هيثم مناع: “المال السياسي بدأ يُفسد المعارضة السورية”
أعرب المعارض السوري هيثم مناع، من هيئة التنسيق الوطنية في سوريا، عن اعتقاده بأن "المال السياسي بدأ يُفسد المعارضة" وأن هنالك "من يريد سرقة قرارنا السياسي المستقل".
وعلى ضوء المأساة الإنسانية التي تشهدها بلاده يرى مناع أن “الوضع يفرض العودة إلى فكرة التوافق الدولي للتوصل للحل السياسي والحل الإنساني”.
ينظم مجلس حقوق الإنسان في إطار دورته التاسعة عشرة التي انطلقت بداية هذا الأسبوع في جنيف نقاشا خاصا حول الوضع السوري (من الثلاثاء 28 فبراير إلى الخميس 1 مارس). وقد شهد هذا النقاش الخاص تصعيدا في اللهجة المستعملة من قبل بعض الوفود. كما عرف انسحاب الممثل السوري احتجاجا على عقد الاجتماع.
وما ورد في تدخلات الدول، سواء التي تناصر النظام السوري أو التي ترغب في رحيله، سوف لن يجد فيه الشعب السوري ما يخفف عنه الأوضاع المأساوية التي يعيشها منذ أكثر من عام.
وعلى هامش أشغال الدورة العادية التاسعة عشرة لمجلس حقوق الإنسان، التقت swissinfo.ch، بالدكتور هيثم مناع، من هيئة التنسيق الوطني في سوريا، التي تمثل المجموعة المعارضة الكبرى الثانية بعد المجلس الوطني السوري واستعرضت معه آخر التطورات في الحوار التالي.
swissinfo.ch: على ضوء ما آلت إليه الأمور في سوريا وفي مواقف الدول، ما الذي تتوقعونه، كمعارضة سورية، من هذا النقاش الذي تتابعونه في مجلس حقوق الإنسان؟
هيثم مناع: أولا هذه الجلسة هي جلسة حقوق إنسان، وعندما نتحدث عن حقوق الإنسان، نتحدث عن الحقوق الستة الأساسية. هذه الحقوق هي اليوم كلها منتهكة في الوضع السوري. فنحن عندما نتكلم عن 28 ألف إنسان محاصرين في حمص، لا نتحدث فقط عن حرمانهم من الطعام والشراب، بل من الكهرباء ومن الماء ومن كل أساسيات العيش. نحن أمام حالة حصار كامل، ولا نجد تحركا موازيا من قبل المجموعة الدولية.
بالنسبة لوضع مثل هذا لا بد من مسألتين: أولا، أن نعود إلى فكرة القدرة على توافق دولي للحل السياسي والحل الإنساني. لأننا إذا خضنا في الصراع (بين الدول) على سوريا عوضا عن المعركة بين المجتمع السوري والديكتاتورية، نكون قد نقلنا الصراع بعيدا عن الاحتياجات المباشرة للشعب السوري، وهذه الاحتياجات كثيرة وتجعلنا ندفع يوميا ثمنا غاليا ستبقى آثاره لعقود. هناك مثل بسيط: نحن لدينا ما بين 35 و40 ألف جريح. نصفهم سيحمل عاهات دائمة ليس دائما لأن الإصابة كانت خطيرة، ولكن لأن توفر الدواء وتوفر المستشفيات لم يكن ممكنا لأن هذا المصاب خُيــّر بين العلاج السيء وبين الذهاب للمستشفى حيث يُعتقل.
أمام وضع مثل هذا، نحن بحاجة إلى ضغط من كل الأطراف بدءا بالصين ورسيا ثم بريطانيا ثم الأطراف الأخرى ودول عدم الانحياز. المعركة اليوم ليست فقط معركة إسقاط سلطة ديكتاتورية أو التخلص من نظام قائم على الفساد والاستبداد، وإنما هي معركة من أجل تحديد الخسائر الإنسانية بقدر الإمكان.
هل تعتقدون بأن هناك متاجرة بالقضية السورية لأغراض ومصالح معينة؟
هيثم مناع: للأسف، أحيانا عندما يتحدث معارض أو مناضل حقوق إنسان سوري، يشعر البعض بأنه معتدل بسبب المزايدات، ويشعر البعض الآخر بأنه متهور بسبب الانسحابات. نحن نعاني اليوم من مشكلة هي أن تصوُّر الآخر للوضع السوري هو الذي يُفرض علينا. عندما يقول الروسي، على سبيل المثال، أن الاستفتاء على بقاء النظام له من يدعمه، يستمع له الكثير. وعندما يقول الطرف الآخر أن كل عملية الإصلاح كذب يستمع له الكثير. وعندما نقول بأننا نريد أن نبدأ عملية سياسية فعلية من أجل المرحلة الانتقالية التي ستكون لا محالة أصعب بكثير من الوضع الحالي، ينظر إلينا الناس كأن هذا الكلام غير قابل للبيع إعلاميا.
