لبنان.. أزمة نِـظام أمْ كِـيان؟
هل بدأ لبنان يخرُج من أزمة النِّـظام ليدخُـل في أزمة الكيان؟ هذا السؤال أطَـلّ برأسه مؤخّـراً في بلاد الأُرز، ليس فقط بسبب الأزمة الحكومية (التي ستجِـد لها "حلاّ إقليمياً" في خاتمة المطاف)، بل لأن الطوائِـف الرئيسية في البلاد (الشيعة والسنّة والموارنة)، تتخبّـط كلٌّ منها في أزمَـتها الداخلية وتبدو عاجزة عن تقديم حلول أو مخارِج ما لأزمة النظام السياسي اللّـبناني الحالي.
فالطائفة الشيعية تدين الآن بالولاء (في مُـعظمها) إلى حزب الله، الذي يدين بدوره بالولاء لولي الفقيه في إيران وينتظِـر منه الإرشادات والتّـوجيهات حول حدود وشروط العمل في الساحة اللبنانية.
إقامة الدولة الإسلامية بقيادة ولي الفقيه، هي مُـبرر وجود حزب الله منذ تأسيسه على يد الحرس الثّـوري الإيراني عام 1982. وبما أن إقامة هذه الدولة مؤجّـلة بسبب التعدّد الطائفي في لبنان، فإن الدّور المتبقّـي للحزب على الساحة اللبنانية، يقوم على شقين:
الأول، العمل من داخِـل النظام من دون الاندِماج أو الاعتِـراف به، لكي لا يشكِّـل ذلك مسّـا بقواعِـد الدولة والأمّـة الإسلامييْـن وبتعاليم ولي الفقيه، وهذا ترجَـم نفسه في شكل “زُهد” حزب الله بالمناصِـب الحكومية والاكتِـفاء بعددٍ محدود من المقاعِـد في مجلس النواب، رغم أنه قادِر على شطْـب حركة أمَـل من الوجود السياسي واحتكار التّـمثيل الشيعي في السُّـلطتيْـن، التشريعية والتنفيذية.
والشق الثاني، تركيز كلِّ جُـهود الحزب على مسألة المُـقاومة، بما يعني ذلك من عمليات تسليح وتدريب وتعبِـئة ونشاطات أمنية واستخبارية حمائية. وبما أن القرار 1701 وضع حدّاً لعمليات المُـقاومة في مزارِع شبْـعا، وبالتالي، في كل الجنوب، باتَـت القوّة العسكرية لحزب الله موضوعة مُـباشرة وبشكل واضِـح في خِـدمة التوجّـهات الإقليمية الإيرانية. صحيح أن هذه القوّة تشكِّـل رادعاً ما لإسرائيل يُـجبرها على عدَم استسهال أي اختِـراق جديد لأرض لبنان، إلا أن الصحيح أيضاً، أن بقاءَ هذه القوّة خارج إطار السيّـادة والدّولة اللبنانييْـن ومنفصلة تماماً عنهما، يجعلها خاضِـعة لموازين ومؤثِّـرات التطوّرات الإقليمية.
وعلى سبيل المثال، إذا ما وصلت طهران وواشنطن في مرحلة ما من مراحِـل المفاوضات العتيدة بينهما إلى تفاهُـمات معيّـنة يتِـم في إطارها مُـقايضة اعتراف الثانية بنظام الأولى وبشيء من دورها الإقليمي بالتِـزام الأولى بقواعد سلوك محدّدة، على المستوييْـن النووي والإقليمي، ستكون الأبواب والنّـوافذ مفتوحة أمام احتِـمال تحويل حزب الله إلى مجرّد حزب سياسي.
وعلى العكس، إذا ما تدهوَرت الأمُـور بين طهران وواشنطن وبين طهران وتل أبيب، لن يستطيع حزب الله البَـقاء مكتوفَ الأيْـدي، فيما وطن ولاية الفقيه ومركز الأمة الإسلامية يتعرّض إلى الضّـرب أو المخاطر الجمّـة.
ماذا تعني كل هذه المعطيات؟
أمراً واحداً: الطائفة الشيعية بقيادة حزب الله تفتقد إلى أي مشروع سياسي (واقتصادي) داخلي، يمكن أن يُحدِّد دورها ونطرَتها إلى النظام اللّـبناني وطبيعة علاقتها بالطوائف الأخرى، وهذا ما يُـفقِـدها القُـدرة على بَـلوَرة صيغةٍ سياسيةٍ جديدة، تُـلبّي حقيقة الصّـعود الديمغرافي والاقتصادي والثقافي للطائفة الشيعية، منذ أن حطّ السيد موسى الصّدر الرِّحال في صُـور عام 1958 وحتى تحرير الجنوب عام 2000.
