شبكات التواصل.. مصدرٌ رئيسيّ للمعلومات عربيّا
لم يقتصر تأثير الثورات العربية على البلدان التي حدثت فيها، بل امتدّت تداعياتها لتغمر بلدان الجوار بدرجات متفاوتة.
وتجلت تلك التأثيرات بشكل أساسي على شاشة الإعلام، الذي عرف تغييرات وإصلاحات متنوّعة، من أجل امتصاص الرّوح الإحتجاجية واحتواء الأصوات الغاضِبة، لتفادي تكرار سيناريو الإنتفاضات الشعبية المنفلتة من عقالها.
دراسة جديدة أعدّتها جامعة “نورثوسترن” الأمريكية في قطر، وشملت 9693 شخصا في ثمانية بلدان عربية، أظهرت أن الإعلام المحلي استعاد بعض مِصداقيته، ليس فقط في ما يُعرف ببلدان الربيع العربي، وإنما في بلدان أخرى، إذ عبّر غالبية البالغين من العيِّنة المُستجْوَبة في كل من الأردن (67%) والإمارات (63%) وحتى السعودية (73%)، عن استعادة ثِقتهم في الإعلام الإخباري المحلّي.
مصداقية الإعلام المحلي
في المقابل، أشارت نتائج الإستطلاع إلى أن واحدا فقط من كل أربعة أشخاص في مصر وتونس ولبنان، يعتقد أن إعلام بلده يحظى بالمِصداقية، وهو أمر أثار استِغراب القائمين بالإستطلاع، بالنظر لمساحة الحرية الواسعة التي اكتسبها الإعلام في بلديْ الثورات الأولين، وكذلك في لبنان المعروف تاريخيا بكونه بلد حرية الصحافة.
ولعل أبرز ما استخلصه الباحثون من هذه الدراسة، التي شملت ثمانية بلدان عربية (تونس ومصر ولبنان والسعودية والأردن والإمارات وقطر والبحرين)، هو مدى اتِّساع رُقعة استخدام الإنترنت في العالم العربي ودعم مُستخدِميها لحرية التعبير، وإن كانت غالبيتهم أقرّت في الوقت نفسه، بضرورة إخضاع الشبكة العنكبوتية لضوابط واضحة للحدّ من الإنفلات.
ومن أهم الإستخلاصات أيضا، أن أفراد العيِّنة الذين يستخدِمون شبكات التواصل الإجتماعي، يعتمدون في الغالب على “فايسبوك” (94%)، أما “تويتر” فيستقطِب 52% فقط، يليه “غوغل بلاس” (46%). أما في البحرين، فلوحظ استخدام واسع لـ “يشير”، لكن النسبة لم تتجاوز 14% بالنسبة لمجمل أفراد العيِّنة في البلدان الثمانية.
ودلّت نتائج الإستطلاع أيضا، على أن التلفزيون هو أكثر مصادر المعلومات موثوقية في سبعة بلدان، عدا البحرين، الذي هو البلد الأعلى استِخداما لوسائط الإعلام المختلفة، إذ يُعتقد أن شبكة الإنترنت هي مصدر المعلومات الأكثر موثوقية.
إيفريت دينيس، عميد جامعة “نورثوسترن” الأمريكية في قطر
لاحظنا تحسّنا في التقارير الإخبارية بعد الثورات العربية
المشهد الإعلامي
في هذا السياق، قال إيفريت دينيس، عميد جامعة “نورثوسترن” الأمريكية في قطر، إن نتائج المسح الميداني الذي أشرف عليه أساتذة من الجامعة في ثمانية بلدان عربية، أتاح الحصول على بيانات شاملة ودقيقة يُمكن الوثوق فيها، سواء من صنّاع السياسة أم من المراقبين والمحللين، في منطقة تُبصِر إعادة تشكيل المشهد الإعلامي.
وأوضح دينيس لـ swissinfo.ch أن الباحثين استطلعوا آراء 9693 شخصا في ثمانية بلدان عربية، يتجاوز سنهم 18 عاما، بُغية تسليط الضوء على كيفية استِخدام الناس لوسائل الإعلام وعلى مدى ثقتهم في مصادر المعلومات. ولذلك، فإن هذه الدراسة الميدانية راعت مدى ارتِباط استخدام الناس لوسائل الإعلام ارتباطا وثيقا بمنظورهم للإعلام، خصوصا الإعلام الخبري، في أعقاب ما اصطلح على تسميته بـ “الربيع العربي”، الذي انطلق في بواكير عام 2011.
