ماذا بعد تأييــد عدالة جنيف لــهانيبال القذافي؟
"هانيبال ينتصر في المحكمة"؛ "هانيبال يفوز بالشوط الأول"؛ "العدالة تؤيد هانيبال القذافي"؛ "صحيفة لا تريبون دو جنيف تـخسر ضد هانيبال القذافي"؛ "شرف هانيبال القذافي يُغسل بثمـن زهيد"...
هذه بعض العناوين التي اختارتها الصحف السويسرية الصادرة صبيحة الثلاثاء 13 أبريل الجاري للتعليق على الحـُكم الذي أصدرته محكمة بجنيف لصالح نجل الزعيم الليبي في قضية نشر صحيفة محلية لصوره أثناء اعتقاله من قبل شرطة كانتون جنيف في صيف 2008.
وكانت يومية “لا تريبون دو جنيف” قد نشرت يوم 4 سبتمبر من عام 2009 صورتي هوية لهانيبال القذافي التقطتهما الشرطة بعد إيقافه، أي بعد مرور 14 شهرا عن حادثة اعتقاله وعقيلته آلين في فندق فخم في جنيف من قبل شرطة الكانتون بعد أن رُفعت شكوى ضدهما بتهمة سوء معاملتهما لاثنين من خدمهما العرب.
وبدا وجه نجل الزعيم الليبي من الأمام والجانب على صورتي التعريف بالأبيض والأسود، وظهر فيهما بهيئة كئيبة وشعر أشعت ونظرة تائهة.
وفي 22 ديسمبر 2009 رفع هانيبال القذافي دعوى مدنية لانتهاك الحماية القانونية لشخصه، مطالبا بتعويض قدره 100000 فرنك سويسري (قبل أن يتراجع عن ذلك في آخر لحظة)، وتقدَّم بالدعوى ضد كانتون جنيف وصحيفة “لا تريبون دو جنيف” وأحد الصحفيين العاملين في نفس اليومية.
لكن محكمة الدرجة الأولى في كانتون جنيف قالت في حكمها الصادر يوم الإثنين 12 أبريل الجاري إنه لم لكن من حق الصحيفة نشر الصورتين، منوهة إلى أن عملية النشر كانت غير مشروعة. في المقابل، اعتبرت المحكمة أن هدف اليومية كان الإعلام وليس إلحاق الضرر.
وقضت المحكمة على “لا تريبون دو جنيف” بنشر نص الحكم على صفحات طبعتها الورقية وعلى الموقعين الخاصين بالصحيفة وبحكومة كانتون جنيف على شبكة الإنترنت. وفيما تتحمل حكومة جنيف ثلاثة أرباع تكاليف عملية النشر، تتكفل الصحيفة بدفع الربع الباقي.
غير أن المحكمة رفضت مطالبة هانيبال القذافي بتلقي أي تعويض، معتبرة أن نشر نص الحكم كاف لتعويض الضرر الذي لحق به. وجدير بالذكر أن نجل الزعيم الليبي كان قد أعلن بعد رفع الدعوى أنه لم يعد يرغب في الحصول على أي تعويض مادي وبأنه يفضل أن تنظر محكمة دولية في قضيته.
“سرعة نادرة”
وفي افتتاحية بعنوان “لعلّ نجاح هانيبال القذافي يكون مفيدا!”، كتب رئيس تحرير صحيفة “لا تريبون دو جنيف”، بيير روتشي، يوم الثلاثاء 13 أبريل: “إن العدالة حسمت الأمر بإصدارها، وبسرعة نادرة، حكما مدعوما (بحجج) طويلة ودقيقا للغاية. (…) لكن ما لم يناقشه القاضي – لأن الأمر ليس من صلاحياته نظرا للفصل بين السُّلط – هو السياق السياسي الصعب والمعقد لهذه القضية”.
وبعد التذكير بأن عشيرة القذافي أوضحت منذ البداية أنها تريد رؤية دويلة جنيف وهي تعبر عن ندمها بعد أن أهانت أحد أفراد أسرة الزعيم الليبي، تساءل رئيس التحرير إن كانت ليبيا تريد “اعتذارا، أم إقالة أم إدانة؟”، قبل أن يضيف: “لا شيء يُقال بهذا الوضوح في لغة القائد العظيم (…)، لقد تمت اليوم معاقـــَبتـــنا. الأكيد أن الحكم خفيف (…) وإن كان بإمكان هذه الإدانة تهدئة معاناة هانيبال القذافي والمساهمة في نفس الوقت في إيجاد مخرج للنزاع الجهنمي مع ليبيا وتقريب ماكس غولدي (رجل الأعمال السويسري المحتجز في ليبيا منذ 19 يوليو 2008 والمعتقل في سجن بضواحي طرابلس منذ 22 فبراير 2010 – التحرير) من باب الحرية، فإن المغزى من الإدانة سيتعزز إلى حد كبير”.