فبالتأكيد نحن نعاني من حالتي تطرف، وبحاجة ماسة اليوم للقدرة على التحرك الإنساني العملي. فقد كنت أمس بغرفة عمليات الصليب الأحمر. فلو نتمكن من إيصال مواد إغاثة لحوالي 12 ألف عائلة فهذا نصر كبير. وإذا ما استطعنا إيصال الأدوية للطبيب في غرفة العمليات فهذا انتصار كبير. هذه العمليات هي التي تعزز صمود الناس من أجل الاستمرار في الحراك المدني السلمي. وعندما تضعف هذه الوسائل، يلجا الناس إلى الحلول اليائسة، إلى تفجير أنفسهم، وإلى أي وسيلة من أجل الرد على القمع الوحشي الذي يعيشونه بشكل يومي.
لكن ألا ترون أن المعارضة تتحمل جانبا من المسؤولية في هذه الانقسامات؟
هيثم مناع: بالتأكيد. وهذه المعارضة، بكل صدق، هي موضوع عملية احتواء، وعملية شراء. ونحن نعاني اليوم ممن يريد سرقة قرارنا السياسي المستقل، ويدفع لذلك مبالغ. المال السياسي بدا يُفسد المعارضة. وهناك أناس كثيرون دخلوا في هذه الحفلة. والثمن عندما تفتقد لقرارك السياسي المستقل، لا يمكن أن توقع على عريضة توحد بها فصيلين أو أكثر، أو أن تذهب الى مؤتمر لتوحيد فصائل المعارضة إلا بقرار خارجي. وهذا شيء لا يمكن أن نقبل به.
ما هي تفسيراتكم لما تم في المجلس الوطني من انقسامات جديدة؟
هيثم مناع: أظن أن المجلس الوطني سيعاني من مشاكل كثيرة، لأن الوسائل التي قام عليها في الأساس لم تكن ديمقراطية. وأساليب الضم كانت أساليب عشائرية، على طريقة فلان أعطوه المنصب الفلاني، فتركب تركيبة عجيبة انفجارية. لذا كل شيء محتمل.
نحن لا نتمنى لهم الانفجار، لأن الشظايا ستؤلم كل المعارضة. لكن الطريقة التي تمت بها الأمور لا تبشر بأن يستمر طويلا متماسكا.
هنالك نداءات للتسليح، ما موقف هيئة التنسيق الوطنية من ذلك؟
هيثم مناع: هيئة التنسيق الوطنية تعتبر بأن التسليح هو الانتقال إلى الأرضية التي يتقن النظام اللعب عليها. النظام منذ 40 سنة ليست لديه سوى مهنة واحدة، هي التضخم السرطاني للمؤسستين العسكرية والأمنية. هذا التضخم نعيشه في كل حياتنا اليومية، في ميزانيتنا، في التنمية، في التأثير على التعليم والصحة وعلى كل شيء. فهل يمكن في بضعة أسابيع أن نلحق بمستوى تسلح هذا الجهاز السرطاني؟
الحل هو فقط في تمزيقه من داخله، أو بخوض معركة سلمية ضده، أو بكليهما معا للتوصل إلى تحييد هذه المؤسسة وأن يتم السماح بفترة انتقالية تخلصنا من الطبقة السياسية المنتمية إلى العهد البائد.
ما هي الخطوة القادمة التي ترون أنها أساسية لإعطاء القضية السورية البعد الذي تستحقه بذل هذا التشرذم وهذه المتاجرة وفقا للمصالح كما تفضلتم؟
هيثم مناع: لا بد من شقين: شق داخلي: مؤتمر موحد للمعارضة السورية. وشق دولي: جَمع الأطراف المتعارضة من أجل حل قابل للتحقيق. يعني أن يجتمع الصيني والروسي والبريطاني والأطراف التي لم تتأثر كثيرا أو تدخل كثيرا في معركة الانحياز، مثل الطرف التونسي أو المغربي أو المصري، أي فريق عربي ودولي مقبول من قبل كل الأطراف وقادر على التأثير. هذا سيكون بالنسبة لنا بالتأكيد نقطة قوة، وللنظام حرمان من أهم حليفين له في مجلس الأمن.
