مذكّرة داخلية لوزارة الخارجية السويسرية تحذّر من عواقب قطع إمدادات الأونروا
وفقاً لمذكرة داخلية أعدّتها إحدى إدارات وزارة الخارجية السويسرية، فإن قطع إمدادات الأونروا عن غزة، قد يجعل من سويسرا عرضة لاتهامات بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
قد تتعرّض سويسرا، في حال قطعت مساعداتها عن وكالة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في الشرق الأدنى) ( UNRWA)، للملاحقة القانونية بتهمة التواطؤ، في أفعال قد تُعتبر جرائم إبادة جماعية، خاصة وقد تم الشروع فعلياً باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، أمام محكمة العدل الدولية (ICJ).
ولم يُطرح هذا التقييم الصادر عن وزارة الخارجية السويسرية، الذي اطلعت عليه قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية (RTS) ،رابط خارجي للنقاش بعد. لكنه يُعد عنصراً أساسياً في النقاش الجاري داخل البرلمان السويسري حول تمويل الأونروا.
الوثيقة التي اطلعت عليها وحدة التحقيقات في قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية، أعدتها إدارة القانون الدولي العام في وزارة الخارجية السويسرية في شهر فبراير الماضي. وجاءت بعد أيام قليلة من تبني محكمة العدل الدولية تدابير احترازية ضد إسرائيل، على خلفية شكوى قدمتها دولة جنوب إفريقيا، تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في قطاع غزة.
المزيد
سويسرا قلقة بشأن تداعيات القوانين الإسرائيلية على الأونروا
وفي هذه المذكرة، يُقيّم محامو وزارة الخارجية ومحامياتها العواقب المحتملة على سويسرا إذا قررت وقف تمويل وكالة الأونروا. وفي هذا السياق، يقول فيليب كورّا، المحامي المتخصص في القانون الجنائي الدولي، لقناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية: “إن إحدى جرائم الإبادة الجماعية تكمن في إخضاع مجموعة مستهدفة لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها كلياً أو جزئياً”. ويضيف قائلاً: “بمجرد أن تتوقف سويسرا عن تمويل الأونروا، فإن ذلك يؤثر مباشرة في الظروف المعيشية للسكان المدنيين، مما قد يجعل منها شريكة في ارتكاب فعل من أفعال الإبادة الجماعية “.
التزامات سويسرا
ويقول خبراء الشؤون القانونية بوزارة الخارجية السويسرية وخبيراتها في الوثيقة، إن “اتخاذ تدابير عاجلة لتحسين الوضع الإنساني يُعتبَر مسألة ملحة لمنع خطر الإبادة الجماعية”. ويوضح الخبراء والخبيرات أن “المادة الأولى من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تلزم جميع الدول الموقعة، بما فيها سويسرا، ببذل كل ما بوسعها لمنع حدوث الإبادة الجماعية. وينطبق هذا الالتزام، في هذه الحالة، على توفير المساعدات الإنسانية بالدرجة الأولى، وليس فقط على منع إمدادات السلاح”.
كما يحذر معدّو الوثيقة ومعدّاتها من العواقب الخطيرة المحتملة لقطع التمويل عن وكالة الأونروا، مع التأكيد على أن “قرار سويسرا بوقف التمويل قد يُعتبر إخلالاً بالتزاماتها باتخاذ إجراءات احترازية واستباقية لتجنب أي ظروف قد تؤدي إلى إبادة جماعية، وبالتالي انتهاكاً للاتفاقية”.
من جهته، يصرّح فرانز بيريز، رئيس إدارة القانون الدولي العام، في مقابلة له مع قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية، أنه يمتلك جميع الحجج القانونية اللازمة للرد على أي شكوى محتملة تتعلق بتبعات قرار سويسرا بقطع التمويل عن وكالة الأونروا، وهو القرار الذي قد يُفسر على أنه انتهاك لالتزاماتها الدولية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ما هي هذه الحجج التي يتحدث؟ لم يحدد السفير بيريز ذلك، لكنه أكد أن هذا كان ”تقييمًا مؤقتًا. بالطبع، لقد أخذنا تحليلنا إلى أبعد من ذلك. ولكن المهم هو أن التحليل واستنتاجاته لم تتغير. وفي الوقت الحاضر، نحن نحافظ على نفس المواقف الواردة في الوثيقة“. وأضاف الاستنتاج اليوم هو واضح للغاية: إذا أوقفت سويسرا دعمها للأونروا، فإن هذا لن يكون انتهاكًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها“.
البرلمان آخر من يعلم
وأبدى نيكولا فالدر، نائب رئيس حزب الخضر وعضو لجنة السياسة الخارجية في البرلمان، استغرابه لعدم إطلاعه على هذه الوثيقة. ففي 17 أبريل، قدّم مقترحاً طالب فيه الحكومة بتقييم المخاطر المحتملة على سويسرا، في حال توقفت عن تقديم التمويل للأونروا.
وفي حديثه لقناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية ، يقول فالدر: “لم تُذكر هذه الوثيقة من قبل الحكومة الفدرالية، ولم تطّلع عليها لجنتنا. ولم يُثر أبداً أي نقاش حول المخاطر التي تتحدث عنها هذه المذكرة، والتي قد تؤدي إلى اتهام سويسرا بعدم اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع الإبادة الجماعية، رغم أنني طلبت مراراً توضيحات حول هذا الأمر”.
سويسرا تخفض مساهمتها
وفي 9 سبتمبر، وافق مجلس النواب السويسري على مقترح تقدم به حزب الشعب السويسري اليميني، يطالب بتعليق المساهمات المقدمة للأونروا، متهماً الوكالة بالتواطؤ مع حركة حماس. ومن جانبه، يرى النائب بيير-أندريه باجي، من حزب الشعب، أن مذكرة وزارة الخارجية السويسرية لا تقدّم ما يكفي من الأدلة أو المبررات لتغيير الموقف الحالي تجاه الأونروا، فيقول: “لا نملك دليلاً على أن الأونروا لا تموّل حركة حماس، وإلى أن يتوفر هذا الدليل، لدينا قناعة بضرورة تعليق هذا التمويل، ولكننا سنواصل تمويل جمعيات إنسانية أخرى لدعم السكان المتضررين من الحرب”.
الجدير بالذكر أن سويسرا عادت لاستئناف دعمها للأونروا، بعد تعليق مؤقت لهذه المساهمات، لكن خفّضت مخصصات عام 2024 إلى النصف، من 20 مليون فرنك سويسري إلى 10 ملايين. أما مساهمة عام 2025، فتخضع لموافقة البرلمان على إقرارها، حيث أصبحت الكرة الآن في ملعب مجلس الشيوخ. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن الحكومة توصي أعضاء البرلمان بعدم إقرار قطع تمويل الأونروا. ومن جهة أخرى، تواصلت قناة الإذاعة والتلفزيون العمومية السويسرية الناطقة بالفرنسية، مع وزارة الخارجية السويسرية لمعرفة سبب عدم إدراج مذكرة خبرائها القانونيين، ضمن الحجج والمبررات التي قدمتها الحكومة أمام البرلمان، لكن الوزارة لم تقدم إجابتها حتى الآن.
* تم تحيين هذه المادة يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2024.
ترجمة: جيلان ندا
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.