في مصر.. “قضايا شائكة” تتفاعل و”دور متزايد” للنائب العام!
بعيدًا عن السياسة ومشكلاتها وسجالاتها، تعيش مصر هذه الأيام عددا من القضايا النوعية التي شغلت الرأي العام خلال شهر يونيو، وفي مقدِّمتها قضيتان:
أولاهما، قضية مقتل الشاب الإسكندري خالد سعيد، والذي تعتبره الرواية الأمنية متّـهما بالاتجار في البانجو، وترجِّـع مقتله إلى ابتلاعه لفافة بانجو، فيما تقول الرواية الشعبية، التي يحكيها أهله وبعض شهود العِـيان، إن وفاته تمّـت نتيجة التعذيب على أيْـدي أفراد من الشرطة، وأيا كان السبب، فقد فتح مقتله ملف التعذيب في السجون وأماكن احتجاز المتّـهمين بأقسام الشرطة مجدّدا.
وثانيتهما: الأزمة التي ألقت بظلالها بين قطبَـيْ العدالة في مصر، المحامين والقضاة، إبّـان اتهام محامييْـن بالاعتداء على مدير نيابة، وما صاحبه من تصاعد الاحتجاجات ضد الحُـكم الصادر بحبس المحاميين خمسة أعوام مع التنفيذ.
وخلال السنوات الخمس التي مرّت على تعيينه في منصب النائب العام، برز بوضوح دور المستشار عبد المجيد محمود في الحياة اليومية للمصريين. فلا يكاد يمر يوم، إلا ويُـصدِر الرجل قرارا شافيا في قضية تشغل الرأي العام، مثل: “رشاوي مرسيدس” والقتلى المصريين في “كترمايا” اللبنانية واليونان ونيجيريا والكويت و”غرق العبارة” و”نواب ضرب النار” و”بيع التراث الغنائي المصري” و”مقتل الشاب خالد سعيد” و”شحنة القمح الفاسد” و”توريد أكياس دم فاسدة – هايدلينا” و”زواج القاصرات من الأثرياء العرب” و”المرأة الحديدية – هدى عبد المنعم” و”ألف ليلة وليلة”… إلخ.
وفي محاولة للوقوف على تداعيات قضية مقتل الشاب خالد سعيد وآخر مستجدّات الأزمة المشتعِـلة بين المحامين والقضاة ورصد ملامح الدور المتزايد للنائب العام في المجتمع المصري، التقت swissinfo.ch كلا من القاضي المستشار زكريا عبدالعزيز، الرئيس السابق لنادي قضاة مصر ونائب رئيس محكمة النقض، والمحامي سامح عاشور، النقيب السابق للمحامين وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر.
النائب العام والدور المتزايد!
بداية، أوضح المستشار زكريا عبد العزيز أن “النائب العام، طِـبقا للقانون، هو صاحب الدّعوى الجنائية وهو النائب العمومي المختصّ بالدفاع عن مصالح المجتمع. فأي جريمة تقع على أرض مصر أو خارجها ويكون أحد أطرافها مصري، يحق للنائب العام تحريك الدّعوى الجنائية فيها”، “وقد برز هذا الدّور منذ تعديل قانون السلطة القضائية، الذي أعدّه وقدّمه (لوزير العدل)، نادي القضاة عام 2003 أثناء فترة رئاستي للنادي، وقد حذفنا منه تبَـعية النائب العام لوزارة العدل، وذلك اعتمادا على أنه شخصية قضائية، ووزير العدل شخصية تنفيذية، ولكون الدستور يقوم أساسا على الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)”.
وقال عبد العزيز: “وباعتماد تعديل قانون السلطة القضائية عام 2006، أصبح النائب العام غير خاضِـع لسلطة وتبَـعية وزير العدل، وإنما لرئيس الجمهورية مباشرة، وهو ما أعطاه حرية كبيرة، كانت سببًا في نشاطه البارز ودوره الملحوظ، والذي لمسه الشعب خلال السنوات الخمس الأخيرة منذ صدور قرار الرئيس مبارك في 1 يوليو 2006 بتعيين المستشار عبد المجيد محمود في منصب النائب العام”.
