قرارات فكّ الارتباط بين الجيش والعشيرة تنعش شعبية الرئيس هادي
أصدر الرئيس الانتقالي اليمني عبد ربه منصور هادي مطلع الأسبوع الجاري، قرارات رئاسية قضت بتشكيل الحماية العسكرية والأمنية لرئاسة الدولة، وبفك ارتباط عدد من الألوية العسكرية عن قيادتيْ الجيش، المنقسمة وحداته بين أنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وبين اللواء علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، الذي أعلن تأييده للثورة الشعبية في مارس 2011 وانشقاقه عن النظام .
واستهدفت قرارات هادي فكّ الارتباط المالي والإداري والقيادي لـ 6 ألوية من الحرس الجمهوري ولواء من الحرس الخاص من أصل 31 لواء حرس جمهوري و11 لواء قوات خاصة، تخضع جميعها لقيادة العميد أحمد، النجل الأكبر لصالح، كما استهدفت فك ارتباط 5 ألوية من أصل 23 لواء، هي إجمالي قوام الفرقة الأولى مدرع، التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر.
فك ارتباط أهم وحدات الجيش
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة للرئيس هادي تشكِّـل مواصلة لاستراتيجية النفس الطويل، التي يطبِّـقها في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد، وهي الطريقة القائمة على التدرّج في نقل السلطة، إلا أنها هذه المرة اتّـجهت إلى أهمّ المفاصل والأذرع المانعة للانتقال السياسي، وبدأت بفك ارتباط أهمّ وحدات الجيش، بأشخاص كرّسوا خلال العقود الماضية، شخصنة المؤسسات العسكرية.
وهذه المرة، شكّلت قرارات هادي، وفقاً للخبراء والمراقبين، تحوّلا نوعياً على طريق تفكيك الهيْـمنة غيْـر المشروعة لطرفيْ الصراع على قوات الجيش، وعزّز الثقة بالطريقة الهادئة التي يتبعها الرئيس اليمني في تنفيذ مهامّ المرحلة الانتقالية، بعد أن كانت تعرّضت لانتقادات سياسية وشعبية واسعة .
فالرئيس اليمني المُـنتَخب شعبيا، والمسنود بدعم إقليمي ودولي، تعرّضت إدارته للبلاد منذ انتخابه في الحادي والعشرين من فبراير من العام الماضي لانتقادات واسعة، خاصة من قِوى الثورة، بسبب بقاء القوات العسكرية تحت هيْـمنة قطبيْ الصراع العائلي والعشائري، واستمرار تدخّلاتهما في إدارة الشأن العام، وتعكير الأمن والسلام الاجتماعيْين، وإعاقة العملية السياسية .
مخاوف اليمنيين
وصل الأمر إلى حدّ اتهامه بالتحيّز لطرف ضد آخر، لاسيما بعد تعيينه قيادات جديدة في مواقع عسكرية وأمنية في أبريل الماضي، أدّت إلى عزل وإبعاد عدد من أقرباء وموالين لصالح، فيما عملت على تعزيز مواقع الموالين للواء الأحمر.
وقد أثار ذلك سخط بعض القوى السياسية ضد تلك القرارات، ليس فقط داخل أنصار ما يسمّى ببقايا النظام، وإنما أيضاً في صفوف الحوثيين الشيعة والحِراك الجنوبي، ووسط تكتلات الثورة الشبابية، والتي لا تنظر بعيْن الرضا لقائد الفرقة الأولى مدرع ولا تطمئِـن لبقائه متفرّداً بما يقارب نصف الجيش، مثله مثل خصومه أقارب صالح، الذين يسيْطرون على الجزء الأكبر، في وقت تستعد فيه مختلف القوى السياسية للدّخول في مرحلة الحوار الوطني الشامل، الذي يقتضي تكافُـؤ أطراف تلك القوى ويضمن عدم لجوئها للقوة، في حالة عدم رضاها عن نتائج الحوار.
لذلك، بقاء الجيش اليمني منقسِماً، لم يمثل مصدر قلق للأطراف السياسية وحسب، وإنما أثّـر سلباً على شعبية هادي، خاصة بعد تزايُـد الاضطرابات والاختلالات الأمنية، وتبادل الاتهامات بين أتباع صالح وأتباع محسن بالوقوف وراءها .
غير أن قرارات الرئيس اليمني الأخيرة، خلّفت ارتياحاً كبيراً هذه المرة، بدت في ردود الأفعال المؤيِّدة لها من قِبل مُختلف فرقاء العمل السياسي، ومن القوى والأحزاب اليمنية والشعبية، التي بادرت إلى إصدار بيانات مسانِـدة لِـما اعتبرته خُـطوة في طريق تخليص المؤسسة العسكرية من القبْـضة العائلية والعشائرية، ومن ثَـم استعادة الدولة المُنهارة والمُصادرة والتّهيئة للانتقال الديمقراطي .
