تركيا ومخيمات اللاجئين السوريين.. أعباء ومخاطر
كانت تركيا من أول الدول التي أثارت مسألة ظهور مشكلة لاجئين سوريين، وذلك قبل أن تطأ قدم نازح واحد الأراضي التركية أو أراضي أية دولة أخرى.
وبات معروفا أن حكومة رجب طيب أردوغان، بادرت الى إقامة بيوت جاهزة على الحدود مع سوريا في منطقة الاسكندرون، “تحسبا” لتدفق اللاجئين.
ووجِّـهت الاتهامات إلى حكومة أردوغان، على أنه يستدرج ظهور مشكلة لاجئين بهدفين: الأول، هو التشهير بالنظام السوري أمام الرأي العام العالمي. والثاني، إيجاد ذريعة للحكومة التركية، في حال كان في نيَّـتها القِـيام بعمل ما ضد سوريا، بمعزل عن طبيعة مثل هذا العمل.
وقد رحّبت تركيا، عندما بدأ توافُـد اللاجئين. وقامت بكل ما يمكن أن “يظهّـر” هذه المشكلة، ومن ذلك زيارة مسؤولين أتراك إلى المخيمات الجديدة واستقدام فنانين عالميين، مثل أنجيلينا جولي وغيرها، لإظهار البُـعد الإنساني من القضية.
مشكلة تتخذ أبعادا مختلفة
ولكن مع تأخّـر سقوط الرئيس السوري من جهة، وتأسيس ما يسمّـى بـ “الجيش السوري الحر” واتِّـخاذه الأراضي التركية قاعدة للجوء والتدريب وتسهيل أنقرة لتسلّـل عناصره داخل الأراضي السورية، بدأت مشكلة اللاجئين تتّـخذ أبعادا جديدة مختلفة، بحيث أن الوجه الإنساني للقضية، بدأ يختلط بالبُـعد العسكري وبالبُـعد المالي، لما يشكِّـله من عِـبء على تركيا.
وبعد مرور سنة ونصف على بدء الأزمة السورية، كما أقل منها بقليل على بدء موجات الهجرة السورية إلى تركيا (وغير تركيا)، فإن هذه القضية اتّـخذت أبعادا ما كان لها ان تبدو عشية نشوئها أو حتى إلى وقت قريب.
كان وزير الخارجية التركية أحمد داود اوغلو قد قال في وقت لاحق من السنة الماضية، إنه إذا وصل عدد اللاجئين السوريين إلى خمسين ألفا، فإن تركيا ستضطرّ إلى طلب مساعدة الأمم المتحدة، لأنها لن تعود قادرة على مواجهتها بمفردها.
لكن الشهور مرّت وتجاوزت الأعداد الخمسين ألفا. وهنا، خرج داود اوغلو قبل أيام بالقول، أن تركيا لن تكون قادرة على استيعاب اللاجئين، إذا تجاوز العدد المائة ألف، ولكنه ربط هنا المسألة بإقامة مِنطقة عازلة داخل سوريا، يتم فيها حصر اللاجئين، ولكن أيضا ربطا بقرار للأمم المتحدة.
نقطة عازلة
اعتبر البعض أن تصريح داود اوغلو، مؤشر على أن إقامة منطقة عازلة تحظى بدرس جدّي من جانب الإدارة الأمريكية. لكن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي سارع إلى القول أن هذه المنطقة ليست من أولويات واشنطن. وبعده بيوم واحد، قال السفير الأمريكي في أنقرة فرنسيس ريكارديوني، إن اقامة منطقة عازلة، دونها عقبات جدية. فيما رأى آخرون أنها محاولة تركية للضّـغط على الغرب للسيْـر معها في إقامة هذه المنطقة.
ولكن يبدو من خلال بعض الوقائع أن الموقف التركي يسعى لتجنُّـب العديد من الأخطار، التي باتت تداهم تركيا من أكثر زاوية.
انتقادات عدّة
كثُـرت في الآونة الأخيرة الإنتقادات للحكومة، لموقفها من إقامة هذه المخيمات، التي باتت تشكل عِـبْءً ماليا على الدولة، تقدِّر بعض الجهات أنها بلغت حتى الآن حوالي 300 مليون دولار، خصوصا أن الأزمة المالية العالمية لم توفر تركيا من تأثيراتها السلبية. مع ذلك، فإن هذا العبْء يُـمكن تلافيه بسهولة، في ظل الدعم المالي لدول خليجية للمعارضة السورية والدول الداعمة لها، وفي مقدمتها تركيا.
