سويسرا والاعتراف بدولة فلسطينية… (مقال تفسيري)
أعلنت كل من أيرلندا وإسبانيا والنرويج يوم الأربعاء أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية. فماذا كان رد الفعل في سويسرا، وما هي احتمالات أن تحذو سويسرا حذوها؟
بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الأكثر دموية حتى الآن، قالت الولايات المتحدة إنه لا توجد طريقة لحل المشاكل الأمنية الإسرائيلية وتحدي إعادة إعمار غزة دون اتخاذ خطوات نحو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. وفي يوم الأربعاء قالت أيرلندا وإسبانيا والنرويج إنها ستعترف رسميا بهذه الدولة في 28 مايو الجاري للمساعدة في إنهاء الحرب وتحرير الرهائن وإحياء محادثات السلام.
وشنت إسرائيل هجوما على قطاع غزة بعد أن هاجم مسلحون تابعون لحركة حماس إسرائيل يوم 7 أكتوبر الماضي، مما أسفر عن مقتل وفقدان 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة، وفقا للأرقام الإسرائيلية. وقد قتل الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 36,000 فلسطيني وفلسطينية في غزة منذ ذلك الحين، بحسب وزارة الصحة في القطاع الذي تديره حركة حماس.
+ تغطيتنا للحرب الإسرائيلية الفلسطينية
ورحبت السلطة الفلسطينية والتي تمارس حكما ذاتيا محدودا من مقرها في رام الله بالضفة الغربية التي تخضع لاحتلال عسكري إسرائيلي، بقرار الدول الأوروبية الثلاث، بينما استدعت إسرائيل سفرائها احتجاجا على هذه الخطوة، معتبرة أن مثل هذه الخطوة بمثابة “مكافأة للإرهاب”، وقد تُعرّض سيادتها وأمنها للخطر. وترفض إسرائيل أي خطوة لإضفاء الشرعية على الفلسطينيين والفلسطينيات دوليا. وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش العام الماضي إنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني.
ما رد فعل سويسرا على إعلان أيرلندا وإسبانيا والنرويج؟
قالت وزارة الخارجية السويسرية يوم الأربعاء إن الحكومة “أخذت علما بالقرار”. وأشارت إلى أن سويسرا تدعم منذ سنوات إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة كجزء من حل الدولتيْن- “على أساس حدود عام 1967، تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن”.
المزيد
تايم لاين: سويسرا والصراع في الشرق الأوسط
لكن الخارجية السويسرية أضافت أنها تعتقد أن الظروف “غير مناسبة حاليا” للاعتراف بدولة فلسطينية. وستنظر الحكومة السويسرية في مثل هذا الاعتراف “عندما يمثل مساهمة ملموسة في عملية السلام في الشرق الاوسط”.
وفي شهر أبريل الماضي امتنعت سويسرا عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية للأمم المتحدة، قائلة إنّ هذه العضوية “غير مناسبة في الوقت الحالي” ولن تساعد على “تهدئة الوضع وعلى تعزيز جهود السلام في الشرق الاوسط”.
تبلور هذا الحل مع احتدام الصراع بين اليهود والعرب في فلسطين حين كانت خاضعة للانتداب البريطاني. كان اليهود يبحثون عن وطن قومي بعد فرارهم من الاضطهاد في أوروبا واستندوا في ذلك إلى روابط توارتية بهذه البقعة من الأرض.
وفي عام 1947، وافقت الأمم المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية وأخرى يهودية مع خضوع القدس لإدارة دولية. وقبل زعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 بالمئة من الأرض، ورفضتها الجامعة العربية.
ثم أُعلنت دولة إسرائيل في 14 مايو أيار 1948. وبعد يوم واحد، هاجمتها خمس دول عربية. وانتهت الحرب بسيطرة إسرائيل على 77 بالمئة من الأراضي.
وفر نحو 700 ألف فلسطيني أو طُردوا من ديارهم، وانتهى بهم المطاف في الأردن ولبنان وسوريا وأيضا في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وفي حرب 1967، استولت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وعلى غزة من مصر لتحقق سيطرتها على كل الأراضي من البحر المتوسط إلى غور الأردن.
