“حرب التاريخ والمرجعيات” في نزاع الصحراء الغربية.. هل بدأت؟
قفز المغرب باتجاه مقاربة جديدة لتاريخ نزاع الصحراء الغربية حيث شهدت الأسابيع الماضية إطلاق أفكار تُـفـقـد كل ما جاءت به كتب التاريخ عن العقود الأربع الماضية الكثير من مصداقيتها ليصبح النزاع ولأول مرة منذ اندلاعه "نزاعا حول التاريخ".
المقاربة (أو المحاكاة) الجديدة جاءت هذه المرة من الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وتحديدا من منظمته الشبابية (تعرف باسم الشبيبة الإتحادية) من خلال ندوة نظمتها بمدينة طانطان تحت شعار “ترسيخ الديمقراطية في صلب معركة الوحدة الترابية” ومحورتها حول مسار حياة الولي مصطفى السيد، مؤسس جبهة البوليزاريو الذي وصفته ب”الفقيد” وصنفته كـ “شهيد الوحدة والديمقراطية”.
المثير بل الملفت هو أن هذا التوصيف والتصنيف يدخل الولي مصطفى السيد ضمن القاموس السياسي المغربي للمرة الأولى، بعد أن ظل الرجل في السائد سياسيا وإعلاميا وتاريخيا في المملكة المغربية مجرد “انفصالي، عميل للجزائر وقبلها عميل لليبيا”.
من جهة أخرى، لم يأت هذا الجديد الذي يدخل في اللغة السياسية المغربية من حزب شكك يوما في مغربية الصحراء (التي كانت خاضعة للإستعمار الإسباني حتى 1975) بل من أعرق حزب يساري مغربي لم يتردد سنة 1981 في خوض معركة مع الملك الحسن الثاني حين قبل قرار منظمة الوحدة الإفريقية القاضي بإجراء استفتاء للصحراويين لتقرير مصيرهم في دولة مستقلة أو الإندماج بالمغرب. وحينها، دفع الإتحاد الإشتراكي ثمن موقفه الرافض لهذا القرار اعتقال قيادته وعلى رأسهم عبد الرحيم بوعبيد الذي لم يسبق أن تعرض للسجن قبل ذلك رغم كل المواجهات الدموية التي مرت بها العلاقة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بين الحزب ونظام الحسن الثاني.
الأب الروحي للبوليزاريو
الندوة شارك فيها زعماء سياسيون وقادة لجيش التحرير المغربي يحظون باحترام واسع لدى النخبة السياسية المعنية بالنزاع خاصة وأنهم قاتلوا بالصحراء قبل سنة 1958 وعارضوا نظام الحسن الثاني بشراسة بالإضافة الى مؤسسين لجبهة البوليزاريو، بل إن جميع من تحدث (في الندوة) عرف الولي مصطفى السيد وعايشه سواء كان ذلك في مرحلة المخاض أو في سياق مرحلة الميلاد لجبهة البوليزاريو التي تعتبر “العدو الأول للمغرب والمهدد لوحدته الترابية”.
الورقة التقديمية للندوة التي وصفت الولي مصطفى السيد وسيدي محمد ابراهيم البصيري قائد ما يعرف بـ “انتفاضة الزملة” بمدينة العيون التي حدثت عام 1970 والأب الروحي لجبهة البوليزاريو بـ “علميْن كبيرين من أعلام النضال التحريري الوطني الوحدوي”، وقالت عن الولي بأنه “الذي ابتدأ مشواره راعيا للإبل، لينهيه بعد مسيرة علمية متألقة بطان طان والمعهد الديني بتارودانت، الذي كان عنوانا للوطنية والتفتح الديني تحت مسؤولية وتوجيه العلامة الوطني الإتحادي (أي المنتمي إلى الإتحاد الإشتراكي) الحاج عمر المتوكل الساحلي، ثم بجامعة محمد الخامس بالرباط لينهي هذا المشوار التعليمي المتزامن مع الاستعمار الإسباني بالصحراء المغربية، بأن بادر إلى فتح مشاورات مع قيادات وطنية كان في مقدمتها قادة الاتحاد الاشتراكي الغاية منها توضيح إرادته العارمة على طرد الاستعمار الاسباني وتحقيق الوحدة الوطنية، وكان من منظمي تظاهرات طان طان سنة 1972 التي قُـوبلت بعنف شديد من طرف السلطة وانتهت بلجوئه خارج البلاد”.
