نجيب الشابي: “ترشحي للرئاسية حقّـق مكاسب عديدة للحزب وأحرج الحُكم”
قبل ثلاثة أشهر ونيف من موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس، تبدو الأمور محسومة بين الرئيس الحالي والتجمع الدستوري الممسك بمقاليد الأمور منذ أزيد من نصف قرن وبين مرشحين حظوظهم شبه معدومة في ظل ميزان القوى القائم ومعارضة لم تتمكن بعدُ من الإتفاق على الحدّ السياسي الأدنى.
وفي سياق الحوارات التي أجريناها مع المرشّـحين للإنتخابات الرئاسية، التقت swissinfo.ch مع المحامي ومسؤول العلاقات الخارجية والعلاقة بالأحزاب بالحزب الديمقراطي التقدّمي المعارض السيد أحمد نجيب الشابي. والمعلوم أن ترشّـحه قد أثار جدلا واسعا داخل أوساط المعارضة، إلى جانب الطريقة التي تَـعامل بها الحُـكم مع ذلك.
وبالرغم من أن التّـعديلات التي أدخِـلت على الدستور التونسي تحرم الشابي من إمكانية المشاركة القانونية في انتخابات 25 أكتوبر 2009، إلا أنه لا يزال مُـصرّا على ترشحه. فما هي دلالات هذا الموقف؟ وكيف يقيّم اليوم علاقاته بمُـختلف الأطراف في الحكم والموالاة والمعارضة الشرعية وغير المعترف بها، إضافة إلى الأطراف الخارجية؟
Swissinfo.ch: أين وصلت خطّـة ترشحك لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة؟
أحمد نجيب الشابي: حتى أحدّد إلى أيْـن وصلت خطّـتي، يجب أن أذكِّـر بالهدف منها، حتى نقيس درجة التقدّم. لقد قرّرنا في الحزب الديمقراطي التقدّمي خوض معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما قرّر الحزب ترشيحي لذلك في شهر فبراير 2008. وكُـنا نُـدرك منذ البداية بأن علاقة القوّة لا تسمح بتغيير المعادلة القائمة في فترة زمنية محدودة، لكن هدفنا كان هو العمل على بناء قوة سياسية للتغيير من خلال الضغط على المنظومة القائمة والمغلقة، وذلك من خلال كسب الرأي العام من جهة، وتشبيب قاعدة العمل السياسي من جهة أخرى.
وكانت وسيلتنا لتحقيق هذا الهدف، استغلال تقنيات الإتِّـصال الحديثة التي قضت على احتكار الحزب الحاكم لوسائل الإعلام، مثل الفضائيات والإنترنت، فضلا عن صحيفة “الموقف”، الناطقة باسم الحزب، إضافة إلى عقد الاجتماعات بالمُـدن الداخلية لتونس.
لقد حققنا الشيء الكثير في هذا السياق، رغم ضيق هامش الحريات. فخلال العام ونصف، تمكّـنت من عقد ما يزيد عن 26 اجتماعا في الكثير من المدن الداخلية، وهو أمر لم يكن سهلا.
كما أنني تمكّـنت من التدخّـل الإعلامي من خلال عديد الإذاعات والفضائيات، مثل الجزيرة وبي بي سي والعربية وفرانس 24 وغيرها. أعتقد بأن حصيلة ما قُـمنا به قد أضفى على المعركة الإنتخابية بُـعدا جديدا وغيّـر شروط اللّـعبة الانتخابية. ويُـمكن بدون ادّعاء، أننا نجحنا في أن نجعل من أنفسنا في موقع challenger، (أي المنافس) وكسبنا قطاعا واسعا من الرأي العام تجاوز حدود النّخبة السياسية.
لكن ما هي القيمة الفعلية لهذا التعاطف؟
أحمد نجيب الشابي: صحيح هذا التّعاطف بقي سلبيا ولم يتحوّل إلى تعاطف نشيط. فالناس في تونس يشعرون بالعجز. فالاجتماعات التي نظمناها كان كل واحد منها يضُـم أكثر من 100 شخص، لكن بفضلها تمكّـنا من تشبيب قاعدتنا الحزبية، حيث أسّسنا مكاتب شبابية في كل المناطق التي تواجدنا بها. نحن نؤمن بمُـراكمة القوة.
