“تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي”.. الـعـدوّ والذّريـعـة والـبُـعـبُـع
أجمع المحلِّـلون الغربيون على أن عملية التفجير التي استهدفت السفارة الفرنسية في نواكشوط يوم 9 أغسطس وأسفرت عن إصابة ثلاثة أشخاص (أعلن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي يوم 17 من نفس الشهر مسؤوليته عنها)، مؤشر قوي على تصاعُـد عمليات "القاعدة" في منطقة المغرب العربي.
وما أكّـد هذه الرؤية، أن الخط البَـياني لعمليات “القاعدة” في الجزائر، أبصر في الفترة الأخيرة اتِّـجاها تصاعُـديا، وهناك مخاوِف واسعة من أن يشكِّـل شهر رمضان مناسبة لتصعيد التفجيرات والاغتيالات، طِـبقا للمنهج الذي دأبَـت عليه هذه التنظيمات في السنوات الماضية.
وأتى التفجير الذي استهدف السفارة الفرنسية في موريتانيا، تنفيذا لتحذير سابِـق وجّـهه أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، بضرب المصالح الفرنسية بسبب موقف باريس من الحجاب، استِـنادا إلى المركز الأمريكي لرصد المواقع الإلكترونية الإسلامية.
ومن الواضِـح أن “القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي” تسعى من خلال تكثيف العمليات وتوسيع مجالها الجغرافي إلى كافة البلدان المغاربية، لتكريس موقِـعها المِـحوري بوصفها قوّة المعارضة المسلحة الرئيسية في المنطقة.
ويرى الإعلامي الجزائري احميدة العياشي أن الهدف المباشر لـ “القاعدة”، ليس قتال اليهود والنصارى، وإنما الإطاحة بالأنظمة الحاكمة لتعويضها بحكومات إسلامية وإرجاء قِـتال الأجانب إلى مرحلة لاحقة.
وفي هذا السياق، تستفيد “القاعدة” من مناخ عدم الاستقرار والتوتّـر، لكسب مزيد من الاهتمام بها، وخاصة لاستقطاب الإعلام. وسبق لأمير الجماعة عبد الملك دروكدال أن أكّـد في حديث نادر أدلى به لصحيفة “نيويورك تايمز” في صيف العام الماضي، أنه يسعى لوضع تنظيمه في موقِـع مِـحوري داخل الجزائر وكذلك في الخارج، أي في علاقة مع القوى الدولية المؤثِّـرة في المنطقة.
غير أن آمال مَـدّ نفوذ تنظيمه إلى ليبيا المجاورة، تلقّـت نكسة قوية بتسارُع التّـقارب بين الحكم و«الجماعة الإسلامية المقاتلة»، التي تخلّـت عن الخِـيار العسكري وسلّمت عناصر بارزة منها إلى السلطات “مراجعاتها التصحيحية”، التي قام بها قادتها المسجونون في ليبيا، لتنضَـم الجماعة إلى جماعات عديدة في العالم العربي، تراجعت عن سلسلة من مواقفها السابقة التي أباحت العُـنف لقلْـب أنظمة الحُـكم في بلدانها.
وجاء صدور المراجعات بعد أيام من هجوم شنّـه القيادي في «المقاتلة» أبو يحيي الليبي على حُـكم العقيد معمر القذافي، لكن أبو يحيي لم يتحدّث باسم “المقاتلة”، وإنما بصفته قِـيادياً في تنظيم «القاعدة». ونأى قياديون في “المقاتلة” الشهر الماضي بجماعتهم عن «القاعدة»، قائلين إن الجماعة الليبية ليست جزءً من التنظيم.
