ملف المفقودين لا زال يُلقي بظلاله على سجلّ الجزائر الحقوقي
أدانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مُجددا السلطات الجزائرية في قضية تتعلّق بجرائم الإختفاء القسري وذلك يوم 12 سبتمبر 2012.
ويتعلّق الأمر هذه المرة بكمال رقيق، وهو معارض جزائري اعتُـقل في بيته في شهر مايو 1996 في أتون الحرب الأهلية، التي أعقبت انقلاب القيادات العسكرية على العملية الديمقراطية وإيقافهم للمسار الإنتخابي بعد الجولة الأولى من انتخابات برلمانية تقدمت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991.
وتعدّ هذه القضية الخامسة من نوعها التي تتقدّم بها تريال (Trial)، وهي منظمة غير حكومية معنية بمكافحة الإفلات من العقاب، ضد النظام الجزائري أمام لجنة أممية. فقد سبق لكل من لجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب أن أدانتا الجزائر في قضايا الإختفاء القسري، وقتل مدنيين تحت التعذيب.
وفي الوقت الحاضر، توجد أمام هاتيْن اللجنتيْن الأمميتيْن 14 حالة أخرى مماثلة، حملتها إلى أنظارهما منظمة “تريال” التي تتخذ من جنيف مقرا لها، ومن المحتمل أن يتمّ النظر فيها قريبا. وتتعلق جميع هذه الحالات، إما بمواطنين جزائريين تم اختطافهم من أماكن عملهم، ثم نقلوا بعدها إلى مخافر الشرطة، لكن لم يعثر عليهم بعد ذلك، مثلما هي حالة إبراهيم أوعبيدية (اعتقل في مايو 1994) أو مَـن وقع اعتقالهم بعد أن حوصرت منازلهم في دجى الليْل من طرف عناصر الشرطة العسكرية والجيش، ليودعوا الثكنات والمعتقلات العسكرية في الصحراء، كما حدث مع السيد يحيى كرّومي في 12 أغسطس 1994.
وفي كل مرّة، يُفجع أهالي هؤلاء المفقودين في ذويهم، ويُحرمون من أي توضيحات حول مصيرهم، ولا يجد الأهالي أي صدى في الواقع لمناشداتهم ودعواتهم من أجل فتح تحقيق قضائي مستقل فيما حدث.
السلطات الجزائرية في قفص الإتهام
في هذا السياق، سلط عرض حالة كمال رقيق، الذي كان يبلغ من العمر 33 سنة، وكان يقطن حينما تم اختطافه سنة 1996 في منطقة لا تبعد سوى 30 كيلومتر من الجزائر العاصمة، الأضواء مجددا على هذا الملف الخطير والشائك في الآن نفسه.
وفي قرارها الصادر يوم الأربعاء 12 سبتمبر الجاري، حمّلت لجنة حقوق الإنسان التابعة للامم المتحدة الجزائر، المسؤولية على انتهاك العديد من الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يُشدد على ضرورة حماية الحق في الحياة، وضمان حماية الأفراد من التعذيب وسوء المعاملة.
قرار الإدانة هذا، ترافق أيضا مع دعوة الجزائر إلى “فتح تحقيق معمّق وجدّي حول ظروف اختفاء الرقيق”، وإلى “أن تتكفّل الجهة المشرفة على التحقيق، بإبلاغ النتائج التي تتوصّل إليها إلى ذوي المفقود”. من ناحية ثانية، شددت اللجنة المذكورة على ضرورة أن تقوم الحكومة الجزائرية بـ “تتبع ومحاكمة ومعاقبة المسؤولين عن هذه الإنتهاكات”.
ترحيب من جهة…
القرار وجد ترحيبا كبيرا من منظمة “تريال”، حيث صرح مديرها فيليب غرانت، إلى swissinfo.ch عقِب صدور قرار اللجنة الأممية أنه “حان الوقت بالنسبة للجزائر لكي تحترم التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. وقرار الإدانة هذ،ا هو الخامس من نوعه التي نحصل عليه من منظمة أممية ضد الجزائر بشأن قضايا الإختفاء القسري والتعذيب”.
وبحسب السيد فليب غرانت، فإن لجوء عائلات ضحايا هذه الإنتهاكات إلى المنظمات الدولية للتعرّف على حقيقة ما حصل لأبنائهم، وللتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم، جاء بعد أن “أصبح من المستحيل لعائلات الضحايا المطالبة بحقوقهم أمام القضاء الجزائري، خاصة بعد إقرار ميثاق المصالحة الوطنية سنة 2005، الذي يُجرّم كل من يطالب بإعادة فتح ملفات الماضي”.
في المقابل، يؤكد غرانت أنه “ليس أمام الجزائر بعد صدور هذا القرار، سوى الإيفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها من خلال مصادقتها الطوعية على المعاهدات الدولية السارية في مجال حقوق الإنسان”. وفي محاولة لحملها على القيام بذلك، تعتزم “تريال” ومنظمات دولية أخرى، من بينها منظمة “الكرامة لحقوق الإنسان” التي يوجد مقرها في جنيف أيضا، انتهاج مسلكيْن متكامليْن.
