“سويسرا تنتظر الإطلاع على نصّ الطلب الفلسطيني للأمم المتحدة”
في الوقت الذي تعلن فيه السلطة الفلسطينية تصميمها على المضي قدما في طلب الإعتراف بدولة فلسطين من قبل الأمم المتحدة، تنتظر سويسرا الإطلاع على صيغة النص الذي ستعرض به الفكرة لاتخاذ موقف رسمي.
هذا ما اتضح من خلال حوار أجرته swissinfo.ch مع السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة في جنيف السيد إبراهيم خريشي الذي أكد أنه، رغم الضغوط والمعارضة الأمريكية لتحرك من هذا القبيل، فإن السلطة الفلسطينية تسعى للحصول على أوسع دعم دولي لها في مسعاها الرامي إلى تمرير مشروع القرار الذي ستتقدم به الى منظمة الأمم المتحدة من أجل الحصول على اعتراف عالمي بدولة فلسطين في إطار حدود الرابع من يونيو – حزيران 1967.
وفيما شدّد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في خطاب ألقاه يوم 27 يوليو 2011 في رام الله على أن “الذهاب إلى الأمم المتحدة سواء نجح أم لم ينجح سوف لن يكون بديلا عن المفاوضات”، قال إبراهيم خريشي، السفير الفلسطيني لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف في تصريحات خاصة بـ swissinfo.ch: “نحن نريد أن نمارس استحقاقا قانونيا لشعبنا الفلسطيني بممارسة حق تقرير مصيره في أن يُعترف بدولة فلسطين في مؤسسات الأمم المتحدة. وهذا هو المسار القانوني للعمل النضالي الفلسطيني بعد كل هذه السنوات وبعد التعثر في إمكانية التوصل إلى حل متفق عليه مع الإسرائيليين، رغم كل النداءات والمبادرات التي أطلقتها عناصر مختلفة من مكونات المجتمع الدولي واتفاقات المجتمع الدولي بشكل عام”.
وبخصوص مسألة المفاوضات التي تُصرّ عليها الولايات المتحدة، ذكّر السفير إبراهيم خريشي أن “القيادة الفلسطينية كانت على استعداد للذهاب إلى مفاوضات مباشرة بناء على ما جاء به خطاب أوباما أو موقف الترويكا الأوروبية في مجلس الأمن في شهر فبراير الماضي، أو المبادرة الفرنسية. والأساس أن نبدأ مفاوضات واضحة المعالم على أسس واضحة: بمعنى حدود عام 67، ووقف الإستيطان لأنه لا يمكن أن نكون في مفاوضات والإستيطان وسرقة الأرض الذي عليها مستمر”.
في سياق متصل، اعتبر السفير الفلسطيني أن الموقف الإسرائيلي “تميز بما ردّده رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الكونغرس الأمريكي عندما قال إنه يريد المفاوضات ولكن يجب على الفلسطينيين أولا أن يعترفوا بيهودية الدولة (الإسرائيلية). ولا توجد إمكانية لتقسم القدس، ولا توجد إمكانية لكي تكون حدود لدولة فلسطين مع الأردن، ولا يوجد حل لقضية اللاجئين، بما يعني وضع الف شرط ،ويُطلب منا الذهاب إلى المفاوضات دون أي شرط. نحن لا نشترط بل نطالب بما طالب به المجتمع الدولي وهو وقف الاستيطان وأن أساس هذه المفاوضات هو حدود عام 67 مع استعدادنا لتبادل أراض بالقيمة وبالمثل. وهذا طريق مسدود حتى هذه اللحظة”.
اعتراف من 122 دولة
رغم كل شيء، فإن ما يشجع الجانب الفلسطيني على المُضيّ قـدما في هذا المطلب حسب السفير خريشي يتمثل في تزايد عدد الحكومات التي اعترفت بدولة فلسطين في إطار حدود عام 1967 وقد بلغ عددها حسب تأكيده “122 دولة”.
ويضيف السفير الفلسطيني أن طلب الإعتراف من قبل المنظمة الأممية بفلسطين كدولة يأتي “كخطوة للحصول على عضوية أكبر داخل الأمم المتحدة، وهو ما سيتيح لنا إمكاينة الإنضمام الى باقي هيئات الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية أو العمل الدولية واليونسكو وغيرها…”، بل إن “شرط الإنضمام الى القانون المؤسس للمحكمة الجنائية بروما قد يكتمل مما يسمح بالإستفادة من هذه الآلية بشكل أفضل”، على حد قوله.
حل بديل في الأفق
أمام المعارضة الأمريكية الصارمة للتمشي الفلسطيني، يُـقـرّ السفير إبراهيم خريشي بأن إمكانية تمرير المشروع من خلال مجلس الأمن الدولي قد يكون صعبا ومن ثمّ فقد يُستبدل بمشروع آخر يُعرض على الجمعية العامة. وأوضح السفير الفلسطيني أن هناك “إشكالية في هذا الأمر لأن العضوية الكاملة تحتاج لتوصية من مجلس الأمن للجمعية العامة” للأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد، أضاف السفير خريشي أن “الموقف الأمريكي لا زال الوحيد من بين أعضاء مجلس الأمن الذي يُعارض هذا التوجه، وبالتالي سنعمل على مسار آخر وهو الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بأن نقدم مشروع قرار من أجل الإعتراف بفلسطين على حدود عام 67 وعضوية دولة فلسطين المراقبة في الجمعية العامة. وهذا يحتاج إلى الأغلبية البسيطة. وبالتالي نصبح دولة فلسطين المراقب في الجمعية العامة ما سيتيح لنا أيضا الإنضمام الى باقي المنظمات وباقي الإتفاقيات”.
