مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سويسرا أعطت دفعا إضافيا لقضية حقوق الإنسان”

Keystone/Luca Zanier

بمناسبة مرور عشرة أعوام على انضمام سويسرا إلى منظمة الأمم المتحدة، يسلط الدكتور حسني عبيدي، المحلل السياسي ومدير معهد بحوث العالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط التابع لجامعة جنيف، في حديث خاص إلى swissinfo.ch الأضواء على حصيلة عمل الدبلوماسية السويسرية كما يحدد نقاط القوة والضعف فيها.

وتوفر مناسبة الإحتفال هذه الأيام بمرور عشرة أعوام كاملة على انضمام الكنفدرالية إلى المنتظم الأممي بعد طول انتظار فرصة ملائمة لاستعراض أهم النشاطات والمبادرات التي قامت بها سويسرا في مختلف الميادين، السياسية والحقوقية والقانونية والبيئية، وتقصي أوجه التشابه والإختلاف بين النهج الذي كانت تسلكه زيرة الخارجية الاشتراكية السابقة ميشلين كالمي – ري، والتوجهات الحالية لخلفها الوزير اليميني ديديي بوركالتر.

swissinfo.ch: تابعتم، بوصفكم مدير مركز أبحاث في جنيف، نشاطات الدبلوماسية السويسرية طوال العشرة أعوام الماضية التي تلت انضمام سويسرا الى منظمة الأمم المتحدة. كيف يمكن تقييم هذا الأداء بصورة عامة في مختلف الميادين؟

حسني عبيدي: يمكن القول أنه، بحكم حداثة عهد الإنضمام إلى منظمة الأمم المتحدة، فإن سويسرا استطاعت تحقيق الكثير من النجاحات، مقارنة مع دول أخرى لها فترة عضوية أقدم . ويمكن القول أيضا، أن سويسرا تملك أوراقا رابحة ساعدتها في ذلك. أولا، كونها تحتضن في جنيف المقر الثاني لمنظومة الأمم المتحدة، وهذا القرب ساعد في جعل نشاطات سويسرا أكثر بروزا ووضوحا.

وقد كانت سويسرا حتى قبل انضمامها، أكثر قربا من نشاطات الأمم المتحدة، بل يمكن القول أنها كانت تسير في خطىً موازية لخُـطى المنظمات الأممية، سواء في مجال حقوق الإنسان أو في مجالات أخرى، وذلك لكي تكون جاهزة في الوقت الذي تصبح فيه عضويتها كاملة.

لو أردنا تحديد قطاع اجتهدت فيه سويسرا أكثر من غيره بعد حصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ماذا سيكون؟

حسني عبيدي: أعتقد أن القيمة المضافة لسويسرا، هي دبلوماسيتها المتعددة الأطراف. فقد كانت مُجبرة (في السابق) بحكم عدم عضويتها في الأمم المتحدة، على تنويع علاقاتها والعمل على عدة مستويات. ولكن بعد عضويتها، أصبحت قادرة على الوصول إلى كل هذه الدول تحت نفس السقف. إذن لديها خبرة في العلاقات المتعددة الأطراف.

والعنصر الثاني، الذي تتميز فيه سويسرا، هو مجال القانون، سواء القانون الدولي أو القانون الإنساني الدولي، وذلك بحكم حيادها ولكونها البلد الراعي لمعاهدات جنيف. فسويسرا وجدت في هذه العضوية فرصة للترويج أكثر لتجربتها وخبرتها في مجال القانون.

كما يمكن القول، بدون مبالغة، بأن سويسرا استطاعت نزع الغبار عن مجال حقوق الإنسان. فقد أصبحت حقوق الإنسان في مرحلة من المراحل، رهينة خلافات، تارة بين الشرق والغرب، وتارة أخرى بين الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان والدول التي تدافع عن احترامها. فقد استطاعت سويسرا أن تجعل من حقوق الإنسان، أولوية على طاولة النقاش وحاولت نزع طابع التسييس عنه، وهنا تكمن نقاط الخلاف. فقد عملت من خلال فكرة إنشاء مجلس حقوق الإنسان، على إعطاء دفع إضافي لقضية حقوق الإنسان، لكي تصبح محط اهتمام طوال السنة. وهذا ما أعتقد أنها نجحت في تحقيقه.

