حرية التعبير في ليبيا محطّ انتقاد أمام آلية الإستعراض الدوري الشامل
تعرضت ليبيا لدى مناقشة تقريرها الأول أمام آلية "الإستعراض الدوري الشامل" لانتقادات من الدول الغربية فيما يتعلق بالحد من حرية التعبير والإختفاء القسري ومعاملة السجناء والمهاجرين غير الشرعيين، بينما تلقت تشجيعا ودعما من الدول العربية والصديقة فيما يتعلق بسياستها الاجتماعية ونظام تقاسم الثروة.
وخلال استعراض التقرير الليبي تم الإعلان من طرف الوفد الرسمي عن الإفراج عن الصحفيين المحتجزين مؤخرا في ليبيا بعد تدخل من العقيد القذافي.
وقد حضر إلى جنيف لتقديم التقرير الليبي صبيحة يوم الثلاثاء 9 نوفمبر 2010، وفد هام يتكون من ممثلين من وزارة الخارجية والعدل والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بقيادة نائب وزير الخارجية المكلف بالشؤون الأوروبية السيد عبد العاطي العبيدي.
وأثناء تقديمه لفحوى التقرير الوطني المكون من 25 صفحة، أشار السيد عبد العاطي لعبيدي الى أن “إعداد التقرير وما صاحبه من تغطية إعلامية رسمية وغير رسمية والتي تزامنت مع قيام منظمات المجتمع المدني بأعمال ذات طبيعة تثقيفي، نتج عنها حوار وطني على نطاق واسع، توجت بإطلاق سراح عدد كبير من السجناء، خصوصا من وافق على نبذ العنف كأسلوب لتسوية الخلاف والنزاع، ومن جانبها قامت الدولة الليبية بتحمل مسئوليتها والتعويض”.
“أولوية الإنتصار لحقوق الإنسان”
بعد أن عدد رئيس الوفد الليبي ما نصت عليه “الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان”، وبعد أن ذكر بالمعاهدات التي انضمت إليها ليبيا شرع في سرد كيفية تعامل ليبيا مع الآليات الخاصة لحقوق الإنسان. ومن بين الخطوات التي وصفها بـ “الإيجابية” التي اتخذتها طرابلس في مجال تحسين ملف حقوق الإنسان: “توجيه الدعوة للمقرر الخاص المعني بالحق في التعليم والمقرر الخاص المعني بالاتجار وبيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية، وتوجيه الدعوة لمنظمة العفو الدولية في 30 يونيو 2010 لزيارة ليبيا والوقوف على حقيقة أن الجماهيرية العظمى لم تقم بأي إجراءات ترحيل قسري أو إجراءات تمييزية ضد أفراد قبيلة التبو”.
ودائما حسب رئيس الوفد الليبي ونائب وزير الخارجية السيد عبد العاطي لعبيدي، فإن من العوامل التي عززت مسيرة حقوق الإنسان في ليبيا “تأسيس هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان في عام 2007… وتأسيس ما يناهز 433 من منظمات المجتمع المدني”، على حد قوله.
وإذا كانت هذه الإجراءات لا تمنع من حدوث انتهاكات أثناء التطبيق، فإن السيد عبد العاطي لعبيدي، يعتبر أن القضاء الليبي بإمكانه التصحيح ويؤكد أن “الضمانة الأساسية للحريات والحقوق تتركز في النظام القضائي الليبي بما يتمتع به من استقلال ونزاهة وحيادية”، كما جاء في كلمته.
إشادة الأصدقاء
كلمة الممثل الليبي وجدت تأكيدا ودعما من الدول الشقيقة والصديقة التي احتلت المراتب العشرين الأولى في قائمة اشتملت على 81 دولة والتي رددت بدون ملل إثنائها وتشجيعها للتجربة الليبية في مجال “تعزيز الإطار المؤسساتي” كما قالت الجزائر، أو ” الإشادة بالخصوص بالخطوات التي قطعتها الحكومة الليبية نحو تعزيز العدالة في النظام القضائي” كما قالت مصر.
وهناك من أسهب في تذكير الدول الأعضاء في آلية الاستعراض الدوري الشامل بالمعاهدات والمواثيق التي انضمت إليها ليبيا مثل وفد العراق والعربية السعودية. كما نوهت العديد من الدول بالتجربة الليبية في مجال توزيع الثروة على غرار ممثل الكويت الذي عبر عن ” أعجابه بالمبادرة الرائدة التي اتخذتها السلطات الليبية من أجل تحسين دخل الفرد لضمان العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة حيث تم حصر الأسر الموعزة وتسليمها مبلغ 30 الف دولار أمريكي من خلال صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي يستثمر ذلك ويوزع علهيا العوائد سنويا” كما جاء في كلمة ممثل الكويت.
وهذا التكتيك الذي تحسن العديد من التكتلات الجغرافية استخدامه في آلية الاستعراض الدوري الشامل والمتمثل في استغلال الحيز الزمني بكلمات التشجيع والترحيب والإشادة، أدى إلى الحيلولة دون تمكين 40 دولة طلبت الكلمة من التدخل نظرا “لضيق الوقت”.