أمل في اعتراف سويسري
من أجل تأمين الحصول على هذا الدعم، شرعت السلطة الوطنية الفلسطينية منذ فترة في إجراء اتصالات بعدد من الدول سواء تلك التي منحت اعترافها للدولة الفلسطينية أو التي لا زالت تقصره على منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ومن بينها سويسرا.
وفي تصريحاته لـ swissinfo.ch، قال السفير الفلسطيني: “لقد التقيت قبل أيام بمساعد وزيرة الخارجية المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وافريقيا مارسيل شتوتس، وتحدثنا في الأمر، وأعتقد أن التوجه السويسري سيكون إيجابيا بعد الإطلاع على مشروع القرار الذي تُعدّه القيادة الفلسطينية (لعرضه على) الأمم المتحدة”.
ومن المنتظر أن يُصاغ مشروع القرار من طرف القيادة الفلسطينية ويُتدارس في اجتماع لجنة المتابعة في جامعة الدول العربية الذي سيُعقد في الدوحة يوم 4 أغسطس القادم بمشاركة وزراء وخبراء في القانون الدولي من العرب والأجانب.
من جهة أخرى، قال السفير الفلسطيني: ” أوضحت للجانب السويسري أننا نريد الإعتراف بنا على أساس حدود عام 1967، وأن نصبح عضوا كاملا في المنظومة الدولية”. وبخصوص تحفظ السلطات السويسرية عن اتخاذ قرار إلى حين الإطلاع على نص المشروع، أوضح السفير خريشي أنهم “يريدون من حيث المبدأ في موقفهم الإيجابي أن يطلعوا على مشروع القرار، وهذا حق طبيعي، يعني ما هي الصيغة المطروحة والتي نحن نعتقد ستكون صيغة مرنة لكنها صيغة قانونية تحفظ حقنا في الإعتراف بنا كدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وإفساح المجال لنا بعضوية في الأمم المتحدة كدولة فلسطين”.
واختتم السفير الفلسطيني حديثه بالقول” هذا هو الموقف حتى هذه اللحظة لم يأخذوا قرارا بهذا الأمر، كما أن العديد من الدول الأخرى تنتظر مشروع القرار أو الطلب الذي سيُقدم الى الأمم المتحدة والذي سيناقشه كل في بلده ومؤسساته”، لكنه عبر عن “الأمل في أن يكون الوعد السويسري باتخاذ موقف إيجابي يسير في الإتجاه المعبر عنه فلسطينيا” وفي أن يكون للسويسريين – بعد الإطلاع على نص القرار واتخاذ موقف رسمي إيجابي منه – “دور في تشجيع الدول الأخرى على السير في هذا الإتجاه”.
توضيح من الخارجية
في ردها على سؤال طرحته swissinfo.ch، أوضحت وزارة الخارجية السويسرية أن “الأمور ليست واضحة لحد الآن بخصوص تقديم مشروع قرار للإعتراف بفلسطين أمام الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة” وأضافت أن سويسرا “ستتخذ قرارها بناء على طبيعة نص الإقتراح المعروض. وهذا ما ستتطرق له الحكومة الفدرالية في الوقت المناسب.”
من جهة أخرى، ذكّرت الخارجية بالموقف السويسري “الداعي منذ مدة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للإستمرار ضمن حدود آمنة ومُعترف بها ومتعايشة في سلام جنبا الى جنب مع إسرائيل”. وأضافت الوزارة في ردها بأن “الدبلوماسية السويسرية تتابع باهتمام بالغ محاولات استئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين”.
في تصريحات خاصة إلى swissinfo.ch، يقول إيف بيسون، المحلل السياسي، والدبلوماسي السويسري السابق الذي شغل منصب مدير لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا): “تتمثل الإستراتيجية الفلسطينية في أنه ما دام ليس أمامها عرض يلبي ما تصبو إليه، فإنها ستعمل كل ما في وسعها للبرهنة على أن العراقيل (القائمة بوجه عملية السلام) هي من صنع الجانب الإسرائيلي”.
ويرى الخبير السويسري أن “الثورات الشعبية العربية غيرت الموازين بالنسبة للرأي العام الفلسطيني وجعلت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية عُرضة لضغوط قوية من قبل الرأي العام الفلسطيني تتهمها بأن نواة الدولة الفلسطينية (من شرطة وأمن داخلي) التي أقيمت بتزكية من البنك الدولي ومن الإدارة الأمريكية ما هي إلا أجهزة تقوم بالعمل القذر لحساب المحتل الإسرائيلي”.
ويضيف إيف بيسون أن “الإطاحة بنظام مبارك في مصر جعل السلطة الفلسطينية وإسرائيل يفقدان حليفا يساعدهما على التحكم في نفوذ حركة حماس. بل إن الإسلاميين الذين يتحكمون في قطاع غزة يجدون أنفسهم في وضعية ضعف منذ بداية الإنتفاضة ضد داعمهم أي النظام السوري، كما أن حركة حماس قد تكون على خلاف مع دمشق بسبب عملية التسلل الأخيرة في مرتفعات الجولان”.
ومع أن الدبلوماسي السويسري السابق يرى أنه “من المبكر معرفة ما إذا كان التكتيك الدبلوماسي الفلسطيني سينجح في استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، لكنه يذهب إلى أن “الفلسطينيين يعرفون جيدا بأن عامل الوقت والنمو الديموغرافي يعملان لصالحهم”.
(بالإشتراك مع فريدريك بورنون)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.