وقال الخبير التونسي في الشؤون الدولية احميدة بن رمضان ردّا على سؤال لـ swissinfo.ch عمّـا إذا كانت “القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي” ظاهرة دائمة أم نتوءا عابِـرا، أن تنظيم “القاعدة” لن يصل أبدا إلى الحُـكم، إن كان في المغرب العربي أم في سِـواه من المناطق، لسبب بسيط، وهو أن التاريخ أثبت أن أي حركة إرهابية، أي تلك التي تستخدم العنف المنهجي ضدّ المدنيين الأبرياء من أجل غايات سياسية، لم تنجح في الإطاحة بنظام قائم والحلول محلّـه، بالنظر إلى أن وسائِـلها تعزلها بسُـرعة وتقطعها عن المدد الشعبي، الذي هو ضروري لأخذ الحكم.
وأضاف بن رمضان، الذي يعمل رئيسا للقسم الدولي في صحيفة “لابراس” اليومية التونسية، أن “القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي “يمكن أن تغذّي بأعمالها نشرات الأخبار طيلة سنوات، لكنها حركة ضعيفة مقارنة بـ “الجماعة السلفية المسلحة”، التي برزت في تسعينات القرن الماضي مثلا. فهي نفّـذت بعض العمليات المثيرة على غِـرار التفجيرات التي استهدفت مقرّات حكومية أو مكاتب للأمم المتحدة في الجزائر العاصمة، وقامت بهجمات جسورة على قوافِـل عسكرية، غير أن نشاطها المسلّـح يبقى ظاهرة هامشية ولا يُـهدّد أي بلد من البلدان الخمسة، الأعضاء في الإتحاد المغاربي”.
توزيع جديد للأدوار
واعتبر محلِّـلون عسكريون جزائريون أن العمليّـتين اللّـتين وقعتا في برج بوعريريج وتيبازة في شهر يوليو الماضي، مؤشّـر مهِـمّ على توزيع أدوار جديدة في تنظيم “القاعدة”.
والجدير بالذكر في هذا المضمار، أن الأمن الجزائري حدّد خمس مناطِـق كُـبرى لانتشار ما يُطلق عليه “الإرهاب”، بعدما توصّـلت أخيرا أجهزة الاستخبارات إلى تأكيد معلومات تتّـصل بإعادة انتشار الجماعات المسلّـحة عبر الولايات والمناطق، وبإحداث تغييرات في توزيع الأدوار بين قيادييها وعناصرها، واعتبرت المصالح المتخصّـصة في محاربة “القاعدة”، أن تلك التطورات تدُل على نفَـس جديد في نشاط التنظيم.
وكانت عناصر “القاعدة” زحفت في مطلع الشهر الجاري على مواقع “حماة الدّعوة السلفية”، التنظيم المنافس لها في غرب البلاد، وأعلنت معمّـر صوان مسؤولا جديدا في الغرب، حاسِـمة بذلك التناحُـر بين التنظيميْـن ومكرّسة نفسها التنظيم المسلّـح الوحيد النّـشط في شرق البلاد وغربها. وفي هذا السياق، حرِصت على إعلان تبنِّـيها لعملية استهدفت قافِـلة للجيش في تيبازة، بعدما حامت شكوك قوية حول احتمال وقوف “الحماة” وراء العملية.
ونفّـذت “القاعدة” في الفترة الأخيرة أيضا عملية في موريتانيا، أحدثت من الفرقعة الإعلامية أكثر ممّـا أوقعت من الضحايا من خلال العملية الانتحارية التي استهدفت السفارة الفرنسية يوم 8 أغسطس 2009، أي بعد ثلاثة أيام من تسلّـم الرئيس محمد ولد عبد العزيز مقاليد السلطة، وهو الذي تعهّـد بمكافحة الإرهاب، والتي لم تُسفِـر إلا عن جرح ثلاثة أشخاص. وأتت العملية بعد ستة أسابيع من اغتِـيال مواطن أمريكي في حي القصر في العاصمة نواكشوط، والتي تبنّـتها “القاعدة”.
