“محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي أوْلويّة الجميع..”
انتهى لقاء الأمن والتنمية في بلدان الساحل باتفاق مبدئي على التعاون الكامل، لمواجهة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وإنفاق ما يلزم من مال للتنمية في دول مالي وموريتانيا والنيجر، لثني الشباب والقبائل على حمْـل السلاح أو الإتِّـجار في المخدرات.
وطيلة الفترة التي استغرقها المؤتمر، عملت الدولة الجزائرية على تتبُّـع كل تفاصيل المحادثات بين ممثِّـلي الدول الحاضرة وممثليها أو بين ممثلي الدول الحاضرة فيما بينهم، وأغلِـقت قاعة المحادثات على الصحافة ودارت المفاوضات خلْـف أبواب مُحكمة الإغلاق.
وقد أعلن قبلها عبد القادر مساهل، الوزير المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية في الحكومة الجزائرية أن “محاربة الإرهاب أوْلوية الجميع وعلى جميع الغربيين أن يفهَـموا أن دفع الفِـدية لإطلاق سراح مواطنيهم المختطفين، من شأنه منْـح المال الوفير للجماعات الإرهابية”.
ويبدو أن هذا الإعلان قد فعل مفعول السِّـحر في الصحافيين وممثلي الدول الإفريقية على الخصوص، حيث حضرت مالي والنيجر وموريتانيا وشارك ممثلون عن بوركينا فاسو والإتحاد الإفريقي.
“.. على الغرب عن أن يتحمّـل مسؤوليته..”
وبالفعل، ما لبث أن انفتق عقْـد السرية والتكتم، حتى صرّح فجأة فرانشيسكو ماديرا، مبعوث الاتحاد الإفريقي الخاص المكلّـف بمحاربة الإرهاب لـ swissinfo.ch: “لا يُـختَـطف إلا الغربيون في الصحراء الكُـبرى ولا تطلب الجماعات المسلحة المال من الأفارقة، لأنها تعلم أنهم لا يملكون المال اللاّزم، ثم يضعون الجميع في مشكلة. وعلى الغرب أن يتحمّـل مسؤوليته ويتعاون معنا، لأنه من اللاّزم أن نعمل معا”.
ويضيف فرانشيسكو ماديرا: “نحن بحاجة إلى دعم تنموي غربي، بلا شك. فنحن هنا في الجزائر كي نستفيد من خِـبرات أوروبا والولايات المتحدة وإمكانياتهما”.
وعود أوروبية – أمريكية
من هذه الناحية، لم يُـخف الإتحاد الأوروبي استعداده للإنفاق بسخاء من أجل حماية الضفة الجنوبية للبحر المتوسط من عنف تنظيم القاعدة ومن الهجرة غيْـر الشرعية، التي تهدِّد سواحله وجزره، إذا ما استمر غياب التنمية وانعدام مواطن الشغل والرزق. ولهذا الغرض، أعلن الإتحاد الأوروبي عن قراره القاضي بتخصيـص ثمانمائة (800) مليون يورو لمساعدة دول الصحراء الكبرى، أمنيا وتنمويا.
كما أكدت الولايات المتحدة، عبْـر ممثليها، أن جيشها مستعِـدّ بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي لمتابعة أي تحرّك لتنظيم القاعدة وتتبع فلولها، قصفا وتنصتا ومحاكمة. وقد قابل الجميع، فيما يبدو، الوعديْـن الأوروبي والأمريكي بالكثير من الرضى والإرتياح. فلهذا جاؤوا، ولهذا تجمَّـعوا في الجزائر.
وفي هذا السياق تحديدا، صرّح سوالك جاكوب، السكرتير الثاني بالسفارة البولندية في الجزائر لـ swissinfo.ch قائلا: “إن الرئاسة القادمة للاتحاد الأوروبي ستكون بولندية. وستعمل بولندا على حث الإتحاد الأوروبي على التطبيق الأفضل لكل ما اتفقنا عليْـه في الجزائر، لأنه ضروري لأمننا جميعا”.
مسألة دفْـع الفِـدية.. لم تُـحلّ
ولدى صياغة البيان الختامي للمؤتمر، حرِص الجميع على وضع بصمَـته والإستفادة من اللقاءات التي دارت خلف الأبواب المُـغلقة (والتي وُصِـفت بالصريحة)، على أن مسألة دفع الفِـدية لتحرير الرَّهائن لم تحلّ، إذ لم تتمكّـن الجزائر من إقناع ممثِّـلي الدول الغربية بالتوقيع على أشياء لا يملِـكون إمكانية الإمضاء عليها. فمَـن هذا الذي يُـمكنه في أوروبا منع شركة من دفع المال لإنقاذ موظفيها؟ وماذا لو كان هذا المُـختطَـف ابنا لصاحِـب الشركة مثلا؟ هذا بالإضافة إلى الاعتبارات الإنتخابية الداخلية الأوروبية.