وأضاف: “وحتى يكون النائب العام أكثر تحررًا، فإنني أطالب بأن لا يتم اختياره مباشرة من قِـبل رئيس الدولة وأن يكون اختياره عبْـر القضاة أنفسهم من خلال ترشيح الجمعيتيْـن العموميتين لمحكمتَـيْ النقض والإستئناف، لثلاثة أسماء ترفع لرئيس الجمهورية ليختار واحدا منهم لتعيينه في هذا المنصب الرفيع”.
متفقا مع عبد العزيز، أشار سامح عاشور، نقيب المحامين السابق إلى أن “ما يقوم به المستشار عبد المجيد محمود – النائب العام – هو ذات الدّور الذي رسمه له القانون، ولهذا، فهو يستند إلى الشرعية في كل قراراته وتحرّكاته. أما عن كونك تستشعر حضورا زائدا له، فإن هذا يرجع لجُـرأته وقوة شخصيته وإصراره على استخدام ما منحه إياه القانون من سلطات وصلاحيات واختصاصات لخدمة المجتمع”، مشدّدا على أن “تحريره من التبَـعية لوزارة العدل من الناحية القضائية، أضفى عليه مزيدا من الحرية والجرأة وأضفى على المنصب أهمية ومهابة ووقارًا”.
المحامون.. فِـرقٌ شتّـى وتصفية حسابات!
وحول رؤيته للأزمة الواقعة بين المحامين والقضاة، شدّد المستشار زكريا عبد العزيز في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch على أنها: “أزمة ليس لها لازمة ولا أساس لها”، معتبرا أنه يجب قراءتها من خلال النظر إلى عدّة محاور وهي أن:
1- عددا كبيرا من شباب المحامين لا يجدون مكتبا ولا عملا، وهم متواجدون بالمحكمة يوميا بلا داع، وعندما تحدُث أي مشكلة يتدخلون.
2- هناك من استغل هذا الحادث الفردي ليبدأ معركة شخصية، مستغلا شباب المحامين كوَقود للمعركة لتصفية حسابات قديمة مع قاض أو وكيل نيابة.
3- هناك من ركبوا الموجة، وهم الفرقاء، والفِـرَق داخل نقابة المحامين، كثيرة ومتشعِّـبة. فبداخلها عدد كبير من الفِـرق، منهم من كانوا يجمعون التوقيعات لسحب الثقة من النقيب الحالي (حمدي خليفة). ففي يوم 7 يونيو 2010، أي قُـبيل اندلاع الأزمة بأيام، أُعْلِـنَ عن تشكيل مكتب بالنقابة، لجمع التوقيعات لإسقاط النقيب. وهناك الفرقة المضادة لهم، وهم أنصار النقيب الحالي، وهناك فريق الجماعات الإسلامية، ويمثلهم المحامي منتصر الزيّـات، الذي ملأ الدنيا أحاديث وزخما، وهناك فريق النقيب السابق سامح عاشور… كلهم دخلوا على الخطّ لتصفية حسابات سياسية وانتخابية قديمة أو للظهور للدّعاية للانتخابات القادمة.
4- بعض شباب القضاة للأسف، يتعاملون مع بعض المحامين بطريقة فيها نوع من التعالي، وهذا أمر مرفوض، لكن ما أودّ أن أوضحه هنا، أنه نظرا لحساسية عمل القضاة ولأننا نعيش في بلاد نامية ينتشر الفساد في قطاعات عديدة منها، فإن بعض كبار المحامين يُـتاجرون بعلاقاتهم ببعض القضاة والمستشارين، ومن هنا، فقد تصدر عن القاضي بعض التصّرفات التي قد يحسبها بعض المواطنين، والمحامين على الأخصّ، نوعا من التكبر أو التعالي. وهناك نص قضائي يلزم القاضي بالتنحّي والإعتذار عن الحكم في قضية ما، لارتباطه بعلاقة شخصية مع أحد محاميي الطرفين، ابتعادا عن القيل والقال.