وحققت “القاعدة” هدفا تكتيكيا آخر بجرّ حكومة مالي إلى مُـقايضة مُلفتة في الفترة نفسها، إذ استجابت حكومة الرئيس أمادو توماني توري من جديد لضغوط فرع “القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”، في الصحراء والساحل الإفريقي، وقبلت بصفقة لتبادُل الأسرى أفرجت “القاعدة” بموجبها عن ثلاثة جنود ماليين كانت اختطفهم قبل فترة في اشتباكات مع الجيش المالي. وتكتّـمت باماكو على طبيعة الصّـفقة لقاء الإفراج الذي تمّ في منطقة قريبة من تومبوكتو، إلا أن مصادِر إعلامية جزائرية رجّـحت إطلاق النظام المالي بدوره سراح ثلاثة سلفيين جهاديين ينتمون للتنظيم كانوا معتقلين لديه، ولم يُكشف عن أسمائهم.
ورأت سلمى بالعالة، الباحِـثة في “مركز الدراسات والأبحاث الدولية” الفرنسي CERI أن الهدف الأخير للتنظيم هو البرنامج نفسه الذي كان لتنظيم الإخوان المسلمين وسائر الحركات الإسلامية، والمتمثل في “أسلَـمة الدولة والمجتمع على السواء”، غير أنها أكّـدت أن إيصاد الأبواب الشرعية أمام التيارات الإسلامية السياسية يُغذي التطرّف، مستدِلّـة بالتجربة الجزائرية بين 1992 و1995، والتي قالت إنها اتّـسمت بإقبال النشطاء الإسلاميين الراديكاليين على الإنخراط في “الجماعة الإسلامية المسلحة” في أعقاب حظر “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”.
واعتبرت المختصة في دراسة الحركات الأصولية في تصريح لـ swissinfo.ch أن خطّ التبايُـن الأساسي داخل التيار الإسلامي، يرتسم بين الذين اندمجوا في اللّـعبة السياسية الشرعية ضمن الإطار القطري، والذين لجؤوا للعُـنف الإرهابي وانتهجوا طريق “الجهاد الشامل”.
بهذا المعنى، نفهم توسيع دائرة “الحرب الجهادية” التي تشنّـها “القاعدة” بزعامة عبد الملك دروكدال، الملقب بأبي مصعب، إلى البلدان المحيطة بالجزائر، وخاصة التي تُعتبر حدودها مكشوفة، مثل موريتانيا ومالي والنيجر.
مطاردات جوية وحملة “جماعية”
هذا النشاط المُـتزايد للتنظيم في مناطق مختلفة داخل الجزائر وخارجها، جعل المؤسسة العسكرية تنتقل سريعا إلى خطّـة هُـجومية بشنّ ثلاث حملات تمشيط واسعة، شارك فيها نحو عشرة آلاف جندي، إحداها في ولاية باتنة (510 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائر) القريبة من الحدود المشتركة مع تونس، والثانية في تيبازة، القريبة من العاصمة، والثالثة في منطقة حدودية بين ولايتَـيْ برج بوعريريج وبجاية (200 كلم شرق العاصمة).
وفي هذا الإطار، قرّر الجيش مُـضاعفة عمليات الاستطلاع الجوي لمطاردة عناصر “القاعدة”، وأفيد أن وزارة الدفاع الجزائرية تدرس حاليا عدّة خيارات لاقتناء طائرات استطلاع بلا طيار، لاستعمالها في محاربة “الإرهابيين”، لكن مصادر مطّـلعة أكّـدت لـ swissinfo.ch أن هذه الصفقة تُـواجه صعوبات تِـقنية وسياسية عديدة، من دون الكشف عن طبيعة الصعوبات.
وفي السياق نفسه، قررت الجزائر نقل تعاوُنها الأمني مع كل من ليبيا ومالي إلى مستوى أعلى، بُغية تطويق نشاط “القاعدة” في المنطقة. وأعلن الرئيس امادو توماني توري في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس أن الجزائر وليبيا ومالي “ستضع سوِيا وسائِـلها العسكرية لمكافحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يهدِّد أمْـن مِـنطقتيْ الساحل والصحراء”.