على صعيد آخر، سألت swissinfo.ch مواطنين يقطنون في منطقة القبائل الجزائرية عن رأيِـهم في منع دفع الفِـدية لإطلاق سراح الرّهائن، خاصة وأن منطقة القبائل التي تبعُـد مائة كيلومتر عن العاصمة الجزائرية، هي أكثر مناطق البلاد التي يتعرّض فيها جزائريون للإختِـطاف والإبتزاز من قِـبل الجماعات المسلحة وغيرهم من عصابات الإجرام.
إجمالا، جاءت الإجابات معارِضة للفِـكرة التي طرحها عبد القادر مساهل، وزير التعاون الإفريقي، إذ قال مقران آيت محاند من بلدية ذراع الميزان لـ swissinfo.ch: “كلام الوزير مساهل غيْـر معقول. فنحن اضْـطَـررْنا في كثير من المرّات لدفع ما يُـقارب مائة ألف يورو أو أكثر لمختطفين أخَـذوا أبناءً لرجال الأعمال أو مَـن ظَـنُّـوهم أغنياء، حيث قامت جميع العائلات بدفْـع ما يلزم من مالها الخاص، وشاهَـدْت بأمِّ عيْـني نِـسوة وضعْـن حليا ذهبية وخواتمهن من أجل مساعدة ابن جيراننا الذي اخْـتُـطِـف العام الماضي”.
أما في مدينة عيْـن الحمام بدائرة الأربعاء ناث إيراثن القبائلية، التي تبعد بـ 145 كيلومترا شرق العاصمة، فإن مسألة رفْـض فكرة إلغاء دفع الفِـدية تكاد تكون قرارا جماعيا للمواطنين، إذ يرون أنه المَـخرَج الوحيد لإنقاذ فلذة الكبِـد، في ظل رفض أمني حكومي مُـطلَـق يؤدِّي في النهاية إلى موت المُـختطَـف، وهذا ما يرفُـضه ذويهم بكل تصميم.
ماذا وراء تنظيم اللقاء في الجزائر؟
من ناحية أخرى، طُـرِحَـت مسألة سبَـب تنظيم هذا اللقاء في الجزائر، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ أي أنه تزامن مع الأزمة في ليبيا واحتجاج الجزائر لدى المجلس الإنتقالي الليبي على الكميات الهائلة من السلاح التي مرّت عبْـر الحدود الجزائرية – الليبية، التي يزيد طولها عن 900 كيلومتر، وتستحيل مراقبتها بشكْـل كامل.
وبالنسبة للدبلوماسية الجزائرية، يُـعتبر إيجابيا قبول المشاركين مساعدتها على التحكّـم في حركة السلاح القادم من ليبيا. ولئن اعترف الجميع أن ما مَـرّ كبير جدا وأنه، ومع هذا الإصرار، فإن إمكانية منْـع الكل من المرور، ضرب من الخَـيال لا مفر من التخلّـص منه.
وعلى المستوى الداخلي الجزائري، لم يحْـظَ هذا اللقاء بإجماع الفُـرقاء السياسيين (بمن فيهم المُـعادون لتنظيم القاعدة وللإسلاميين بشكل عام)، مثل عبد العزيز رحابي، الدبلوماسي السابق ووزير الاتصال الأسبق، الذي قال في تصريحات نقلتها عنه الصحافة الجزائرية: “ما الفائدة من لقاء كهذا؟ أتُـريد الجزائر أن تصبح باكستان جديدة تدافع عن الغرب والأمريكيين، دون هدَف مُـحدَّد؟ إن الغرب يريد دفعنا، كيْ نكون باكستانَ الشمال الإفريقي، ويحزّ في نفسي أن يقبل مسؤولون جزائريون بهذا الدور”.
“المخابرات الجزائرية..؟”
وقد تعجَّـب صحفيون جزائريون كثيرون من عدم رعاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لهذا اللقاء الدولي. فكانت الألْـسُـن الطويلة قاسية على الرئيس وعلى وزارة الخارجية الجزائرية، لدرجة أن بعضهم، وفي كواليس المؤتمر، لاك ما يقوله مِـرارا قبل أن يصرِّح لزملائه أن “المخابرات الجزائرية وراء الموضوع.. فهي التي نظمت المؤتمر، وهو لقاؤها، لأن الدولة الجزائرية بشكل عام، ليس لها ما تقدِّمه للعالم ولا للمنطقة المغاربية، لا اقتصاديا ولا سياسيا. فلابُـد أن تقترح شيئا تظهر فيه مهمّـة في العالم، وليس هناك شيء من التخويف من تنظيم القاعدة والتلويح بخطر انهيار الأمن في الشمال الإفريقي، وليس هناك أفضل من الجزائر لتقديم هذا الدور”، على حد زعمه.
