دافوس بين جمال الأقوال وصعوبات التنفيذ
طغت الاضطرابات المالية على أعمال الدورة الـ 38 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، على خلفية التحديات المرتبطة بتغير المناخ وإمدادات المياه والفقر والنزاعات الكبرى.
وفي تقييمها لحصيلة هذه التظاهرة، أبرزت الصحافة السويسرية الصادرة صبيحة الإثنين 28 يناير مُجددا الفجوة بين الأقوال الجميلة وصعوبات تنفيذها على نحو فعال في الحياة اليومية.
بعد خمسة أيام ملأت فيها صفحات كاملة بالتقارير والحوارات والتحليلات من كل صنف ونوع لمناقشات منتدى دافوس حول قضايا الساعة والمشاكل الكبرى للعالم، بدت الصحافة السويسرية يوم الإثنين وكأنها أصيبت بـالغثيان جراء تناولها لجرعات “دافوسية” قوية، فكانت تعليقاتها على حصيلة أعمال المنتدى بخيلة نوما ما، وكأنها بدأت تتساءل بالفعل عما ستجلبه الدورة الـ39.
“بينما عاد الهدوء إلى المنتجع (…) سيتساءل أكثر من مراقب خارجي مرة أخرى عما قدمته تلك الأيام الخمسة (…) ليستنتج أنها لم تعط الشيء الكثير”.
جاء هذا الاستنتاج المحفوف بالشك في صحيفة “سودوستشفايز” (تصدر في مدينة خور بالألمانية) التي تعتبر أن المنتدى الاقتصادي هو، وسيظل، مجرد “ناد للمناقشة، لكن ذي مستوى عال بطبيعة الحال. لا أكثر ولا أقل”.
فقدان المصداقية
صحيفة “لا ليبرتي”، أثارت “أجواء قاتمة بالأحرى” حيث اعتبرت أن الأزمة المالية والسؤال الكبير عما إذا كانت الولايات المتحدة قد دخلت أم لا في مرحلة انكماش اقتصادي، قد “طغت بعض الشيء” على شعار دورة 2008 الذي بشر بـ “قوة الابتكار التعاوني”.
وتابعت الصحيفة التي تصدر في فريبورغ بالفرنسية”إن هذه الصدمات الكهربائية يـُحتسب لها على الأقل التسبب في إيقاظ الضمائر وتمسك “فقاعة دافوس” بالواقع”.
وفي رده على أسئلة “لا ليبرتي”، أعرب أستاذ الاقتصاد السياسي في المعهد الدولي للتطوير الإداري في لوزان (IMD)، جون بيير ليمان، عن الأسف عن طغيان نوع من “الاستقامة السياسية” على النقاشات؛ إذ نوه إلى عدم تطرق الدورة إلى مواضيع هامة مثل الوضع المتفجر في أفغانستان وكازاخستان وفي كافة أرجاء آسيا الوسطى. وقال في هذا السياق: “عدم الحديث عن هذه القضايا في دافوس يعني فقدان قدر من المصداقية”.
اهتزازات مالية
من جانبهما، لاحظت صحيفتا “لا تريبون دو جنيف” (جنيف، بالفرنسية) و”فانت كاتر أور” (لوزان، بالفرنسية) أنه تم بالفعل الحديث في دافوس عن الفقر وانتشار الأوبئة وظاهرة الاحتباس الحراري، لكنهما شددتا على أن المنتدى كان أساسا “صندوق رنين (…) للأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة وللنظام المالي الذي دخل في دوامة خطيرة.”
أما صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة في زيورخ بالألمانية، فلاحظت “توافقا عالميا حول حجم الأزمة وسبل معالجتها”. لكن بين الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين “شعرنا بفرق واضح جدا بين “نحن” و”أنتم”.
وإذا كانت دورة 2008 قد تميزت باضطرابات أسواق الأسهم المالية والإعلان عن كارثة فقدان “الشركة العامة الفرنسية” لـ8 مليار فرنك، فإن صحيفة “بوند” اعتبرت أن كل هذه الأحداث أثبت بصورة رئيسية “التسارع الكبير لعولمة الاقتصاد العالمي”.
وفي حصيلة نشرتها بعد يوم السبت، أعربت صحيفة “لوتون” عن اعتقادها أن ما كان “أكثر وضوحا” هذا العام هو “انزلاق السلطة العالمية لصالح الاقتصادات الصاعدة والبلدان المنتجة للمواد الخام”؛ وهو بمثابة “إعادة توزيع ضخم للأوراق”، و”ترابط يزداد كثافة بين جهات فاعلة غير متساوية أكثر فأكثر، ويتطلب أدوات جديدة للعمل والحوار”.
واستنتجت الصحيفة (التي تصدر في جنيف بالفرنسية) أن مؤسسات القرن العشرين قد ماتت بالفعل في دافوس، “لكن مازال التساؤل قائما حول كيفية بناء القرن الحادي والعشرين”.