وكان الرئيس المالي أعلن لصحيفة “ليسور” L’Essor الحكومية في آخر قمّـة عقدها الاتحاد الإفريقي مطلع شهر يوليو الماضي في ليبيا، أنه تحدّث مع الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالخصوص عن الوضع السائد في منطقة الساحل والصحراء، موضِّـحا “قرّرنا وضع إمكاناتنا العسكرية والاستخباراتية سوِيا لمُـكافحة هذه المشكلة”.
وشنّ الجيش المالي في شهر يونيو عمليات في منطقة الساحل والصحراء، استهدف عدّة مجموعات مسلحة، بما فيها “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، مُـعلنا يوم 17 يوليو، أنه قتل 26 “مقاتلا إسلاميا” في هجوم شنّـه لأول مرّة على مواقِـع لتنظيم “القاعدة” عند الحدود مع الجزائر في أقصى جنوب البلاد. كما أكّـد الجيش المالي أيضا أن “عشرات” الأشخاص قُـتِـلوا في الرابع من يوليو في منطقة تومبوكتو خلال مواجهات مع تنظيم القاعدة.
وكان ستة أوروبيين من بينها زوج سويسري ودبلوماسيان كنديان خُطِـفوا خلال الأشهر الأخيرة في مالي والنيجر المجاوريْـن للجزائر، وأُفرج عنهم جميعا ما عدا بريطاني أعدمه خاطِـفوه.
ومن المقرّر أن يُعقد مؤتمر قمّـة إقليمي حول الأمن في الساحل لمواجهة المخاطِـر العابِـرة للحدود، وتمّ تأجيله مؤقّـتا، انتظارا للإستفتاء الدستوري الذي جرى في النيجر في 4 أغسطس، وسيشارك في أعماله قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجزائر وليبيا وتشاد.
غير أن ليبيا لم تنتظِـر هذه القمة وأوفدت وزير داخليتها عبد الفتاح يونس العبيدي إلى مصر أواخر الشهر الماضي، حيث أجرى محادثات مكثّـفة مع نظيره حبيب العادلي، ركّـزاها على وسائل إحكام التنسيق الأمني “للتصدّي لكافة الظواهر التي من بينها الهجرة غير المشروعة والجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله”.
وما لبث هذا التعاون أن اكتسى بُـعدا إقليميا، إذ لم تمضِ أربعة أيام على وقوع الهجوم المسلّـح على السفارة الفرنسية في نواكشوط، حتى اجتمع رؤساء أركان الجيوش في كلٍّ من الجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي في مدينة تمنراست، جنوب الجزائر، من أجل “إطلاق حملة جادّة وجماعية” ضدّ “القاعدة”، كما جاء في بيان رسمي.
وكشفت صحيفة “الوطن” الجزائرية، أن الحملة قِـوامُـها 25 ألف جندي سينتشِـرون في المناطق الحدودية المُـشتركة، التي اتّـخذت منها “القاعدة” ملجأ آمنا من ملاحقة القوات النظامية، وقاعدة خلفية للتخطيط لمزيد من الهجمات. وأوضحت الصحيفة (الحسنة الإطلاع عادة) أن القوات العسكرية ستكون معزّزة بالطيران الحربي الجزائري خلال حملتها، ومدعومة من قبائِـل الطوارق المُـنتشرة في شمال مالي والنيجر، والتي تحتفِـظ بعلاقات متِـينة مع الحُـكم في الجزائر.