فمن جهة، تقديم المزيد من شكاوي أمام المنظمات الأممية، بما يصعّد الضغط على الحكومة الجزائرية ويجعلها مقتنعة بأنه “ليس ممكنا الصمت عن هذه الإنتهاكات، وأنه لا مجال لمواصلة سياسة الإفلات من العقاب، ليس فقط للمسؤولين الحكوميين، بل لجميع الأطراف والجماعات المسلحة التي تورطت في جرائم”.. ومن جهة ثانية، وبالتوازي مع ذلك، محاولة التوصّل إلى الحقيقة والحصول على حقوق الضحايا، من خلال المحاكم الأجنبية، ومن بينها القضاء السويسري، “وهو ما حاولنا القيام به بشأن الجنرال خالد نزار”، على حدّ قول فليب غرانت.
… وتشكيك وتلويح بالمصالحة الوطنية
أما بالنسبة للطرف الحكومي، فقد شكّك منذ البداية في مشروعيّة وجدوى التقدّم بهذه الشكاوى أمام المنظمة الدولية، وذكّر الردّ الصادر عن الحكومة الجزائرية بأن “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لعام 2005 قد نصّ على أن أي اتهامات موجهة لأعوان حكوميين أو لأي موظفين يمارسون سلطة عمومية في قضايا الإختفاء القسري ما بين 1993 و1998، يجب أن تعالج في إطار عام، وأن ينظر لها ضمن السياق الإجتماعي والسياسي والأمني في فترة كانت تجد الحكومة فيها صعوبة في السيطرة على العمليات الإرهابية”.
الردّ الحكومي ذكّــر أيضا بأن الأحداث التي تشير إليها هذه الدعاوى المرفوعة ضد السلطات “تتعلّق بفترة كانت الحكومة تقاتل فيها مجموعات سريّة، ونتيجة لذلك، تمت العديد من الإختطافات والإعتقالات بطريقة غامضة، وكان من الصعب بالتالي، معرفة ما تمّ منها على يد أجهزة نظامية أومجموعات مسلحة”.
وأخيرا، يتوقّف الرد الحكومي عند حاجة الجزائر اليوم، إلى الإعلاء من قيمة السلم الإجتماعي والمصالحة الوطنية، وهما مبدآن يعليهما أيضا القانون الدولي والهيئات الاممية، ولذلك، تدعو الحكومة الجزائرية منظمات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان إلى “مرافقة المصالحة الوطنية في الجزائر وإلى تعزيز السلام الأهلي فيها، بما يسمح لها ولجميع البلدان التي مرّت بأزمات داخلية مماثلة، بتمتين وحدتها ومصالحتها مع الماضي”.
في الأثناء، لا تبدي منظمة “تريال” أي اقتناع بهذه الردود، بل يؤكد مديرها فيليب غرانت أن “ما قامت به المنظمات الدولية المنافحة عن حقوق الإنسان، لا يُسيء إلى السلم الأهلي في الجزائر. فهذا البلد هو الذي قبل المصادقة طوعا على معاهدات دولية وقبل بمقتضى ذلك الخضوع إلى تقييم هذه الهيئات، التي لها الحق في أن تقول للجزائر إنها احترمت التزاماتها أم لا. وبالتالي، كان على الجزائر أن تحترم المعايير الدولية، وهي لم تفعل ذلك”.
تقوم منظمة “تريال” TRIAL بِرَفع دعاوى قضائية أمام الهيئات الدولية لحقوق الإنسان القادِرة على النظر في الشكاوى المُقَدّمة من الأفراد.
كما أطلقت المنظمة برنامج “مكافحة الإفلات من العقاب في سويسرا” والذي تقوم بموجبه برفع شكاوى أمام المحاكم السويسرية ضدّ الأفراد المتواجدين على الأراضي السويسرية والذين يُشتَبَهه في ارتكابهم جرائم دولية.
وقد اشتملت القضايا الرئيسية على:
– اعتقال قائد شرطة غواتيمالا إيرفان سبيريسن، الحامل للجنسية السويسرية أيضا والذي يعيش في جنيف يوم الجمعة 31 أغسطس 2012 بسبب اتهامه بارتكاب جرائم بشعة ما بين 2004 و2007 حينما كان قائدا للشرطة بغواتيمالا. القضية رفعتها ضدّه منظمة تريال Trial .
– القضية المرفوعة ضد اللواء المتقاعد خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري السابق في عام 2011 بتهم “الإشتباه في ارتكاب جرائم حرب” خلال العشرية السوداء التي شهدتها البلاد (1992 – 1999)
– القضية الموجهة ضدّ اللواء جاغاث دياس (سريلانكا) في عام 2011 بتهمة إرتكاب جرائم حرب.
– القضية الموجهة ضد جورج دبليو بوش (الولايات المتحدة) في عام 2011 بتهمة إرتكاب جرائم حرب.
– الشكوى القضائية ضد الوزير الجزائري السابق بوجرة سلطاني في 2009 لِـما يزعم من مسؤوليته عن ممارسات تعذيب.
– القضية الموجهة في عام 2003 ضدّ الحبيب عمّار، والمتعلقة بمسؤوليته المزعومة عن ممارسات واسعة النطاق لأساليب التعذيب، عندما كان وزيرا للداخلية في تونس في موفى ثمانينيات القرن الماضي.
– القضية المرفوعة في عام 2001 ضد عبد الله القلال الذي شغل منصب وزير الداخلية في تونس في التسعينات من طرف لاجئ سياسي تونسي والمتعلقة بمسؤوليته المزعومة عن ممارسات واسعة النطاق لأساليب التعذيب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.