تفاؤل هنا وتشاؤم هناك
وحسب صحيفتا “لا تريبون دو جنيف” و”فانت كاتر أور”، يظل أحد أبرز المشاركين تفاؤلا وإيجابا من ضمن 2500 ضيفا (من بينهم أكثر من 1000 مدير عام لشركات كبيرة) رئيس المعهد الفدرالي التقني العالي في لوزان، باتريك إيبيشر الذي قال: “إذا لم يكن المنتدى موجودا، لوجب اختراعه”.
وبنفس النبرة الإيجابية، كتبت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” أن الأزمة المالية لم تطغ تماما على مشاكل العالم الكبرى، وأن “التبادل هو الأهم، ليس الفرجة. وطالما ظل هذا الحال قائما، فإن روح دافوس ستبقى على قيد الحياة”.
لكن “بازلر تسايتونغ” لا تتفق مع هذا الطرح، وتلاحظ أن هنالك “الكلمات الكبيرة في الداخل ودوريات طائرات الهيلكوبتر في الخارج”. وأضافت أن دافوس دخل بعد التاريخ القديم، متسائلة إن كان سيتم الإيفاءُ بالوعود “لكن من دون أمل كبير”. وبعيدا عن التمسك بالأوهام، اختتمت الصحيفة (الصادرة في بازل بالألمانية) استنتاجاتها بالقول: “لا داعي للهلع، سوف يستجيب الجميع لنداء دافوس القادم للحديث عما يجب القيام به لإنقاذ العالم”.
كان توقيع اتفاق تبادل حر مع كندا ومناقشة اتفاق مماثل مع الهند من أبرز النتائج الملموسة للقاءات التي أجراها الوزراء السويسريون في الدورة الـ 38 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (من 23 إلى 27 يناير 2008).
إبرام الاتفاق مع كندا، الذي انطلقت المفاوضات حوله منذ عام 1997، تم في إطار الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر “إيفتا” التي تضم، إلى جانب سويسرا، كلا من النرويج وإيسلندا وإمارة الليختنشتاين. وقد وقعت وزيرة الاقتصاد السويسرية دوريس لويتهارد بالأحرف الأولى نص الاتفاق مع نظيرها الكندي دافيد إيميرسون، على هامش منتدى دافوس.
كما أطلقت الرابطة الأوروبية للتبادل الحر يوم السبت 26 يناير مفاوضات تهدف إلى توقيع اتفاق مماثل مع الهند. وأجرى أعضاء من الرابطة بقيادة دوريس لويتهارد لهذا الغرض لقاءا في دافوس مع وزير التجارة الهندي كمال نات.
وفيما يخص جولة الدوحة التي تقودها منظمة التجارة العالمية، بدت لويتهارد واثقة نسبيا يوم السبت الماضي، في ختام لقاء مع حوالي 20 وزيرا من البلدان الصناعية والبلدان النامية. فقد أكدت الوزيرة أنها شعرت بإرادة سياسية قوية من طرف محاوريها لاختتام جولة الدوحة قبل نهاية العام الجاري. وقالت “إن الازمة الاقتصادية الحالية هي الوقت المناسب. فمن المهم اعطاء إشارة استقرار للعالم الاقتصادي”. كما أعلنت عن احتمال انعقاد مؤتمر وزاري في أبريل القادم في جنيف.
من جانبه، قاد رئيس الكنفدرالية لعام 2008، باسكال كوشبان، ماراتونا حقيقيا للقاءات الثنائية. وذكر أن سويسرا “قوة اقتصادية عالمية” ومكان لقاءات دولية ونموذج للتعايش، لكن لها نقاط ضعف أيضا.
ومن أبرز تصريحاته: “أقول دائما إننا لا نتوفر على حاملات طائرات. فالرئيس الأفغاني حميد قرضاي قال لي مثلا أنه بإمكان سويسرا مساعدة بلاده على تعزيز المسار الديمقراطي والتربية، لكن من الواضح أننا لا ننتمي إلى الفاعلين الحاسمين في المنطقة”.
ومع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، أثار السيد كوشبان “اعتراف” جيله بالدور الذي قامت به الولايات المتحدة في أوروبا، وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية.
أما وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري، فأثارت مع الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي في زيورخ على هامش منتدى دافوس مسألة الرهائن في كولومبيا.
وقد طلب الرئيس أوريبي من سويسرا استئناف دور “المُسهل” في مجموعة البلدان الثلاثة (سويسرا وفرنسا وإسبانيا) بهدف التوصل إلى اتفاق إنساني مع القوات المسلحة الثورية في كولومبيا.
جرد أندري شنايدر، مدير المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس حصيلة إيجابية للدورة الثامنة والثلاثين في ختامها يوم الأحد 27 يناير الجاري.
دعت شخصيات مثل رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى تجديد الجهود ضد الفقر. فيما عرض رئيس الوزراء الياباني ياسوو فوكودا صندوقا بـ10 مليار دولار لمكافحة التغيير المناخي.
أما قوات الأمن السويسرية، فلم تواجه هذا العام مواقف ساخنة، خاصة أن مظاهرة السبت 26 يناير التي شارك فيها حوالي 100 شخص في منتجع دافوس لم تشهد أي مواجهات.
(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.