ولوحظ أن هذه العملية الواسِـعة، تشكِّـل امتدادا لعمليات التّـمشيط التي نفّـذها الجيش داخل الجزائر، وهي لا تشمل الجيشيْـن، المغربي والتونسي، ربما لأن الجزائريين يعتبِـرون أن هدفها ينحصِـر في توجيه ضربة قاصِـمة لتنظيم “القاعدة”، الذي ينشط أساسا في بلدهم ويمتدّ إلى موريتانيا، لكن صحيفة “الوطن” أبدت استِـغرابها من الغياب الملحوظ لليبيا من الاجتماع الرباعي، خصوصا أن البُـلدان المشاركة تُعـد لقمّـة بين رؤسائها، سيكون مِـحورها القضاء على “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
وقد تكون الجزائر تسعى للتّـعاطي معها بوصفها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة على حساب المغرب أساسا، وهو ما يبدو من تعليق الباحث الفرنسي إيف ديبوا Yves Dubois الذي قال لـ swissinfo.ch، “إن الجزائر تعاطت مع الولايات المتحدة بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001، بوصفها الشريك الأكبر في الحرب على الإرهاب”، وأضاف أن “هذا التعاطي رفَـع من منزِلة الجزائر في أنظار الأمريكيين على حساب حلفاء إقليميين آخرين”، لكنه حذّر من التغافُـل عن دور النّـفط في تلك النقلة “بالنظر إلى الموقِـع البارز الذي باتت تحتلّـه الشركات النفطية الأمريكية الكُـبرى في الجزائر”، على حد قوله.
تطابق مع الجزائر وليبيا
ومن البديهي أن التركيز الجزائري على محاولة التخلّـص من “القاعدة”، يتطابق مع أولويات السياسة الأمريكية في شمال إفريقيا، التي ركّـزت أيضا اتِّـصالاتها مع دول المنطقة في الفترة الأخيرة، على تطوير التعاون في مكافحة الجماعات المسلحة وفي مقدّمتها “القاعدة”.
ومن دلائل ذلك، أن جيفري فالتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط بالوكالة، أكّـد خلال زيارته لطرابلس أواخر شهر يوليو الماضي، أن الولايات المتّحدة “تأمل بتعزيز تعاونها مع ليبيا في المجال العسكري، ولاسيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب”.
وقال خلال مؤتمر صحفي عقده في طرابلس “إن ليبيا والولايات المتحدة مُـدركتان للخطر الذي يُـمثله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، مشدِّدا على أنهما متّـفقتان على التعاون من أجل الحيلولة دون حصول اعتداءات إرهابية جديدة في شمال إفريقيا.
ويُعزى هذا التّـركيز إلى أن أنشطة “الجماعة السلفية للدّعوة والقتال”، كانت منحصرة بشكل أساسي في الجزائر، قبل أن يُوسّـع التنظيم دائرة عملياته مع تحوّله إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قبل حوالي ثلاثة أعوام، وتحديدا في سبتمبر 2006، إلى منطقة “الساحل”، حيث غالِـبا ما يستهدف مصالح ورعايا غربيين.
وتشير إحصاءات مَـوثوقة، أن الجماعات المسلحة المرتبطة بـ “القاعدة”، اختطفت حتى الآن 30 سائحا غربيا ودبلوماسيين كنديين أفرجت عنهم جميعا، لقاء صفقات مالية مُعتبرة، عدا مواطنيْـن، سويسري وبريطاني.
ورأى الإعلامي التونسي احميدة بن رمضان أن الملاحقات المكثّـفة، التي تتعرض لها عناصر “القاعدة” في البلدان المغاربية، وخاصة في الجزائر وتونس، تُفسِّـر هجرتها إلى الجنوب نحو مالي والنيجر “حيث هي أبعد ما تكون عن الإنتشار والعنفوان، بل أقرب إلى الغوص البطِـيء في رمال الصحراء، وخاصة في ظِـل تطوير التنسيق الأمني بين الجزائر وجيرانها الجنوبيين”.
