تونس تتهيّأ لخوض انتخابات رئاسية وتشريعية حاسمة
تعيش تونس هذه الأيام في أجواء تُـنبـئ بأن الإنتخابات التشريعية والرئاسية القادمة ستكون حاسمة في إخراج البلاد من حالة المؤقّت إلى حالة أخرى قد تتّسم بمزيد من الإستقرار، لكنها لن تكون خالية من التحدّيات والمفاجآت.
في موفى يناير 2014، أنجز المجلس الوطني التأسيسي دستورا رحّب به الجميع في الداخل والخارج. وكان ذلك خطوة مهمّة نحو إبعاد تجربة الإنتقال السياسي في تونس من المطبّات التي وقعت فيها دول أخرى، وهو ما جعل الكثيرين يتحدّثون عن تونس، باعتبارها الدولة الوحيدة التي نجت حتى الآن من المخاطر القاتلة للربيع العربي.
الخطوة التي تلت ذلك مباشرة، تمثلت في صياغة القانون الإنتخابي، الذي لم يكن عملا هيِّنا، ولولا الضغط الذي مارسته أطراف عديدة من أجل تحقيق ذلك حتى تنظم هذه الإنتخابات في وقت لا يتجاوز آخر السنة الجارية، حسبما نصت عليه وثيقة الدستور، لتواصل الجدل شهورا أخرى. ولهذا، يستمر الحديث في أوساط الخبراء ومنظمات المجتمع المدني عن نقائِص وأخطاء يتضمّنها هذا القانون. وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأحزاب لم تتّفق حتى لحظة إعداد هذا التقرير حول فصْل الرئاسية عن التشريعية أم الجمع بينهما.
ولكن، كيف يبدو المشهد اليوم؟ وما هي أبرز التحديات المطروحة أمام التونسيين لإكمال مشوارهم الصعب والواعد؟
ضبابية وتراجع الحماس
بداية، يتساءل الكثيرون في تونس عن مدى قدرة الهيئة المستقلة للإنتخابات على ضبط وإدارة هذه المحطة الهامة. فبالرغم من الدفعة الأولى من الميزانية التي تلقّتها والتي بلغت عشر مليارات من الملِّيمات (حوالي 10 مليون دولار) كتسبقة على الحساب، إلا أنها لا تزال متخوِّفة من مفاجآت يُمكن أن تحصل خلال الأشهر القليلة القادمة.
الهيئة مُنزعجة من الصعوبات الكامنة في القانون الإنتخابي، كما أنها قلقة تُجاه الوضع الأمني، رغم التحسن الذي سُجِّل في هذا السياق. وهي متخوِّفة أيضا من احتمال تراجُع عدد الناخبين، بسبب الضبابية وتراجُع الحماس لدى التونسيين، نتيجة ما حصل من تراكمات سلبية خلال أكثر من سنتيْن ونصف، لم تكن خلالها الأحزاب في مستوى انتظارات الناخبين الذي شاركوا بكثافة في انتخابات 23 أكتوبر 2011.
كما أن أطراف المجتمع المدني وكذلك المجتمع السياسي أكّدت من جهتها على ضرورة أن تبذل الهيئة المستقلة جهودا أكبر للإرتِقاء إلى مستوى ما تتطلّبه الإنتخابات القادمة من حزْم وتنظيم، خاصة في غياب تراكم الخبرة، نتيجة القطيعة النسبية التي تمّت بين التجربة الأولى والتجربة القادمة.
(رويترز) – حكمت المحكمة الابتدائية بتونس يوم الاثنين 26 مايو 2014 بحل “الرابطة الوطنية لحماية الثورة” التي تأسست عقب الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل ثلاثة أعوام بسبب مخالفة القوانين الخاصة بتنظيم وإنشاء الجمعيات.
وقال سفيان السليطي المتحدث باسم المحكمة الإبتدائية بتونس: “حكمت المحكمة الإبتدائية بحل الرابطة الوطنية لحماية الثورة بكل فروعها وحظر كل أنشطتها ومصادرة جميع ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة والإذن بالتنفيذ دون ضمان ودون الإلتفات للإستئناف”.
وأضاف السليطي لرويترز “ثبت لدى المحكمة مخالفة الرابطة الوطنية لحماية الثورة للقوانين المنظمة لتكوين وتسيير الجمعيات”.
واتهمت رابطات حماية الثورة بممارسة العنف ضد سياسيين وأحزاب معارضة لحكم الائتلاف الحكومي السابق بقيادة حركة النهضة الإسلامية التي توصف بأنها مقربة منها.
وتنفي رابطة حماية الثورة ممارسة العنف وتعتبر المحاكمة ساسية. ولكن السليطي قال “القضاء قام بدوره باستقلالية وحياد وتجرد وبعيدا عن التجاذبات السياسية وجاء القرار استنادا إلى مؤيدات واقعية وملموسة بثبوت الخروقات القانونية والانتهاكات الواضحة للرابطة وقيامها بأعمال عنف وفوضى والدعوة لهما”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 مايو 2014)
الأحداث الليبية تزيد من حجم المخاوف
ومما زاد في حجم هذه المخاوف، تصاعد وتيرة الأحداث في ليبيا. هذا البلد المجاور الذي له تأثير واسع على تونس بحُكم التشابك الإقتصادي ووجود ما لا يقل عن مليون و900 ألف مواطن ليبي يُقيمون داخل البلاد، وهو عدد مرشّح للتوسّع، في حال اتّسعت رقعة الإشتباكات المسلّحة بين طرفيْ النزاع واستمرّت الأزمة السياسية في ليبيا، وهو ما دفع بوزير الخارجية التونسي إلى الاستنجاد بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من أجل الإستعداد لمساعدة تونس على استيعاب لجوء محتمل لأعداد كبيرة من الليبيين خلال الأيام والأسابيع القادمة، في حال اتسعت رُقعة النزاع.
