2011.. هل تكون سنة الإنقاذ للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان؟
يدور جدل داخل الأوساط السياسية في تونس حول طبيعة الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس بن علي في خطابه الأخير، الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 23 لاستلامه السلطة. وفيما يعتقد البعض بأن الخطاب "جاء بالجديد"، وعبّر عن وجود "إرادة للإصلاح السياسي"، اعتبر آخرون أنه كان "عاديا"، وأنه "لم يُجب على التحديات المطروحة".
حظي خطاب الرئيس بن علي باهتمام خاص من قبل المراقبين والطبقة السياسية في تونس. ويعود ذلك بدرجة أساسية إلى الأجواء التي سبقته، والتي اتسمت بحملة سياسية واسعة النطاق من أجل جمع الآلاف من التوقيعات على عرائض يناشد فيها أصحابها الرئيس بن علي الترشح للإنتخابات الرئاسية القادمة، التي ستجري في خريف سنة 2014.
وقد ظن البعض أن الخطاب سيشكل خطوة أخرى في هذا الإتجاه، لكنه جاء خاليا من أية إشارة لهذه المسألة التي شغلت النخب السياسية طيلة الأشهر الخمسة الماضية. وهو ما جعل البعض يتساءل عن مغزى الآية القرآنية التي أدرجت في خاتمة الخطاب “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا”، وعما إذا كانت تحمل دلالة ما لها صلة بما يجري في الكواليس.
بقطع النظر عن هذه التخمينات، فالمؤكد أن الرئيس بن علي تعمد عدم التعليق على عرائض المناشدة، سواء بالسلب أو الإيجاب، وهي الحملة التي خفت وتيرتها خلال الأسابيع الأخيرة، رغم المقال الشهير للسيد بلحسن الطرابلسي (شقيق زوجة الرئيس والعضو في مجلس المستشارين وفي اللجنة المركزية للحزب الحاكم – التحرير) الذي نشر قبل أسابيع على أعمدة يومية “الشروق”، وحث فيه الأمين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم إلى دعوة اللجنة المركزية للإنعقاد والنظر في استكمال بقية الخطوات بعد أن اعتبر بأن الفضل في إطلاق حملة المناشدة يعود إلى ما أصبح يعرف بعريضة “الخمس وستين شخصية”، لكن السيد محمد الغرياني الأمين العام للحزب الحاكم، أشار في مؤتمره الصحفي الأخير إلى أن “اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي، هي أول من بادر إلى طرح مسألة التمديد”، وهو ما فسره البعض بردّ “غير مباشر وغير متوقع” على صاحب مقالة “الشروق”.
أزمة رابطة حقوق الإنسان.. نحو الحل؟
لقد فضل الرئيس التونسي أن يعود في خطابه إلى منهجية سابقة كان يعتمدها قبل بضع سنوات، وتتمثل في اتخاذ حزمة واسعة من القرارات (بلغت هذه المرة 65) شملت عددا واسعا من المجالات، بما في ذلك المجال السياسي. وإذ قللت بعض الشخصيات المعارضة من أهمية هذه القرارات، إلا أن عددا منها يستوجب التوقف والتحليل.
الجديد فعلا في هذا الخطاب دعوة الرئيس بن علي أعضاء الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (تأسست عام 1977) إلى تسوية هذا الملف خلال الستة أشهر القادمة. وهو بذلك يضع ثقله لأول مرة منذ اندلاع هذه الأزمة في سنة 2000 على إثر انعقاد المؤتمر السادس للرابطة الذي أفرز هيئة قيادية جاءت – على غير العادة – خالية من عضو منتم إلى الحزب الحاكم.
الخطاب تضمن إعلان الرئيس بن علي عن استعداده لتقديم المساعدة من أجل أن يتوصل الرابطيون إلى “اتفاق يعيد الرابطة إلى نشاطها المعتاد”، وهو ما وجد ترحيبا واسعا لدى قيادة هذه المنظمة ذات التاريخ النضالي الطويل، وجعل الرأي العام المُسيّس يتوقع بأن يتجه هذا الملف المعقد، الذي تصدر اهتمامات مختلف الأوساط الحقوقية والدبلوماسية المتابعة للشأن التونسي، قد يجد طريقه هذه المرة نحو تسوية سياسية، رغم الإشارة – التي أثارت جدلا داخل أوساط الرابطيين – إلى ما وصف بـ “الحلول القضائية “، والتي اعتبرها البعض تلويحا باللجوء في حالة الفشل إلى تعيين “مؤتمن عدلي” يتولى الدعوة إلى عقد مؤتمر الرابطة بدون المرور بالهيئة المديرة.
