خاصة بعد حدوث احتِـكاك بين قوات الجيش العراقي وقوات إقليم كردستان في بعض مناطق المدينة.
وأضاف مهدي أن “الدليل على وجود صراع تركماني – كردي، تمثَّـل في أحداث يوم 28 يوليو الماضي، عندما هاجم متظاهرون أكراد مقرّات حِـزبية تركمانية وأضرموا النيران فيها على مرأى ومسمع رجال الأمن، الذين ينتمي أغلبهم إلى الأحزاب الكردية، فيجب أن يتدخّـل مجلس الأمن الدولي، حتى نتمكّـن من مواجهة أي خطر يحدق بالمدينة مستقبلا”.
وحذّر مهدي من أن الأوضاع في كركوك مهدّدة بالانفجار، في حال عدم رضوخ الأحزاب الكردية إلى تحقيق المطالب التركمانية وعدم تعامُـلها مع لجنة تقصِّـي الحقائق بشكل إيجابي، حيث أن مدراء الدوائر الذين ينتمُون إلى الحزبيين الكردييْـن الرئيسييْـن، يتعاملون مع اللجنة بشكل يخدِم مصالح أحزابهم، مبيِّـنا أن عدم التوصّـل إلى حل سياسي عاجل، من شأنه أن يؤدّي إلى خلق تشنُّـجات بين الأحزاب المختلفة، مما يسبِّـب بتأزم الأوضاع وانعكاسه على الشارع.
ويتشابه الموقِـف التركماني هذا مع الموقف العربي، حيث أعلنا عن تحالف فيما بينهما لمواجهة ما أسموه بالخطر الكردي، واتفقوا على أن كركوك، مدينة عراقية وحلّـها في جعلها إقليما مستقلا، مؤكِّـدين رفضهم لمطالباتٍ بضمِّـها إلى إقليم كردستان.
ولم يستبعِـد الساسة في كركوك وجُـود دور للجماعات المسلّـحة في إفشال العملية السياسية وتوسيع حدّة الصراعات الداخلية، من خلال التركيز على استهداف قومية دون أخرى أو التركيز على منطقة، ذات غالبية قومية معيَّـنة دون أخرى.
ولعل التفجير الانتحاري، الذي وقع في مطعم شمالي كركوك أثناء اجتماعٍ ضمّ قيادات كردية وعربية لمناقشة وضع كركوك، وأسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 180 شخصا، يُـعدّ الأعنف الذي شهدته المدينة.
وكانت أطراف عراقية ودولية قد حذّرت من خطورة قضية كركوك القابِـلة للانفجار وتأثيرها السَّـلبي على الوضع العام للبلد، في حال تجاهلها وعدم التعامل معها بحذر، واحتمال نشوب حرب أهلية، إذا ما تمّ إلحاقها بإقليم كردستان.
مع حلول موعد الذكرى السادسة لبدءِ العدوان الأمريكي على العراق، أكَّـد خبراء أمنيون وإعلاميون، أن الاهتمام بالأوضاع الدائرة هناك بات في ذَيل أولويات الأمريكيين، ورأى هؤلاء الخبراء أن القضايا الداخلية والظروف الاقتصادية، باتت تشغل الأمريكيين أكثر من العمليات العسكرية المباشرة، وما يعرف بـ “الحرب على الإرهاب”.
وقال مايكل أوهانلون، الخبير في شؤون الأمن القومي بمعهد بروكينغ: “باتت قِـصص العراق أقل وقعاً بعد تقلّص حجم المكاتب الصحافية العاملة هناك وتراجع نِـسبة التقارير المميّـزة، إلى جانب انخفاض معدّلات العُـنف. ومن الواضح، أنه بعد ست سنوات، فإن الأمريكيين أصابهم الملَـل”، وِفق شبكة “سي إن إن”.
وفي السياق ذاته، قال ستيفن روبرتس، أستاذ دراسات الإعلام في جامعة جورج واشنطن، إن الأحداث في العراق هي “واحدة من أطول الحروب في التاريخ الأمريكي”، وأن التغطية الإعلامية لم تترك زاوية دون التطرّق إليها، من الهجمات الدموية وصولاً إلى أوضاع الحكومة في بغداد، ما جعل الملف ككل “مصدر إرهاق” للأمريكيين.