يجدر التذكر هنا أن هذه القراءة لسيرة الولي سبق أن أوردها الراحل محمد باهي أحد أبرز الصحافيين المغاربة في رسائله من باريس (التي كان ينشرها بصحيفة الإتحاد الاشتراكي كل يوم أربعاء) حين خصص لها في عام 1990 حلقات عديدة خلخلت المعلومات التي وردت فيها كل ما كانت تقدمه السلطات من قراءة ما أدى إلى تدخل الملك الحسن الثاني الذي طلب من عبد الرحيم بوعبيد وقف نشر هذه الرسائل.
مطالبة برد الإعتبار
من جهة أخرى، أجمعت مداخلات المشاركين بالندوة التي تحدث أصحابها عن علاقتهم مع الولي، الذي سقط منتصف 1976 في معركة بين قواته والجيش الموريتاني، على تحميل السلطات المغربية مسؤولية تأسيس الولي ورفاقه لجبهة البوليزاريو نتيجة القمع الذي تعرضوا له في تظاهرات طان طان 1972 حين طالبوا بدعمهم لاستعادة الصحراء وأيضا للحركة والأحزاب الوطنية لعجزها عن استيعاب هؤلاء والمساهمة معهم واحتضان مشروعهم وهو “ما أدّى به إلى الخروج مسرعا كما خرج الكثيرون من مختلف المدن المغربية إلى دول العالم”، حسبما جاء في مداخلة البشير الدخيل، أحد رفاق الولي في تأسيس البوليزاريو وأحد أبرز قادتها العسكريين.
وفي معرض وصفه للولي، قال الدخيل “إن شخصيته كانت تتميز بالانسانية وذكاء خارق وتواضع لا متناهي وكان لا يعجز عن الوصول إلى أهدافه ويمتاز بصفات القائد الفذ من دين ويقين وتفان وبعد نظر وطول النفس والتفكير غير القاصر وكان سريا للغاية وجديا للغاية أيضا، أما ايديولوجيته السياسية كانت مزيجا من القومية العربية التقدمية وخاصة الوحدوية التي كانت ضد أي انشقاق أو انفصال وكان يُؤمن بالوحدة العربية كهدف سام لا مناص منه”.
ويؤكد الدخيل الذي انشق عن جبهة البوليزاريو وعاد للمغرب في عام 1991 أن البيان السياسي الأول لجبهة البوليزاريو بتاريخ 10 مايو 1973 كان من بين مبادئه الأساسية المناداة بالحرية للساقية الحمراء ووادي الذهب متجنبا ذكر الإستقلال أو بناء دولة. ويقول الدخيل: “من موقعي كعضو مؤسس للبوليزاريو أؤكد عدم وجود أي وثيقة رسمية تدل على عكس ما سبق في السنوات الأولى بل أكثر من هذا، فلقد عرض الولي مصطفى السيد على رئيس موريتانيا المختار ولد داداه تأسيس فدرالية من أجل بناء دولة واحدة بعدما أحس بالضغط الشديد من طرف الجزائر التي لا تحبه”.
وفي سياق متصل، اعتبر الدخيل أن “الوقت قد حان لرد الإعتبار لسيدي ابراهيم بصيري والولي مصطفى السيد هذين الرجلين العظيمين وتسليط الأضواء على أعمالهم العجيبة وصيانة ذاكرتهم وهذا ضروري كأرضية لأي حل لنزاع الصحراء لأن أي حل أو طرح لا يبنى على الحقيقة ولا يراعي الواقع المعاش يكون نجاحه مستحيلا، والكلام عن ديمقراطية دولة الحق والقانون يبقى فارغا اذا لم يتم فتح كل الأوراش (أي الملفات) الكبرى ومعالجتها بعقلانية وعدالة”. وأضاف أن “هذه المشاكل والمآسي لا يمكن لها أن تقتصر على بيانات حسن النوايا أو على جبر الضرر المادي، بل إن الشعب المغربي في حاجة ماسة لمعرفة تاريخه المر والوقوف على الأخطاء الفادحة قصد تصحيحها وعدم تكرارها، فالأمم الأصيلة لا يمكن لها أن تكرر دائما نفس الأخطاء بل تعترف بها وتصححها”، على حد قوله.