المهم أننا تمكّـنا من أن نفتَـكّ حضورا داخل أوساط الرأي العام. وبكل تواضُـع، هذه نتيجة هامة وليست هيِّـنة. فالظروف القائمة حاليا في تونس لا تسمح بتحقيق نتائج أفضل. يُـضاف إلى ذلك، أنه بالرغم من مؤشِّـرات الإحباط العديدة، ألفت الانتباه إلى مؤشرات تدُل على بوادِر التغيير على مستوى الرأي العام.
هناك فئات يزداد اهتمامها بالشأن العام ويتكاثر انخراطها في المطالبة بالاستقلالية، مثل الأطباء والصحفيين والقضاة والمهندسين والنقابات العمالية، وكلها مؤشِّـرات لها دلالاتها في ظل الجمود السياسي الرّاهن، ومن شأنها أن تُـساعدنا على بناء قوّة الدّفع لتحقيق التغيير المنشود.
ألا ترى بأنه في مقابل ما أشرتم إليه من مكاسب، قد انعكس قرار المشاركة سلبيا على وحدة الحزب بعد انسحاب مجموعة من الكوادر القيادية، كما أثر ذلك على علاقاتكم بحلفائكم؟
أحمد نجيب الشابي: بناء الحزب ليس هدفا في حدّ ذاته، هذا خطأ قاتل تورّطت فيه كثير من الأحزاب والحركات. الهدف الحقيقي من نشاط حزبي فعّـال هو تغيير الواقع السياسي، أما الحزب، فهو الأداة لإنجاز هذه المهمّة، وهو بالتالي خاضع بالضرورة لمتطلّـباتها وشروطها.
وأعتقد بأن الذين قلَـبوا هذه المعادلة، كان مآلهم الفشل. بينما تغيير بِـنية النظام السياسي وبناء القوّة القادرة على الدفّع، هما اللذان يضمنان الحفاظ على السّعي لتغيير الواقع. وعلى هذا الأساس، استعملنا حقّـنا المشروع في الضغط على الحُـكم ولم نراهِـن في ذلك على الخارج، كما يُـقال، وإنما حاولنا الوصول إلى ذلك من خلال التأثير على القِـوى المعنية بالديمقراطية في العالم، وخاصة المنظمات والأحزاب والمؤسسات البرلمانية ووسائل الإعلام، دون أن نستبعد كذلك التّـواصل مع الدول أو الحكومات التي تربطها علاقات شراكة بتونس.
وفي هذا السياق، زُرت خلال شهر يونيو 2008 عددا من عواصِـم الدول الأوروبية، وتحديدا بروكسل وباريس، حيث أجريت اتصالات مع جِـهات متعدّدة، شرحت من خلالها وِجهة نظرنا حول الانتخابات القادِمة والمناخ السياسي، إلى جانب المنظومة القانونية السائدة. ومن بين الشخصيات التي التقيت بها، رئيس البرلمان الأوروبي الذي قام بمكاتبة رئيس مجلس النواب التونسي، قبل أن يتمّ اللّجوء إلى تعديل الدستور.
كما تم لقاء مع المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، وتمّ استقبالي من طرف موظفين سامين بكلٍّ من الخارجية الفرنسية والبلجيكية، وقد اهتمّـت وسائل الإعلام بهذه الزيارة.
أما خلال شهر يونيو المنقضي، فقد خصّصته لزيارة الولايات المتحدة، حيث اتّـصلت أيضا بعدد من المؤسسات المختصّة بالمسألة الديمقراطية في العالم، مثل مركز كارتر وناد وغيرها من المنظمات الهامة. كما تمّ استقبالي من موظّـفين سامين بوزارة الخارجية الأمريكية. وتتزل هذه الزيارة ضمن حملات كسب الدعم لمطالب الإصلاح في بلادنا.
لكن، لم تُـجبني عن التّـداعيات السلبية لقرار الترشح للانتخابات الرئاسية؟
أحمد نجيب الشابي: سأجيبك. لم يكن المطلوب من المعارضة الالتفاف حولنا. كان هدفنا هو أن تشارك المعارضة في هذه المعركة من أجل التغيير، حتى يتكثّـف الضغط على الحُـكم.
فالرهان ليس انتخابيا، وإنما هو سياسي. لكن ذلك للأسف لم يتحقّـق. ولو كانت هناك رهانات انتخابية، لاضْـطرّت المعارضات إلى البحث عن توافُـقات حول مرشح واحد لإلحاق الهزيمة بخصومها، لكن في غياب مثل هذا الرّهان، لا تضطر الأحزاب إلى ذلك، وتكتفي عادة برفع راياتها الخاصة والتعريف ببرامجها، وهو إلى حدٍّ ما أمر طبيعي، وهذا ما نلاحظه على سبيل المثال في فرنسا، حيث تخرج الأحزاب المختلفة في الدّورة الأولى براياتها الخاصة.