وسألته swissinfo.ch عن سِـرّ بقاء التنظيم، رغم كثافة المطاردات وتلاحُـق الضربات العسكرية، فأشار إلى أن محلِّـلين كُثرا يعتقِـدون أنه، إذا استمر هذا التنظيم كلّ هذه المدّة ولم يُقضَ عليه قضاءً مُبرما، فلأن المؤسسة العسكرية الجزائرية تحتاج إليه من أجل أسباب واضِـحة، تتّـصل بميزانية الدّفاع وتأثير الجنرالات في الساحة السياسية الجزائرية. وأكد أن الجيش “يُهاجِـم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل إضعافه، لكنه لا يريد تدميره بالكامل، لأنه يُستخدَم ذريعة وبُعبُـعا في الوقت نفسه”.
وسُئل: هل أن الضّـجيج الإعلامي الذي يرافِـق عمليات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مُضخم، فأجاب “بلى من دون شك، فهُـم يتحدّثون عنه بأكثر ممّـا يستحق، كما أن القلق الذي يُثيره هنا وهناك غير متناسِـب مع قوته الحقيقية”. وأضاف أن الولايات المتحدة يُـمكن أن تكون لها أيضا مصلحة في استخدام هذا التنظيم بُعبعا على نحو يُسهِّـل تركيز قاعدة أمريكية في إفريقيا، في إطار ما يُطلق عليه الأمريكيون “تعزيز المكافحة الشاملة للإرهاب”، والذي يثير في واقع الأمر في أوساط الأفارقة ردود فِـعل تُراوح بين التحفّـظ إلى المعارضة الصريحة.
غير أن سلمى بالعالة حذّرت من مفاجأة قد تأتي من الجماعات المتشدّدة المغربية التي نمت في الأحياء القصديرية ولا يمكن السيطرة عليها. وأوضحت أن هذه الجماعات الصغيرة لا تنحدر من الفئات الفقيرة في المُـدن، وإنما من المعدمين الذين يُنشِـئون مساجد من ألواح القصدير لبث الخُـطب الحماسية ويشكِّـلون مجموعات مستقلّـة عن بعضها البعض، لكنها موصولة بتنظيمات دولية.
وأشارت إلى أن الفترة الانتقالية التي أعقبت إقالة وزير الداخلية القوي على أيام الملك الحسن الثاني إدريس البصري وتنحية رؤساء الأقاليم الأمنية المُـوالين له، هي التي أبصرت ميلاد معظَـم التنظيمات الرّاديكالية التي نفّـذت تفجيرات وعمليات اغتِـيال في مدن مغربية في السنوات الأخيرة.
واعتبرت بالعالة أن الخطر الوحيد يتمثّـل في توحيد الجماعات المُـنتشرة في مدن مختلفة، في إطار تنظيم وطني جامع، لكنها لاحظت أن التنظيمات ما زالت مشتّـتة حتى الآن ومُفتقِـرة لقيادة موحّـدة، وتساءلت “إلى متى سيستمِـر هذا الوضع؟”.
رشيد خشانة – تونس – swissinfo.ch
الجزائر (رويترز) – بدأ تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي تنفيذ هجمات خارج معقله شرقي العاصمة الجزائرية في عرض للقوة قد يظهر في واقع الأمر أن قوات الأمن أجبرت المتمردين على الفرار.
ويقوم المتشددون الاسلاميون بحملة تفجيرات وكمائن في الجزائر منذ قرابة عقدين لكنهم ركزوا هجماتهم في الاعوام الاخيرة فيما يعرف باسم “مثلث الموت” حول منطقة القبائل الجبلية.
لكن سلسة هجمات يشنها متشددون يعملون تحت لواء تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي منذ يونيو حزيران استهدفت مناطق كانت تعتبر فيما سبق آمنة نسبيا.
وقال رشيد بوسيافة نائب رئيس تحرير صحيفة الشروق اليومية: “القاعدة ليس لديها بديل الا أن تحاول مغادرة منطقة القبائل لكسر الحصار وعندما تحاول الضرب خارج هذه المنطقة فانها تعطي الانطباع بأنها قوية لكن الواقع غير ذلك فانها في نهاية المطاف تدافع عن وجودها”.
