The Swiss voice in the world since 1935

تصريحات ترامب تدفع سويسرا المحايدة إلى تعزيز تعاونها الدفاعي مع الخارج

جنود
مجندو المشاة في تدريبات المشاة على الأقدام في حقل أخضر، في 17 مايو 2013، في مدرسة تجنيد المشاة التابعة للجيش السويسري في كولومبييه، كانتون نوشاتيل، سويسرا. Keystone / Christian Beutler

يدعو وزير الدفاع السويسري الجديد إلى توطيد العلاقات الدفاعية مع حلف شمال الأطلسي، ودول الجوار في الاتحاد الأوروبي. 

قبل شهرين فقط، لم يكن اسم مارتن فيستر مطروحًا بقوة في أروقة البرلمان في برن، وكانت حظوظه في تولّي حقيبة الدفاع في الحكومة الفدرالية ضئيلة للغاية. لكن يستعدّ فيستر، الضابط السابق برتبة كولونيل ووزير الصحة السابق في كانتون تسوغ، الذي يُعرف بمناصرته لتعزيز التعاون الدفاعي مع حلف شمال الأطلسي (Nato) ودول الجوار في الاتحاد الأوروبي، لوضع لمساته الأولى في منصبه الجديد، وذلك بعد فوزه في وقت سابق من شهر مارس على منافس أكثر تحفّظًا. 

محتويات خارجية
FT

وقال فيستر الشهر الماضي إن التعاون مع حلف شمال الأطلسي، (ليست سويسرا عضوًا فيه)، وإجراء تدريبات مشتركة معه “ضروري للغاية”. وأوضح أنه بالرغْم عدم سعيه لانضمام بلاده إلى الحلف، يبقى التحالف الدفاعي معه “محوريًا” لضمان أمن أوروبا. 

ويتّضح من تعيين فيستر أنّ سويسرا المحايدة باتت تشعر بحاجةٍ مُلحّة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، في وقتٍ يُلوّح فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتراجع عن الضمانات الأمريكية، التي لطالما شكّلت الركيزة الأساسية لأمن القارة الأوروبية، ومن ثمّ أمن سويسرا أيضًا. 

وفي مؤتمر صحفي عُقد عقب فوزه في اقتراع داخل البرلمان في 13 مارس الماضي، قال فيستر إن حلف شمال الأطلسي “يشهد تغييرات، ولا نعلم بعد إلى أين ستؤدي”. وأضاف إنّ تعزيز التكامل العملياتي، والتعاون مع الدول الأوروبية يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية، “إذا كنا نهتم حقًا بأمننا”. 

وجدير بالذكر أن أيّ تغيير في سياسة الحياد، التي تنتهجها سويسرا سيتطلّب إجراء استفتاء شعبي وتعديل الدستور، وهي عملية قد تستغرق عدة سنوات. وقد بدأت فعلًا نقاشات على مستويات حكومية مختلفة، من شأنها أن تفضي إلى تحوّل جذري في بلد ترتبط هويته ارتباطًا وثيقًا بالحياد، وفقًا لما تؤكده آراء خبيرة. 

وفي هذا السياق، يعلّق جان مارك ريكلي، رئيس قسم المخاطر العالمية والناشئة في مركز جنيف للسياسة الأمنية (GCSP)، بالقول: “لم أشهد قط سيناريو يصف الوضع الذي نمر به، ولطالما شهدت العلاقات عبر الأطلسي مدًّا وجزرًا، لكن أطلق مجرّد إظهار الولايات المتحدة بوادر تراجع عن التزاماتها تجاه أوروبا، وميلها نحو روسيا… موجات صدمة في أنحاء أوروبا، بما في ذلك سويسرا”. 

ويتَّفق مع هذا الرأي ماتياس تسولر، الأمين العام لقسم الطيران والأمن والدفاع في منظمة سويس ميم (Swissmem)، الهيئة الصناعية وجماعة الضغط، فيقول: “يسود شعورٌ لم نشهده من قبل بضرورة ملحّة للتحرّك. وأخيرًا، بات الجانبان (البرلمان والحكومة) يُدركان أن هناك أمورًا يجب القيام بها وتغييرها”. 

تغيّر المزاج العام

وبحسب دراسة نشرتها الصيف الماضي الأكاديمية العسكرية التابعة للمعهد التقني الفدرالي العالي (ETH) في زيورخ بالتعاون مع مركز الدراسات الأمنية (CSS)، فقد طرأ تحوّلٌ ملحوظٌ في توجّهات الرأي العام نحو تعزيز التعاون الأمني مع الدول الأوروبية المجاورة. 

وأظهرت الدراسة أن 53% من العينة التي شملها الاستطلاع تؤيد إقامة علاقات أوثق مع الناتو، في حين كان المتوسط خلال السنوات العشر الماضية قريبًا من 43%. أما نسبة التأييد لانضمام البلاد إلى الحلف فلم تتجاوز 30%، وتظلُّ مع ذلك أعلى من متوسط العقد الماضي الذي بلغ 23%.  

وقال تسولر، الذي حضر جلسة استماع مع فيستر قُبيل تعيينه، إنّ وزير الدفاع الجديد “يدرك تمامًا أنّ التعاون مع الدول المجاورة أمرٌ لا مفر منه، بغضّ النظر عن الإجراءات التي سنتّخذها”.  

ويُنتظر من فيستر بعد توليه منصبه في الأول من أبريل، المساهمة في صياغة استراتيجية الأمن الوطني الأولى في تاريخ البلاد، التي من المتوقع صدورها بحلول الصيف. 