واستدرك عبد العزيز قائلا “المستشار أحمد الزند (الرئيس الحالي لنادي القضاة)، أخ وزميل، لكنني لو كنت رئيسا لنادي القضاة اليوم، لأدرت الأزمة بطريقة مختلفة، وقد سبق أن تعرضنا لمثل هذه الأزمة 4 مرات خلال رئاستِـي للنادي، لكنني تعاملت معها بصبر وهدوء شديدين ولم أنتهج التصعيد في مواجهة الطرف الآخر، وكان أبرزها حادثة اعتداء ضابط شرطة بالضرب على المستشار محمود حمزة، وعلى الفور، تقدمنا ببلاغ للنائب العام وتم التحقيق في البلاغ وحضر المستشار محمد منيسي، ممثلا لنادي القضاة، وتمت إدانة الضابط ثم اعتذر للمستشار وتصالحا ولم يُـقدَّم الضابط للمحاكمة ولم نُـصِـرّ على التصعيد”.
وأضاف المستشار زكريا عبد العزيز “وقد كُـنتُ خلال هذه المواقف الأربعة، لا أدخل طرفا في مواجهة مع أحد. فمن الخطإ أن يدخل النادي في ملاسنات مع الطرف الآخر وينساق لردود فعل”، مشيرا إلى أن “هناك من اتّـخذ الأزمة الواقعة الآن بين المحامين والقضاة، تكئة للتغطية على التقصير الملحوظ في الخدمات ومحاولة استثمار وتوظيف الواقعة، لرفع أسهمه، وأقول وأكرر دومًا: قاتَـل الله المصالح الشخصية في العمل العام”.
النقيب الحالي.. وإدارة الأزمة!
ومن جهته، قال سامح عاشور: “مررنا بمعارك وخلافات أكبر من هذه الأزمة، لكننا استطعنا بإدارة حكيمة حلّ المشكلات التي نشبت بين النقابة وأطراف أخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: اتهام محاميين باحتجاز قاض وإجباره على اتخاذ موقف معيّـن، وقد تدخّـلنا على الفور وطالبنا بتنفيذ القانون وأحيل المتهمان إلى محكمة الجنايات، التي أصدرت حكمها العادل، حيث تعاملنا مع الأزمة، دون تشنّـج وانفعال. وفي أزمة أخرى، قرّرت محكمة الجنايات حبس محامٍ، وكان مظلومًا، فتدخلنا على الفور واتصلنا بوزير العدل وطالبنا بالإفراج الفوري عنه. وبالفعل، استجاب الوزير وأفرج عنه فورا، وطالبنا بفتح تحقيق في القضية، لبيان المخطِـئ ومعاقبته”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch علق النقيب السابق (سامح عاشور) على إدارة النقيب الحالي (حمدي خليفة) للأزمة قائلا: “يمكن توصيف ما حدث على أنه:
1- سوء إدارة للأزمة، حيث تأخر تدخل النقابة إلى اليوم التالي.
2- ليس من الحِـكمة إدخال كل الأطراف كخصوم، كان لابد من وضع الأزمة في حجمها الحقيقي، دون تهويل أو تهوين، غير أن النقابة أدخلت المجلس الأعلى للقضاة والنائب العام ونادي القضاة و… في الخصومة، بينما كان من الممكن استخدام أي من هذه العناصر كورقة مفيدة لحلّ الأزمة في مرحلة لاحقة.
3- استخدم كل الأوراق الاحتجاجية، التي لديه (الإضراب والاعتصام المطلَـق) دُفعة واحدة، ولم يتدرج في استخدامها، بحسب المواقف، بحيث لا ينتقل لوسيلة أعلى إلا بعد استنفاذ الوسيلة الأدنى، وبسبب سوء التصرف هذا، لم يعُـد لديه ما يمكن أن يقدّمه!