وأشار روبرتس إلى تراجُـع التغطية الإعلامية لما يدور في العراق، لأسباب متنوّعة، بعضها عائد لانحسار أعمال العُـنف في ذلك البلد، إلى جانب الأزمة المالية العالمية، التي دفعت الكثير من وسائل الإعلام العالمية لتقليص نشاطاتها الدولية.
تزايد الاهتمام بتكلفة حرب العراق
ويرى الخبراء أن تراجُـع الاهتمام بالتطورات الميدانية للحرب في العراق، قابَـله اهتِـمام متزايد بتكلفتها، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، حيث سبق لواشنطن أن أنفقت منذ عام 2003 قرابة 700 مليار دولار على المتطلّبات العسكرية، وقد يبلغ الرقم 800 مليار دولار، إذا ما جرى احتساب الكلفة حتى عام 2010.
وكانت بوادر تراجُـع الاهتمام الأمريكي بما يدور في العراق، قد ظهرت بوضوح خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث قال 62% من الناخبين إن الاقتصاد يحتلّ رأس قائمة أولوياتهم، بينما لم يكترِث للحرب أكثر من 10% منهم.
ويوم الأربعاء 8 أبريل الجاري، أعلن الجيش الأمريكي أنه قرّر إعادة نحو 12 ألف جندي من العراق إلى الولايات المتحدة في غضون الأشهر الستة المقبلة، كجُـزء من خطّـة الانسحاب التدريجي، التي أقرتها إدارة الرئيس باراك أوباما مؤخراً.
وكان أوباما قد أعلن في فبراير الماضي، أن الولايات المتحدة تخطط لسحْـب قواتها من العراق بحلول شهر أغسطس 2010، إلا أنه أشار إلى بقاء نحو 50 ألف جندي بالعراق حتى نهاية 2011، بهدف الإشراف على إعداد وتدريب القوات العراقية.
وأكّـد جنرال عراقي سابق، أن الجيش العراقي الحالي، وبعد ست سنوات على الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق، يستعيد عافيته ويمكنه ملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأمريكية، في حال نجحت المصالحة الوطنية وتمّـت إعادة ضبّـاط الجيش السابق.
وقال الفريق الركن عبد الرزاق سلطان الجبوري، أحد قادة الجيش العراقي السابق لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، إن الخطة التي وضعها الرئيس الأمريكي باراك اوباما، ستأتي بنجاح إذا ما تحقّـقت المصالحة الوطنية في العراق، وأن انسحاب القوات الأمريكية لن يخلِّـف فراغا أمنيا، لأن الجيش العراقي بدأ يستعيد عافيته بعد أزمة طويلة مرّت به بعد الغزو الأمريكي، وقرار بريمر بحلّ المؤسسة العسكرية”.
وحذّر الجبوري من مغبّـة إفشال محاولة المالكي بإعادة ضباط الجيش العراقي السابق، قائلا “إذا فشلت محاولة رئيس الوزراء نوري المالكي بإقناع الأحزاب الشيعية والكردية المتطرّفة سياسيا، للمصالحة الوطنية، وإعادة ضبّـاط الجيش العراقي السابق، فسينعكس ذلك سلْـبا على العراق وستكون العواقب وخيمة، لأن اختيار العناصر من الضبّـاط والمراتب التي بُـنِـي عليها الجيش العراقي الحالي، تمّـت وفق أسُـس طائفيه وحزبية”.
الجبوري الذي يرأس حركة ضبّـاط الجيش لإنقاذ العراق، حذّر أيضا من وقوع حرب أهلية في حال فشلت المصالحة الوطنية، لأن “الوضع لا يزال خطيرا ومتدهْـورا للغاية”، على حدّ تعبيره.
ودعا الجبوري الحكومة العراقية إلى إعادة ضباط الجيش العراقي السابق وبناء القوات المسلحة بشكل جيد يليق بسُـمعتها، مؤكِّـدا أن بقاء عدد من قواعد القوات الأمريكية في العراق لا يؤثِّـر، شريطة أن تكون السيادة بيَـد العراق، مبررّا ذلك بوجود قواعد أمريكية في ألمانيا واليابان، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولحدّ الآن.
