سويسرا: الشوكولاطة، والجبال.. واحتفاء خاص بتخزين الأسلحة!
يُصوّت السويسريون يوم 13 فبراير 2011 حول مبادرة تهدف إلى الحد من الإحتفاظ بالسّلاح في المنازل. وقد يفاجأ أي زائر أجنبي إلى سويسرا التي تتوسط القارة الأوروبية بهذا الإنتشار الواسع لأنواع مختلفة من العتاد.
محطة لقطارات راسية، وركّاب في حركة دائبة، وموظفون يدشّنون يوما جديدا للعمل، وسيّاح يستعدوّن للإرتماء في أحضان البلد، وشبّان يستمعون لموسيقى هيب هوب، وغطاء للرأس في اتجاه معاكس، وبنطلون دجينز آخر تقليعة. وهناك، هناك غير بعيد مجموعة من الجنود في بذلة عسكرية، يزيّنها سلاح رشاش.
هل نحن في إسرائيل؟ لا. أهي تعبئة عامة معلنة؟. الأمر عادي. نحن في سويسرا، واليوم كغيره من الأيام، ولاشيء غير عادي.
وعندما يكون الحديث عن بلد ينتشر فيه السلاح بكثافة، يذهب بنا التفكير أوّلا وقبل كل شيء إلى الولايات المتحدة، لكن سويسرا أيضا من البلدان التي توجد في أعلى مراتب التصنيف الدولي في هذا المجال.
هذا الوضع لا يخفى على المراقبين الأجانب، ففي عددها لشهر ديسمبر 2010، نشرت مجلة “géographique” في مقال لها من عدة صفحات وتحت عنوان مستفز: “سويسرا- مواطنون محايدون مسلحون حتى أخمص أقدامهم”.
جنود مستعدون للقتال
من دون شك، عندما نتحدث عن سويسرا، فنحن لا نتحدث عن أقصى الغرب الأمريكي، والشوارع الهادئة في المدن السويسرية، لا يمكن تشبيهها بالمرة بشيكاغو في ثلاثينات القرن الماضي. رغم ذلك، يُمكن أن تثير بعض المشاهد هنا وهناك استغراب الزائر الأجنبي.
الصورة النمطية والتقليدية لمحطات القطار التي أشرنا إليها آنفا، لها علاقة وثيقة بخاصيتيْن يميّزان النظام العسكري في سويسرا . أوّلا لأن أغلب الجنود لا يؤدّون الخدمة العسكرية في مرة واحدة، بل في “فترات تدريب متلاحقة” تمتد كل واحدة منها ثلاثة أسابيع.
وثانيا، لأن هؤلاء الجنود يحتفظون في بيوتهم بجميع أجهزتهم وعتادهم في الأوقات الفاصلة بين مراحل التدريب. وكانت الفكرة السائدة من قبل هو الحصول فورا على عدد كبير من الجنود مستعدين للقتال في الحالات الطارئة.
أما اليوم فمن الصعب توقّع وجود تهديد عسكري يبرّر هذا النوع من التعبئة، ورغم ذلك استمرت ظاهرة تخزين الأسلحة في البيوت. التغيير الوحيد الذي حصل مقارنة بالماضي هو أن الجيش لم يعد يسمح لأفراده بحمل ذخيرة خارج فترات الخدمة.
رياضة شعبية
شيء آخر تتميّز به سويسرا، وهو أن تمارين الرماية لا تتم فقط خلال “مرحلة التدريب الأولى” أو “فترات الإعادة”. فمرة في كل عام، يعتلى الجنود الذين لا يزالون في الخدمة منصة للقيام “بتمرين الرماية الإجباري”، تتم خلالها محاولة إصابة أهداف موضوعة على مسافة 300 مترا.
وما هو مثير حقا هو أن هذه “الرماية الإجبارية” قد تحوّلت لدى البعض إلى رياضة ممتعة. وفي القرى، أصبحت جمعيات ونوادي الرماية من ضمن الممارسات التقليدية مثلها مثل النفخ في المزمار، والكورال، ونوادي الجمباز. ولهذا السبب يوجد في سويسرا الكثير من نوادي “رماية الرماح”، و”مطلقي البارود”، ورياضات أخرى مثل “رماية القنص”.
وهناك إمكانية أيضا لكي يرى الزائر الأجنبي مشاهد أخرى أكثر غرابة، ومن بينها مراهقين بدءًا من عمر 16 سنة يتجوّلون في الشارع، وربما أيضا في أحد المراكز التجارية يحملون على أكتافهم سلاحا، سواء عندما يكونوا في طريقهم إلى ساحة الرماية أو عائدين منها.