وقبل أيام معدودة، ظهر بُعدٌ آخر لقضية اللاجئين، عندما أراد نائبان من حزب الشعب الجمهوري المعارض أن يدخلا مخيم “أبايدين”، في منطقة أنطاكيا. لكن مسؤولي المخيم، كما المحافظ، منعوهما من الدخول. وأثير لغط حول ذلك، إلى أن كشف وزير الخارجية داود اوغلو أن المخيم يضم ضبّـاطا وجنودا فارّين من الجيش السوري، وحِـرصا على وضعهم الأمني الحساس، فصلوا عن غيرهم من المدنيين. لكن أسئلة المعارضة ظلت تلاحق الحكومة وتواكبها اتهامات بإقامة مخيمات سرية لتدريب المسلحين، ليس فقط من سوريا بل من جنسيات مختلفة. وسمّى محمد علي أديب اوغلو، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، أسماء هذه المخيمات السرية، بل إن صحفا أمريكية نشرت تقارير عن تدريبات لمسلحين من جانب الإستخبارات التركية في اسطنبول نفسها.
حساسية خطيرة
وحملت قضية اللاجئين السوريين، إلى انطاكيا تحديدا، حساسية خطيرة أخرى تتصل بالبُـعد المذهبي، إذ أن التحقيقات التي ظهرت في وسائل الإعلام التركية، أشارت إلى أن غالبية اللاجئين السوريين، ولاسيما الجرحى من المسلحين، كانوا يرفضون أن يعالجهم في مستشفيات انطاكية أطباء أتراك من المذهب العلوي. ومع أن تركيا بلد عِـلماني، فإن الأحداث السورية تركت تأثيرات سلبية على الصراع السُـني – العلوي في تركيا عبْـر العديد من الأحداث في القُـرى العلوية أو من خلال تصاعد النزعة المذهبية في خطاب مسؤولي حزب العدالة والتنمية.
ومع انتقال عدوى المذهبية لتكون بين لاجئين أو مسلحين سوريين من جهة، وبين مواطنين أتراك، خصوصا إذا كانوا أطباء من جهة أخرى، فهذا يتجاوز كل ما هو معقول ومَـنطِـقي، ويترك الحكومة في حرَج كبير أمام الرأي العام التركي ويضعها في موقع لا تُـحسد عليه.
كذلك، بات تدفّـق اللاجئين ينعكِـس على العلاقة بينهم وبين المجتمع التركي، حيث أن الكثير منهم بات يتحرّك بفوضى، كأن لا يدفع الكثير منهم فواتير المطاعم أو الفنادق وما شابه، ما أثار شكاوى وتذمرا لدى شرائح تركية.
مخاوف أمنية
ولا يبتعد شبح المخاوف الأمنية عن كل هذا، بحيث أن تدفّـق اللاجئين بأعداد كبيرة، بات خارج قُـدرة السلطات التركية على السيْطرة أو الرقابة الدقيقة على الأقل، سواء عبر الحدود أو في الداخل التركي، وهو ما يتيح الفرصة لطابور خامس بين اللاجئين، لكي يهددوا الوضع الأمني في الداخل التركي.
وفي تحقيقات قضائية تركية، جاء أن الفريق الذي كان وراء تفجير غازي عينتاب الأخير، والذي سقط من جرّائه تسعة من الشرطة الأتراك قد جاء من منطقة عفرين الكردية في سوريا قبل شهر ونصف، وكلفوا أستاذ مدرسة بوضع القنبلة في السيارة ونقلها وتفجيرها أمام مقر الشرطة.
مع استمرار الأزمة السورية منذ سنة ونصف وعدم قُـدرة أي طرف على حسمها عسكريا، تنتشر الفوضى في سوريا وتخرج مناطق عن سيْـطرة النظام، ولاسيما على الحدود التركية. وإذا كانت تركيا توظّـف ذلك لتسهيل تمرير السلاح والمسلحين إلى سوريا، فإن التسرب المضاد من سوريا إلى تركيا، بات يشكل تهديدا جديا، من جانب المسلحين الأكراد الذين انفتحت أمامهم جبهة واسعة ضد تركيا، كما لجهة المشكلات الناتجة عن تدفّـق وتراكُـم أعداد اللاجئين.
ارتباك وخيبة
وفي المحصلة، كلما طالت الأزمة السورية، اتّـسعت دائرة المخاطر الأمنية والعسكرية، التي تهدد الأمن القومي التركي، كما يتسع الشرخ المذهبي والإثني بين المكوِّنات الاجتماعية لتركيا. وكلها مخاطر لا يثق أحد أن المسؤولين الأتراك قد استشعروها في وقت مبكِّـر، لأن كل حساباتهم كانت تصبّ في رهان الإطاحة بالنظام السوري بسرعة، على غرار حسني مبارك وزين العابدين بن علي، أو على غرار تدخل عسكري خارجي، كما حصل في ليبيا. حتى إذا لم يصّح هذا الرِّهان، كان الإرتباك والخيبة والهروب إلى الأمام، السمة الأساسية للسياسة التركية تُجاه سوريا وما تستتبعه من خسائر ومخاطر.