ويشار إلى أنه يمكن الطعن في قرار عدالة جنيف في غضون ثلاثين يوما. وفي التصريحات التي أدلى بها لإذاعة سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) على إثر صدور الحكم يوم الإثنين، قال روتشي إن صحيفته ستستخدم هذه المهلة لدراسة إمكانية الاستئناف، موضحا أن اليومية “لن تقوم بأي شيء يمكنه أن يُلحق الضرر بالرهنية السويسرية” (ماكس غولدي) الذي يقبع في سجن ليبي بتهمة انتهاك قوانين التأشيرة والإقامة.
وكان رئيس تحرير “لا تريبون دو جنيف” قد صرح لـ swissinfo.ch في وقت سابق أنه نشر صورتي هانيبال القذافي لأغراض صحفية مشروعة.
دويلة جنيف تتحمل مسؤولياتها
من جهته، أقر كانتون جنيف دائما بمسؤوليته في هذا الملف، وبأن أحد موظفيه انتهك سر المهنة بتسليمه الصور للصحيفة المحلية. وأعربت حكومة جنيف بعد إدانتها لهذا التسريب عن استعدادها للدخول في مفاوضات بُغية تقديم تعويضات للمُتضرر.
ومن خلال محاميها دافيد لاشا، طلبت دويلة جنيف من رئيس المحكمة بالإسراع في معالجة القضية أثناء جلسة عُقدت قبل ثلاثة أسابيع، مُعتبرة أن القاضي كان يتوفر على جميع العناصر لإصدار حكم سريع.
وبالتوازي مع الإجراءات المدنية، فتح المدعي العام لجنيف، دانييل زابـّيلي، تحقيقا جنائيا للعثور على الشخص المسؤول عن تسريب الصور داخل سلطات جنيف. ولازال التحقيق جاريا ويبدو أنه يــتقدم بصـعوبة.
طي إحدى الصفحات السوداء بين البلدين؟
وفي طرابلس، أعرب متحدث باسم الحكومة الليبية مساء الإثنين 12 أبريل عن اعتقاده أن الحكم الذي أصدرته محكمة جنيف يمثل “انتصارا لعدالة جنيف التي سادت على المصالح والمؤامرات” السياسية. وأضاف محمد بعيو، وهو أيضا رئيس المعهد الوطني للصحافة الليبية إن سويسرا “طوت إحدى صفحاتها السوداء” في نزاعها مع طرابلس.
في المقابل، دعا المتحدث الليبي الكنفدرالية السويسرية إلى قبول اللجوء إلى تحكيم دولي من أجل “تسوية ملف استجواب (الشرطة) الخشن لهانيبال”. واستطرد السيد بعيو قائلا: “إن ليبيا لا تريد الإنتقام ولا تشعر بالإهانة، بل هي تريد فقط أن تتحقق العدالة”. وقد نشر موقع “الجزيرة نت” القطري مساء الإثنين أن هانيبال القذافي أبلغ مراسله في طرابلس “رفضه قبول (أية) تعويضات سويسرية وأكد تمسكه بالتحكيم الدولي”.
وجدير بالذكر أن حادثة اعتقال هانيبال القذافي وزوجته من قبل شرطة جنيف في 15 يوليو 2008 تسببت في اندلاع أزمة دبلوماسية خطيرة بين برن وطرابلس التي اتخذت سلسلة من الإجراءات الإنتقامية ضد سويسرا، مثل المطالبة بالاعتذار واتخاذ تدابير اقتصادية كإغلاق الشركات السويسرية ووقف الرحلات الجوية وصادرات النفط باتجاه الكنفدرالية، وسحب الأموال الليبية المُودعة في المصارف السويسرية..