4- كانت هناك مشكلة لدى كل من نقيب المحامين ورئيس نادي القضاة مع الجمعية العمومية لديهما، ومن ثمّ، فقد استجمع كل منهما أقصى ما لديه لحلّ مشكلته الشخصية، في المقام الأول، فحاولا الحصول على دعم الجمعية العمومية في محاولة منهما لسدّ الذرائع.
5- الاعتماد على الغيْـر (الحكومة). فالنقيب كان حريصا على الاستعانة بمسؤول حكومي لحلّ الأزمة (د. أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب)، وهي فكرة وطريقة خاطئة وليس لها تاريخ في العمل النقابي، وقد بدا هذا واضحا اليوم من تصريح الرئيس حسني مبارك، بأنه لم ولن يتدخّـل في أزمة المحامين مع القضاة، وعلى عقلاء الطرفين التوسّـط لحل الأزمة!
6- الاعتذار دون ضمانات، حيث قدم النقيب اعتذارا دون أن تكون هناك ضمانات لقبول الاعتذار وتسوية الأزمة، وهو ما ظهر واضحا من حكم المحكمة بتأجيل الحكم في القضية، مع استمرار حبس المتهمين على ذمّـة القضية!
ويقترح عاشور لحلّ الأزمة، التعامل معها بسياسة “تجزئة المشكلة”، لأن التعميم، هو أحد مخاطر المشكلة، مع عدم إغفال “تجديد للثقة المتبادلة بين الطرفين”.
وإن اتفق عاشور مع عبد العزيز في أن “هناك أزمة بين النقيب الحالي والجمعية العمومية وسبق الأزمة تقديم طلب وجمع توقيعات لسحب الثقة من النقيب، وهو ما جعله يحاول استثمار الأزمة”، إلا أنه استدرك قائلا: “ونفس المشكلة في نادي القضاة بين الرئيس الحالي المستشار أحمد الزند والرئيس السابق زعيم التيار الإصلاحي المستشار زكريا عبد العزيز”، معتبرًا أن “الهَـمّ يطال الجميع، ولكن بأدوات مختلفة”.
مقتل خالد سعيد يفتح ملف التعذيب!
وفي مقال له بعنوان (قتلى التعذيب فى 50 عاما) نشرته جريدة الشروق في عدد الأحد 20 يونيو 2010، قال فهمي هويدي، الكاتب الصحفي المصري: “إن تعذيب الشرطة لم يتوقف خلال الخمسين عاما وأن دائرته اتّـسعت، إذ لم تعد مقصورة على المواطنين المسيَّـسين وفي السجون فحسب، وإنما أصبحت تشمل المواطنين العاديِّـين فى الشارع أيضا. وفي حين تعد تلك خطوة إلى الوراء، فإن المجتمع الذي ثار لِـما حلّ بخالد سعيد، أصبح أكثر يقظة واستنفارا، وساعدته على ذلك وسائل الاتصال الحديثة، التى أسهمت فى فضح الجريمة”.
وحول الواجب على النائب العام حيال قضايا التعذيب، قال المستشار زكريا: “أتمنى أن يكون للنائب العام دوْر أكثر في مسألة المتابعة والتفتيش على السجون والمعتقلات، وأتمنى منه أن يتخذ خطوات أكثر جرأة في مسألة تفتيش السجون وأماكن احتجاز المتّـهمين، كما يجب عليه أن يوجِّـه وكلاء النيابة، كلاّ في منطقة عمله، ويحفِّـزهم لمباشرة اختصاصاتهم للنزول والتفتيش المفاجئ للسجون وأماكن احتجاز المتهمين”.
متفقًا مع ما ذهب إليه هويدي وعبد العزيز، قال عاشور: لا شك أن هناك حالة انفلات من ناحية بعض رجال الأمن وسوء استخدام للسلطة، جعلتهم يتصرّفون بانفعال شديد وزائد، وهو ما يضر بمصلحة المتّـهمين، ويجب أن يحاكم كل من يثبت تورّطه في تعذيب أي متّـهم أو أي مواطن، مهما كانت سلطته ومكانته.