وأوضح الجبوري أن الولايات المتحدة غزَت الشرق الأوسط بمُـصطلح أسْـمَـته الإرهاب، لتبرير تواجدها في المنطقة، والتي اعتمدت على قاعدتها بالهجمات الاستباقية التي تعتقِـد أن تلك الدول تهدّد أمنها القومي، وبالتالي، قامت بغزْو العراق بعد أن غزت أفغانستان، مضيفا أن “المخطط الأمريكي، لا يمكن أن يتعامل مع العراق وأفغانستان بمعزل عن المنطقة، بل يتعامل مع كلّ المنطقة بخطّـة واحدة وبنظرة جغرافية الإقليم الإستراتيجي، والتي تمتدّ من بنغلادش شرقا، وحتى المحيط الأطلسي غربا”.
ويرى الجبوري أن السبيل الوحيد لبناء قوات عسكرية ذات قُـدرات قتالية عالية، يمكن الاعتماد عليها بعد مغادرة القوات الأمريكية، من خلال عزل المؤسسات العسكرية عن اللُّـعبة السياسية بعد إعادة ضبّـاط الجيش العراقي السابق وبناء أجهزة مخابراتية، بالاعتماد على خِـبرات الضباط السابقين، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية عرضت عليه عدّة مناصب في الجيش، لكن القوات الأمريكية رفضت عودته، لأنها تخشى الصِّـدام مع الأحزاب المتطرِّفة التي ترفض البرنامج الذي طرحته الحركة منذ أكثر من 10 سنوات، عندما كان في صفوف المعارضة قبل الغَـزو الأمريكي للعراق، واستدرك قائلا “إذا نجحت المصالحة سوف أعود إلى صفوف الجيش العراقي، والذي أعتقد أنه سيكون أقوى من الجيش في زمن النِّـظام السابق”.
إلى ذلك، قال المنسق العام لقائمة الحدباء اثيل النجيفي، المرشح لمنصب محافظ نينوى “إن الذكرى السادسة الأليمة، التي يمرّ بها العراق، تستوجب الوقوف عندها، حيث يجب على القوات الأمريكية الرّحيل من العراق، لأن وجود هذه القوات يشكِّـل مصدر قلقٍ للشارع المُـوصلي، ويشكِّـل عاملا أساسيا في اضطراب الأوضاع، لذلك، يجب رحيلها في نهاية يونيو المقبل، وفق ما نصّـت عليه الاتفاقية الأمنية التي أبرمها العراق مع الجانب الأمريكي.
على صعيد متصل، قال الشيخ علي الطائي، أحد شيوخ عشائر طي العربية “إن الغزو الأمريكي للعراق ألقى البلاد في مستنقَـع الموت وزجّـها في صراعات عِـرقية وطائفية، كادت أن تمزِّق النسيج الاجتماعي العراقي، لكن غفوة العراقيين لم تدُم طويلة واستيقظ العراقيون من سُـبات كاد أن يهلكهم، بسبب الفِـتن والمشاكل التي خلّـفها وخلقها الغزو الأمريكي، كل هذه الأمور حالت دون تصدّع النسيج العراقي ومكوِّناته وعشائره الأصيلة، المعروفة بتاريخها المشرق”، مؤكِّـدا أن المشاكل التي سبّـبها الغزو الأمريكي، هي صراعات سياسية بين الكتل المتناحِـرة على سدّة الحكم.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل التغيّـر في سياسة الرئيس اوباما هو مجرّد تغيير تكتيكي لتكملة السياسة التي رسمتها الإستراتيجية الأمريكية في حربها على الإرهاب، التي دخلت عامها الثامن بعد أحداث سبتمبر عام 2001؟
يُـذكر أن الاتفاقية الأمنية، التي وقّـعتها إدارة بوش والحكومة العراقية في ديسمبر الماضي، تنُـصّ على انسحاب القوات الأمريكية من المُـدن العراقية بحلول 30 يونيو المقبل، لكن ما أعلنه الجنرال ريموند اوديرينو، القائد العام للقوات الأمريكية في العراق قبل أيام، بأن القوات الأمريكية قد تبقي في بعض المُـدن العراقية، بعد المدّة المقررة في الاتفاقية، لاسيما مدينة الموصل، إذا طلب المسؤولون العراقيون ذلك، أثار قلق ومخاوف أهالي المدينة الذين يتأمّـلون خيرا بحكومتهم المحلية الجديدة، التي انتخبوها نهاية شهر يناير الماضي.
