ريتشارد فولك: “نوع جديد من الجرائم ضد الإنسانية” ارتكبت في الحرب على غزة
طالب المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان بتسجيل ما ارتكبته إسرائيل في غزة "كنوع جديد من الجرائم ضد الإنسانية"، ودعا إلى إجراء تحقيق دولي مستقل، معيدا للأذهان حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. وإذا كانت غالبية الدول قد طالبت المجلس بالتحرك لتفعيل قراراته المتكررة بدون أن تبالي بها إسرائيل، فإن ممثل الولايات المتحدة استمر في الحديث عن "تقرير غير متوازن".
من استمع للمقرر الأممي الخاص المكلف بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أثناء عرض تقريره يوم الاثنين 23 مارس، أمام مجلس حقوق الإنسان، يعيد اكتشاف عبارات تكاد تكون قد حذفت من خطاب الأمم المتحدة منذ مدة مثل “حق الشعب الواقع تحت الاحتلال للدفاع عن نفسه ضد القوة المحتلة”.
فقد استغرق النقاش المخصص للبند المتعلق بمناقشة مجلس حقوق الإنسان لوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من يوم استمع خلاله لتقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ولتقرير المقرر الخاص المكلف بالأراضي المحتلة من قبل إسرائيل ريتشارد فولك، وتقرير مشترك لعدد من الآليات الخاصة لحقوق الإنسان.
كل هذه التقارير ركزت على الأوضاع التي يعاني منها الفلسطينيون تحت الاحتلال عموما والأوضاع بالخصوص في قطاع غزة بعد الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد سكان القطاع ما بين 27 ديسمبر 2008 و 20 فبراير 2009 والتي خلفت أكثر من 1400 قتيل و5900 جريح أغلبهم من المدنيين.
الاكتفاء بالتعبير عن الأسف
تقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان الذي أسهب في التعرض لمعاناة النساء الفلسطينيات الحوامل في نقاط العبور، عبر عن “القلق العميق لكون الحد من حرية التنقل في الضفة الغربية يحرم النساء الفلسطينيات من الاستفادة من الرعاية الصحية قبل وبعد الوضع”.
وفيما يتعلق بالأوضاع عقب الحرب التي خاضتها إسرائيل في قطاع غزة (من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009)، فقد أشارت المفوضة السامية نافانيتيم بيلاي في تقريرها، إلى قرار الأمين العام للأمم المتحدة القاضي بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة يان مارتين. وهي اللجنة التي قالت إنها ستُصدر تقريرها لاحقا بعد التحقيق في عدد من الانتهاكات التي تشمل حسبها “إطلاق الصواريخ بشكل عشوائي ضد المدنيين في إسرائيل، والقصف الإسرائيلي بدون تمييز بين المدنيين والعسكريين وبين أهداف عسكرية وأخرى مدنية”.
أما فيما يتعلق باللجنة السابقة التي أقرها مجلس حقوق الإنسان في دورته الخاصة للتحقيق في أحداث بيت حانون في عام 2006 والتي ذهب ضحيتها 19 مدنيا أغلبهم من عائلة واحدة، اكتفت المفوضة السامية بالتعبير “عن الأسف لكون كل توصيات هذه البعثة لم يطبق منها أي بند لحد اليوم”.
“جرائم حرب” و “جرائم جديدة ضد الإنسانية”
أما المقرر الخاص المكلف بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، الأمريكي ريتشارد فولك الذي اعتقل في إسرائيل أثناء محاولة قيامه بمهمته الأممية في 14 نوفمبر 2008 وتم طرده للولايات المتحدة في سابقة من نوعها يتعرض لها مقرر خاص أثناء تأدية مهامه، فقد تطرق لهذا الموضوع في مستهل تقريره. إذ أشار السيد فولك إلى “ضرورة وضع حد لهذه السابقة في كيفية التعامل مع ممثلين أمميين ومع الأمم المتحدة في حد ذاتها”. ومن بين ما يقترحه في هذا الإطار ضرورة “طلب رأي محكمة العدل الدولية في كيفية التعامل مع الحصانة المخولة لموظفي الأمم المتحدة حتى لا يتكرر مثل ذلك في المستقبل القريب”.
أما فيما يتعلق بمعاناة الفلسطينيين فقد ذكر المقرر الخاص أمام مجلس حقوق الإنسان بأن “فلسطينيا من سكان غزة من بين 225 إما قتل أو أصيب بجروح في حرب غزة”. وبما أن عدد القتلى والجرحى الفلسطينيين يفوق بخمس مرات عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين فقد توصل الى خاتمة مفادها “أن إسرائيل لم تتصرف بشكل يفرق بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية”.
وفي تقريره المرفوع لمجلس حقوق الإنسان أوضح المقرر الخاص بأن المسالة القانونية التي على لجنة تحقيق مستقلة ان توضحها “هي ما إذا كان في الظروف التي يعرفها قطاع غزة، يمكن التفريق بوضوح بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية”. ويرى ريتشارد فولك أنه “إذا كانت الإجابة بلا، فإن القيام بهجوم يعتبر غير شرعي وقد يكون بمثابة جريمة حرب ذات أبعاد كبرى من منظور القانون الدولي”.