وبهذا المعنى، ثمّـة أزمة حقيقية في الوضعية الرّاهنة للطائفة الشيعية اللبنانية. فهي ليست داخل النظام ولا خارجه، وهي تتمتّـع بمزايا قوّة عديدة، لكنها غيرُ قادِرة على ترجمَـة هذه المزايا على أرضِ الواقِـع، بسبب افتِـقادها إلى مشروع وطني لبناني. إنها أشبَـه بمُـراهق ثوري إسلامي يحلُـم بتغيير العالم برمّـته (بما فيه العالم الأخروي مع مجيء المهدي المنتظر)، فيما هو يُهمل الاهتمام بمصيره ومستقبله في قريته التي تتهدِّدها المخاطر من كلّ حدْبٍ وصوْب.
وبالطبع، حين تكون الطائفة في أزمة مع النظام، فهي ستكون حتماً عاجزة عن تقديم الحلول والمخارج لأزمات هذه النظام. فمَـن كان جزءاً من المشكلة، لا يستطيع أن يكون جُـزءاً من الحلّ.
صحيح أن الشيعة اللبنانيين وطنِـيون حتى العَـظم، وهُـم كانوا من أوائل مَـن ساند المشروع الاستقلالي اللبناني بسبب وضعهم كجزيرة شيعية في بحر من العالم السُـنّي، إلا أنهم مَـسكونون هذه الأيام بالسِّـحر الكاريزمي لحَـسن نصر الله وبإنجازات شِـعار المقاومة، وبالتالي، يقظَـتهم تُـجاه دورهم الجديد المُـفترض في النظام اللبناني، تبدو مؤجّـلة إلى أمَـد غير محدّد.
.. وأزمة سُـنّية
الطائفة السنّية في المقابل، تبدو في كوكَـبٍ آخر، قياساً بالطائفة الشيعية، إذ هي كانت بدأت منذ أوائل السبعينيات، وللمرّة الأولى في تاريخها، رحلة الانضِـمام إلى مشروع الكِـيان اللبناني، من دون أن تتخلّـى عن انتمائِـها العربي.
أمُـور عديدة ساهَـمت في هذا التطوّر الهام: تراجُـع ثم انهيار ومشروع القومية العربية العِـلمانية بعد هزيمة 1967. التّـجربة السُـنّية المَـريرة مع المقاومة الفلسطينية، التي مارست مع السُـنّة وبقية اللبنانيين سياسات شوفينية فلسطينية، رغم كلّ الدّعم والاحتِـضان الذي حظيت به. تجربة السُـنّة الأسوأ مع العهد السّـوري حين تعرّضوا إلى التّـهميش السياسي لصالِـح الشيعة والدروز، وأخيراً، حاجة السُـنّة إلى انتماء محلّـي وشعورهم بالتميّـز الاقتصادي والثقافي عن بقية العرب.
بيد أن هذه التطوّرات والتّـطويرات الإيجابية في مواقِـف السُـنّة لم تتِـم في حُـضن مشروع هوية وطينة جديدة، بل في إطار بَـلْـورة هوية طائفية. وهكذا، بدلاً من أن ينتقِـل السُـنّة من الانتِـماء إلى الأمة العربية إلى الوطن اللبناني، انتقلوا إلى البَـوتَـقة الطائفية، التي وضعتهم مُـباشرة في مواجهة الشيعة في الدّرجة الأولى وبقية الطوائف في الدّرجة الثانية.
بالطبع، لم تخْـلُ “لَـبْـنَـنة” السُـنّة من مسحات وطنية واضحة، تجلّت أساساً في حركة 14 آذار ضد سوريا (وإن شابت هذه الوطنية نتعات عُـنصرية غريبة وممجوجة) وفي رفع شعار “لبنان أولاً”، بعد أن كان شِـعار السُـنّة مع تأسيس الدولة اللبنانية عام 1943 “سوريا والأمّـة العربية أولاً”، بيد أن هذه اللّـبْـننة لم ترْقَ إلى درجة التقدّم بمشروع وطني، بل انهمَـك الجميع في مُـواصلة عملية الدّمج الطائفي للسُـنّة من أقاصي الشمال إلى مداخِـل الجنوب، مروراً ببيروت الغربية.