فمعظم الفعاليات السياسية والحِزبية تترقّب لحظة تحرّر الجيش اليمني، وترى أنها ستحرّرها من مخاوفها التي خلقتها سَــطوة هذه المؤسسة على مدى عقود، خاصة أن البلاد في ظرفية تتهيـأ فيها للخِيار الديمقراطي، القائم على التعدّدية الحزبية وحماية الحقوق والحريات، وإقرار أسُـس التداول السِّـلمي للسلطة، وهو ما لا يمكن الوصول إليه، إلا بوجود دولة قوية قادِرة على تأمين شروط التناوُب على السلطة ومنع إعاقة انتقالها من قِـبل المؤسسات المُراهنة على القوة، كالمؤسسة العسكرية التي ما زالت تتطلّع للعب دور سياسي، كما ظهر جلياً من خلال رميها بكل ثقلها في الثورة أو بقمعها، ما يجعل مسألة استمرارها في تشكيل المشهد السياسي اليمني، تحدياً قائماً لا يمكن أن يتراجع خطره، إلا بإفلات قوات الجيش من القبْـضة العائلية والعشائرية كمدخل أساسي، لإعادة الروح الوطنية لهذه المؤسسة وتقليص الهيْمنة التقليدية على الجيش واعتباره المقدّمة الشرطية لوجود دولة قوية قادِرة على تحقيق المواطنة المتساوية والانتقال الديمقراطي وحمايته، ولدى اليمنيين مخاوف مبرّرة تُجاه تأثير العسكر على الحياة السياسية، تعود إلى تدخلاتهم المتكرّرة، من أجل حسم الصراعات السياسية التي انتهت جميعها إلى تعظيم دور الجيش في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية من ناحية، وإلى هيمنة الطابع القبلي عليه من ناحية أخرى.
فك ارتباط المصالح
على أن فك الارتباط بين هذه المؤسسة العسكرية والمكوّنات العشائرية والقبلية، ليس بالأمر السهل، نظراً لتفاقم وترابط المصالح بين الطرفين، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حُكم صالح، التي عرفت تطوّرات خطيرة، أدّت إلى فقدان الهوية الوطنية للجيش، بعد أن عمل صالح في المرحلة الأولى من حُكمه على تعزيز سيطرة قبيلة حاشد، التي ينتمي إليها، ثم في المرحلة الثانية، تمكين عشيرته سنحان، وهي فخذ من حاشد، حتى انتهى في المرحلة الأخيرة إلى إحكام الإطباق العائلي على هذه المؤسسة بتأسيس الحرس الجمهوري عام 1991 بقيادة نجله الأكبر أحمد وإخوته وأبناء إخوته، والتي وصلت إلى حدٍّ تقاطعت فيه مصالح العائلة مع العشيرة والقبيلة، لاسيما بعد أن أصبح توريث الحُكم، الهاجس المسيْـطر على علي صالح .
من الواضح أن الترابط بين قوات الجيش والمكونات الاجتماعية التقليدية، تستند إلى تراكُمات طويلة من الممارسة السياسية، تدعمها شبكة مصالح واسعة وعميقة، نشأت وتشابكت على مدار عقود طويلة من الزمن، وليس من السهل إنهاؤها، ولذا يكون فك الارتباط التدريجي بين تلك المصالح، وكما يذهب فيه الرئيس هادي الخيار الأنسب، ليس فقط لاستعادة الهوية الوطنية للمؤسسة العسكرية اليمنية، وإنما أيضاً لتفادي الدخول معها بصِدام في ظرفية تُعاني منها الدولة من وهن شديد.
أعلن مصدر عسكري في محافظة أبين اليمنية لفرانس برس، ان مئات من عناصر اللواء الثاني مشاة حرس جمهوري المرابط في مدينة لودر، تمردوا على قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بضمّ اللواء إلى قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية.
وقال المصدر إن “المُنتسبين من اللواء، جنودا وضباط صف، بدأوا بالانسحاب من معسكرهم والنقاط المستحدثة في لودر والوضيع ومودية، لمواجهة القاعدة بعد يوم واحد من صدور القرارات الخاصة بإعادة هيكلة الجيش”.
وأكد المصدر نفسه ان “معظم الجنود الذين تمردوا على تلك القرارات، هم من أبناء القبائل المجاورة لصنعاء، خصوصا الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، فيما بقي آخرون في المعسكر”.
وذكر سكّان محليون في لودر، انهم شاهدوا الثلاثاء والاربعاء، مئات من الجنود وهُـم يغادرون نقاط التفتيش والمعسكر بأسلحتهم الشخصية.
وأكد السكان أن أعضاء اللجان الشعبية منَعوا الجنود من الانسحاب بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وسمحوا لهم بالمغادرة بالأسلحة الخفيفة، أي بنادق كلاشنيكوف.
وأضافوا أن العشرات من أعضاء اللجان الشعبية استنفروا وأطلقوا نداءات عبْر مكبِّرات الصوت للخروج لحماية المدينة من أي هجوم مُحتمل من قبل القاعدة، بعد تمرد الجنود وترك نقاط التفتيش.
وقال صالح القفيش، احد ابناء المدينة “هؤلاء جنود أحمد علي عبدالله صالح، وهُم بهذا العمل، يريدون التمرد من مسقط رأس هادي، ونحن أبناء لودر سنحمي المدينة ونغطّي الفراغ الأمني”.
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أصدر الاثنين قرارات اقتطع بموجبها ألوية كاملة من الحرس الجمهوري، الذي يقوده نجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأخرى تابعة للقائد العسكري النافذ اللواء علي محسن الأحمر، ما يحد من القوة العسكرية لمعسكريْهما الغريمين. وعلى الاثر، رحّب اللواء علي محسن الاحمر بالقرار.
ويضم الحرس الجمهوري قوات النخبة في الجيش اليمني، وهو الجهاز العسكري الابرز من بين الاجهزة التي يقودها او يشارك في قيادتها اقرباء للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي تخلى عن السلطة في شهر فبراير.
ويُفترض أن يعمل هادي في الفترة الانتقالية على توحيد الجيش وإنهاء المظاهر المسلحة وقيادة حوار وطني لحلّ القضايا الوطنية الكُبرى، مثل قضية الجنوب، حيث يُطالب حِراك شعبي بالانفِصال، وقضية المتمرِّدين الحوثيين الشيعة في الشمال.
(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء أ.ف.ب بتاريخ 8 أغسطس 2012).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.