صرح وزير الخارجية السويسري أثناء تدخله أمام مجلس حقوق الإنسان بأن القضية الإنسانية في سوريا، يجب ألا تصرف الأنظار عن إمكانية البحث عن حل سياسي يشمل الجميع ، وأن سويسرا مستعدة للإسهام في ذلك إذا كانت هذه رغبة المجموعة الدولية. هل ترون دورا لسويسرا فيما تفضلتم بذكره؟
هيثم مناع: أظن أن التصرفات والمواقف السويسرية كانت حكيمة باستثناء عملية سحب السفير التي كانت متسرعة. ومن دفع الثمن هو المجتمع السوري وليس السلطة، لأننا لم ننجح حتى في تنظيم دورات تدريب لأطباء بسبب غياب السفارة والسفير. لكن أظن بأنهم الآن استوعبوا أن سويسرا مُحترمة ومقبولة ويمكن أن تلعب دورا، ويمكن أن تقبل الأطراف المؤيدة للنظام بدورها. فإذا كان ذلك ممكنا وسار باتجاه هادئ وحكيم، فإنه قد يكون أحد المسالك التي نخرج بها من حالة الانسداد السياسي الحالية.
أوضحت وزارة الخارجية السويسرية في بيان صدر يوم 29 فبراير 2012 في برن أن “إغلاق السفارة السويسرية في دمشق يوم الأربعاء تم لأسباب أمنية“.
وأعادت الخارجية السويسرية توجيه نداء للرعايا السويسريين “لمغادرة البلاد ما دامت وسائل النقل التجارية تسمح بذلك”. وقالت الخارجية في بيانها إن “حوالي 150 من بين 180 المسجلين في السفارة السويسرية لا يزالون موجودين في سوريا”، وأن ” 147 منهم يحملون الجنسيتين، وأن ثلثيهم يعيشون في دمشق بينما يعيش السدس في حلب”.
في الوقت نفسه، جرى نقل المصالح القنصلية السويسرية إلى بيروت. وكانت سويسرا قد دعت سفيرها في دمشق للعودة الى برن للتشاور منذ أغسطس 2011 وأعلنت يوم 15 فبراير الماضي عن اعتزامها غلق السفارة في العاصمة السورية ولكن دون تحديد موعد لذلك.
نظرة الحكومة السورية لما هو حاصل وكيفية معالجة مجلس حقوق الإنسان للوضع السوري، نستخلصها من تدخل السفير السوري لدى الأمم المتحدة في جنيف فيصل حموي أمام مجلس حقوق الإنسان في جلسة 28 فبراير 2012، حيث شجب عقد جلسة حول الوضع في سوريا معتبرا أنها “تعكس تلاعبا وتسييسا واضحين لولاية وأعمال المجلس”.
السفير السوري اعتبر أن الهدف من عقد هذه الجلسة اليوم هو “للتغطية على العنف والقتل اللذين ترتكبهما المجموعات المسلحة ضد المدنيين الأبرياء” على حد زعمه.
اعترف السفير السوري بوجود بعض المشاكل الإنسانية في بعض المناطق، ولكنه عزا ذلك إلى “تواجد مجموعات مسلحة تتخذ من تلك المناطق السكنية قواعدا لها”.
وأضاف السفير السوري أن “العالم عرف في الآونة الأخيرة تحريفا خطيرا لمفهوم التدخل الإنساني والحماية للمدنيين، حيث قامت بعض الدول باستغلال هذين المفهومين للوصول إلى التدخل العسكري السافر ومحاولة قلب أنظمة الحكم وتدمير بنية الدول المستهدفة عن طريق العدوان والقصف والغزو المسلح وغيرها”.
واستطرد السفير السوري قائلا: “إن عقد هذه الجلسة هو مخطط أُعد سلفا، هدفه ضرب الدولة السورية ومؤسساتها تحت ذريعة الإحتياجات الإنسانية بدليل أن الداعين لهذه الجلسة لم ينتظروا جلسة مناقشة نتائج لجنة التحقيق الدولية المستقلة والذي خلا من أية إشارة إلى تدهور الوضع الإنساني (…) والذي اعترف صراحة بالآثار السلبية والمؤلمة للعقوبات الاقتصادية على الشعب السوري بكامله (…)”.
وبعد ترحيبه بـ “أية مساعدات تقنية وفنية يمكن أن تقدمها الأمم المتحدة إلى المؤسسات السورية”، توجه لمن وصفهم بانهم “يدعون صداقتهم المزعومة للشعب السوري” بالقول: “إن أبسط خطوة وأكثرها نجاعة يمكنهم القيام بها وبشكل فوري لمساعدة الشعب السوري، تتمثل في الكف عن التجييش، والتحريض الطائفي، والكذب الإعلامي، وتقديم السلاح والأموال، وتأليب أبناء الشعب الواحد بعضهم على بعض، والتحلي بالشجاعة اللازمة للدعوة إلى حوار بناء يجمع كافة الفرقاء السوريين ويلبي طموحات وتطلعات الشعب السوري”.
يُشار إلى أن الوفد السوري انسحب من مناقشات مجلس حقوق الإنسان التي استمرت لبعض الوقت يوم الأربعاء 29 فبراير وتتواصل يوم الخميس 1 مارس قبل التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به كل من الكويت وقطر والسعودية وتركيا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.