ولكن، إذا كانت سويسرا قد نجحت في تأسيس مجلس لحقوق الإنسان مكان اللجنة السابقة، فإنها لم تفلح في نظر العديد من المراقبين، في تجاوز الجدل السياسي الذي كان السبب وراء نهاية لجنة حقوق الإنسان والذي أفقدها مصداقيتها؟

حسني عبيدي: صحيح أن سويسرا اكتشفت من حيث لا تعلم، بأن ملف حقوق الإنسان ليس فقط ملفا بالغ الحساسية، بل ايضا ملفا بالغ التسييس وأن مجال المناورة فيه محدود للغاية. ويجب أن لا نتغافل عن أن قيام هذا المجلس، تزامن مع رئاسة الدبلوماسية السويسرية من قبل سيدة كانت هي الدافع لذلك. وفي المجال الدبلوماسي، يجب أن نفرق بين أمرين: القيام بنشاط والتظاهر بالقيام بنشاط.

وأعتقد بأن وزيرة الخارجية آنذاك ميشلين كالمي – ري، كانت واعية بأن الوسائل المتاحة أمام سويسرا لفرض احترام معايير حقوق الإنسان، متواضعة في مواجهة القوى العظمى. لذلك، فضلت انتهاج دبلوماسية علنية أو ما نطلق عليه عبارة “التظاهر بالقيام بنشاط”، من خلال إعطاء الإنطباع بأن سويسرا تشدد على احترام حقوق الإنسان، كوسيلة للتفاوض أو في الحوار مع الصينيين وغيرهم. ولكنها كانت واعية في نهاية المطاف، بأن سويسرا لا يمكنها أن تذهب إلى أبعد مما كان مسموحا به أثناء تواجد لجنة حقوق الإنسان.

هل يُفهم من ذلك أننا مُرغمون على العودة إلى نفس المشاكل التي عرفتها لجنة حقوق الإنسان في نهاية عمرها؟

حسني عبيدي: قد يكون من الصعب الإجابة على هذا السؤال. ولكن أعتقد بأن احترام حقوق الإنسان يتطلب انتهاج عملية شرح وتحسيس بيداغوجية واسعة النطاق. وأعتقد بأنه من هذه الناحية، يجب الإعتراف بأن موضوع حقوق الإنسان، أصبح اليوم موضوعا مُتداولا بكثرة في المناقشات.

أما فيما يتعلق بجعل العالم أكثر وعيا باحترام حقوق الإنسان، فإن سويسرا تدرك جيدا – مثل باقي البلدان – بأنها مهمة ليست بالسهلة، وتتطلب المزيد من الوقت. وأيضا، لكون القوى العظمى التي بإمكانها أن تؤثر في موازين القوى على المستوى العالمي، هي التي تنتهك في المقام الأول، القواعد الأولية للقانون الدولي.

هل أمام سويسرا حظوظ للنجاح في ذلك مثلما توفقت في مسعى استبدال لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الحالي؟ 

حسني عبيدي: لا أعتقد بأن اقتراح إصلاح مجلس حقوق الإنسان كان مطلبا جادا، بل أعتقد بالدرجة الأولى أنه كان بمثابة بالون اختبار لمعرفة إلى أي حد يمكن أن تذهب المجموعة الدولية في دعمها لفكرة إصلاح مجلس الأمن.

ويُقال دوما، بأن الدبلوماسية السويسرية تحتفظ بملف فوق الطاولة وبملف آخر تحت الطاولة. فقد برعت بذلك  في تحريك ملفات خاصة، مثل الحق في الغذاء وقضية المعتقلين والمختفين. وقد تم كل ذلك تحت شعار إصلاح المؤسسات الدولية. فسويسرا تعرف جيدا أنها قوية في استغلال الملفات الجانبية، التي لا تستطيع الدول الأخرى تبنيها أو لا تملك الخبرة التي تسمح لها بذلك.