أما في الدورة الثانية، يتحوّل الرِّهان إلى توفير فُـرص نجاح المعارضة وينقسم الفرقاء إلى تجمع لليمين وآخر لليسار، وذلك للالتفاف حول مرشّـح واحد في كِـلا الجبهتيْـن، لكن كل هذه الظروف مُـنعدمة في حياتنا الوطنية، وبالتالي، لا وجود لضغوط انتخابية.
ما يؤسفني حقا هو أن ترشّـحي قد استثار أطراف المعارضة بقدْر ما استثار الحُـكم؟
لماذا حصل ذلك حسب رأيكم؟
أحمد نجيب الشابي: إذا كان مفهوما أن يتحرّج الحُـكم من ترشّـح قد تكون له مِـصداقية، فإن المعارضات لم تنظر إلى هذه المبادرة إلا من زاوية المنافسة السياسية، وهو ما جعلها تخاف من أن يؤدّي ذلك إلى أن يُـخطف منها ذلك الزّعامة، مما أوقعها في ردود أفعال لا يقتضيها واقع الأمر، في حين كان المطلوب هو الدِّفاع عن حرية الترشح، باعتبار ذلك هو الوجه الآخر لحرية الاختيار والتّـضامن معه من أجل افتِـكاك هذا الحق.
وماذا عن الأزمة الداخلية؟
أحمد نجيب الشابي: بالنسبة للوضع الدّاخلي للحزب، أريد أن ألفت النظر إلى أن الخلافات التي حصلت كانت سابقة عن قرار الترشح، وقد تعلّـقت بالسّقف الذي يُـمكن أن نضعه في معارضتنا للحُـكم، أملا في أن تقابل السلطة ذلك السقف المنخفض بتقديم ” تنازلات”.
وعندما لم يتمكّـن هذا الطرح من إقناع المؤتمرين في شهر ديسمبر 2006 ولا إقناع أغلبية أعضاء اللجنة المركزية في دورتيْـن مُـتتاليتيْـن، اقتنع أصحاب هذا الطّـرح، بعدم جدوى البقاء، وقرّروا الانسحاب من الحزب.
طيب، الآن وقد اقتربنا من موعد الانتخابات، كيف ستتصرّف وأنت تعلَـم بأن ترشّـحك غير قانوني؟ فهل أن سيناريو2004 مرشح للتِّـكرار مرة أخرى؟
أحمد نجيب الشابي: لا يمكنني أن أستبق ما ستقرره مؤسسات الحزب إزاء هذا الأمر. وأكتفي بالتذكير بالموقف الذي اتّـخذناه خلال انتخابات 2004 حين ترشّـحت للانتخابات الرئاسية، لكن بعد أن قام الحُـكم بتعديل الدستور بغرض إقصائي، اضطرَرت يومها إلى الانسحاب ليلة انطلاق الحملة الانتخابية وطعنت في شرعيتها لافتقارها لأدنى ضمانات الانتخابات الحرّة.
وشارك الحزب يومها في الانتخابات التشريعية، ثم اضطرّ إلى الانسحاب منها، نظرا لِـما تعرّض له من إسقاط متعمّـد لقائماته في أكثر من دائرة وحجز بيانه الانتخابي، ومصادرة حصصه التلفزيونية لبعض مرشحيه. وقد شكل انسحاب الحزب يومها صدمة سياسية للحكم وكشف عن مدى انغلاقه.
هل يعيد الحزب نفس الموقف؟
أحمد نجيب الشابي: قد يكون ذلك، لكن الأمر موكول للحزب.
ساهمتم بفعالية في تأسيس حركة 18 أكتوبر، لكن المبادرة حاليا تبخّـرت أو هي في حالة موت سريري. فما الذي حسب رأيك جعل هذه المبادرة التي أثارت الكثير من الجدل وربما الآمال لدى البعض، تنتهي بهذه الطريقة؟
أحمد نجيب الشابي: كل واقف يتأخر. لقد انطلقت الحركة من إضراب عن الطعام، جمع لأول مرة رموزا عِـلمانية وإسلامية وأثار ذلك تعاطفا منقطع النظير في مختلف أجزاء البلاد ولقي صدى واسعا في الخارج. وبعد انتهاء الإضراب، اتّـفق المشاركون على الاستمرار ضِـمن محورين: الأول، يتمثل في العمل المُـشترك من أجل المطالب الدُّنيا. وثانيا، تحقيق تقدّم من خلال الحوار من أجل بَـلورة ملامِـح المجتمع الديمقراطي البديل، خاصة بالنسبة للقضايا التي حولها خلاف بين الطرفين.
