“حصيلة هزيلة وتساؤلات بلا حــــدّ”
أجمعت الصحف السويسرية الصادرة صباح الإثنين 2 يوليو على عرض التضارب في تفسير قرارات اجتماع جنيف حول سوريا، متكهنة بتصعيد أكيد في المواجهة بعد تجنب الفصل في عملية إقصاء الأسد، كما تطرقت إلى الجدل القائم بخصوص ظهور صور لقنابل سويسرية الصنع تستخدمها المعارضة السورية.
تناولت الصحف السويسرية الصادرة يوم الاثنين بإسهاب تحليل نتائج الاجتماع الذي دعا إليه مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان يوم السبت 30 يونيو 2012 في جنيف لتوحيد المواقف بخصوص كيفية حل الصراع السوري.
غموض وتأويلات متضاربة
صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في زيورخ) تطرقت للموضوع تحت عنوان “الفرصة الأخيرة في جنيف” أشار فيه مارتين فوكر إلى أن “الجهود التي بُذلت في جنيف من أجل التوصل الى حل دبلوماسي للصراع السوري، سمحت بإصدار وثيقة نهائية، ولكنها سوف لن تكون لها اية تأثيرات على الساحة على المدى القريب، لأن الاجتماع الوزاري لم يتمكن من تجاوز الخلافات مثلما كان متوقعا”.
صحيفة تاغس انتسايغر (تصدر أيضا بالألمانية في زيورخ) ترى من جهتها في مقالة كتبها يان ديرك هيبرمان تحت عنوان “قائمة متمنيات بخصوص سوريا في جنيف” أن “المبادئ والخطوط العريضة التي تم تحديدها في جنيف بقيت غامضة وعامة”. ويشير الكاتب إلى أن عددا من الدبلوماسيين اعتبروها مجرد “قائمة أماني لا أكثر، وحتى المعارضة السورية لم تخف استيائها”.
كاتب المقال تساءل بشأن الغموض السائد حول النقاط الأساسية في البيان الختامي الصادر عن الإجتماع من قبيل “كيف يمكن تشكيل الحكومة الإنتقالية؟ وما هو مصير الرئيس المكروه؟”، كما تساءل بخصوص “عدم تحديد جدول زمني للفترة الإنتقالية”. وفي هذا الصدد يشير إلى أنه “حتى ولو أن كوفي أنان تحدث عن سنة، فإن الرئيس الأسد لا يُبدي أي استعجال للتخلي عن منصبه”. وانتهى كاتب المقال إلى أن “دبلوماسيين يبدون تخوفا من أن يكون مصير بيان مؤتمر جنيف مشابها لمصير مخطط كوفي أنان، وأن تتحول مبادرة حل الحرب الأهلية في سوريا إلى فشل”.
نفس الخلاصة وردت في مقال حرره اندرياس زاور في صحيفة برنر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في برن)، إذ يقول” قد يبدو البيان الختامي المكون من 5 صفحات وثيقة مقبولة، ولكن يكفي أن نلقي نظرة الى الحضور لندرك أنه مجرد سراب، إذ لم يشارك لا النظام السوري ولا المعارضة ولا إيران ولا العربية السعودية. يٌضاف الى ذلك أن كل مشارك من الحاضرين يقدم تأويلا متضاربا عن النتائج” التي تمخضت عن اجتماع جنيف.
“أتعس بيان” بخصوص الوضع في سوريا
في سياق متصل، خصصت العديد من الصحف حيزا وافرا لردود فعل المعارضة السورية بخصوص قرارات اجتماع جنيف. إذ اوردت ساندرا مورو في صحيفة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) تحت عنوان “الإتفاق الذي لا يترك إلا آمالا ضئيلة بالنسبة لسوريا” ردود فعل المعارضة، اتسم بعضها بالإعتدال على لسان السيدة بسمة قضماني الناطقة باسم المجلس الوطني السوري التي ترى أنه توجد في البيان “بعض النقاط الايجابية”، والبعض الآخر بالسلبية مثلما ورد على لسان برهان غليون الرئيس السابق لنفس المجلس الذي لم يتردد في اعتباره “أتعس بيان يصدر عن القضية السورية منذ بدايتها”.