هذه الدراسة أجريت بالتعاون مع مؤسسة “هاريس إنترأكتيف”، وهي إحدى المؤسسات المعروفة في مجال البحوث. وقال همفري تايلور، رئيس “ذا هاريس بول”، الذي حضر حفل تقديم نتائج الدراسة إلى جانب فريق جامعة “نوروسترن” مؤخرا في الدوحة، إن الدراسة المسحية تسلك طريقا جديدة على صعيدي الجودة والمحتوى، نظرا لأنها تطرق أبوابا قلّما يتم دراستها في المنطقة، كما أنها واحدة من الدراسات الفريدة من نوعها، ضمن الدراسات المتاحة للجمهور.
وأضاف دينيس أن المنهجية المُستخدَمة في جمع نتائج هذا المسح، تجعل منه ركيزة أساسية للباحثين الذين يدرسون استِخدام وسائل الإعلام، وخاصة شبكة الإنترنت في العالم العربي. وأفاد أن فريق الباحثين اعتمد طريقة المقابلات الحيّة والمباشرة، بدل الدراسات الإستقصائية التقليدية عبْر الإنترنت، بالإضافة للمُكالمات الهاتفية، حيث يتم اختيار العيِّنة عشوائيا من دليل أرقام الهواتف، وكذلك من قائمة الهواتف النقالة. ومضى شارحا أن “هذا من شأنه أن يضمن حصولنا على بيانات شاملة ودقيقة يُمكن الوثوق فيها”.
من جهة أخرى، رأى دينيس أن المسح الميداني يسمح للمطّلعين عليه، بالمقارنة بين مختلف البلدان على أساس المعايير السكانية المتباينة من بلد إلى آخر، والتي تمّت مراعاتها في الدراسة، مثل النوع والسن.
تأسست في 2008 في قطر بدعم من الجامعة الأم في إيفانسون بولاية إلينوى الأمريكية، بالشراكة مع “مؤسسة قطر”.
تركز على الدراسات الإعلامية من خلال كليات ومعاهد مرموقة، مثل كلية التواصل الإعلامي والصحافة والعلوم الإنسانية.
تُعِـدّ الطلاب ليشغلوا مناصب قيادية في صناعة الإعلام.
تساهم في مجالات البحوث والخدمات ذات العلاقة بقطر والشرق الأوسط.
القنوات الفضائية.. تتراجع
من جهة أخرى، أشار عميد جامعة “نورثوسترن” الأمريكية في قطر، إلى أن الدراسة كشفت تراجع نسبة مشاهدة قناة “الجزيرة”، التي رافقت الثورات العربية لدى اندِلاع شرارتها، إذ قال دينيس إن نسبة مشاهدة القناة القطرية انخفضت إلى 4% في بلدان الجوار مثل البحرين و9% في تونس، مهد الثورات العربية و20% في مصر.
في المقابل، لوحظ تقدّم كبير في الإقبال على مشاهدة القنوات المحلية، إذ تستقطب كل من “القناة الأولى” و”الحياة” المصريتيْن الخاصتيْن 23% لكل واحدة منهما، وقناة “سي بي سي” المصرية الخاصة أيضا 21% من المشاهدين. أما في تونس، فأظهر المسح الميداني أن “فايسبوك” يتربّع على هرم مصادر المعلومات بنسبة 52%، فيما تحتل “الجزيرة” و”العربية” المرتبة الأخيرة بـ 9% لكل واحدة منهما.
ومن النتائج غير المتوقعة، التي استغربها القائمون بالمسح، أن غالبية مستخدِمي إنترنت تؤيّد إيجاد قانون أكثر صرامة يُنظم هذا الفضاء، وإن بدرجات متفاوتة من بلد إلى آخر (62% في السعودية و57% في قطر و52% في تونس و64% في لبنان)، مع دعمها القوي لحرية التعبير على الشبكة العنكبوتية.
ويبدو أن السؤال الذي طُرح على أفراد العيّنة لم يكن واضحا بما يكفي لتلافي أية إلتِباسات، وهو ما أدّى إلى الحصول على نتائج غامِضة وغير متسقة مع المنحى العام للإستخلاصات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.