الأمم المتحدة (رويترز) – حذرت فرنسا وبريطانيا الرئيس السوري بشار الاسد يوم الخميس 30 أغسطس 2012 من ان التدخل العسكري لاقامة مناطق آمنة للمدنيين داخل البلاد يجري بحثه رغم الجمود في مجلس الامن الدولي بشأن كيفية انهاء الصراع المستمر منذ 17 شهرا.
ويعني الجمود في المجلس بين القوى الغربية من جهة وروسيا والصين من جهة اخرى ان من المستحيل فيما يبدو التوصل الى قرار يوافق على مثل هذا الاجراء لكن يمكن للدول ان تتحرك خارج سلطة المنظمة العالمية وتتدخل مثلما حدث في كوسوفو عام 1999 .
وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج في مؤتمر صحفي بالامم المتحدة قبل اجتماع وزراء خارجية الدول اعضاء مجلس الامن يوم الخميس لبحث سبل تخفيف الازمة الانسانية في سوريا “لا نستبعد شيئا ولدينا خطط طواريء لنطاق واسع من السيناريوهات”. وأضاف “يجب أيضا ان نكون واضحين في أن اقامة منطقة آمنة تتطلب تدخلا عسكريا وهذا بالطبع شيء يجب بحثه بعناية شديدة.”
وحث وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الذي يحضر الاجتماع الامم المتحدة يوم الاربعاء 29 أغسطس على حماية السوريين النازحين داخل بلدهم لكن الاسد رفض الحديث عن منطقة عازلة.
وقال دبلوماسيون ان إنشاء منطقة عازلة للنازحين السوريين سيكون صعبا لان هذا يتطلب صدور قرار من مجلس الامن بانشاء منطقة حظر طيران لحماية المنطقة ولن توافق روسيا والصين على مثل هذا الاجراء.
وهذه ليست المرة الاولى التي تسبب فيها روسيا صعوبات على الولايات المتحدة وحلفائها في مجلس الامن. ففي التسعينات أيدت موسكو بشدة صربيا في حروب البلقان وتصرفت كحامية لبلجراد في المجلس.
وبعد فشل وجود الامم المتحدة في وقف المذابح في حرب البوسنة في الفترة بين عامي 1992 و1995 أغضبت الولايات المتحدة وحلفاؤها الاوروبيون روسيا بتجاوز مجلس الامن الذي وصل لطريق مسدود واللجوء الى حلف شمال الاطلسي لوقف الهجوم الصربي في كوسوفو بحملة قصف ضد صربيا في عام 1999 .
ومع تزايد انزلاق سوريا نحو حرب أهلية عرقلت روسيا والصين ثلاثة قرارات في مجلس الامن تنتقد الاسد وتهدده بعقوبات. وكانت فرنسا الرئيس الدوري للمجلس في شهر اغسطس تأمل ان يتحد المجلس للتعامل مع نقص المساعدات الانسانية وعقدت اجتماع يوم الخميس 30 أغسطس الذي يحضره أيضا وزراء من تركيا ولبنان والاردن والعراق.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في مؤتمر صحفي مشترك مع هيج “اذا سقط الاسد سريعا فيمكن أن تحدث اعادة الاعمار لكن اذا استمر الصراع فيتعين علينا بحث حلول عديدة. يجب ان نكون واقعيين.”
لكن غياب وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والصين عن اجتماع يوم الخميس يسلط الضوء على فشل مجلس الامن في انهاء الصراع في سوريا الذي تقول الامم المتحدة انه أودى بحياة نحو 20 الف شخص. وأوفد أقل من نصف الدول الاعضاء وزراء ولم يحضر من الدول الخمس الدائمة العضوية سوى فابيوس وهيج.
وأعلنت الدولتان زيادة المساعدات الانسانية يوم الخميس بمقدار ثلاثة ملايين جنيه استرليني (4.74 مليون دولار) من لندن وخمسة ملايين يورو (6.25 مليون دولار) من باريس ووجهتا دعوة الى الدول الاخرى لزيادة تعهداتها.
وقال دبلوماسيون ان الاجتماع لن يسفر عن اي تحرك آخر من جانب مجلس الامن. وقال دبلوماسي فرنسي طلب عدم نشر اسمه “كنا نريد قرارا بشأن القضايا الانسانية لكننا واجهنا رفضا مزدوجا”. وأضاف “تعتقد الولايات المتحدة وبريطانيا اننا وصلنا الى نهاية ما يمكن تحقيقه في مجلس الامن وقالت موسكو وبكين ان مثل هذا القرار سيكون متحيزا”.
وقال فابيوس ان باريس تحول بعض المساعدات الى مناطق في سوريا لم تعد تحت سيطرة الحكومة حتى تتمكن المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها مما يشجع الناس على عدم الفرار من سوريا الى دول مجاورة.
وفر أكثر من 200 الف شخص – ونحو 300 الف وفقا لبعض منظمات الاغاثة – من سوريا منذ بدء الانتفاضة ضد الاسد في العام الماضي بينما نزح ما يصل الى ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 أغسطس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.