أما استعمال إسرائيل لترسانة من الأسلحة في حرب غزة من “طائرات اف 16 وطائرات اباشي العمودية وقنابل فوسفور ابيض وغيرها من الأسلحة ضد منطقة سكنية مكتظة بها أكثر من 1،5 مليون من السكان العزل، ومنع السكان من حق الفرار من مناطق القصف” يعتبر في نظر المقرر الخاص “نوعا جديدا من جرائم ضد الإنسانية ويجب أن يُعترف بحظره” من قبل القانون الدولي.
حقائق قلما ذُكـرت في تقارير أممية
المقرر الخاص المكلف بملف حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ذكر في تقريره بحقائق تكاد تكون قد اختفت من مداولات المحافل الأممية عند التطرق للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فقد ردد ريتشارد فولك سواء أمام مجلس حقوق الإنسان أو أمام الصحافة الدولية أو في تقريره بأن الجانب الذي كان ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار في أغلب الحالات هي إسرائيل إذ بالاستناد الى مصادر إسرائيلية قال: “إن في 79% من حالات انتهاك الهدنة كانت إسرائيل هي البادئة ولم تعمل حماس إلا على الرد”.
أما فيما يتعلق بتمديد الهدنة فأشار ريتشارد فولك لتصريحات خالد مشعل لصحيفة الغارديان عن رغبة حماس في تمديد الهدنة بعد الانتهاء.
ويعتبر ريتشارد فولك من المسؤولين الأمميين القلائل الذين ما فتئوا يُذكّـرُون بحق الشعب المحتل في الدفاع عن نفسه ضد الاحتلال بموجب ميثاق الأمم المتحدة. وفي ذلك إشارة الى التفريق بين الإرهاب وبين الدفاع كحق مشروع ضد الاحتلال.
عبارات عنصرية
ومن المسائل المثيرة التي وجدت صدى في النقاش الذي أعقب تقديم التقرير، إشارة المقرر الخاص السيد ريتشارد فولك إلى “ما وُجد من عبارات عنصرية مكتوبة على جدران المنازل الفلسطينية، والتصرفات الانتقامية المتمثلة في تبول وتبرز الجنود الإسرائيليين في بيوت الفلسطينيين رغم وجود مراحيض بها”.
ومن العبارات التي كتبها الجنود الإسرائيليون على جدارن منازل غزة، وأوردها المقرر الخاص في خطابه أمام مجلس حقوق الإنسان: “الموت لكم جميعا”، “الحرب بدل السلم”، “الموت للعرب”، “سيأتي يوم نقتل فيه كل العرب”، “العربي الجيد هو العربي الميت”، “السلم الآن بين اليهود واليهود وليس بين اليهود والعرب”.
وفيما أثار ممثلو عدد من الدول العربية والإسلامية في تدخلاتهم موضوع “اعتراف جنود إسرائيليين بأنهم تلقوا أوامر باستهداف المدنيين”، اقتصر تدخل الدول الغربية في النقاش على تشيكيا باسم الاتحاد الأوروبي حيث شكك مندوبها في المجلس “في توازن مهمة المقرر الخاص المتمثلة في التحقيق في تصرفات إسرائيل وحدها”.
وفي تدخل الولايات المتحدة، أعاد المندوب الأمريكي انتقاد “عدم توازن مهمة المقرر الخاص”، مضيفا بأن “التقرير يجلب الانتباه للانتهاكات الإسرائيلية المزعومة من وجهة نظر القانون الدولي ولا يشير الى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
سويسرا في تدخلها أمام مجلس حقوق الإنسان في نقاش البند الخاص بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة شددت على لسان سفيرها دانتي مارتينالي، على ضرورة القيام بتحقيق فيما حدث في غزة.
إذ بعد أن تطرق السفير السويسري لأوضاع المدنيين أثناء الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة ، وبالأخص الأطفال والنساء، طالب بضرورة “شرح أسباب حدوث ضحايا أكثر في صفوف المدنيين”.
وفي ما يتعلق بضرورة التحقيق فيما جرى في غزة أوضح السفير السويسري بانه “لا الصمت ولا الإفلات من العقاب يعتبران ردا على ما حدث، بل إن القيام بتحقيق دولي في كل الادعاءات المتعلقة بانتهاك القانون الدولي من هذا الطرف أو ذاك هو وحده الكفيل بتوضيح الأمور”. واختتم السفير السويسري “هذا هو واجبنا تجاه الضحايا ايا كان أصلهم أو جنسيتهم. ولا يمكننا ترك السكان المدنيين لحالهم أمام مشاكلهم لأن المجموعة الدولية اختارت نظام الكيل بمكيالين”.
وبعد أن طالب بضرورة فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية ولإعادة إعمار قطاع غزة ذكّر السفير السويسري بان “سياسة إقامة المستوطنات المنتهكة للقانون الانساني الدولي، تعتبر مصدر قلق بالنسبة لبلدي، وتعتبر انتهاكا للإلتزامات التي قطعتها إسرائيل بموجب اتفاقية خارطة الطريق”.
كما عبر عن قلق سويسرا بخصوص “الإدعاءات المتعلقة بلجوء السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزة الى الاعتقال التعسفي وسوء والمعاملة وفي بعض الحالات القيام بعمليات إعدام خارج القانون”. وطالب جميع الأطراف “بالإيفاء بالتزاماتها واحترام القانون الدولي”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.