وما زال الفلسطينيون بلا دولة، ويعيش معظمهم تحت الاحتلال الإسرائيلي أو كلاجئين في الدول المجاورة. ويحمل بعضهم الجنسية الإسرائيلية. ومعظم هؤلاء من نسل الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد قيامها.
* هل أُبرمت صفقة من قبل؟
كان حل الدولتين حجر الأساس لعملية السلام المدعومة من الولايات المتحدة التي دشنتها اتفاقات أوسلو عام 1993 والتي وقعها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.
وأدت الاتفاقات إلى اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف وإنشاء سلطة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكان الفلسطينيون يراودهم الأمل في أن تصبح هذه خطوة نحو إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
واصطدمت العملية بالرفض وأعمال عنف على كلا الجانبين.
ونفذت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي عارضت العملية هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل العشرات.
واغتيل رابين عام 1995 على يد قومي إسرائيلي متطرف معارض لسياساته السلمية.
وفي عام 2000، جمع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في كامب ديفيد للتوصل إلى اتفاق، لكن جهود كلينتون باءت بالفشل.
وكان مصير القدس التي تصفها إسرائيل بأنها عاصمتها “الأبدية وغير القابلة للتقسيم” هو الصخرة الكبرى أمام جهود السلام. وتناولت المحادثات أيضا حدود الدولة الفلسطينية ومصير اللاجئين الفلسطينيين واليهود الذين استقروا في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في 1967.
وتصاعد الصراع مع بدء الانتفاضة الثانية. وسعت الإدارات الأمريكية إلى إحياء عملية السلام، لكن دون جدوى.
من يدعم دولة فلسطينية ذات سيادة؟
يعني قرار أيرلندا وإسبانيا والنرويج أن 146 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بفلسطين كدولة ذات سيادة. ومعظم بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا تعترف بها، بينما لا تعترف بها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والعديد من دول أوروبا الغربية.
وفي الوقت الحالي تدعم تسع دول في الاتحاد الأوروبي هذه الخطوة، ومع ذلك فإن معظم هذه الدول، مثل رومانيا وبولندا والمجر، كانت تنتمي إلى الكتلة الشرقية عندما اضطرت إلى اتخاذ القرار في عام 1988 تحت ضغط من الاتحاد السوفياتي.
وفي عام 2014، أصبحت السويد أوّل دولة في أوروبا الغربية تعترف بفلسطين، مما أثار خلافا دبلوماسيا غريبا. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أفيغدور ليبرمان: “على الحكومة السويدية أن تفهم أن العلاقات في الشرق الأوسط أكثر تعقيدا من قطعة أثاث من أثاث إيكيا (شركة الأثاث السويدية العملاقة) التي تم تجميعها ذاتيا، ويجب التعامل مع الأمر بمسؤولية وحساسية”. وردت نظيرته السويدية مارغوت والستروم بالقول: “سأكون سعيدة بإرسال قطعة أثاث مسطّحة من إيكيا لتجميعها”. مضيفة: “سيرى أن الأمر يتطلب شريكا متعاونا ودليلا جيّدا”.
كيف كان رد فعل وسائل الإعلام السويسرية؟
انقسمت ردود فعل الصحف السويسرية. وقالت صحيفة تاغس أنتسايغر في افتتاحيتها يوم الخميس: “إن الاعتراف بدولة فلسطين هو الموقف الصحيح الذي يجب القيام به. إنه لا يمثّل هجوما على إسرائيل، بل خطوة نحو الحل”.
وترى هذه الصحيفة الناطقة بالألمانية أن “الاعتراف المعلن بالدولة الفلسطينية من قبل النرويج وأيرلندا وإسبانيا خطوة مدروسة بشكل جيّد وقد أثارت ضجة كبيرة. لكنها ليست خطوة تاريخية، كما يدّعي المعسكر الفلسطيني الآن، ولا هي مدعاة للهستيريا التي تظهرها الحكومة الإسرائيلية باستدعاء السفراء وإصدارها للتحذيرات والوعيد . فليس لهذه الخطوة أي عواقب عملية لأن دولة فلسطين ليست موجودة فعليا. ومع ذلك فالخطوة مهمة وصحيحة”.