ولكن، في سياق رغبة برن في عضوية مجلس الأمن، هل بإمكانها أن توفق بين تمسكها بالحياد من جهة، وبين العضوية في محفل سياسي من هذا القبيل؟

حسني  عبيدي: الجواب على هذا السؤال يُعيدنا الى الإجابة على السؤال السابق، أي أن الدبلوماسية السويسرية أصبحت دبلوماسية بمعايير متغيرة ودبلوماسية لا تعتمد على ثوابت جامدة، بل تعرف ديناميكية تسمح لها بالتأقلم وبعدم الشعور بمركب نقص في قول شيء اليوم والتصريح بعكسه في اليوم الموالي. ولدينا العديد من الدلائل على ذلك. فكون أن سويسرا تردد بأن هناك حياد إيجابي وحياد سلبي، هو بمثابة رسالة موجهة للسويسريين، بأن سويسرا بإمكانها الإحتفاظ بحيادها.

ويجدر التذكير بأن الحياد السويسري كان قد اعتُمد في البداية لتأمين سلام داخلي بين الكانتونات السويسرية، ولم يتم تطويره إلا فيما بعد، بالنسبة للعالم الخارجي. أما اليوم، فقد أصبحت أسس الكنفدرالية قوية ومتماسكة، لذلك يمكن اعتماد مفهوم حياد مبدئي، ولكنه حياد لا يتعارض مع القيام بمبادرات هامة. وإنكم لمحقون في تساؤلكم، لأنه لا يمكن أن تكون سويسرا عنصرا نشطا على المستوى الدولي، بدون التخلي عن الحياد بمفهومه التقليدي.

من بين مميزات الدبلوماسية السويسرية، سياسة المساعي الحميدة، لكن يُلاحظ أن الإنضمام إلى منظمة الأمم المتحدة أدى إلى حدوث تراجع في هذا النشاط. فهل يعود ذلك إلى واقع العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة أم أنه جاء نتيجة لهذه العضوية في منظومة سياسية كونية؟

حسني عبيدي: لا أخفي عليكم بأن نشاطات الوساطة السويسرية في بعض الصراعات الدولية، سجلت بعض التراجع منذ الإنضمام، حتى وإن كانت الحصيلة منذ الإنضمام إيجابية للغاية. فقد أصبحت سويسرا اليوم تعرف منافسة في هذا الميدان من قبل دول أخرى مثل تركيا أو قطر وغيرها. وهذا يُظهر جليا بأن الدبلوماسية السويسرية أصبحت تفتقر لبُـعد النظر وللجرأة ولبعض الليونة من أجل اتخاذ قرارات على وجه السرعة، لأن الصراعات لا تنتظر.

لذلك، أعتقد بأن على سويسرا أن تحتفظ بعضويتها في الأمم المتحدة، لأن ذلك من المكاسب الهامة، وأن لا تتخلى عن فكرة أن لديها ما يسمح لها بالتدخل حيث لا يقوى الآخرون على ذلك، سواء فيما يتعلق بالوساطة بين دول متخاصمة أو الوساطة لإيجاد الحلول في بعض الصراعات، وخصوصا الصرعات الأقل حدة. فدبلوماسية المساعي الحميدة أو دبلوماسية الفنادق (أي توفير مكان للحوار بين الفرقاء بعيدا عن الأنظار)، هو الأمر الذي تفتقر إليه المجموعة الدولية اليوم من أجل جمع الأطراف المتصارعة، وهذا ما على الدبلوماسية السويسرية أن تراجعه اليوم وتقدم حصيلة تقيّم فيها أسباب هذا الغياب عن التواجد في جهود حل صراعات بإمكانها أن تكون حاضرة فيها.

من المبادرات الهامة التي قامت بها سويسرا في إطار المساعي الحميدة، التوصل الى مبادرة جنيف لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو اهم اقتراح يقدم لحد اليوم لحل هذا الصراع المزمن. لكنها تمت خارج نطاق الأمم المتحدة في وقت انظمت فيه سويسرا الى المنظمة الأممية. وهناك محاولات اليوم لإعادتها تحت سقف الأمم المتحدة. هل كان ذلك سوء تخطيط ام هناك أسبابا موضوعية وراء ذلك؟

حسني عبيدي: عودة الإهتمام بمبادرة جنيف يعود إلى عدة عوامل، من بينها جمود كلي في المسار السلمي في المنطقة. وإن العودة للإهتمام بها، هي عودة لتسخين “أطباق باردة”. كما أن المجموعة الدولية تلتجئ من حين لآخر إلى إعادة إحياء بعض المبادرات، لكي لا تظهر بمظهر غير المبالي بمشكلة الشرق الأوسط.