من جهة أخرى، ظهر الخلاف جلِـيا بين المنتمين إلى المجتمع المدني الجزائري، الذي يرغبون في حدوث تغييرٍ في بلادهم على الطريقة التونسية أو المصرية، وبين أنصار الحكومة وديمومة الوضع القائم. فالتشكيك في نِـية الدولة عند تنظيمها للمؤتمر، موجود بقوّة عند الفريق الأول، وعكسه موجود عند الفريق الثاني. أما الصحافة الجزائرية، فقد أجمعت عند نهاية المؤتمر على أن “ما قيل واتُّـفِـق عليه، مُـهِـمّ وكبير، والعِـبرة في قادم الأيام على التطبيق الفِـعلي لما اتُّـفِـق عليه”.
أكد عبد القادر مساهل، الوزير الجزائري المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية يوم الخميس 8 سبتمبر 2011، أن مشكلة انتشار السلاح في ليبيا من صلاحيات السلطات الجديدة في طرابلس.
وقال مساهل في اختتام ندوة الجزائر حول مكافحة الإرهاب في الساحل، إن قضية انتشار السلاح “تهُـم السلطات الليبية الجديدة، ونتمنى أن تكون قضية تسليم الأسلحة من أولويات السلطات الليبية”. وتابع، “علمنا من حلفائنا الذين شاركوا في الندوة أن القضايا الأمنية بالنسبة للسلطات الجديدة في ليبيا، من الأولويات”. وأضاف “نحن متفائلون، لأننا ننطلق من قناعة أن هذه السلطات ستعطي الأولوية اللازمة للمسألة الأمنية”.
وحذر المشاركون في ندوة الجزائر، التي افتتحت الأربعاء 7 سبتمبر، من “تحوّل منطقة الساحل إلى خزّان بارود وتدهْـوُر شامل للوضع الأمني”، بسبب الأزمة الليبية التي “تسبَّـبت في انتشار السلاح والمتفجرات وخطورة وقوعها في يد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
واعتبر وزير خارجية النيجر محمد بازوم، أن “الوضع في منطقتنا (الساحل الإفريقي) شهد تدهورا شاملا بسبب الأزمة الليبية التي حوّلت المنطقة إلى خزّان بارود حقيقي بسبب انتشار السلاح والمتفجرات”.
ودعا مساهل إلى ضرورة وقف العمليات العسكرية للحلف الأطلسي في ليبيا، وأكد أن شركاء الجزائر الذين يشاركون في الندوة، ومنهم أعضاء في منظمة الحلف الأطلسي، يشاطرون هذه القناعة.
وقال “الكل يجمع على ضرورة توقف العمليات العسكرية في ليبيا وعودة الاستقرار إلى هذا البلد، وكل واحد يجب أن يقدم الدعم بالطريقة التي يراها مناسبة”.
واختتمت ندوة الجزائر حول مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والتنمية في منطقة الساحل بحضور وزراء خارجية الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، و38 وفدا يمثلون الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومنظمات إقليمية، إضافة إلى خبراء.
وانتهت الندوة ببيان لخّـص نتائج اللقاءات المغلقة والنقاشات التي دارت بين ما سُـمي بدول الميدان (الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا)، ممثلين بوزراء الخارجية وخبراء من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول المانحة.
وقررت الدول الأربع تنظيم ندوة ثانية في بلد آخر بعد ستة اشهر، لمواصلة الحوار مع الشركاء من الدول خارج المنطقة.
وقدمت دول الميدان في منطقة الساحل استراتيجيتها الجهوية المبنية على النظرة الموحدة لمثلث الإرهاب والجريمة المنظمة والتنمية، كما جاء في البيان الختامي.
وقال مساهل خلال مؤتمر صحفي في ختام الندوة “شركاؤنا من الدول الكبرى لمسوا فعلا أن لدينا استراتيجية فعلية جاهزة للتطبيق ونحتاج الدعم اللوجيستي وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتكوين”.
أما وزير خارجية مالي سومايلو بوباي مايغا، فأشار إلى التقدم الذي حصل في مجال التعاون العسكري بين الدول الأربع التي أسست قبل سنة قيادة أركان موحدة. وقال “تأسيس قيادة الأركان الموحدة لجيوشنا، يعد تقدّما مهِـما، وتمكنا خلال سنة من الوجود من تحديد المشاكل وصياغة الحلول”.
ونفى مساهل أي إمكانية أن يصل التعاون العسكري بين الجزائر مع النيجر ونالي وموريتانيا إلى حد إرسال قوات عسكرية لملاحقة الإرهابيين أو المهربين خارج الأراضي الجزائرية.
كما ترفض الجزائر أي تدخل أجنبي في المنطقة التي ينشط فيه تنظطيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وأكد مساهل أن “التدخل المباشر يمكن أن تكون له عواقب سيِّـئة… يمكن أن يغذي الإرهاب والحركات الجهادية”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب بتاريخ 8 سبتمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.