فمن شأن انحياز قبيلة الزنتان (التي يتموقع أبناؤها بالمناطق المجاورة للحدود التونسية) إلى اللواء المتمرّد خليفة حفتر، أن يخلط الأوراق داخل الساحة الليبية. كما أن وجود أكثر من 100 ألف تونسي يعملون ويقيمون بليبيا، هم عُرضة للتأثر باختلال الأمن على نطاق واسع داخل الأراضي الليبية، مما قد يدفع بالكثيرين منهم إلى العودة بوتيرة متسارعة نحو بلادهم. وبالتالي، فإن تدهور الأوضاع هناك، ستكون له تداعيات مباشرة وخطيرة على الأجواء الأمنية والإجتماعية بتونس، مما سينعكِس سلبا على الظروف الموضوعية التي ستتحكّم في المواعيد الإنتخابية القادمة.
تشرذم الأحزاب
الجهة الثانية في هذا السياق، هي الأحزاب التي دخلت منذ تعيِين حكومة التكنوقراط في عمليات تهيئة لخوض الإنتخابات القادمة. وهنا يُلاحظ أن شبَح التشرذم الحزبي بدأ يُهدّد العديد منها، نتيجة تباين التقييمات والحسابات. فالحزب الجمهوري على سبيل المثال، قرر الإنسحاب نهائيا من “الكتلة الديمقراطية” بعد أن سبق له الخروج من “الإتحاد من أجل تونس”، وهو عبارة عن هيكل تنسيقي بين مجموعة من الأحزاب.
بدورها، شهدت “الجبهة الشعبية” خروج بعض مكوِّناتها، نتيجة بروز اختلافات حول مسائل تنظيمية أو سياسية. ولا تزال عديد الأحزاب الصغيرة أو المتوسطة تبحث عن احتمال إقامة تحالفات، سواء فيما بينها أو مع أحزاب أكبر منها. ويخشى الكثيرون من احتمال تِكرار ما حصل في انتخابات 23 أكتوبر 2011، عندما تشتّتت الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية، مما وفّر فرصة لحركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية للبروز كقوّة رئيسية في البلاد.
ومما زاد في تعزيز هذه الخِشية، ما يحصل هذه الأيام داخل حزب “نداء تونس” من صِراعات، أصبحت تهدِّد وحدة الحزب وقد تُضعف من حظوظه في الإنتخابات القادمة. فهذا الحزب الذي نما بسرعة، بسبب وجود شخص الباجي قايد السبسي على رأسه، وتحوّل في وقت وجيز إلى أمل لدى جزء من النُّخب السياسية لتحقيق التوازن المفقود من خلال إيجاد منافس قوي للإسلاميين، يمر حاليا بأزمة داخلية حادّة دفعت برئيسه إلى التعجيل بعقد مؤتمر، وُصِف بالتأسيسي في منتصف يونيو القادم، عسى أن يمتصّ الإنتقادات المتزايدة من قبل بعض مكوِّناته، وهي انتقادات قائمة على خلفِية انفراد السبسي بالقرار داخل الحزب، إلى جانب تعيين ابنه حافظ السبسي مسؤولا عن الهياكل، إضافة إلى التقارب الذي سجّل خلال الأشهر الأخيرة مع حركة النهضة، بالرغم من الخصومات السابقة، وجعلت الكثيرين يتحدّثون عن عدم استبعاد قيام تحالف بين الطرفين، بعد الإنتخابات بل واحتمال تشكيل حكومة ائتلافية بينهما.
انتخابات حاسمة للمسار الانتقالي
وإذا ما فشل مؤتمر حزب “نداء تونس” المقبل في إعادة ترتيب البيت الداخلي ونتج عن ذلك حصول تصدّع في بنيته، فقد يترتّب عنه ضَياع الفرصة المتبقِية لدى ما يُسمّى بالعائلة الديمقراطية من أجل تعديل موازين القوى في الإنتخابات القادمة، إذ بالرغم من حصول خلافات داخل حركة النهضة لأسباب متعدّدة، من أهمها إخفاقها في إدارة شؤون الحكم، وهو ما أدّى إلى انشقاق جزء من كوادرها، ولجوء جزء آخر إلى تأسيس حزب مستقل ومنافس، إلا أن ذلك لم يقلِّل من وزنها الكبير، حيث لا تزال تتمتّع بقاعدة انتخابية عريضة.
لا شك في أن الإنتخابات القادمة تشكِّل مُنعرَجا حاسِما في المسار الإنتقالي بتونس. ونظرا لأهميتها القصوى، فهي تبقى مرتبِطة بعوامل عدة ستؤثِّر في مسارها وظروف انعقادها والنتائج التي يُمكن أن تُسفر عنها. ومع أهمية الإعتبارات الأمنية والتنظيمية والمالية، إلا أن الأهمّ يظل معرفة مدى تعلق التونسيين بهذه المحطّة الإستراتيجية في بناء مستقبلهم السياسي، وهو ما ستكشِف عنه عملية التسجيل الإرادي للناخبين، التي ستنطلق رسميا يوم 23 يونيو 2014، لأن أيّ عزوف عن المشاركة في التصويت، ستكون له تداعِيات سلبية جدا على المسار الإنتقالي برمّته.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.