وأضاف: “عندما أنشِـئ المجلس القومي لحقوق الإنسان، كُـنا نأمل أن يحقق إنجازات كثيرة، لكن المشكلة تكمُـن في قرب معظم العناصر التي يتم اختيارها، كأعضاء بالمجلس من السلطة، سواء بصِـلاتهم بأعضاء نافذين في السلطة أو بمواقعهم السياسية التي يشغلونها، ولهذا، فقد أخفق في القيام بدوره على النحو المأمول وأصبح حجم اللجوء إليه قليلا جدًا وأصبح لا يزيد عن كونه منظمة حقوقية تقِـل كثيرا عن بعض المنظمات الحقوقية غير الرسمية، التي تتمتع بمصداقية عالية”..
وأشار إلى أن “المنظمات الحقوقية غير الرسمية، نجحت إلى حدٍّ كبير في أن تمثِّـل ضغطا شديدا على السلطة، كما أصبح لها دور بارز في الحياة المصرية، حيث نجحت في تغيير ثقافة التعامل مع ملف حقوق الإنسان، وقد كان تزايد دورها سببا رئيسيا وراء اتجاه الحكومة إلى إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان واهتمام الدولة بهذا الملف من الأساس”.
واختتم بقوله: “ولا يعيب هذه المنظمات سوى قضيتَـي التمويل الأجنبي والتسييس. الأولى، يمكن التغلب عليها من خلال توحيد مصدر التمويل في شخص المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يقوم بتوزيع وتقسيم هذه الأموال على الجمعيات والمنظمات الحقوقية، كما يمكن الإعتماد على التمويل المجتمعي وتوجيه جزء من تبرعات رجال الأعمال لتمويل هذه الجمعيات. أما الثانية، فلابد أن تختفي وأن تتعامل هذه الجمعيات مع القضايا والحالات من منظور إنساني بحْـت، بغضّ النظر عن الانتماءات السياسية والألوان الفكرية”.
القاهرة – همام سرحان – swissinfo.ch
من مواليد 12 سبتمبر 1946. تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1967. عمل معاوناً للنيابة العامة في 24 فبراير 1969.
عُين رئيساً لنيابة في 17 سبتمبر 1979، ثم محامياً عاماً في 7 سبتمبر 1985.
عُين رئيساً لمحاكم استئناف القاهرة في 28 نوفمبر 1992، قبل أن ينتدب وكيلاً أول لإدارة التفتيش القضائي بالنيابة العامة في أكتوبر 1993.
عُين نائبًا عامًا مساعدًا لنيابة استئناف القاهرة في 1 أكتوبر 1996، ثم نائباً عاماً مساعداً للتفتيش القضائي بالنيابة العامة في 1 أكتوبر 1999.
صدر القرار الجمهوري رقم 225 لسنة 2006 بتعيينه نائبا عاما في 1/7/2006.
النائب العام، وفق النظام القانوني اللاتيني، هو رأس الهرم في جهاز النيابة العامة، وقد سُميَ نائبًا عامًا، أي أنه ينوب نيابة عامة عن المجتمع في تحريك الدعوى الجزائية والإدعاء فيها أمام المحكمة المختصة، ويوكل في ذلك إلى مجموعة من الأشخاص يسموْن وكلاء النائب العام أو وكلاء النيابة، إذ لا يملك المجني عليه في الواقعة تحريك الدعوى الجزائية بنفسه، عدا الإدعاء مدنيًا أمام المحكمة لطلب التعويض المادي أو الأدبي.