صحيفة سانت غاللر تاغبلات (تصدر بالألمانية في سانت غالن) تطرقت للموضوع بقلم ميخائيل فراز تحت عنوان “صفعة في الوجه” مستعرضة التضارب في تقييم نتائج الإجتماع بين وزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون التي اعتبرت أن البيان “يتضمن إشارة الى رحيل الأسد”، بينما ترى فيه المعارضة السورية “صفعة في الوج. وبالإستناد إلى أقوال أحد المتحدثين باسم المعارضة، يؤكد كاتب المقال أن “المشكلة لا تكمن في بشار الأسد وحده، لأن النظام الذي أقامه والده لا يمكن التفاهم معه من أجل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وهذا ما يمثل حجر العثرة”.
صحيفة لونوفيليست (تصدر بالفرنسية في سيون) أوردت من جهتها تصريحات المعارض السوري هيثم المالح الذي يرى بأن قرارات اجتماع جنيف “ليست سوى مضيعة للوقت” واعدا بعدم الجلوس الى طاولة مفاوضات مع الرئيس الأسد أو مع اعضاء من نظامه “القاتل”. واستنادا إلى تصريحات هيثم المالح، توصلت الجريدة إلى أن “اتفاق جنيف ليست له أي قيمة على الأرض”.
صحيفة سانت غاللر تاغبلات اهتمت أيضا بالإنتقادات التي وجّهتها المعارضة السورية إلى الموقف الروسي أثناء مفاوضات جنيف. وحسب ميخائيل فراز، فإن المعارضة السورية تعتبر أن ما قامت به الدبلوماسية الروسية في جنيف “عمل مُقرف”، بل ترى لجان التنسيق المحلية أن الإتفاق “سيُعطى لعصابات الأسد مرة أخرى فرصة لربح الوقت من أجل القضاء على الثورة”. ولفت كاتب المقال إلى أن هذا هو ما سبق أن “تكهن به الرئيس السوري قبل اجتماع جنيف من خلال حديثه مع التلفزيون الإيراني حيث توعّد بالقضاء على المقاومة المسلحة”.
قنابل سويسرية الصنع؟
إلى جانب الإهتمام بالنتائج المترتبة عن اجتماع جنيف، تطرقت معظم الصحف السويسرية إلى الجدل الذي أثير في الكنفدرالية في أعقاب نشر صحف في عطلة نهاية الأسبوع لأخبار تفيد بأن المعارضة السورية قد تكون بصدد استخدام قنابل سويسرية الصنع.
وجاء في مقال كتبه توماس كنيللفولف في صحيفة تاغس انتسايغر حول الموضوع أن “شركة رواغ Ruag(السويسرية لصناعة الأسلحة) أكدت بأن القنبلة التي ظهرت في إحدى الصور التي يُقال انها التقطت في سوريا، هي لقنبلة هجومية من صنع الشركة، من طراز OHG92”. وأوردت الصحيفة استنادا إلى جيري باوكرت، المتحدث باسم شركة رواغ أن “أسلحة من هذا الصنف لم تُصدّر أبدا من سويسرا إلى سوريا”.
وأمام رفض الناطق باسم الشركة الافصاح عن الجهات التي تم تصدير هذه القنابل لها، تساءلت الصحيفة “من هي الجهة التي مررت القنابل للثوار السوريين منتهكة بذلك الحظر” المفروض عليها، لكنها أجابت في الوقت نفسه بأن “إلقاء نظرة الى إحصائيات صادرات الأسلحة السويسرية يدفع الى إثارة شكوك حول دولة الإمارات العربية المتحدة”.
في السياق نفسه، أشارت تاغس انتسايغر إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة استوردت في عام 2004 ما قيمته 8 ملايين من الفرنكات، وفي عام 2003 ما قيمته 13 مليون فرنك من العتاد الحربي من فئة KM 4 (والذي تدخل في إطاره عدة أنواع من القنابل بما في ذلك القنبلة المشار إليها والتي تحمل رقم SM 6-03 1، علما بأن 03 يتضمن إشارة إلى سنة الإنتاج). ومن دول المنطقة، هناك أيضا سلطنة عُمان التى استوردت قنابل من هذا النوع ببضعة آلاف من الفرنكات حسن فرنك حسب الصحيفة التي انتهت إلى أن “كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية المسؤولة عن مراقبة تصدير الأسلحة تدرس حاليا ما إذا حدث انتهاك للقانون السويسري الذي يحظر تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاعات”.