وسلطت تاغس أنتسايغر الضوء على الأرقام لتخلص إلى أن 15 مليون شخص يعيشون بين البحر الأبيض المتوسّط ونهر الأردن، نصفهم من الفلسطينيين ونصفهم الآخر تقريبا من اليهود ، و”لن يتمكّن أي من الطرفيْن من تهجير أو طرد الطرف الآخر. ولكن حتى الآن، اليهود فقط هم من لديهم دولتهم الخاصة، بينما يعيش غالبية الفلسطينيين تحت نير الاحتلال. وهذا ما سيؤدي إلى جولات جديدة من الصراع أكثر من أي وقت مضى”.
وتخلص الصحيفة إلى أنه “على الرغم من كل المشاكل العملية، لايزال حل الدولتيْن هو أفضل طريقة لتقسيم عادل للأرض. وقد أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا عزمها على تعزيز ذلك من خلال الاعتراف بدولة فلسطين. قد تبدو هذه الخطوة ساذجة من منظور الواقعية السياسية، لكنها خطوة مدفوعة بنية نبيلة ومفهومة”.
المزيد
سويسرا تتمسّك بحلّ الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
لكن صحيفة “نوية تسورخر تسايتونغ” ترى أن الضغط الأحادي الجانب لن يفعل سوى إضفاء الشرعية على مقاومة نتنياهو على الصعيد المحلّي وإعطاء الفلسطينيين “الذين لا يزال الكثير منهم يحلمون بزوال إسرائيل” إشارة خاطئة بأنهم فعلوا ما يكفي. وخلصت الصحيفة إلى أنه “لايزال يتعيّن على كلا الجانبين اتخاذ خطوات كبيرة وشبه مستحيلة لتهيئة الظروف لتعايش آمن وسلمي في دولتيْن”.
ما الشكل الذي يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية الموعودة؟
يتصوّر دعاة حل الدولتيْن قيام دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ويربط بينهما ممر عبر الاراضي الإسرائيلية.
وقبل عقديْن من الزمن تم وضع تفاصيل عن كيفية إنجاز ذلك في مخطط وضعه مفاوضون إسرائيليون وفلسطينيون سابقون تحت زخم أكاديمي سويسري. وتشتمل تلك الخطة المعروفة باسم مبادرة جنيف (اتفاق جنيف) الاعتراف بالأحياء اليهودية في القدس كعاصمة لإسرائيل والاعتراف بالأحياء العربية في نفس المدينة كعاصمة لفلسطين، ودولة منزوعة السلاح.
في نفس الوقت، تقوم إسرائيل بضم المستوطنات الكبرى، والتنازل عن أراض أخرى خلال عملية تبادل، وإعادة توطين المستوطنين اليهود في الأراضي الخاضعة للسيادة الفلسطينية خارجها.
ومع ذلك، خلص تقييم أجرته سويسرا للمبادرة في عام 2020 إلى أنها أصبحت أقل فاعلية بسبب نقص الدعم السياسي من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وفي عام 2022، قررت وزارة الخارجية السويسرية سحب دعمها المالي للمبادرة بحلول نهاية عام 2023.
المزيد
سويسرا تتخلى عن مبادرة سلام في الشرق الأوسط، ولكن ما البديل؟
هل يوجد طريق للمضي قدما؟
السؤال الحارق الآن هو مصير غزّة. تسعى إسرائيل إلى القضاء على حماس، وتقول إنها لن توافق على أي اتفاق يبقي الحركة في السلطة. وأكّد رئيس وزراء إسرائيل على أن غزة يجب أن تكون منزوعة السلاح وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة. وأوضح أيضا إنه لا يريد أن تحكم إسرائيل القطاع أو تعيد انشاء مستوطنات هناك.
أما حماس فإنها تتوقّع الصمود أمام الهجوم الإسرائيلي وأوضحت قيادتها أن أي ترتيبات لغزة تقوم على استثنائها هي مجرد أوهام.
وكما كتبت صحيفة تاغس أنتسايغر يوم الخميس: “على المدى الطويل، لا يمكن للدولة اليهودية أن تعيش في سلام وأمن إلا إذا توصلت إلى تسوية مع جيرانها. وبمبادرتهم هذه، لا يمكن للنرويج وإسبانيا وأيرلندا أن تقدم أكثر أو أقل من قوة دفع جديدة في هذا الاتجاه”.
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي
مراجعة: أمل المكي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.