ومن الإجراءات الليبية التي كان لها وقع هام على نفسية الشعب السويسري، احتجاز طرابلس لرجلي أعمال سويسرييْن بعد أربعة أيام من حادثة إيقاف نجل الزعيم الليبي في جنيف. وبعد مضي أكثر من عام ونصف على اعتقالهما، أفرجت ليبيا عن أحدهما (رشيد حمداني) في 22 فبراير الماضي، بينما ظل ماكس غولدي يقضي حكما بالسجن لمدة أربعة أشهر بالقرب من العاصمة الليبية. ومازالت الأزمة قائمة بين البلدين. فهــل يُبــشر دعم عدالة جنيف لهانيبال القذافي بــانفراج قريب في الأفق؟ لا أحد يُمكنه الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الراهن.
إصلاح بخات – swissinfo.ch – مع الوكالات
أيدت محكمة الدرجة الأولى في كانتون جنيف الشكوى التي رفعها هانيبال القذافي واعتبرت أنه لم يكن من حق صحيفة “لاتريبون دو جنيف” نشر صور الهوية القضائية لنجل الزعيم الليبي التي التقطت له لدى توقيفه يوم 15 يوليو 2008، كما أقرت الهيئة القضائية بمسؤولية دويلة جنيف في المسألة.
وفي حكم أصدرته يوم الإثنين 12 أبريل 2010، أكدت المحكمة الطابع غير المشروع للنيل من الشخصية الذي تسبب فيه نشر هذه الصور حسب تصريحات أدلى بها مارك هاسبرغر، محامي صحيفة “لاتريبون دو جنيف”. وقد اعتبر القاضي أن الصحيفة أخطأت في تقدير المصالح والموازنة بينها.
وقضت المحكمة على الصحيفة بنشر نص الحكم على صفحات طبعتها الورقية ونشره أيضا على موقعي الصحيفة وحكومة جنيف على شبكة الإنترنت.
في المقابل، رفضت محكمة الدرجة الأولى في جنيف منح تعويض بقيمة 100 ألف فرنك لفائدة هانيبال القذافي. وكان نجل الزعيم الليبي قد طالب في بداية الأمر بهذا التعويض قبل أن يتراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة. واعتبر القاضي أن نشر نص الحكم كاف لتعويض الضرر الذي لحقه.
قال محامي المواطن السويسري ماكس غولدي الذي يقضي عقوبة بالسجن لأربعة أشهر إن موكله نقل مساء السبت 27 مارس إلى زنزانة بدون نوافذ.
وفي تصريحات إلى وكالة الأنباء السويسرية، قال صالح الزحاف إن المدير السابق لفرع شركة ABB للإنشاءات في ليبيا لم يعد يتوفر أيضا على ماء ساخن.
وكان غولدي قد مُنع هو ورشيد حمداني (وهو رجل أعمال سويسري من أصل تونسي) من مغادرة الجماهيرية منذ 19 يوليو 2008 وذلك بعد وقت وجيز من إيقاف هانيبال، نجل الزعيم الليبي في فندق فخم في جنيف.
وفيما سُمح لاحقا لحمداني بمغادرة الأراضي الليبية بعد تبرئته من التهم التي كانت موجهة إليه يوم 22 فبراير 2010، بدأ غولدي في اليوم نفسه تنفيذ عقوبة بالسجن النافذ بأربعة أشهر لمخالفته قوانين الإقامة.
ويوم 27 مارس 2010، قال مسؤولون سجنيون في طرابلس إنه تم تحويل غولدي إلى زنزانة أخرى تفتقر إلى الماء الدافئ والنوافذ متعللة بوجوده في جناح يضم 90 من المجرمين الخطرين.
وفي برن أكدت وزارة الخارجية السويسرية نقل غولدي إلى زنزانة أخرى لكنها أشارت إلى أن سلطات السجن وعدت بالبحث عن حل أفضل لغولدي الذي يتلقى 6 زيارات من طرف دبلوماسيين سويسريين في الأسبوع.
من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية إن صحة غولدي تحسنت منذ أن بدأ في تلقي الأدوية. وفيما أكد محاميه صالح الزحاف ذلك إلا أنه أشار إلى أنه “غير راض” عن ظروف غولدي.
وفي غرة أبريل الجاري، أفاد متحدث باسم العفو الدولية إلى أن سلطات سجن الجديدة لم تنقل ماكس غولدي إلى زنزانة أخرى لكنها سمحت له بالقيام بفسحة يومية تدوم ساعة في فناء المعتقل.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.