خلخلة المرجعية التاريخية
رغم ان المغاربة “غير المُعادين” للولي مصطفى السيد والرافضين لانفصال الصحراء يؤكدون أن الجزائر استولت على مشروع الولي وقامت بتحويله إلى مخطط تآمري على المغرب بخلق دولة بالصحراء الغربية بل يذهبون إلى حد اتهام الجزائر باغتيال الولي والتآمر عليه، فإن المغرب الرسمي لا زال يرفض قراءة مسار الولي إلا كـ “انفصالي” ولا يبدي ارتياحا لأية قراءة أخرى دون أن يشن حربا عليها بـ “انتظار” ما يمكن أن تصل إليه.
المؤكد هو أن تنظيم ندوة طان طان لم يكن سرا أو خبرا مكتوما بل إن الصحف المغربية أعلنت عنها قبل أيام من عقدها كما ألقى محاضرتها الإفتتاحية محمد اليازغي وزير الدولة (نائب رئيس الحكومة). يُضاف إلى ذلك أن الشبيبة الاتحادية – وقبل الندوة بأسابيع – عقدت في السويد لقاء مع شبيبة البوليزاريو على هامش اجتماعات شبيبة الاشتراكية الدولية. وهو ما يدفع البعض إلى القول بأن هذه “الإختراقات” قد تؤشر على منحى جديد في التعاطي المغربي مع الصحراء والصحراويين والرافضين منهم لمغربية الصحراء على وجه الخصوص.
ومنذ خريف 2009 واندلاع أزمة اعتقال السلطات المغربية لناشطين صحراويين مؤيدين لجبهة البوليزاريو زاروا مخيمات تندوف (حيث تقيم قيادة جبهة البوليزاريو) وإبعاد الرباط للناشطة الصحراوية امينتو حيدر إلى جزيرة لاس بالماس الإسبانية والإنعكاس السلبي لذلك على موقف الرباط، شهد المغرب حراكا موازيا لتسويق مشروع الحكم الذاتي كحل دائم ونهائي للنزاع المستمر منذ خمسة وثلاثين عاما لكنه بالإتجاه الآخر، أي باتجاه الحوار مع الناشطين الصحراويين الذين يُطلق عليهم مغربيا “بوليزاريو الداخل” والدفع باتجاه خلخلة المرجعية التاريخية لانفصال الصحراء عن المغرب. ومن خلال مجريات ندوة طان طان، يبدو أنه ليس من باب أفضل لهذه الخلخلة من باب.. الولي مصطفى السيد.
محمود معروف – الرباط
يتركز صراع الصحراء الغربية المستمر منذ35 عاما على أراض متنازع عليها تزيد مساحتها قليلا عن مساحة بريطانيا يقطنها أقل من نصف مليون نسمة.
تشير عدة تقارير إلى أن الصحراء الغربية منطقة غنية بالفوسفات ومن المحتمل أيضا بالنفط والغاز قبالة سواحلها.
ضم المغرب المستعمرة الاسبانية السابقة في عام 1975 ويعرض عليها الآن حكما ذاتيا، لكن جبهة البوليساريو التي خاضت حرب عصابات حتى عام 1991 تتمسك بالمطالبة بإجراء استفتاء لتقرير المصير على أن يكون الإستقلال عن المغرب أحد الخيارات المطروحة فيه.
في عام 2007، قدم المغرب والبوليساريو (التي تدعمها الجزائر) أحدث مقترحاتهما لحل النزاع لكن المفاوضات الرسمية انهارت بعد أقل من عام. وقد أخفق الجانبان في إحراز أي تقدم في محادثات غير رسمية جرت في النمسا (أغسطس 2009) وفي ولاية نيويورك (فبراير 2010).
في موفى أبريل الماضي، وافق مجلس الأمن الدولي على بقاء بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية (تعرف اختصار بـ “مينورسو”) عاما آخر (إلى 30 ابريل 2011). وتضم البعثة المؤلفة من 233 فردا مراقبين عسكريين وقوات جيش وشرطة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.