وبناء عليه، يُتوقع أن تستأنف قريبا المفاوضات بين الهيئة المديرة للرابطة وبين خصومها من أعضاء الحزب الحاكم الذين سبق لهم وأن تقدموا بشكاوى ضدها وصدرت لصالحهم أحكام قضائية حالت دون عقد المؤتمر السادس لأقدم منظمة حقوقية في العالم العربي.
وفي هذا السياق، رحب رئيس الرابطة المحامي مختار الطريفي بما ورد في خطاب الرئيس بن علي، وأكد استعداد قادة المنظمة الحقوقية لـ “تقديم تنازلات من شأنها أن تساعد على إنجاز مؤتمر وفاقي في كنف حماية استقلالية الرابطة “. لكن لا يُعرف – عند كتابة هذا المقال – ما إذا كان السيدان عبد الوهاب الباهي (عميد سابق للمحامين ورئيس سابق للرابطة) ومُنصر الرويسي (وزير سابق والرئيس الحالي للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات، وهو هيكل ذو صبغة استشارية يُعيّن أعضاؤه من طرف رئيس الجمهورية) سيكلفان مجددا بتسهيل العملية التفاوضية بين الطرفين أم لا، وإن كان هناك أكثر من عامل يجعلهما مؤهليْن للإستمرار في إنجاز هذه المهمة.
الأكيد أن إزالة بقية العوائق أمام إنجاز مؤتمر الرابطة من شأنه أن يخلق ديناميكية سياسية، أصبحت النخبة التونسية في أشد الحاجة إليها، ولعل ذلك سيكون الحدث الأبرز في تونس خلال السنة القادمة 2011، خاصة وأنه سيعقب – إن حصل – المؤتمر “التوحيدي” أو “التصحيحي” لنقابة الصحافيين الذي يُفترض أن ينعقد في شهر ديسمبر القادم.
الحاجة إلى تنقية المناخ
من جهة أخرى، قد يُوفـّر مؤتمر الرابطة للسلطة مناسبة لمعالجة عديد الملفات الحقوقية التي لا تزال عالقة. فالحدث سيجمع بالتأكيد مختلف وجوه النخبة من نشطاء وحقوقيين وسياسيين، إلى جانب ضيوف سيمثلون منظمات حقوقية دولية وإقليمية وازنة، كما أنه سيكون مصدر متابعة من قبل الدبلوماسيين الأجانب ووسائل الإعلام الداخلية والخارجية، وبالتالي سيضع تونس تحت المجهر، فالملف الحقوقي في تونس في أشد الحاجة للمراجعة وتنقية المناخ.
وفي هذا السياق، فوجئ المراقبون بالقضية التي نظرت فيها يوم 8 نوفمبر 2010 الدائرة الجناحية السادسة بالمحكمة الإبتدائية بتونس. وهي القضية التي اختلفت عن قضايا أخرى كثيرة من زاويتين.
الأولى الشهادة الرهيبة التي رواها أحد المتهمين (علي بن عون) أمام الجميع، وروى فيها تفاصيل مرعبة عن التعذيب الذي تعرض له، بما في ذلك “تصويره عاريا بواسطة الهاتف الجوال لأحد الجلادين (في شكل صور ومقاطع فيديو ) كما تم إدخال عصا في دبره وإجباره على الجلوس على قارورة زجاجية”، حسبما ورد في أقواله. وهو ما أثار اشمئزاز الكثيرين، ودفع بالمحامين إلى المطالبة بإجراء تحقيق لمحاسبة من لا يزال يستهين بالكرامة الإنسانية لبعض المعتقلين في قضايا سياسية.
أما الجانب الآخر، الذي شكل بدوره عنصرا مفاجئا للمراقبين، فهو أن التهمة الرئيسية التي وجهت لعناصر هذه المجموعة تمثلت في “المشاركة في إعادة تكوين جمعية لم يُعترف بوجودها”، والمقصود بالجمعية هو “حركة النهضة” (المحظورة)، مما يفتح المجال أمام احتمال محاكمة العشرات أو المئات من أنصار هذه الحركة، بمن في ذلك الذين قضوا سنوات طويلة في السجن. وهذا التمشي من شأنه أن يعيد ملف هذه الحركة إلى نقطة الصفر، أي إلى الأجواء الحارقة بمطلع التسعينات، في حين أن الجميع اعتقدوا بأن السلطة قد بدأت تغير من أسلوبها في التعامل مع أنصار هذه الحركة.