انتقادات محرجة
الوفد اللليبي لم يواجه أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل بكلمات الترحيب والإشادة والتشجيع فحسب، بل ايضا بإثارة العديد من الدول لملفات ساخنة بعضها شغل اهتمامات الإعلام العالمي في الأيام القليلة الماضية والمتعلق باعتقال أجهزة الأمن الداخلي لحوالي عشرين صحفيا وصحفية من مؤسسة “ليبيا برس”.
فقد كان موضوع حرية التعبير والصحافة في ليبيا من المواضيع التي شددت العديد من الدول على إثارتها رغم تأكيدات تقرير الجماهيرية على أن القوانين الليبية “تكفل لكل موطن الحق في التعبير عن آرائه وأفكاره والجهر بها في المؤتمرات الشعبية وفي وسائل الإعلام المختلفة”.
وهو ما قالت الولايات المتحدة بشأنه ” أنها قلقة للحد من حرية التعبير والتجمع في ليبيا … ولكون السلطات تقوم ولأسباب سياسية بسجن العديد من الأشخاص كل سنة بسبب ممارستهم لحقهم في التعبير”.
ومن التوصيات التي تم تقديمها للسلطات الليبية في هذا الشأن، مطالبة قدمتها سويسرا “بضرورة إلغاء القوانين التي تجرم ممارسة الحق في حرية التعبير”، بينما طالبت الولايات المتحدة بضرورة ” إلغاء القوانين التي تجرم من يروج لمعلومات يتم اعتبارها مشوهة لسمعة ليبيا في الخارج بما في ذلك المادة 178 من قانون العقوبات”.
وكانت بريطانيا قد أشارت بصورة مباشرة إلى حالة الصحفيين الذين تم توقيفهم مؤخرا، مما دفع رئيس الوفد الليبي الى الإعلان امام المجلس بأنه “تم الإفراج عنهم بعد تدخل الأخ القائد” العقيد معمر القذافي.
ضرورة التحقيق في ممارسة التعذيب
ملف التعذيب في ليبيا كان محور تدخل العديد من الدول الغربية التي أشارت الى أن الادعاءات المتكررة بممارسة التعذيب داخل السجون ومراكز الاعتقال الليبية لم يتم التحقيق فيه بالشكل المرضي . وهذا ما أشارت له كندا في توصيتها بضرورة قيام السلطات الليبية” بتحقيق شامل في إدعاءات التعذيب والاختفاء القسرية والحبس التعسفي ومحاكمة وعقاب مرتكبي الانتهاكات”.
هولندا ذكّرت بان “ليبيا وعدت في عام 2008 بالقيام بتحقيق في الأحداث الخطيرة التي عرفها سجن ابو سليم”، وأوصت بضرورة “نشر نتائج تلك التحريات وإرغام جهاز الأمن الداخلي على التعاون مع أي تحقيق يتم” القيام به.
اما الولايات المتحدة الأمريكية فعبرت عن “استمرار قلقها من العديد من التقارير التي تفيد بأن رسميين مارسوا التعذيب في حق سجناء وأن بعضا من هؤلاء السجناء توفي من جراء هذه الانتهاكات”.
وقد طالبت سويسرا السلطات الليبية بوضع حد للحبس التعسفي بعد ورود تقارير عن مواصلة احتجاز أشخاص بعد تبرئتهم من قبل المحاكم. وقدمت توصية لليبيا بضرورة “تطبيق الالتزامات المتضمنة في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية بوضع حد للحبس التعسفي والتعذيب، والسماح لفريق العمل المعني بالحبس التعسفي بزيارة البلد”.
وستقوم “الترويكا” المكونة من الأرجنتين والنرويج والسنغال بتوثيق التوصيات المقدمة على أساس تحضير التوصيات النهائية بخصوص استعراض تقرير ليبيا و التي سيتم الإعلان عنها يوم الجمعة 12 نوفمبر الجاري.
من المواضيع التي تمت مناقشتها بشكل مستفيض في تقرير ليبيا أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل قضية معاملة المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء بعد التدفق الكبير الذي شهدته البلاد وبعد إبرام ليبيا لاتفاقيات مع إيطاليا والاتحاد الأوربي بخصوص وضع حد لتدفق الهجرة غير الشرعية.
وهذا ما اشارت له الولايات المتحدة في تدخلها بالتعبير عن ” القلق بخصوص المعاملة التي تخصصها ليبيا للاجئين والمهاجرين، وللتقارير التي تشير الى استمرار ليبيا في إعادة مهاجرين وطالبي لجوء بدون عرضهم على هيئة متخصصة لمعرفة مدى مصداقية طلب لجوءهم وما إذا كانوا سيتعرضون للتعذيب عند إعادتهم”.
وناشدت العديد من الدول ومن ضمنها كندا والولايات المتحدة الأمريكية السلطات الليبية بالانضمام الى معاهدة عام 1951 الخاصة بحماية اللاجئين وبتطبيع علاقاتها مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين.
وهو ما قال بشأنه رئيس الوفد الليبي السيد عبد العاطي لعبيدي أن الخلاف مع مفوضية اللاجئين مرده الى “كون المفوضية كانت مخولة بمعالجة قضايا اللاجئين الاريتريين والصوماليين وانها مددت صلاحياتها لتقديم شهادات لجوء مقابل مبالغ مالية مما اضطرنا لوقف نشاطها”. لكنه أضاف “اننا ننظر في الأمر وان تطبيع العلاقات مع مفوضية اللاجئين هو محط مشاورات حالية “.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.