وقال دانييل موكلي، مدير قسم البحوث في مركز الدراسات الأمنية التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ (وهو مركز تموّله جزئيًّا وزارة الدفاع)، إن النقاشات حول استراتيجية الأمن “ستُجرى في ظلِّ إحساس متزايد بضرورة التحرك سريعًا، وهذا أمر إيجابي”.  

وأضاف موكلي: “ستكون هذه أول مسودة رسمية لاستراتيجية الأمن الوطني، وستُحدِّد أهدافنا بوضوح، ومن المفترض أن تُقدِّم تصورًا واضحًا عن الوجهة التي تريد الحكومة أن تأخذ البلاد إليها”. 

ويجري النظر أيضًا في إدخال تعديلات على قواعد تصدير الأسلحة. إذ تحظر سويسرا حاليًا تصدير السلاح إلى أي دولة منخرطة في حرب، سواء داخل حدودها أو خارجها، بما في ذلك أوكرانيا. وقد تسبّبت هذه القيود في حالة من الاستياء في أوروبا، خاصة في دول مثل ألمانيا، التي لم يُسمح لها بإعادة تصدير عتاد عسكري سويسري الصنع إلى أوكرانيا. لكن قد تتغيّر هذه السياسة، بعد أن يُباشر فيستر مهامه كوزير للدفاع… 

صادرات الأسلحة

وقال ستيفان هولينشتاين، العقيد في هيئة الأركان العامة للجيش السويسري ورئيس اتحاد الجمعيات العسكرية في سويسرا: “أكّد مارتن فيستر أنه سيعمل جاهدًا لتخفيف القيود المفروضة على تصدير المعدّات، والمنظومات الحربية السويسرية”. 

وكان هولينشتاين قد دعا، في وقت سابق من هذا الشهر، كلًا من فيستر ومنافسه على المنصب ماركوس ريتر، رئيس جماعة الضغط الخاصة بالقطاع الزراعي في سويسرا، إلى جلسة استماع في العاصمة برن، بحضور ممثلين وممثلات عن الجيش وقطاع الصناعات الدفاعية. وأضاف هولينشتاين أنه رغم تمسُّك سويسرا بمبدأ الحياد المسلّح الدائم، فإنّ «ذلك لا يعني لنا، كما لا يعني لمارتن أيضًا، وهو ما أكَّده بنفسه، عزلةً تامة أو عدم تعاون مطلق مع المنظومة الأمنية الأوروبية”. 

وأضاف هولينشتاين أن من بين مطالب قطاع الصناعات العسكرية أيضًا رفع ميزانية الجيش بشكل كبير، وتطوير صناعة عسكرية وطنية قوية.  

وتهدف سويسرا إلى أن يصل إنفاقها الدفاعي إلى 1% من إجمالي ناتجها المحلي بحلول عام 2030، بعد أن كان نحو 0،7% في العام الماضي.  

ما هي النسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي؟

ويظلُّ الهدف السويسري أقل بكثير من أهداف الدول الأوروبية الأخرى. فقد حدَّد حلف شمال الأطلسي الإنفاق الدفاعي عند 2% من إجمالي الإنتاج المحلي في الدول الأعضاء، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 3% أو 3،5% في قمة الحلف، التي ستُعقد في يونيو. وفي المقابل، يصرُّ ترامب على ضرورة تخصيص الدول الأوروبية الحليفة ما يصل إلى 5% من إجمالي إنتاجها المحلّي للإنفاق على الدفاع. 

وأشار هولينشتاين إلى ضرورة تعزيز قدرة الجيش على العمل المشترك، موضحًا أن عناصر من القوات البرية السويسرية ستتوجه الشهر المقبل إلى النمسا، وهي دولة محايدة أيضًا، لإجراء تدريبات مشتركة مع القوات النمساوية والألمانية. وستكون هذه المرة الأولى، التي تُجري فيها سويسرا تدريبات عسكرية على أرض أجنبية، منذ عام 2003. 

ورغم هذا الزخم الذي تشهده سويسرا، والذي تعزّزه جهود إعادة التسلح في أوروبا، تُحذّر أصوات أخرى من أن أي تغيير في الاستراتيجية قد يستغرق سنوات.  

وهناك أيضًا جهات مؤثِّرة ترغب في ترسيخ مبدأ الحياد. فبعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، تبنّت سويسرا عقوبات مماثلة لتلك التي فرضها كل من الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، ظهرت محاولات لناشطين وناشطات، إلى جانب بعض الشخصيات السياسية من التيار اليميني، للدفع باتجاه إنهاء هذه القيود الاقتصادية، من خلال إدراج تعريف أكثر دقة لمبدأ الحياد السويسري التقليدي في دستور البلاد. 

وقال مسؤول سويسري: “هناك اختلافات عميقة حتى بين أعضاء الحكومة الفدرالية، ناهيك عن الاختلافات في البرلمان وبين الجمهور، حول المسار الذي يجب أن تسلكه سويسرا في المستقبل. وهنا، يكون الأمر دائمًا متعلقًا بالتوصل إلى توافق في الآراء، ونحن بعيدون جدًا عن تحقيق ذلك. لذلك لا أتوقع حدوث تغييرات كبيرة هذا العام، أو حتى العام المقبل”. 

حقوق النشر محفوظة لفاينانشيال تايمز ليمتد 2025

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: جانيس مافريس

ما هو مستقبل نموذج الحياد السويسري؟

هل يمكن التمسك بالحياد في زمن التكتلات والتوترات الجيوسياسية؟

381 إعجاب
269 تعليق
عرض المناقشة

ترجمة: مصطفى قنفودي

مراجعة: ريم حسونة

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية