جوزيف دايس.. الخبرة السويسرية في خدمة الأمم المتحدة
انتخبت الجمعية العامة الأمم المتحدة في نيويورك الجمعة 11 يونيو 2010، السويسري جوزيف دايس رئيسا لها. ويعد هذا الإنتخاب بمثابة التكريم للرجل الذي كان يتولى حقيبة وزارة الخارجية عندما انضمت بلاده للمنظمة الدولية.
وإذا كانت رئاسة الجمعية العامة من أسمى الوظائف داخل الأمم المتحدة، فإنها لا تمنح صاحبها سلطة تقريرية حقيقية مقارنة مثلا بمنصب الأمين العام أو رئيس مجلس الأمن.
ومن المنتظر أن يباشر جوزيف دايس مهامه الجديدة عند افتتاح الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 14 سبتمبر القادم.
ويعيد تولي الوزير السابق لهذه المهمة إلى ذاكرته إحدى النجاحات المهمة التي حققها خلال مسيرته السياسية، عندما صوّت الشعب السويسري لصالح انضمام بلاده إلى الأمم المتحدة في عام 2002. وقام دايس بنفسه برفع العلم السويسري أمام مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وهي لاشك من أهم المحطات في حياته السياسية.
لقد بذل دايس جهودا كبيرة من أجل إقناع شعبه بالإنضمام إلى المنظمة الدولية. في الوقت الذي كان كريستوف بلوخر، زعيم اليمين المتشدد المفوه يحذّر من أن انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة، سوف يؤدي إلى ضياع مبادئ السيادة، والحياد والاستقلال، الدعائم الثلاث التي بني عليها تاريخ سويسرا الحديث.
لم يكن الصخب وحب الأضواء من سمات جوزيف دايس عندما كان عضوا في حكومة بلاده، ممثلا عن الحزب الديمقراطي المسيحي، بل كان يعرف بوسطيته، حتى وصل الحال بالبعض إلى وصفه بالمائع الذي لا لون له، وبالسياسي الجاد والكفء، الذي يفتقد إلى الكاريزما والرؤية. وذهب البعض الآخر إلى حد وصفه بفاقد الطموح والكفاءة.
يبدو أستاذ مادة الإقتصاد السياسي السابق بجامعة فريبورغ في بعض الأحيان عنيدا نوعا ما، ومعزولا، لكن، يختفي خلف هذه الصورة المضللة، قناص ماهر، يلتقط الفرص كلما أتيحت له.
وسيط نزيه
ينظر إلى جوزيف دايس كذلك على أنه وسيط ماهر، قادر على مد الجسور، ورؤية الوقائع في أبعادها المختلفة، ويبحث باستمرار عن التفاهم والتراضي، ناهيك انه رجل كتوم، وهي مواصفات ضرورية للوسيط الناجح، ولمن رشّح نفسه لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تنبع قدرته على رؤية الأشياء في أبعادها المختلفة ربما لكونه ينحدر من كانتون فريبورغ، الذي تتماس فيه حدود اللغتين الفرنسية والألمانية، وكان ثنائي الثقافة منذ الصغر، فضلا عن أنه يتكلم اللغة الإنجليزية بطلاقة.
إضافة إلى ذلك، فالبحث عن التوافق والتراضي أحد المواصفات الرئيسية للنظام السياسي السويسري. وأوضح دايس عقب ترشيحه للمنصب الأممي أنه من المتمسكين ومن المعجبين بالقيم التقليدية للنظام السويسري، والتي يلخصها في الحياد، والوساطة الحميدة، والقدرة على تحقيق التوافق.
وعندما يتحدث عن مهمة رئيس الجمعية العامة، يحلو لدايس مقارنة مهمته بمهمة الحكم في الميدان الرياضي، الذي يجب ان يتميّز بالحياد التام في علاقته بالفرق المشاركة في المنافسات.
نجاح للدبلوماسية السويسرية
يمكن وصف ترشح جوزيف دايس لهذا المنصب المهم على أنه نجاح للدبلوماسية السويسرية. هذا على الرغم من أن مهمة دايس لن تكون خدمة سويسرا أو الدفاع عن مصالحها، فهذه المهمة تظل بعهدة بول سيغر، سفير سويسرا الحالي بالأمم المتحدة.
يكتفي رئيس الجمعية العامة بدور الوسيط المستقل والنزيه، ويكون هدفه الأوّل تحقيق مصالح المجتمع الدولي، وليس مطلوبا منه تمثيل المصالح الخاصة ببلده الأصلي.
لكن هذا لن يمنع من جعل مبادئ وقيم النظام السويسري التي يتمثلها دايس في الواجهة. والمطلوب من دايس أن يؤدي باقتدار مهمة الوسيط، الباحث عن التوافق، والمقترح لحلول للقضايا التي تثير الخلاف بين مجموعات مختلفة بالأمم المتحدة.
إصلاح الأمم المتحدة
أثار جوزيف دايس في تصريحات سابقة إلى الصحافة السويسرية، على الرغم من انه لم يباشر بعد مهامه الجديدة، الملفات المهمة التي يراها بالنسبة للدورة الخامسة والستين للجمعية العامة التي تنطلق في 14 سبتمبر 2010، ومن بين هذه الملفات قضية إصلاح المنظمة الدولية، وإعادة النقاش حول أهداف الألفية الثالثة، والقضايا الاقتصادية.