بكلمات أوضح: السُـنّة كما الشيعة، لا يملِـكون مشروعاً محدّداً غيْـر ذلك المُـتمحْـوِر حول “وِحدة الطائفة” و”حقوقها”، إضافة إلى المشاريع الإعمارية والتجارية لنُـخَـبهم الاقتصادية الجديدة، ولذا، فهُـم مأزومون كالشِّـيعة (وإن نِـسبياً) وغير قادِرين على تقديم الحُـلول لأزمات النظام.
الدروز يتخبّـطون بدورهم في أزمة الأدوار، وهم باتوا بعد أحداث 7 مايو، يخشَـون على مصيرهم بسبب موقِـعهم الجيو – إستراتيجي بين الجنوب والبِـقاع والجبل، ولخوفهم من تأثير الانقلابات الإقليمية والدولية على هذا الموقع.
وليد جنبلاط عبّر عن كل هذا التخبّـط، حين قرّر الوقوف على تلّـة تقع في منتصَـف الطريق بين 14 و18 آذار، وهذا ما أفقَـد المشروع اللبناني ورَقة ثمينة، خاصة حين نضع في الاعتبار الدّور التاريخي الكبير الذي لعِـبه الدروز، ليس في إقامة الكِـيان اللبناني وحسب، بل أيضاً نجاحهم الذي يجِـب الاعتراف به في تطوير العمل السياسي اللبناني، حين تمكّـنوا من حُـكم جبل لبنان، وأحياناً كل لبنان الكبير، وصولاً إلى اللاّذقية، عبْـر إتقان فنّ التّـحالفات السياسية وعمليات الدّمج والاستيعاب.
انقسامات المسيحيين
يبقى المسيحيون. في عالم مِـثالي، كان يُفترض بهذه الجماعة التي أنِـيط بها حُـكم لبنان طيلة نحو نصف قرن (منذ عام 1920)، أن تفيد من أزمات الطوائف الأخرى لتَـستعيد دورها المؤسّـس ولتصحح الخلَـل في سياستها التّـهميشية والإقصائية، التي مارستها ضدّ الشيعة والدرُوز بعد الاستِـقلال، والتي حجَـبت عنها مصلحتها الكُـبرى في بناء دولة حديثة وعصرية وقوية، وهذا أمرٌ لحَـظَـه ميشال شيحا في مطلع عام 1920، حين طالب برصْـد كلّ القرض الفرنسي، الذي قُـدّم إلى الدولة اللبنانية بقيمة 20 مليون فرنك (وهو مبلغ ضخم آنذاك)، لتنمية الجنوب المُفقَـر، لكن طلبه رُفِـض في مجلس النواب.
بيد أن إلتِـقاط هذه الفُـرصة لم يحدُث. فالانقسامات بين المسيحيين لا تزال سيِّـدة الموقف، وهذا ما يجعَـلهم في حالة صِـراع داخلي تستنزِف قواهم وتمنعهم من رُؤية الغابة الكامِـلة التي تعجُّ بمُـختلف الوحوش والمخاطر، والتي تختفي وراء شجَـرة الصِّـراع على سلطة لم تعُـد موجودة أصلاً.
وفي هذه الأثناء، وفي خِـضمِّ هذه الصِّـراعات العبثية، يستمِـر النّـزف الديموغرافي المسيحي، الأمر الذي سيُـلقي، في حال استمراره، غلالة كثيفة من الضّـباب والشكوك حِـيال مستقبل الدور السياسي المسيحي.
الدولة الفاشلة
الطوائف إذن كلها مأزومة، كلّ على طريقتها ولظروفها الخاصة، وهي غيرُ قادِرة على التراجع إلى الوراء نحو صيغة الدويْـلات الميليشياوية، التي سادَت خلال الحرب، ولا التقدّم إلى أمام نحو مشروع الدولة الحديثة والهوية الوطنية الجامعة، هذا ما يُعبَّـر عنه الآن بتعبير “أزمة النظام”، وهو تعبير دقيق بالطّـبع، وإن كان أكثر تهذيباً من تعبير الدولة الفاشِـلة، والتي أعادت مجلّـة “فورين بوليسي” تحديدها في عددها الأخير (يوليو – أغسطس) على النحو الآتي:
“أنها الدولة التي لا تستطيع القيام بالوظائف الأساسية المَـنُـوطة بها (توفير الأمن وتقديم الخدمات العامة وإدارة آليات السوق والإدارة الكُـفْء للتنوّع الاجتماعي في الداخل وتوظيفه)، بالإضافة إلى مُـعاناة مؤسساتها من الضّـعف الهيكلي والوظيفي. باختصار، هي الدولة الغير قادِرة على القيام بمسؤولياتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وتزداد خطورة هذه الدول مع ازدِياد حِـدة الأزمات، لأن الدولة الفاشلة غير مهيّـأة لمُـواجهة المستجدّات والمخاطر الداخلية والخارجية، تلك الأزمات التي تبرز عوامل “الفشل” الكامِـنة في الدولة، مما يشكِّـل مخاطر على الدول الأخرى، كما حدث في 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة”.