نجاح محمد علي – دُبـي
بغداد (رويترز) – طالب الرئيس الامريكي باراك اوباما الفصائل العراقية المتناحرة يوم الثلاثاء 7 أبريل، بالتوصل الى تسوية ملمحا الى نفاد الصبر بقوله انه ينبغي للعراقيين تولي المسؤولية عن بلادهم حتى تتسنى للقوات الامريكية المغادرة.
وعبر أوباما الذي تفترض استراتيجيته للانسحاب بقاء العراق مستقرا نسبيا خلال الشهور الثمانية عشر القادمة عن قلقه من أن الانتخابات المقررة في وقت لاحق هذا العام قد تدفع بقضايا سياسية غير محسومة “الى الواجهة” في بلد يخرج ببطء من سنوات من العنف الطائفي الذي أودى بحياة عشرات الالاف.
وكان أوباما قد توجه في وقت سابق يوم الثلاثاء الى بغداد في زيارة لم يعلن عنها مسبقا للاجتماع مع القادة العسكريين الامريكيين والزعماء العراقيين وتقييم الوضع الامني هناك بشكل مباشر.
وتهدف الاستراتيجية التي أعلنها أوباما بعد توليه السلطة في يناير لانهاء الحرب التي بدأها سلفه جورج بوش قبل نحو ست سنوات وتسعى لسحب كل القوات الامريكية القتالية بنهاية أغسطس 2010 وباقي القوات بنهاية 2011.
وقال أوباما امام نحو 1500 جندي أمريكي في معسكر فيكتوري مترامي الاطراف والذي يقع خارج بغداد مباشرة “لقد حان الوقت بالنسبة لنا لنقل (المهمة) الى العراقيين. ينبغي عليهم النهوض بالمسؤولية عن بلدهم.. لكي يقوموا بذلك ينبغي عليهم التوصل الى تسويات سياسية”.
ويشعر خبراء عراقيون بالقلق من أن المكاسب الامنية الاخيرة قد تتبدد اذا فشلت الفصائل العراقية في التوصل الى تسوية بشأن قضايا مثل تقاسم عوائد النفط بشكل أكثر انصافا ومنح العرب السنة كلمة أقوى في الحياة السياسية.
وقامت الحكومة التي يقودها الشيعة والتي تضم أقلية من الاكراد والعرب السنة ببعض الاصلاحات، لكنها تفشل دائما في الاتفاق بشأن قضايا سياسية ذات أهمية حقيقية.
وقال مسؤولون عراقيون ان الطرفين اتفقا في اجتماعاتهما مع اوباما على ضرورة اقتران المكاسب الامنية الاخيرة بتقدم في التسويات السياسية.
وقال مجلس الرئاسة العراقي المكون من ثلاثة افراد، على رأسهم الرئيس جلال الطالباني وهو كردي، بعد اجتماعهم مع اوباما ان العراق بلد مهم ويعتمد على زعمائه السياسيين في قيادته نحو الرخاء والتنمية بشكل حضاري.
وأحيطت زيارة أوباما لبغداد التي استمرت أكثر قليلا من أربع ساعات بالسرية على غرار زيارات مماثلة قام بها سلفه بوش الذي حددت الحرب التي لا تحظى بالشعبية وبدأها في 2003 للاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين ارثه من السياسة الخارجية.
ولم يعلن عن الزيارة مسبقا ولم يكشف عنها الا بعدما هبطت طائرة الرئاسة الامريكية على أرض مطار بغداد الدولي قادمة من اسطنبول في نهاية أول جولة دولية كبرى يقوم بها أوباما.
واجتمع أوباما مع قائد القوات الامريكية في العراق الجنرال راي أوديرنو كما أجرى محادثات مع رئيس الوزراء نوري المالكي والطالباني ونائبيه.