في الوقت نفسه، ترى تاغس أنتسايغر أن الشكوك يُمكن أن تتجه أيضا إلى العديد من الدول الأوروبية على أساس اعتبارها من الوسطاء المُحتملين لعمليات تصدير غير مشروعة لتلك القنابلن، لكنها عادت للتأكيد في نفس الوقت على أنه إذا اتضح أن دولة الإمارات هي التي قامت بذلك فستكون المرة الثانية التي تتورط فيها في عدم احترام تعهداتها، بعد أن أقدمت في عام 2005 على إعادة تصدير اسلحة إلى المغرب الأقصى كانت قد تعهدت بعدم تصديرها.
وهذا ما دفع صحيفة برنر تسايتونغ إلى التأكيد على أنه “إذا ما اتضحت صحة استخدام قنابل سويسرية الصنع في الصراع السوري فإن ذلك لن يعمل إلا على توضيح كثرة القوى المُورّطة فيه سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة ، بعلمها أو بدون علمها”. وانتهت الصحيفة في المقال الذي كتبه أندرياس زاور إلى أن “الصراع الذي بدأ في مارس 2011 كانتفاضة محلية قد تحول منذ مدة إلى حرب أهلية ممتدة الأطراف وإلى حرب بالوكالة”.
اعلن المجلس الوطني السوري المعارض مساء الاحد انه كان يأمل من مؤتمر جنيف الدولي الذي انعقد مساء السبت 30 يونيو 2012 “تحركا اكثر جدية وفاعلية في التعامل مع النظام السوري” واصفا ما توصل اليه هذا المؤتمر بانه يفتقر الى “آلية واضحة للعمل”.
وجاء في بيان رسمي صادر عن المجلس غداة دعوة مؤتمر جنيف الى تشكيل حكومة انتقالية في سوريا تضم ممثلين للمعارضة والنظام “لقد امل الشعب السوري من المجتمع الدولي تحركا اكثر جدية وفاعلية في التعامل مع النظام بعد ان اتضح سلوكه الدموي”.
وبعد ان اعرب بيان المجلس الوطني عن التقدير ل”جهود الدول الصديقة للشعب السوري وسعيها الدؤوب لان تدخل سوريا مرحلة انتقالية بعد تنحي رأس النظام ومن تلطخت ايديهم بدماء السوريين”، رأى ان “اعلان جنيف بدا مفتقرا الى آلية واضحة للعمل وجدول زمني للتنفيذ وترك النظام دون مساءلة مما ينذر بسفك دماء عشرات الالاف”.
وينص الاتفاق الذي تم التوصل اليه في جنيف بشكل خاص على ان الحكومة الانتقالية يمكن ان تضم اعضاء من الحكومة الحالية، كما اعلن مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان مبديا شكوكه في ان يختار السوريون اشخاصا “ملطخة ايديهم بالدماء”.
واعتبر البيان انه “بات جليا ان اي مبادرة لا يمكن ان تجد طريقها الى التنفيذ ما لم تتمتع بقوة الزام دولية ويتبناها مجلس الامن وفق الفصل السابع بما يفرض عقوبات صارمة على النظام ان واصل القتل والابادة”.
واكد المجلس الوطني السوري ان “اي مبادرة لا يمكن أن تحوز على رضى الشعب السوري ما لم تتضمن صراحة تنحي بشار الأسد والطغمة المحيطة به، وأن سوريا الجديدة ستكون على قطيعة كاملة مع الاستبداد والفساد، وأن دماء الشهداء ستكون نبراسا لنا لمواصلة الكفاح من أجل استرداد حرية شعبنا وكرامته”.
وقبل صدور هذا الموقف الرسمي عن المجلس الوطني كانت المتحدثة باسمه بسمة قضماني اعتبرت ان البيان الختامي لاجتماع جنيف يتضمن “بعض العناصر الايجابية” رغم ان الخطة بمجملها “غامضة جدا”.
في حين اعتبر الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري وعضو مكتبه التنفيذي برهان غليون ان ما “حصل في جنيف كان مهزلة بالمعنى الحرفي للكلمة قبل فيها اعضاء مجلس الامن الاملاء الروسي وتخلوا عن واجبهم تجاه الشعب السوري وتركوه وحيدا امام جلاديه”.
( المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 1 يوليو 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.