هذه النقطة الأخيرة، أي مخاطر الدولة أو النظام الفاشل على الدول الأخرى في العالم، هي بالتّـحديد التي قد تُـحوّل أزمة النظام اللبناني في أي وقت إلى أزمة كِـيان، إذا ما قرّرت الدول الكُـبرى أن الطريقة الوحيدة لتجنّـب مضاعفات أزمة الدولة الفاشلة اللبنانية، هي تفتيت كِـيانها أو دمجه كله أو بعضه في كِـيانات أخرى.
لبنان لم يصِـل بعدُ إلى هذه المرحلة، لكنه قد يصلها إذا ما استمرّ الشّـلل الرّاهن في النظام السياسي وإذا ما عجَـزت الطوائف عن الخروج من تخبّـطاتها الفِـئوية الداخلية نحو رِحاب الوطن الجامع، كما فعل السويسريون قبل 200 سنة، وحين يصل، ستكون أزمة النظام هي المدخل الرئيسي لنهاية الكِـيان، وبقرار دولي – إقليمي هذه المرّة!
سعد محيو – بيروت – swissinfo.ch
بيروت (رويترز) – جدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الجمعة 13 أغسطس تهديده بقصف مدينة تل ابيب اذا قصفت اسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الجماعة الشيعية، لكنه استبعد وقوع حرب وشيكة.
وقال نصر الله في احتفال جماهيري في الضاحية الجنوبية لبيروت بمناسبة الذكرى الثالثة لحرب استمرت 34 يوما مع اسرائيل “نعم… في حرب (يوليو) قلنا لكم اذا قصفتم بيروت سنقصف تل ابيب، واليوم نقول لكم اذا قصفتم بيروت او الضاحية الجنوبية سنقصف تل ابيب”.
وخاطب الاسرائيليين عبر شاشة عملاقة قائلا “نعم اذا شننتم حربا على لبنان وتصورتم انكم تستطيعون ان تقصفوا اي مدينة في لبنان او اي قرية في لبنان، اقول لكم نحن اليوم قادرون ان نقصف اي مدينة او قرية في كيانكم الغاصب وعلى امتداد المساحة”.
واضاف “دباباتك ركِّـب عليها الذي تريده والويتك دربها كما شئت وفرقك التي تعدها لاجتياح ارضنا مجددا ومجددا، اقول لك ستُـسحق وتُـدمر في تِـلالنا وودياننا وجبالنا وقرانا”. ومضى يقول “كما كانت في حرب تموز مفاجآت… ستكون في اي حرب اسرائيلية جديدة مفاجات ان شاء الله”.
وهذه المرة الثانية خلال اقل من شهر التي يؤكد فيها حزب الله ان لديه صواريخ طويلة المدى يصل مداها الى تل ابيب في وسط اسرائيل على بعد 130 كيلومترا جنوبي الحدود اللبنانية.
وخفف نصر الله من شأن التهديدات الاسرائيلية بشن حرب وشيكة على لبنان قائلا “نحن لا نعتقد ان هذه التهديدات وكل هذا الضجيج الذي سمعناه من المسؤولين الصهاينة يؤشر او يدل على حرب اسرائيلية قريبة على لبنان”. واضاف في حفل تحت اسم “مهرجان الانتصار الالهي” انه “ليس من السهل ان تتخذ اي حكومة اسرائيلية قرار حرب على لبنان. ستعمل ليس فقط الف حساب.. مليون حساب قبل ان تفعل ذلك”.
وتساءل نصر الله “هذا الجيش الاسرائيلي الحالي وهذه الحكومة الاسرائيلية هل تملك القوة والقدرة على شن حرب تستطيع ان تستأصل المقاومة في لبنان.. انا اقول لكم لا”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 أغسطس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.