مرت اليوم أربع سنوات عن ذلك الموعد وتعثّـر العمل الميداني بسبب الضّـغط الحكومي بشكل رئيسي، حيث استنفرت الحكومة الآلاف من رجال الشرطة لقمع أي تحرّك. كما لم يتقدّم الأمر بالقدر المطلوب في المِـحور الثاني لأسباب تتعلّـق بمكوِّنات هذا التجمع.
وبما أن الحياة لا تتوقّـف، أخذ الاستحقاق الانتخابي يواجِـهنا، لكن هذا التجمّع لم يتمكّـن من التوصل إلى صيغة مُـشتركة حول كيفية التعامل مع هذا الموعد، وهو ما أدخل فُـتورا على هذه الحركة، وأخشى أن تكون الأسباب التي تقِـف وراء هذا العجز بنيوية، ولن تزول حتى بعد انتهاء الموعد الانتخابي القادم.
أخيرا، كيف تُـقـوّمون علاقتكم بالإسلاميين بعد تجربة التحالف معهم؟
أحمد نجيب الشابي: العلاقة التي تربطنا بحركة النّهضة، تندرج بالدرجة الأولى ضِـمن دائرة حركة 18 أكتوبر، وهي تُـعتبر علاقة ودِية، تقوم على تفهّـم كل طرف لظروف الآخر. أما بالنسبة لمسألة الانتخابات، فتجدر الإشارة إلى أن حركة النهضة قد أيّـدت حقّـي في الترشح ورأت فيه عملا مُـنخرطا في حركة التغيير السياسي، غير أنها لم تصدر إلى حدّ الآن موقِـفا من العملية الانتخابية ذاتها. وقد يعود ذلك إلى الظروف الصّـعبة التي تمُـر بها، والتي أتفهّـمها من جانبي وأتمنى أن تتمكّـن من تجاوزها.
أجرى الحوار صلاح الدين الجورشي – تونس – swissinfo.ch
زين العابدين بن علي، رئيس التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم منذ عام 1956.
محمد بوشيحة، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية (حزب معارض مؤيد للرئيس بن علي وممثل في البرلمان).
أحمد الإينوبلي، الأمين العام للإتحاد الديمقراطي الوحدوي (حزب معارض مؤيد للرئيس بن علي وممثل في البرلمان).
أحمد بن إبراهيم، الأمين العام لحزب التجديد (الشيوعي سابقا، حزب معارض وممثل في البرلمان).
في فبراير 2008 أعلن أحمد نجيب الشابي، الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي (حزب معارض غير ممثل في البرلمان) عن ترشحه لخوض الرئاسيات لكن تعديلا دستوريا أقره البرلمان في وقت لاحق يحول دون المشاركة فيها.
في موفى مايو 2009، قرر التكتل الديمقراطي للعمل والحريات ترشيح زعيمه الدكتور مصطفى بن جعفر للإنتخابات الرئاسية.
نتائج آخر انتخابات رئاسية نظمت يوم 24 أكتوبر 2004
زين العابدين بن علي (مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم): 94،48% من الأصوات.
محمد بوشيحة (مرشح حزب الوحدة الشعبية، ممثل في البرلمان): 3،78% من الأصوات.
محمد علي الحلواني (مرشح حركة التجديد (الشيوعي سابقا)، ممثل في البرلمان): 0،95 في المائة من الأصوات .
منير الباجي (مرشح الحزب الاجتماعي التحرري، ممثل في البرلمان): 0،79% من الأصوات.
نتائج أول انتخابات رئاسية تعددية في تونس أجريت يوم 24 أكتوبر 1999
زين العابدين بن علي (مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم منذ عام 1956): 99،45% من الأصوات.
محمد بلحاج عمر (مرشح حزب الوحدة الشعبية، ممثل في البرلمان): 0،31% من الأصوات
عبد الرحمان التليلي (مرشح الإتحاد الديمقراطي الوحدوي، ممثل في البرلمان): 0،23% من الأصوات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.