لكن مبادرة جنيف تطرح تحديا هاما، لأنها – عندما أطلقها البرفسور أليكسي كيللر – لم تدعمها الخارجية السويسرية إلا بشكل محتشم في البداية، ذلك أن سويسرا لم تكن ترغب في الظهور بمظهر البلد الذي يفرض مبادرة يرفضها طرف أو أكثر، وهو ما دفع أصحاب مبادرة جنيف إلى الشعور بنوع من الأسف لكونهم لم يحصلوا على الدعم المناسب في الوقت الملائم للوقوف في مواجهة الرافضين.

إن عودة الإهتمام بهذه المبادرة اليوم في الأوساط الأممية، هو اعتراف متأخر بمبادرة قوبلت بالرفض والإنتقاد في حينها من قبل العديد من الدول الأعضاء الأمم المتحدة. وأعتقد بأن من صالح سويسرا أن تبدي دعما أكثر وأوضح  لهذه المبادرة التي نبعت من صلب المجتمع المدني وأن تُدخل عليها الإصلاحات الضرورية للتماشى مع المتغيرات التي حصلت. لأن هناك مبادرات أخرى بدأت، بوصفها مبادرات مجتمع مدني، مثل مسار أوسلو، ولكنها تحولت فيها بعد إلى مسار تفاوضي رسمي (بين الفلسطينيين والإسرائيليين).

ذكـرت في البداية أن حقبة وزيرة الخارجية السابقة ميشلين كالمي – ري، تميزت لأنها كانت فترة الدبلوماسية العلنية المنفتحة على الجمهور، كيف تحكم على نهج وزير الخارجية الحالي ديديي بوركالتر؟

حسني عبيدي: قد لا يليق إصدار حكم على سياسة الوزير بوركالتر في الوقت الحالي، ولكن المؤشرات الأولى منذ توليه هذا المنصب، تشير إلى أنه يرغب في إضفاء صبغة خاصة به على السياسة الخارجية للكنفدرالية تختلف عن النهج الذي كانت تسلكه ميشلين كالمي – ري. كما أن من المؤشرات الواضحة، أنه يرغب في العودة إلى دبلوماسية متحفظة لا تجرؤ على المجازفة، مخافة ارتكاب أخطاء، ولكنني أعتقد أن الدبلوماسية تتطلب في بعض الأحيان شيئا من الجرأة والشجاعة، لأن الدبلوماسية تراهن على استغلال الفرص وإذا ما أفلحت في ذلك، فإنها تُضفي مصداقية على كامل السياسة الخارجية للبلد.

بلغ عدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة اليوم 193 دولة، وقد كانت سويسرا البلد الـ 190 عمدما انضمت إليها في عام 2002.

تحتل سويسرا المرتبة السادسة عشرة من حيث ترتيب الدول المساهمة ماليا في الميزانية العادية لمنظمة الأمم المتحدة بحوالي 1،13%.

في عام 2010 بلغت مساهمة سويسرا المالية في نشاطات منظمة الأمم المتحدة 147،4 مليون فرنك أي حوالي 154،3 مليون دولار أمريكي، بما في ذلك نشاطات حفظ السلام والمحاكم الدولية للتتبع جرائم الحرب. وقبل انضمامها الى منظمة الأمم المتحدة بلغت مساهمات سويسرا المالية في نشاطات الأمم المتحدة حوالي 500 مليون فرنك سويسري.

طبقا لأرقام رسمية نشرت في فبراير 2012، وضعت سويسرا في إطار عمليات حفظ السلام، 25 عسكريا وأمنيا تحت تصرف بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي وجنوب السودان، مما أهلها لاحتلال المرتبة 99 ضمن الدول المانحة. 

يشتغل أكثر من 1500 سويسري في نظام الأمم المتحدة من بينهم حوالي 70 في مناصب رفيعة.

تعتبر جنيف ثاني أهم مقر لمنظمة الأمم المتحدة في العالم بعد نيويورك. وتحتضن 242 بعثة دائمة وممثلية ، و33 منظمة دولية بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة المتخصصة وحوالي 250 منظمة غير حكومية.

(المصدر: وزارة الخارجية السويسرية)

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية