من حظر بناء المآذن.. إلى إشكاليات الإندماج.. إلى وضع الإسلام في سويسرا
يثير الجدل المتصاعد في سويسرا بخصوص المبادرة الداعية إلى حظر بناء مزيد من المآذن، نقاشا واسعا حول موقف الأحزاب السياسية عموما وفروعها في جنيف من عملية اندماج المسلمين عموما ورؤيتها الرافضة للمبادرة بشكل خاص.
في الوقت نفسه، تمخضت ندوة احتضنتها “مؤسسة التعارف” في جنيف وحضرها عدد من مثقفي ونشطاء الجالية المسلمة، عن توجه محتمل لرفع شكوى قضائية لإدانة بعض التصريحات العنصرية الصادرة عن أصحاب المبادرة المثيرة للجدل.
وفي إطار مبادرة من مركز البحوث والدراسات حول المتوسط والعالم العربي و”مؤسسة التعارف” في جنيف، تم مساء الأربعاء 7 أكتوبر، تنظيم نقاش جمع ممثلي ومرشحي سبعة أحزاب كانت تستعد لخوض الانتخابات المحلية في جنيف يوم الأحد 11 أكتوبر وعددا من مثقفي ونشطاء الجالية العربية والإسلامية في جنيف.
الحوار لم يقتصر على استعراض وجهات نظر ممثلي الأحزاب السياسية تجاه المبادرة (التي أطلقتها بعض الأطراف اليمينية بهدف تنظيم استفتاء شعبي لتعديل الدستور الفدرالي من أجل فرض حظر على بناء مآذن جديدة) أو على حملة الملصقات الداعمة لهذه المبادرة (التي وصفتها العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بـ “العنصرية”)، بل تجاوزه ليشمل الحديث عن وضع المسلمين والإسلام عموما داخل المجتمع السويسري.
معايير الإندماج.. ما هي؟
من أبرز النقاط التي طُرحت على ممثلي الأحزاب لإعطاء رأيهم فيها، مسألة الإندماج وكيف يمكن تطبيق آلياتها على الجالية المسلمة التي قد يناهز تعداد أفرادها حاليا 400 ألف شخص حسب بعض المصادر، لكن أغلبية المتدخلين فضلت التشديد على ضمان الحق في الإختلاف للجميع، بدل تحديد نمط موحد لكيفية الإندماج.
في مداخلته، ذكر تيري شارولي، مرشح الحزب الإشتراكي بأن “سويسرا بلد قائم على أساس احترام الإختلافات من خلال إدماج مناطق جغرافية وثقافات ولغات وأديان مختلفة”، مضيفا “عند الحديث عن الجالية المسلمة بالنسبة لغير المسلم، يتعلق الأمر بجالية متعدِّدة الأوجه، يجب الإطلاع على خصوصياتها بكل ما في ذلك من إيجابي وما يثير التخوفات التي قد يبالغ البعض في استغلالها”.
من جهته، عبر غي ميتان، مرشح الحزب الديمقراطي المسيحي عن الأمل في أن تعمل هيئة تحرير الدستور الجديد لدويلة جنيف على “منح الأجانب حق التصويت”، فيما يعتبره مجهودا إضافيا يسير في طريق تشجيع الإندماج، لكنه ذكّر بأن الجهود يجب أن تبذل من الطرفين، إذ على الشخص الذي يحل بجنيف أن يحاول على الأقل تعلم اللغة الفرنسية، وهو نشاط تيسر القيام به عدة مؤسسات خيرية، من بينها جمعية الصليب الأحمر.
هذا الإجماع الذي تبديه الأحزاب التقليدية عندما يتعلق الأمر باستعراض مواقفها من الإندماج، يثير قلق ساليكا فينغر، النائبة البرلمانية عن تيارات اليسار، المعروفة بصراحتها ولغتها المباشرة، إذ لا تتردد في التصريح بأن “فكرة الإندماج تستفزها” لأنها تعتبر أن “ما نحتاجه ليس الحق في الإندماج عبر مسار وقالب معين، بل الحق في أن أعامل كإنسانة وكمواطنة سويسرية تحترم قوانين هذا البلد بكل ما لديّ من اختلاف”.
كما شنّـت فينغر هجوما على دعاة الإندماج الذين “لديهم اختلاف في معايير الإندماج عندما يتعلق الأمر بأمير من قطر أو عندما يتعلق الأمر بعامل شمال افريقي”، واعتبرت أن “الذين أدمجوا أمراء الخليج لم يُبالوا بالإختلاف الديني أو العرقي في هذه الحالة”، وهو ما يدفعها ضمن مجموعتها السياسية المعروفة باسم “اليسار المستقل”، إلى اعتبار أن مسألة الإندماج “مشكلة مطاطية تتكيف حسب الطبقة الإجتماعية التي ينتمي إليها الأجنبي المرادُ إدماجه”.
ممثل “حركة مواطني جنيف” (تعرف اختصارا بـ MCG)، وهو حزب تأسس قبل خمسة أعوام فقط واتخذ من الدفاع عن مصالح مواطني جنيف بغض النظر عن أصولهم الهدف الرئيسي لنشاطه وتميز في الآونة الأخيرة بشن حرب ضد العمال القادمين من المناطق الفرنسية المجاورة، له نظرة خاصة للمسألة حيث أكد مرشحه ماورو بوجيا أنه “لا إندماج بدون عمل، لأن المجتمع ينظر لكم على أساس ما تقدمونه له من عمل”.
ومن هذا المنطلق يرى السيد بوجيا، في إشارة واضحة إلى شعار حزبه أنه “من الضروري حماية مواطن الشغل لصالح مواطني الرجال والنساء القاطنين في هذه الدويلة”، كما استغل الفرصة لشن هجوم على الإعلام الذي قال “إنه لا يقوم بدوره بموضوعية”. ولكي يبدد الشبهات المروجة عن التشكيلة السياسية التي ينتمي إليها، قال: “حزبنا ليس حزبا عنصريا لأنه يدافع عن كل المواطنين القاطنين في هذا الكانتون بشكل متساو، والحملة التي نقوم بها ضد تشغيل القادمين من المناطق الحدودية الفرنسية، ليس تصرفا عنصريا ضد أشخاص يرغبون في تحسين ظروف معيشتهم، بل هو قرع جرس إنذار بالنسبة لسلطات سياسية فتحت الباب على مصراعيه في غير صالح المواطنين القاطنين في الكانتون”.
واختتم ممثل حركة مواطني جنيف تدخله بالقول “ما يؤسَـف له هو أنه من السهل بالنسبة لشخص يدعى ديبون Dupont وقاطن في آنماس Annemasse الفرنسية المجاورة العثور على عمل في جنيف، مقارنة مع من يحمل اسما عربيا ويقيم كمواطن في هذا الكانتون”.
علي بنواري، ممثل الحزب الراديكالي (وهو سويسري من أصل جزائري)، أشار إلى أن النظرة للإندماج تختلف “باختلاف الإنتماءات السياسية ما بين يسار ويمين، وتختلف أيضا باختلاف الطبقة التي ينتمي إليها الشخص المقصود بالإندماج وبالديانة التي ينتمي إليها، بحيث هناك فرق بين من ينتمي الى ديانة مسيحية ويهودية ومن ينتمي الى باقي الديانات الأخرى. ومن هذا المنطلق، ليست هناك نظرة موحدة لعملية الاندماج” وأضاف بأن “الحزب الراديكالي يفكر في هذا الموضوع ولم يهتدِ بعدُ الى صيغة مُـرضية”. وأشار السيد بنواري إلى أهمية اللقاء باعتباره يمثل “إسهاما في هذا النقاش المتواصل الهادف للتوصل إلى نظرة مقبولة لشروط الإندماج” في المجتمع السويسري.
والملفت أن مشكلة الإندماج تلقي بظلالها أيضا على المرشحين من أصول غير أوروبية إلى مناصب سياسية، حيث يعانون صعوبات جمة للحصول على الدعم الضروري لتمويل حملاتهم الإنتخابية، الأمر الذي دفع إلى تأسيس مجموعة ترشيح جماعي لممثلي هذه الطوائف العرقية والثقافية المتوافدة على سويسرا تحت يافطة “مجموعة الإختلاف في المدينة” “Diversité dans la Cité”.
من المآذن.. إلى وضع الإسلام والمسلمين في المجتمع
وما من شك في أن أفضل من لخص تطلعات الحضور المشاركين في الندوة كان تدخل السيدة لوسيا دحلب، العضوة في اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف، التي حرضت ممثلي الأحزاب على الخروج من العموميات والشعارات الفضفاضة للتعبير عن مواقف واضحة بخصوص مكانة الإسلام والمسلمين في المجتمع، وبالأخص على ضوء المبادرة الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، حيث تساءلت “إذا كان هناك مشكل اندماج يُطرح بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين، فإن هناك مشكلة قبول الإسلام ضِـمن التعددية الدينية المطبقة” في البلاد.
وتساءلت السيدة دحلب: “إذا كان الجانب الديني مسألة شخصية، كيف يمكن اعتبار المظاهر الخارجية للإسلام عندما تكون في المجال العمومي، مثل بناء مئذنة أو ارتداء حجاب في المدرسة أو في مكان العمل”، وخلصت الى أن “الذين يرغبون في فرض حظر على بناء المآذن، يرغبون في أن لا يكون للإسلام ظهور في المجتمع، وهذا أمر مرفوض”.
وفي التعقيبات التي تلت تدخلها، أكدت ماتيلد كابتين، ممثلة حزب الخضر أن تصور المجتمع المثالي الذي تحمله وتُدافع عنه بقوة، يتمثل في “الإختلاف الظاهر للعِـيان والذي يجب على الجميع أن يحترمه”، وترى أن “عالم اليوم، بحكم العولمة، هو هذا الاختلاط وهذا التنوع”، قبل أن تنتهي الى القول “لكن عندما نرى هذه المبادرة وما رافقها من ملصقات، نتأكد أننا في سويسرا ما زلنا بعيدين عن ذلك كل البعد، وأن أصحاب هذه المبادرة يمارسون تفرقة عنصرية ويُـسيئون إلى حرية الدين والمعتقد”.
من جهته، أعاد غي ميتان من الحزب الديمقراطي المسيحي، التذكير بموقف حزبه المعارض للمبادرة، محذرا من أن “سويسرا المنفتحة على الأديان والأعراق، يجب أن لا تنساق نحو انزلاقات تحد من تقاليد الإستقبال الواسعة، التي تعرفها سويسرا والتي يجب أن تنطبق بطبيعة الحال على الجالية المسلمة”.
ساليكا فينغر من “اليسار المستقل”، ذهبت من ناحيتها إلى أن “التعايش في كانتون عِـلماني، يفرض التفريق بين الدين والدولة، حيث أنه إذا كان الدين مسألة شخصية ومعترفا بها لأي كان ومهما كان اعتقاده، فإن الحياة العامة يقننها قانون الدولة القائم على أساس العِـلمانية”.
ولكنها ترى في المقابل أن “جنيف من الكانتونات السويسرية القليلة التي تطبق العِـلمانية منهجا، أما غالبية الدويلات، وبالأخص في سويسرا الناطقة بالألمانية، فهي دويلات دينية، وقد تكون لها نظرة مغايرة لنظرة جنيف في مسألة الدين”، وتضيف السيدة فينغر أنه “حتى مصممي هذه الملصقات المناهضة لبناء المآذن، هم من مناطق سويسرا الناطقة بالألمانية، ولذلك لهم فهم آخر لمسألة الدين غير الفهم السائد لدينا في الدويلات العِـلمانية”.
ماورو بوجيا، ممثل “حركة مواطني جنيف”، الذي أعلن للحاضرين أنه مسلم، قال بدوره “على الإسلام والمسلمين أن يتعلموا طريقة إيصال أفكارهم إلى الرأي العام وإلى وسائل الإعلام”، وبعد أن ذكّر بخصال الإسلام كدين تسامح وانفتاح، انتقد “الأخطاء المرتكبة من قبل المتطرفين المنتسبين للدِّين الإسلامي خلال السنوات الأخيرة في تواصلهم مع الرأي العام وبقيامهم بتصرفات متطرفة، مما أدى إلى إسكات أصوات المسلمين المعتدلين والمندمجين، الذين يمثلون الأغلبية”، حسب قوله.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
أثناء النقاش الذي شهدته الندوة، طرح البعض فكرة “رفع شكوى قضائية ضد الساهرين على المبادرة الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا والملصقات المرافقة لها” وتساءل آخرون عن إمكانية تقديم الأحزاب السياسية الدعم إلى مبادرة من هذا القبيل؟
وفيما سارعت السيدة ساليكا فينغر، ممثلة اليسار المستقل للتعبير عن وقوفها إلى جانب شكوى قد ترفع ضد أصحاب المبادرة، أشار السيد تيري شارولي، مرشح الحزب الاشتراكي والعضو في رابطة مناهضة العنصرية والمعاداة للأجانب إلى أن “نقاشا يدور داخل الرابطة بخصوص المبادرة وما رافقها من تصريحات” مؤكدا على أن الرابطة “تقف ضد المبادرة وتشجع الجهات المهتمة بالتقدم بشكاوى أمام المحاكم حتى ولو أننا نعرف أن الأمور ليست بالسهلة”، على حد تعبيره.
من جهته أوضح عبد الحفيظ الورديري من “مؤسسة التعارف” أن مؤسسته “تدرس إمكانية رفع شكوى قضائية ضد أوسكار فرايزينغر، متزعم الحملة والنائب البرلماني عن كانتون فالي” مشيرا إلى أنه “قد تدعم الشكوى مؤسسات لا تقبل هذا الخلط في الأوراق”.
علي بنواري مرشح الحزب الراديكالي أوضح بأن “الحزب فضل عدم القيام بتصريحات حول مبادرة المآذن والملصقات أثناء الحملة الإنتخابية (المحلية) في جنيف لكي لا ينساق الى لعبة حزب الشعب السويسري ولعبة أصحاب المبادرة، ولكن ابتداء من الأسبوع الذي يلي الانتخابات سيقوم الحزب الراديكالي بحملة واسعة ضد أصحاب مبادرة حظر المآذن وقد يصل الأمر إلى اتخاذ إجراءات قضائية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.