وانخفضت وتيرة العنف في الجزائر بدرجة كبيرة منذ التسعينات وهي الفترة التي أسفر الصراع بين المقاتلين الإسلاميين والحكومة فيها عن مقتل 200 الف شخص وفقا لتقديرات منظمات دولية غير حكومية.
ويقول محللون إن قوات الأمن تكتسب قوة وأن أعداد المتشددين تقل بسبب سياسة منح العفو للمقاتلين الذين يلقون سلاحهم.
لكن التنظيم لا يزال يمثل تهديدا كبيرا. وشملت سلسلة الهجمات خارج معاقل الجماعة كمينا على طريق سريع كبير قرب برج بوعريج على بعد 180 كيلومترا شرقي الجزائر العاصمة ويقول مسؤولون انه أسفر عن مقتل 18 من أفراد قوات الامن.
وبعد ذلك بشهر قتلت الجماعة 14 جنديا على الاقل في ولاية تيبازة على بعد 50 كيلومترا غربي الجزائر العاصمة. وذكرت تقارير غير مؤكدة أن عدد القتلى كان أعلى بكثير في الهجومين.
وقال هنري ولكينسون من مؤسسة جانوشان للاستشارات الأمنية “من بين الأنماط المألوفة في حالات مكافحة التمرد أن تؤدي العمليات الى إزاحة… فالعدو الذي تخرجه قوات الامن من معاقله يرد بهجمات في الاماكن التي يكون وجود قوات الامن فيها أضعف”.
وأضاف أن الهجمات تتفق ايضا مع نمط يقابل فيه تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي الحملات التي تقوم بها الحكومة بشكل دوري برد مشهود لاعادة تأكيد وضعه.
وكانت مواقع الهجمات وجرأة تنفيذها جديرة بالاهتمام بالتأكيد. ونقل كمين تيبازة العنف الى منطقة هادئة يتدفق سكان العاصمة على شواطئها في العطلات الاسبوعية.
وقال دبلوماسي إن سفارة أوروبية واحدة على الأقل أمرت موظفيها بعدم الذهاب الى تيبازة.
وقال بوعلام غمراسة المحلل الامني في صحيفة الخبر “انتشار القاعدة في الميدان مع التركيز على مناطق كانت تبدو امنة كمنطقتي تيبازة وبرج بوعريريج”.
وظهرت التكتيكات التي يستخدمها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في مناطق أخرى ايضا.
وقال مصدران قريبان من قوات الأمن لرويترز إن الجماعة جددت هيكلها وألغت نظامها السابق المكون من تسع مناطق جغرافية يقود كل منها أمير واستبدلت به نظاما مبسطا من أربع مناطق.
كما قررت الجماعة فيما يبدو التخلي عن أسلوب الهجمات الانتحارية السابق لأن الخسائر بين المدنيين تبعد أنصارها.
وكانت التفجيرات الإنتحارية أسلوب التنظيم المفضل في العامين الأخيرين. ومن بين هذه التفجيرات هجوم انتحاري مزدوج على مكاتب للامم المتحدة ومبنى محكمة بالجزائر في 11 ديسمبر كانون الاول عام 2007 أسفر عن مقتل 41 شخصا على الاقل.
لكن لم يتم تسجيل هجمات انتحارية منذ أشهر. وركز المتمردون بدلا من ذلك على نصب كمائن لقوافل الجيش او الشرطة باستخدام القنابل المزروعة على الطرق والأسلحة النارية.
وقال مصدر أمني طلب عدم نشر اسمه لرويترز “أثبتت العمليات الإنتحارية التي يقتل فيها عشرات المدنيين أنها مضرة بصورة القاعدة عند الجمهور. فهناك عدة فتاوى صدرت لتحريم العمليات الانتحارية”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 أغسطس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.