فقد أشار على وجه الخصوص، في حوار أجرته معه كل من صحيفة “تاغس أنتسايغر” الصادرة في زيورخ، و” “دير بوند” الصادرة في برن، إلى الدور الحيوي الذي يجب ان يقوم به رئيس الجمعية العامة في عملية إصلاح هذه الهيئة.
كسويسري، يعتقد دايس انه سيكون من السهل عليه إيجاد التوافقات المطلوبة: من جهة لأن سويسرا سبق وأن “عبّرت بوضوح عن دعمها للإصلاحات المطلوبة”، ومن جهة أخرى “لأن سويسرا ليس لها طموحات كبيرة في الأمم المتحدة كالبلدان التي تريد مثلا أن تصبح عضوا في مجلس الأمن”.
وردا عن سؤال حول الآثار التي يمكن أن يكون خلفها التصويت على حظر المآذن، واحتمال أن يعرقل ذلك جهود الرئيس الجديد من أجل التوصّل إلى توافقات دولية، يجيب دايس، بأن “هذه السنة الرئاسية، قد تكون فرصة لكسب التعاطف لسويسرا”.
البعثة السويسرية
من المفترض، بحسب سفير سويسرا لدى الأمم المتحدة في نيويورك، أن يعزز وجود دايس على رأس الجمعية العامة للمنتظم الأممي تأثير سويسرا داخل أروقة المنظمة الدولية. ودائما بحسب السفير السويسري، سوف يكون النجاح حليف رؤيته الهادفة لبناء جسور التواصل بين الكتل المختلفة.
ويشدد بول سيغر من ناحية أخرى على استعداد البعثة السويسرية بالأمم المتحدة لتقديم الدعم اللازم والممكن لعمل الرئيس الجديد. ويتوقع السفير أن يزداد حجم العمل الذي تقوم به البعثة في المستقبل لأن سويسرا تساهم بفعالية في طرح القضايا التي تشغل مجموعة من البلدان الأعضاء.
ريتا إيمش – نيويورك – swissinfo.ch
(ترجمه وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
ولد رجل السياسة والذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي المسيحي بفريبورغ في عام 1946. دايس متزوج وأب لثلاثة أطفال هم اليوم كبار في السن.
انتخب نائبا بمجلس النواب (الغرفة السفلى من البرلمان الفدرالي) سنة 1991، ثم أصبح عضوا بالحكومة الفدرالية سنة 1999. تولى في البداية حقيبة الشؤون الخارجية ، ثم أصبح وزيرا للإقتصاد سنة 2003، قبل ان ينسحب من الحكومة سنة 2006.
عمل دايس منذ 1984 وإلى حين انتخابه عضوا بالحكومة، كأستاذ جامعي لمادة الإقتصاد السياسي بجامعة فريبورغ. وتولى ايضا خطة المراقب العام للأسعار في البلاد بين 1993 و1996.
من الإنجازات الهامة التي تحسب لهذا الوزير السابق تصويت الشعب السويسري لصالح الإتفاقيات الثنائية مع الإتحاد الأوروبي في مايو 2000، وانضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة في عام 2002. كذلك تصويت الشعب لصالح توسيع وتمديد العمل باتفاقية التنقل الحر للأشخاص مع الإتحاد الأوروبي في عام 2005.
الجمعية العامة هي الهيئة الرئيسية التي تجري فيها مداولات الأمم المتحدة وتشارك فيها 192 دولة، عضو في المنظمة، ويتمتع فيها الأعضاء بحقوق تصويت متساوية، بغض النظر عن مساحة تلك الدول أو فعاليتها وتأثيرها في الساحة الدولية.
تتغير رئاسة الجمعية العامة مرة كل سنة، ويتداول عليها بالتناوب أفراد منتخبون كل مرة من إحدى المجموعات الجغرافية الخمس المنضوية تحت الأمم المتحدة. يعود الدور هذه السنة إلى مجموعة دول أوروبا الغربية وبلدان أخرى، وهو ما أتاح لسويسرا ترشيح جوزيف دايس لرئاسة الجمعية العامة.
تتفق المجموعة الجغرافية على مقترح بعينه، ثم تعرضه على الجمعية العامة للتصويت. وفي العادة، لا يحصل خلاف حول الإسم المرشح، وتتم المصادقة عليه بالتزكية.
تتشكل مجموعة بلدان أوروبا الغربية وبلدان أخرى، بالإضافة إلى بلدان أوروبا الغربية من تركيا، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، ونيوزيلندا، وأستراليا، وقد نافس دايس على الترشح وزير الخارجية البلجيكي السابق لويس ميشال.
من المهام التي يتكفل بها رئيس الجمعية العامة، ضبط الأجندة السنوية، وتنفيذها بالتعاون مع مكتب الرئاسة. كذلك يتولى الرئيس إدارة النقاش العام الذي يمتد أسبوعين، بالإضافة إلى الجلسات الطارئة التي يمكن أن يدعى لها خلال السنة. ويمكن أن ينوب عن الرئيس أحد نوابه البالغ عددهم 21 نائبا.
كذلك يشارك رئيس الجمعية العامة إلى جانب كل من الأمين العام، ورؤساء لجان الجمعية العامة( 6)، في صياغة مشاريع القرارات التوافقية، والتي يتم عرضها على الجمعية العامة للمصادقة عليها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.