والنائب العام غالبًا ما يكون رجلا بدرجة وزير وعضوا في المجلس الأعلى للقضاء، وتكون مسؤوليته الوظيفية أمام رئيس الدولة مباشرة وليس أمام وزير العدل، كما يعتقد الغالب الأعم من الناس. فمنصب النائب العام منصب قضائي بحت كونه عضو في السلطة القضائية ولا يتصل أو يتبع وزير العدل، الذي هو عضو في السلطة التنفيذية إعمالا للمبدإ الدستوري المعروف، مبدأ الفصل بين السلطات.
ويتبع النائب العام جهازا كاملا يسمى النيابة العامة، وهي شعبة من شعب القضاء – وليست إدارة تتبع وزارة العدل – وهذا الجهاز مكون من محامين عموم ورؤساء نيابة ووكلاء نيابة ومساعدين ومعاونين، وجميعهم يمارسون وظائف قضائية وإدارية متصلة بجهاز النيابة.
ويحل المحامى العام الأول محل النائب العام وتكون له جميع اختصاصاتة في حالة غيابة أو خلو منصبه او قيام مانع لديه. ويقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض، نيابة عامة مستقلة، تؤلف من مدير يعاونة عدد كاف من الأعضاء من درجة محام عام أو رئيس نيابة.
تنهض النيابة العامة بكافة الإختصاصات الأخرى التي تنص عليها القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية ومنها: الإشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجنائية أو المخصصة لحجز المعتقلين، وذلك بزيارتها والإطلاع على دفاترها والاتصال بأي محبوس فيها.
تبعية النائب العام لوزارة العدل:
فى أبريل 1895 صدر قرار من مجلس الوزراء، يفيد بأن النائب العام وأعضاء النيابة، تابعون لوزير العدل وملزمون باتباع التعليمات التى تصدر لهم من الوزارة. وفي 1927، أصدر مجلس الوزراء قرارا بإلغاء القرار السابق وجعل علاقة النائب العام حرة طليقة، بعيدا عن أي قيود تربطها بوزارة العدل. وفي فبراير ،1929 استردت السلطة التنفيذية بعضا من سيطرتها على منصب النائب العام، بأن حظرت عليه القيام بأي تحقيق إلا بموافقة وزير العدل. وفي 2006، تم تعديل قانون السلطة القضائية، ليصبح النائب العام تابعًا لوزير العدل من الناحية الإدارية المحضة، أما من الناحية القضائية، فهو لا يتبع وزير العدل إطلاقًا، ويكون مستقلا استقلالا تاما من الناحية القضائية.
صلاحيات منصب النائب العام:
للنائب العام سلطة إصدار أوامر إدارية لأعضاء النيابة، كما يحِـق له إصدار أوامر لأعضاء النيابة تكون ملزمة قانونا، وفي حالة مخالفتها، يحق للنائب العام إقامة دعوى تأديبية على من خالف قراره من أعضاء النيابة، وله سلطة مطلقة في رفع الدعاوى القضائية. فهو الذي يحدد هل يتم رفع الدعوى أم لا ولا توجد رقابة عليه في هذا المجال، إلا ضميره المهني وتنفيذه لأحكام القانون، كما يحق للنائب العام أن يصدر طلبا إلى مدير مصلحة وثائق السفر بإدراج اسم شخص على قوائم الممنوعين من السفر، وذلك لفترة محدودة.
وهو بدرجة وزير، مثله مثل رؤساء محاكم الاستئناف ونواب رؤساء محاكم النقض.
لا يحق له إبطال تنفيذ أي حكم قضائي إلا أن يكون المتهم مريضا عقليا ويثبت ذلك بشهادة رسمية من مستشفى حكومي، وينص القانون على أنه لا يجوز لمجلس الشعب، وهو أعلى سلطة رقابية وتشريعية في الدولة، مراقبة أعمال النائب العام ولا يجوز له إطلاقا مراجعة أو التعليق على قرار النائب العام أو التشكيك فيه بأي شكل من الاشكال، حتى إذا كان ذلك داخل مجلس الشعب، لأن قراراته وأحكامه لها نفس قدسية الأحكام القضائية، وينص القانون على أنه يحق لأي شخص أضر من تصرفات النائب العام أن يخاصمه برفع دعوى بذلك الشأن، بشرط أن لا يكون الخطأ الذي وقع فيه النائب العام من الخطإ البسيط، أو لا تصح مساءلته شخصيا عنه حتى لا تسقط هيبة القضاء.