وجاءت الزيارة بعد يوم من سلسلة تفجيرات منسقة على ما يبدو في أنحاء العاصمة العراقية أسفرت عن مقتل 37 شخصا. وقالت الشرطة العراقية ان سيارة ملغومة انفجرت يوم الثلاثاء فقتلت تسعة أشخاص وأصابت 20 في حي الكاظمية الذي تسكنه أغلبية شيعية بشمال غرب بغداد.
وقال علي الدباغ، المتحدث باسم الحكومة العراقية ان موقف أوباما من الحرب يمثل فرقا واضحا بينه وبين بوش. وأضاف أن حرب العراق ليست حرب أوباما وانه يرغب في سحب القوات. وتابع أن بوش كان يتحدث دائما بشأن وجود طويل الامد للقوات الامريكية بالعراق، بينما يرغب أوباما في الانسحاب بأسرع ما يمكن وان هذا يمثل الفرق بينهما وهو ايجابي بالنسبة للعراق.
وبموجب خطة أوباما، سيتم خفض عدد القوات الامريكية في العراق البالغ حاليا نحو 140 ألفا الى ما بين 35 و50 ألفا بنهاية أغسطس 2010. وسيعاد تعريف مهمة القوات الباقية لتكون بدرجة كبيرة المساعدة في تدريب القوات العراقية.
وقال أوباما في اشارة الى موعد أغسطس “ستكون هذه فترة حرجة هذه الشهور الثمانية عشر القادمة”. وأضاف أوباما للقوات الامريكية في معسكر فيكتوري “ستكون لكم أهمية من حيث ضمان أن يكون العراق مستقرا وأن لا يكون ملاذا امنا للارهابيين.. ويمكننا (عندها) اعادة رفاقنا الى الوطن”.
وقال روبرت غيبز، المتحدث باسم البيت الابيض ان أوديرنو قال لاوباما انه على الرغم من الزيادة الاخيرة في التفجيرات، الا أن مستوى العنف في البلاد وصل الى أدنى مستوى له منذ 2003.
غير أنه فيما يسلط الضوء على هشاشة الوضع الامني، استبعد مسؤولون أمريكيون فكرة انتقال اوباما الى داخل بغداد في موكب بعدما تسبب سوء الاحوال الجوية في الغاء رحلة مزمعة بطائرة هليكوبتر الى المدينة للاجتماع مع الزعماء العراقيين. وبدلا من ذلك، توجه المالكي والطالباني الى معسكر فيكتوري لاجراء محادثات مع أوباما.
وخلال العام الماضي انحسرت بشكل حاد أعمال العنف الطائفية وعمليات المسلحين التي اندلعت بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في 2003 لكن قوات الامن العراقية لا تزال تواجه تحديات هائلة فيما تتولى عمليات الشرطة والجيش من القوات الامريكية.
وحث المالكي بعد محادثاته مع أوباما الشركات الاجنبية على العودة والاستثمار في العراق قائلا، انه بات أكثر استقرارا الان.
ونظم العراق أكثر عملياته الانتخابية سلمية منذ الغزو عندما مرت انتخابات محلية جرت في يناير، دون هجوم كبير واحد للمتشددين. لكن مسؤولين أمريكيين وعراقيين يقولون ان التوترات بين الفصائل المتناحرة ستزداد على الارجح مع اقتراب الانتخابات الوطنية في وقت لاحق من العام.
وحذر أوباما قائلا “أحرزنا تقدما سياسيا ملموسا. لمستم استعدادا أكبر من جانب كل الفصائل في العراق لحل خلافاتهم بالطرق السياسية وعبر وسائل غير عنيفة، لكن مع اقتراب الانتخابات الوطنية قد يدفع بكثير من القضايا السياسية غير المحسومة الى الواجهة”.
ويحذر محللون من أن قضية مصير مدينة كركوك قد تؤدي الى اشعال الصراع العرقي الطائفي القادم بالعراق، رغم بدء انحسار العنف بين الشيعة والسنُـة.
والمدينة غنية بالاحتياطيات النفطية وتزعم الاقلية الكردية أنها عاصمتهم التاريخية، وهناك توترات متزايدة بين الاكراد في منطقة كردستان شبه المستقلة في الشمال والعرب في بغداد.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 أبريل 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.