وفي سويسرا، المفاجأة ليست إلا ظاهرية… بالإمكان التجوّل بهدوء في أحضان الطبيعة في رحاب يوم سعيد من أيام الصيف الوضاءة، وفجأة يصدع أذنك انفجار من نوع “Fort Alamo” انطلاقا من منصة للرماية غير بعيدة.
“بيت من أحلى البيوت”
مثلما أشرنا، الأسلحة كثيرة وموزّعة بكثرة في سويسرا، إلى درجة ألا أحد يعلم عددها بالضبط. أغلب الظن أنها حوالي مليونيْ قطعة سلاح، مع زيادة او نقصان بعض الآلاف.
ومن بين الأسباب لهذا الانتشار الواسع للسلاح هو السماح للجنود بالاحتفاظ بسلاحهم مع نهاية فترة الخدمة العسكرية، بشرط القيام ببعض التمرينات على الرماية.
والأسلحة المتروكة بحوزة هؤلاء الجنود السابقين عادة ما تكون في وضع جيّد، هذا على الرغم من وجود ضوابط سلامة على استخدام الأسلحة الرشاشة…وإطلاق النار بزخات متواصلة أصبح محظورا بالنسبة للجنود السابقين.
وكل الأحوال، فإذا ما أضفنا الأسلحة التي بحوزة الجنود الذين هم في الخدمة إلى جانب عتاد الجنود الذين أنهوا واجبهم العسكري من أسلحة رشاشة ومسدّسات، ينضاف إليهم أيضا “القناصة التقليديون”، وهذا ما يجعل العتاد العسكري المخزّن في البيوت السويسرية كثيرا جدا، دون الحديث عن أسلحة الصيادين، وهواة الرماية، والجامعين للقطع القديمة منه.
هذه الأسلحة التي يتم “الإحتفاظ” بها في العادة في كهف المنزل، أو في مخزن علوي في البيت، أو في قاع دولاب في ركن من أركانه. لكن هناك من يريد الافتخار بسلاحه فيضعه في قاعة الجلوس ناو يعلقه إلى جانب المدفئة.
وبالإمكان أن يشعر الأجنبي أيضا بالاستغراب عندما يكتب له زيارة منزل أحد هواة جمع قطع السلاح. ويخاطبه مرحبا بك في بيتي! أقدّم لك زوجتي، وأطفالي، وكلبي، وهذه أسلحتي.
في الفترة الفاصلة بين 1969 و2009، فقدت 4674 قطعة سلاح.
ومنذ بداية عملية إصلاح جيش القرن الواحد في سويسرا وبداية تقليص أعداد العاملين فيه، تراجع بشكل كبير عدد قطع السلاح المفقودة بحسب مصادر وزارة الدفاع في شهر آذار 2008.
وبلغ عدد القطع المفقودة في الفترة الفاصلة بين 1969 و2008 ما يزيد عن 4581، ولم يعثر منها إلا على 260 قطعة.
في عام 2008 فقط أحصى الجيش ضياع 50 قطعة سلاح مقابل 29 فقط سنة 2009، بحسب ما أوضح كريستوف برونّر، الناطق الرسمي بإسم الجيش، وهو ما يعزّز صدقية البيانات التي نشرت في 6 يناير من طرف صحف سويسرية ناطقة بالألمانية. وقد عثر بحسب نفس المصدر عن خمس قطع سلاح كانت في عداد المفقودة.
يوم 13 فبراير 2011 سوف يصوت السويسريون للحسم في مصير مبادرة شعبية تدعو إلى حماية السكان في مواجهة الإنتشار الواسع للسلاح.
أودعت المبادرة لدى المستشارية الفدرالية في العاصمة برن، يوم 22 فبراير 2009 مُـرفقة بـ 106037 توقيع سليم.
أطلِـقت المبادرة من طرف ائتلاف يضم حوالي 70 منظمة، تشمل المدافعين عن حقوق الإنسان والنقابات والعاملين في مجال الوقاية من الانتحار والكنائس ومنظمات مكافحة العنف الذي تتعرض له النساء وحركات سلمية إلخ…
تدعو المبادرة أساسا إلى، إنشاء سجل وطني للأسلحة وتقديم مبررات للحاجة إلى حمل السلاح، إضافة إلى توفر الخبرات المؤهلة لامتلاكه وإلى تخزين الأسلحة العسكرية في مواقع مؤمَّـنة وحظر امتلاك أسلحة خطرة، مثل الأسلحة الأوتوماتيكية من طرف الخواص.
على المستوى السياسي، حظيت المبادرة بدعم اليسار، في حين أوصت الحكومة وأغلبية اليمين في البرلمان الفدرالي، الناخبين برفضها.
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.