ويعد منصب النائب العام من أهم وأخطر المناصب في مصر. فهو المسؤول عن ضبط الإيقاع السياسي الأمني والاقتصادي، في بلد يتجاوز تعداده 80 مليون نسمة، كما أنه الشخص الوحيد قانوناً الذي يملك حق تحجيم أي شخصية تحوم حولها الشبهات، بتحديد إقامتها أو منعها من السفر أو التصرف في أموالها، إضافة لكونه الملاذ الآمن لكل صاحب حق يريد الحصول على حقه، ولذلك، يلجأ إليه أصحاب المصالح والحاجات لضمان سرعة البت والفصل في القضايا التي يتم عليها الموافقة أو التأشير من النائب العام.
يستمد النائب العام قوته من الدولة، التي يعد من أهم الرموز القضائية فيها، كما يستمد هيبته وقوته من القانون الذي يحرص على تنفيذه وإعمال مواده بكل أمانة ونزاهة وثقة، كما يستمد قوته من طبيعة شخصيته، والتي تكون في الغالب الأعم، محصنة ضد الفساد أو الإفساد، إضافة إلى شخصيته القوية التي لا تتأثر بالضغوط الخارجية، سياسية كانت أو أمنية، ولأن مصالح العباد في مصر تتعلق برقبته، فهو مسؤول مسؤولية مباشرة أمام القيادة السياسية.
يعرف النائب العام في مصر بأنه “رجل المهام الصعبة” يدرك كيفية التعامل مع مختلف القضايا وكيفية فرض سيناريوهات لحلها والوصول إلى نتيجة إيجابية في أسرع وقت، وهو “الملاذ الوحيد” لاسترجاع الحقوق ونصرة المظلومين. فالرجل “لا يكِـلّ ولا يمِـلّ” من تلقي البلاغات والشكاوى، حتى أن دفتر تقييد البلاغات بمكتبه صار أشبه بدفتر المظالم لما يتضمنه من مئات القضايا الإنسانية، التى تمس كل كبير وصغير في مصر، وتحمل في طياتها قصصاً مختلفة لمآسي المواطن، حتى لقب بـ “نصير الغلابة”.
كما يعرف النائب العام بأنه “محامي الشعب”، حيث يمسك بيده مطرقة من حديد يضرب بها بؤر الفساد والفاسدين والمفسدين، باختلاف أنواعهم. ففي السنوات الأربع الأخيرة، استطاع ملاحقة الفاسدين في قضايا الرشوة واستغلال النفوذ وإهدار المال العام، وهو يحقق بقوة في الفساد الإداري الذي يتوغل في المصالح الحكومية المختلفة، وعندما تولى منصب النائب العام، شعر المصريون بأن المنصب قد ردّ إليه اعتباره ومكانته، فهو “رجل النزاهة بامتياز”. واللافت في تحركاته، هو “المبادرة وإعادة الحق لأصحابه بسرعة ومحاصرة الفساد”.
والنائب العام المستشار عبد المجيد محمود، ليس بالشيء الهيِّـن، كما يقول تاريخه القضائي. فرغم أنه تجاوز الستين عاماً بقليل، إلا أنه قضى أكثر من 35 عاماً في ساحات المحاكم وأروقة القضاء، وهو شخص متفاني في عمله يرفض “الشو” الإعلامي وإجراء الأحاديث الصحفية والمقابلات التليفزيونية، ويفضل العمل في صمت، بعيداً عن الضجة والضجيج. وقد اشتهر بالنزاهة والشجاعة والحكمة، ولهذا فهو يعد أبرز من تولي هذا المنصب في مصر في الآونة الأخيرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.