وبالعودة إلى ملف الرابطة، فإن المراقبين يعتقدون بأن هذه الخطوة الهامة التي أعلن عنها الرئيس بن علي من شأنها أن تعيد تفعيل مسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول الحصول على مرتبة “الشريك المتقدم”، وبالتالي تمكين الدبلوماسية التونسية من ورقة هامة كانت في حاجة إليها منذ انطلاق هذه المفاوضات الحيوية مع بروكسل قبل عامين، (وهي المرتبة التي حصلت عليها المملكة الأردنية يوم 26 أكتوبر الماضي لتصبح بعد المغرب ثاني دولة من جنوب المتوسط تتمتع بهذا الإمتياز الأوروبي، وقد سمحت السلطات الأردنية بمقتضاه للمراقبين الدوليين برصد سير الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي نظمت يوم 9 نوفمبر).
وقد رحبت الأوساط الدبلوماسية الأوروبية العاملة بتونس بهذه الخطوة التي أعلن عنها الرئيس بن علي، مما يعني أن المواعيد القادمة التي ضبطت لاستئناف المفاوضات ستكون أفضل من سابقاتها، خاصة إذا تحقق بشكل مواز تقدم ملموس في محادثات الهيئة المديرة للرابطة مع خصومها.
“ملتقى للأحزاب” بين مُرحبين ومتحفظين
العنصر الثالث في خطاب الرئيس بن علي يكمن في قراره بإنشاء ما وصفه بـ “ملتقى دوري للأحزاب الممثلة في مجلس النواب، يلتئم مرة كل ستة أشهر بتركيبة تأخذ في الاعتبار تمثيلية كل حزب في المجلس وبرئاسة دورية يتداول عليها الأمناء العامون لتلك الأحزاب”. هذه الصيغة جاءت في سياق التفاعل مع دعوات أحزاب المعارضة إلى تنظيم “حوار سياسي حول كبرى القضايا” التي تهمّ مستقبل البلاد، كما سبق لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين على لسان رئيسها السيد إسماعيل بولحية بأن طالبت بمثل هذا الهيكل، على أن يكون “مفتوحا لجميع الأحزاب القانونية”.
وإذ رحبت أغلب الأحزاب البرلمانية بتأسيس هذا الهيكل الجديد، عبر السيد نجيب الشابي، الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي (غير ممثل في البرلمان)، عن استغرابه مما اعتبره “تدخلا من السلطة التنفيذية في شؤون الأحزاب”، ولم ير أي جدوى سياسية في مثل هذا القرار.
من جهتها، أبدت حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) على لسان أمينها الأول السيد أحمد إبراهيم تحفظها تجاهه، واعتبرت أنه “لا يستجيب بالمرة” للإصلاح السياسي المطلوب، وذلك “ليس فقط لأن فيه تماديا في منطق الإقصاء بل أيضا وبالخصوص لأن بعث أي إطار للتشاور بين الأحزاب من المفروض أن ينبع من قرارها المستقل، علاوة على أن هذا الملتقى لا يعوض الإطار الحواري الذي ندعو إليه والذي لا يمكن أن يكون في تركيبته ومشمولاته أقل مما سبق أن عرفته الساحة السياسية الوطنية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي”، وذلك في إشارة إلى “المجلس الأعلى للميثاق الوطني” الذي تمت صياغته بشكل وفاقي خلال السنوات الأولى من تولي الرئيس بن علي السلطة، وشكل في موفى الثمانينات فرصة غير مسبوقة لتشريك أحزاب المعارضة في إدارة الشأن العام.
وفي هذا السياق، اقترح الأمين الأول لحزب التجديد تكوين “مجلس قار للتنمية السياسية وتطوير التعددية” يلتئم بصفة دورية برئاسة الوزير الأول وبمشاركة جميع الأحزاب المعترف بها والمنظمات والجمعيات المستقلة وتكون أولى مهامه التداول في الإصلاحات الجوهرية الواجب إدخالها على المنظومة الانتخابية”.
ومن الواضح أن هذا الهيكل الذي أعلن عن قيامه الرئيس التونسي، والذي لم تُحدّد بعد صلاحياته ومقومات نظامه الداخلي، قد جاء ليرسخ القطيعة القائمة بين السلطة وبقية الأحزاب القانونية غير الممثلة في البرلمان، وليعمق الفجوة القائمة بين الأحزاب البرلمانية التي يستمر دعمها وبين بقية منافسيها في الساحة السياسية. وهو ما يوحي بأن المشهد الحزبي قد لا يشهد أي تغيير خلال المرحلة القادمة، رغم استمرار الحديث عن “احتمال إضافة مجموعة سياسية” إلى قائمة الأحزاب التسعة القانونية الحالية.
أخيرا، تضمن الخطاب الرئاسي – إلى جانب ذلك – عديد الإجراءات التي وإن تعلقت بقطاعات غير سياسية، إلا أن بعضها على الأقل أشـر على وجود تفاعل ملحوظ مع حاجيات فرضتها التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها بعض الجهات الداخلية للبلاد التونسية، والتي سيترك إنجازها آثارا إيجابية لدى قطاعات واسعة من المواطنين. فالوضع الاجتماعي غير مُريح، وما يجري داخل أروقة الإتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية الوحيدة) يؤشر بوضوح على أن قطاعات عديدة، من بينها التعليم والصحة، في حالة غليان قد يصعب على القيادة النقابية التحكم فيه لفترة طويلة. أما النخب السياسية، فلا شك في أنها لا زالت تطمح إلى إصلاحات هيكلية أكثر عمقا وأبعد أثرا.
دان الحزب الديموقراطي التقدمي (معارض معترف به) يوم الجمعة 5 نوفمبر حملات المناشدة للرئيس التونسي زين العابدين بن علي للترشح لفترة ولاية سادسة بعد أربعة أعوام، واعتبر انها “تضرب في العمق اسس النظام الجمهوري”.
وقالت مية الجريبي،الامينة العامة للحزب، في افتتاح اعمال مجلسه الوطني الذي اختار شعار “لنفرض خيار التداول” ان “المناشدات للتقدم لولاية سادسة رغم الحاجز الدستوري ضرب في العمق لأسس الجمهورية”.
واعتبرت الجريبي هذه المناشدات “التفافا على ما تبقى من الدستور وايذانا صريحا باقرار نظام الرئاسة مدى الحياة التي خبر التونسيون ويلاتها المدمرة ابان الحكم البورقيبي” في اشارة الى الحبيب بورقيبة، اول رئيس للجمهورية في تونس الذي حكم البلاد طيلة ثلاثين عاما.
ودعت الجريبي خلال اللقاء الذي جرى في مقر الحزب بمشاركة شخصيات حقوقية ومعارضين الى “ضمان حق الترشح وتحديد عدد ولايات رئيس البلاد باثنتين لا ثالث لهما”.
وقد أعيد انتخاب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي (74 عاما) في اكتوبر 2009 لولاية خامسة واخيرة نظريا، لان الدستور التونسي حدد سن الرئيس ب 75 عاما كحد اقصى لدى بداية ولايته.
وكانت شخصيات تونسية من بينها رجال اعمال وفنانون ورياضيون ومطربون وحقوقيون قد ناشدت مرارا الرئيس التونسي الترشح لولاية رئاسية سادسة في 2014. وطالبوا بن علي بالاستمرار “تجذيرا للارادة الشعبية التي هي أساس كل نظام ديموقراطي ونظرا للدور التاريخي للرئيس زين العابدين بن علي في الارتقاء بتونس الى مراتب متقدمة على كل المستويات”.
غير ان الحزب الديموقراطي التقدمي قدم حصيلة سلبية لـ 23 عاما من حكم الرئيس بن علي واعتبر ان “المناشدات الاخيرة لا تزيدها الا خطورة”.
وتزامن هذا الاجتماع للحزب الديموقراطي التقدمي مع بدء احتفال تونس بالذكرى الثالثة والعشرين لوصول بن علي الى سدة الحكم الذي يوافق السابع من من نوفمبر 1987.
وفي سياق متصل عبر ناشطون حقوقيون ومعارضون من تونس وخارجها في عريضة تحمل عنوان “لا للتمديد ولا للتوريث” عن “رفضهم المطلق” لاي محاولة لتحوير الدستور والرفض “القطعي غير القابل للنقاش او التفاوض لاي مسعى لتوريث الحكم” في تونس.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 نوفمبر 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.